قل ولا تقل / الحلقة الثانية عشرة

قل: استُهتِرَ فلان بالدنيا واستُهتِرَ بالخمر واستُهتِرَ الزاهدُ بعبادة الله واستُهتِرَ غيره بالنساء فالأول مُستهتَرٌ بالدنيا والثاني مُستهتَرٌ بالخمر والثالث مٌستهتَرٌ  بعبادة الله والرابع مُستهتَرٌ بالنساء ومعنى أستُهتِرَ بها وبهن أنهم أولعوا بهن إيلاعاً كثيراً وأحبوهن حباً جماً تجاوز المعقول المقبول.

ولا تقل: إستَهتَرَ فلان ولا فلان مُستهتِرٌ

لأنه من الأفعال المبنية للمجهول المجهول فاعلوها. جاء في لسان العرب “وفي الحديث: سبق المُفْرِدُونَ؛ …… قال: والمُفْرِدُونَ يجوز أَن يكون عني بهم المُتَفَرِّدُونَ المُتَخَلُّونَ لذكر الله، والمُسْتَهْتَرُونَ المُولَعُونَ بالذكر والتسبيح.
وجاء في حديث آخر: هم الذين اسْتُهْتِرُوا بذكر الله أَي أُولِعُوا به. يقال: اسْتُهْتِرَ بأَمر كذا وكذا أَي أُولِعَ به لا يتحدّثُ بغيره ولا يفعلُ غيرَه.” وقال قبل ذلك: “وأَما الاسْتِهْتارُ فهو الوُلوعُ بالشيء والإِفراط فيه حتى كأَنه أُهْتِرَ أَي خَرِفَ.” ثم قال: ” وفلان مُسْتَهْتَرٌ بالشراب أَي مُولَعٌ به لا يبالي ما قيل فيه.”  ثم قال: “واسْتُهْتِرَ فلان (بالشيء) فهو مُسْتَهْتَرٌ إِذا ذهب عقله فيه وانصرفت هِمَمُه إِليه”.

فاستعمال “استُهتر ذو المجرور” للذم المطلق غير صحيح. فإذا قيل “فلان مستهتر” فقط انصرف القول الى الذم، ففي كتاب “الفائق” للزمخشري “قال ابن عمر (رضي الله تعالى عنهما): أعوذ بك أن أكون من المستهترين”، قال الزمخشري: هم السقاط الذين لا يبالون ما قيل لهم وما شُتموا به…. يقال: أستُهتر فلان إذا ذهب عقله بالشيء وانصرفت همته اليه حتى أكثر القول فيه وأولع به، أراد (ابن عمر) المستهترين بالدنيا. (م ج)

قل: الهُويَّة

ولا تقل: الهَويَّة

فالهُوَيَّة مأخوذة من “هُو” والهاء فيها مضمومة لا مفتوحة، إنهم اشتقوا “الهُوَيَّة” من “هو” كما اشتقوا “الماهيّة” من “ماهو” والكمية من “كم” والكيفية من “كيف” والمعية من “مع” و الآنية من “إن” و الأنوية والأنانية من “انا”. (م ج)

قل:  أزْمة سياسية

ولا تقل: أزَمَة ولا أزمَّة

فأما الأزمة فهي ساكنة الزاي في لغة العرب ولم يرد لها وجه آخر، وإذا جمعتها جمع مؤنث سالماً قلت “أزَمات” تفتح الزاي بعد أن كانت في المفرد ساكنة وذلك لأنها من الأسماء وليست من الصفات، وكذلك أشباهها كالمصدر، فكل اسم على وزن “فعْلة” وكل مصدر على وزن “فعْلة” مثل “أزمة وتمرة وحملة وثروة” وليس كل منهما بمضعف مثل “بطَة” و “مدَة” ولا معتل العين مثل “ثورة” فيجمع على “فَعَلات” تقول “أزَمات وتَمَرات و حَمَلات وثَرَوات”.

أما المضعف مثل “بطَة” و “مدَة” والمعتل العين فيبقيان على أحوالهما تقول “بطَات ومدَات وثورات”.

وأما الصفة على وزن “فعْلة” فتبقى على حالها في الجمع تقول “حفلة ضخمة” و “حَفَلات ضخْمات” فالحفلة أجريتها على سبيلها وفتحت الفاء لأنها اسم منقول من المصدر وأما “ضخمات” فقد أبقيت المفرد “ضخمة” على حاله ساكن الخاء وحذفت التاء. وتقول على هذا القياس “حفلة فخمة” و “حفَلات فخْمات” و امرأة برزة اي تحادث الرجال و “نساء بَرْزات” و “سفرة سهلة” و “سَفَرات سهْلات” و “فتاة شهمة”  و “فتَيات شهْمات”. (م ج)

 قل: مصير الأمة ومصاير الأمم ومكايد السياسة ومكينة ومكاين ومصيدة ومصايد

ولا تقل: مصائر الأمم ومكائد الأمم ولا مكائن ومصائد

وذلك لأن الياء في المصير والمكيدة والمكينة والمصيدة أصلية لا مجتلبة أي أنها من أصول أحرف الكلمة لا زائدة ولا مزيدة. فالمصير مأخوذ من الفعل “صار يصير” وفيه الياء أصلية، والمكيدة مشتقة من الفعل “كاد يكيد” والمكينة ياؤها اصلية لأنها أعجمية والمصيدة من “صاد يصيد” ومثلها المضيق من “ضاق يضيق”، وياؤه اصلية فجمعه مضايق ومثله مشيخة فالياء الأصلية تبقى ياءً في الجمع ولا تقلب همزة. فيقال “مصير مصاير، ومكيدة ومكايد، ومشيخة ومشايخ، ومسيل ومسايل، وكذلك الأمر في الألف المنقلبة عن الواو نحو “المجاز والمدار والمعاد والمراض” فإنها تجمع على “المجاوز والمداور والمعاود والمراوض” بالمحافظة على الواو الأصلية التي قلبت في المفرد ألفاً. فالمجاوز من جاز يجوز والمداور من دار يدور والمعاود من عاد يعود والمراوض من راض يروض. ولم يشذ من كلمات الواو وهي ألوف إلا مصائب لأنها اصاب يصيب، والثلاثي صاب يصوب. وإعلال الواو في الرباعي وابدالها ياءً هو الذي سهل أن يقال “مصائب”. ومنهم من يقول أيضاً “مصاوب” على القياس. وإلا منائر جمع منارة  ومنهم من يقول “المناور” على الأصل. واختلفوا في المدائن والصحيح أنها مشتقة من الفعل “مدن في المكان” اي أقام به. فالمدينة ياؤها على هذا القول زائدة والياء الزائدة  تقلب همزة كصحيفة وصحائف وكذلك الألف الزائدة تقلب همزة كحمالة حمائل وكذلك الواو الزائدة كركوبة وركائب وعجوز وعجائز.

فقل إذن مصاير الأمم ومكايد السياسة ومشايخ العرب ومكاين الزراعة  بالياء واترك الهمزة فإنه غلط. (م ج)

قل: فعلت هذا الأمر لمسيس الحاجة أو لمَسِّها

ولا تقل: فعلت هذا الأمر لمساس الحاجة

وكان ابراهيم اليازجي قد نبه لهذا الخطأ الشائغ حين كتب في (لغة الجرائد):

“ويقولون فعلت كذا لمساس الحاجة اليه والصواب لمس الحاجة أو لمسيسها. وأماالمساس فهو مصدر ماسه على فاعل مثل القتال من قاتل”.(إ ي)

ثم توسع خالد العبري في الشرح فكتب:

مما شاع على السنة العرب كذلك قولهم: “فعلت ذلك لمِساسِ الحاجة اليه” وقولهم “فعلت ذلك لمَساسِ الحاجة اليه”، وفي كلتا العبارتين خطأٌ بين، والصواب: “فعلت ذلك لِمَسيسِ الحاجة اليه أو لأني في مسيس الحاجة اليه”. أو “فعلت ذلك لمِسِّ الحاجة اليه” أو “فعلت ذلك لأن الحاجة ماسَّةٌ اليه” أو “فعلت ذلك لأني في أمَسِّ الحاجة اليه” فكل ذلك صوابٌ.

أما خطأ الأولى “مِساس” فلأنها من مَاسّ يُماسُّ مِساسَاً ومُماسَّة أي فاعل يُفاعل فِعالاً ومُفاعَلَةً كقاتل يُقاتِلُ قِتالاً و مُقاتلَةً، وهي من أفعال المشاركة، ومعلوم أن أفعال المشاركة تقتضي وجود فاعلين، وفي عباراتهم لم يرد إلا فاعلٌ واحدٌ، تأمل قول الله تعالى: “قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مِسَاسَ” أي لا أَمَسُّ ولا أُمَسُّ، فعُلِم بذلك أنهم في عبارتهم لا يُريدون المشاركة.

وأمَا خطأ الثانية “مَساس” كقَطامِ فلأن معناها: لا تَمَسَّ، وقد قُرئ بها في قراءة شاذّةِ: “أن تقول لا مَسَاس”، يقول الفيروزأبادي في القاموس: “ولا مَسَاسِ كقَطَامِ أي: لا تَمَسَّ وبه قُرئ، وقد يُقال: مَسَاسِ في الأمر: كدَراكِ و نَزالِ، وذكر ابن منظورمثله في اللسان، فلا معنى إذن أن يقال: “فعلت ذلك لِمَساسِ الحاجة اليه”.

أمّا الأولى الصائبة (مسيس الحاجة) أي شديدها، ومسيس مصدر مَسَّ تقول: مّسِستُهُ و مَسَستُهُ – بالكسر والفتح – والكسر افصح – أمَسَّه وفي لغة أمُسُّه – والفتح أفصح – مَسَّا ومَسيساً.

وأمّا الثانية الصائبة (مَسٌّ) فمصدر مَسَّ وقد مرّت، يقول تعالى “ذوقوا مسّ سقر”. (خ ع)

قل: قطع الحبل إرْباً إرْبا

ولا تقل: قطع الحبل إرَبَاً إرَبَاً

وليس ذلك بصواب إنما يقال قطعت الذبيحة إرْباً إرْباَ بكسر الهمزة وسكون الراء أي إرْباً فارْبا ومعنى الإرب العضو فهو خاص بما له أعضاء ولا يجوز استعماله للحبل وأمثالهما. وأما الإرَب بفتحتين فمعناه الحاجة.(إ ي)

واضاف خالد العبري ما يلي على شرح اليازجي:

….فبعضنا ينطقها “إرَبَاً” والصواب تسكينها. فإن الإرَبً – محركة – تعني: الدهاء، وأمَا الإرْبُ – ساكنة – فتعني: العضو، وتجمع على آرابٍ وأرْآب ومنها حديث الرسول (ص) “إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهُه وكَفّاهُ ورُكبتاهُ وقَدَماهُ”.

ويقول ابن منظور في اللسان: “والإرْب: العضو المُوّفر الكامل الذي لم ينقُص منه شيءٌ، ويقال لكل عضوٍ إرْبٌ، يقال: قَطَّعتهُ إرْبَاً إرْبَاً أي عُضواً عُضواً” ويقول في الأرَبِ: :وأرُبَ الرجل يأرَبُ إرَبَاً مثال صَغُرَ يَصغُرُ صِغَرَاً وأرابةً أيضاً بالفتح إذا صار ذا دَهْيٍ، وقال أبو العيال الهذلي يرثي عبيد بن زهرة – وفي التهذيب يمدح رجلاً – :

يَلُفُّ طَوائفَ الأعداء وهوبِلَفِّهم أرِبُ (خ ع)

قل: الباب مفتوح وهو باب واحد

ولا تقل: الباب مفتوحة والباب واحدة

وذلك لأن الباب مذكر في اللغة العربية الفصيحة ولم يرد تأنيثه إلا في العصور الأخيرة في لغة أهل بغداد وما حولها. أما أهل الموصل وعدة قبائل عربية عراقية فيذكرون الباب على الوجه الفصيح. والباب مذكر في أقدم النصوص العربية المضرية. قال تعالى: “فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب” على اعتبار أن الباطن من الباب.  وقال تعالى: “وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة”. وقال عز من قائل: “ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون….”. وقال تعالى: “حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد إذا هم مبلسون”. ولم نجد تأنيث الباب في كتاب من كتب اللغة الخاصة، فتأنيثه عامي لا يجوز الأخذ به ولا القياس عليه ولا استناد اليه. (م ج)

قل: هادئة على وَفق شروط

ولا تقل: هادئة وفق شروط

وقولهم “وفق شروط” خطأ والصواب عند فصحاء الأمة “على وفق شروط” أي على حسب شروطها. قال عمر بن أبي ربيعة:

فما جئتنا إلا على وفق موعد                   على ملأ منا خرجنا له معا

وقال العماد الأصفهاني الكاتب البليغ المشهور: “وجاء على وَفق الآمال إقتراحه وختم باليمن والإقبال رواحه”.

وقال ابن المنير الإسكندري في الإنتصاف: “فإذا أجيبوا على وَفق مقترحهم فلم ينجع فيهم كانوا حينئذ على غاية من الرسوخ في العناد المناسب لعدم النظرة”.

وجاء في أخبار شعر الزنج الشاعر “فأومأنا اليه القيام على الوَفق الذي كان بيننا فوثب وهو  يبكي”.

وقال ابن الحاجب متأثراً بالفصحاء: “ويجوز أن يأتي قبل المخصوص أو بعده مميز أو حال على وَفق مخصوصه”.

وجاء في أخبار الوزير كمال الملك السميرمي “قال أنو شروان: فشرع الوزير في المصادرات وسمى ديوانها ديوان المفردات ، قال عماد الدين: ولم يكن كما ذكر، ولا على وَفق ما أنكر.”

وجاء في المصباح المنير “وقد استعمل الفقهاء الشك في الحالين على وَفق اللغة نحو قولهم: من شك في الطلاق ومن شك في الصلاة”.
أما إستعمال “الوَفق” بغير حرف جر فله موضع آخر ومعنى آخر، يقال “كسب فلان وَفق عياله”، أي قدر كفايتهم فيه. و”هذا المقدار من المال وفق لكثرة حاجتهم”. وقال سويد بن كراع العكلي:

وإن كان ناراً فهي نار بملتقى                  من الريح تشبيهاً وتصفقها صفقا

لأم علي أوقدتها طماعة                                     لأوبة سفر أن تكون لهم وفقا

ويقع هذا الغلط في عبارات أخرى كقولهم “ألف هذا الكتاب وفقاً لمنهج الوزارة” و “حكم على المجرم فلان بكذا وكذا وفقاً للمادة المذكورة”. والصواب “على وَفق منهج الوزارة وعلى وَفق المادة”. ومصداق  الصحة في استعمال “الوَفق” المجرورة بعلى هو أن يجيء بمعنى “على حسب كذا وكذا” واستعمال غير المجرور أن يأتي بمعنى “قَدْر ومقدار”. (م ج)

قل: إن مماثلة ثقافة الغرب قد بلغت بعدد من الناس حد التبعية

ولا تقل: إن التماهي مع ثقافة الغرب قد بلغ ببعض الناس حدّ التبعية

فقد شاع بين عدد من الكتاب في القرن العشرين إستعمال لفظة “التماهى” وبعض الأفعال المشتقة منها مثل “تماهى”  مما لم يرد في العربية ليس لعجز عند العرب بل لعلة فلسفية كما سأحاول أن أبين لاحقاً.

ويبدو أن أول من أدخل هذه اللفظة للعربية هم عدد من دارسي علم النفس في الغرب والذين درسوا سيغموند فرويد وتأثروا به كما هو حال أغلب العرب الذين درسوا علم النفس. وحين عجزوا عن فهم الأصل فقد اضحوا يفكرون بلغة معلمهم وهذه هي سنة الغلبة والقهر التي أوجدها رب العزة في هذا الكون العجيب. وحين فكروا بلغة معلمهم فإنهم في الغالب لم يقدروا على نقل الفكرة بلسان عربي مبين. فترجموا وأكثر من ترجموا لا علم لهم بالعربية فجاؤا بغريب الإشتقاق ومغلوطه أحياناً. ثم أخذ بعض المتأدبين هذه اللفظة فاستعملوها في النقد والأدب ظناً منهم أنهم يحسنون صنعاً

فما معنى هذه الكلمة وما هو المعنى العربي الصحيح والفصيح المرجو من الأصل اللاتيني؟

فقد كتب سليمان أبو عيسى مقالاً قصيراً تحت عنوان “معنى كلمة التماهي وأصلها اللغوي” فقال إن علماء النفس يعرفون التماهي على أنه:

“سَيْرُورَة سيكولوجية في بناء الشخصية، تبدأ من المحاكاة اللاشعورية، وتتلاحق بالتمثيل ثم الاجتياف (الاستدخال أو التَّقَمُّص) للنموذج”.

وأستميح القارئ الكريم عذراً أن محدودية فهمي للعربية لم تسعفني في فهم هذا التعريف الملتف على نفسه.

ثم حاول الكاتب بعد ذلك أن يرجع كلمة التماهي لأصل عربي حين عجز أن يجد لها جذراً أو ذكراً في أي من المعجمات العربية القديمة بل وحتى الحديثة منها. فاعتمد “أماه” ومعناها في تاج العروس في شرح القاموس فلم يكن أكثر توفيقاً من شرحه الأول للكلمة. فليست هنالك أية علاقة بين الجذر العربي وبين كلمة “التماهي” موضع البحث.

ويبدو لي ان كلمة “التماهي” تم اشتقاقها من كلمة “الماهية” وهي مصطلح فلسفي استعمله فلاسفة العرب حين درسوا الفلسفة اليونانية. ولا غبار على استعمال كلمة “الماهية” حيث إنه اشتقاق عربي سليم فقد ولدت كلمة “الماهية” عن كلمة “ماهو” كما ولدت “الهوية” عن “هو” و “الأنانية” عن “انا”.

وقد يسأل سائل إذا كنت لا تعترض على إشتقاق “الماهية ” من “ماهو” فلماذا إذن تعترض على إشتقاق “التماهي” من الماهية. وهو سؤال مشروع ومقبول. فلست ممن يدعو لجمود اللغة بل على العكس ذلك أني أعتقد أن من عبقرية اللغة العربية أنها لغة إشتقاقية وان روعتها تمكنها من إيجاد كلمة لكل جديد ينتج عن تطور أو إكتشاف أو حاجة. فقد عرف الفلاسفة العرب “الماهية” على أنها ” ما به الشّيء هو هو”. فهي أقرب ما تكون لجوهر الشيء وإن كان الفصل بينهما مهماً لعدد من الفلاسفة فقد بين الفارابي أن كل جوهر له ماهية ولكن ليس كل ماهية بجوهر.  وسواء أكانت الماهية جوهر الشيء أم أختلفت عنه قليلاً فإن ما يعنينا هنا هي أنها حقيقة الشيء وجوهره. وهذا هو السبب الذي منع ابن سينا والفارابي وكل من خاض في الموضوع الفلسلفي أن يستعمل الفعل “ماهى” أو “يماهي” للتعبير عن هذا التماثل أو التداخل وذلك “لإستحالة إمتزاج جوهرين”. فالذي يقول بالتماهي أو أن شيئاً يماهي شيئاً آخر فإنما يقول بجواز تداخل جوهرين وهذا ممتنع. وهذه هي علة عدم استعمال فلاسفة العرب الأولين لهذا الفعل أو للمصدر. فلو أنهم اعتقدوا بجواز ذلك لما ترددوا في ذلك  الاشتقاق. وقد يعذر كتاب القرن العشرين العرب إذا لم يحيطوا أو يدركوا حقيقة فلسفية كهذه فذلك مبلغهم من العلم لكن حبذا لو لم يكتبوا فيما يجهلون ويشوهوا اللغة ويفسدوا عقول الناس وأذواقهم!

وحسبنا في اللغة العربية ما يغني عن إشتقاق لا يجوز لعلة فلسفية. ذلك لأن ترجمة المصطلح اللاتيني الذي ذكره الكاتب (Identification)  نجدها في الجذر العربي (مثل) فقد جاء في مقاييس اللغة لأبن فارس قوله:

“الميم والثاء واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على مناظرَة الشّيءِ للشيء”

وذكر ابن منظور في لسان العرب تحت باب “مثل”:

“مِثل: كلمةُ تَسْوِيَةٍ. يقال: هذا مِثْله ومَثَله كما يقال شِبْهه وشَبَهُه بمعنى؛ قال ابن بري: الفرق بين المُماثَلة والمُساواة أَن المُساواة تكون بين المختلِفين في الجِنْس والمتَّفقين، لأَن التَّساوِي هو التكافُؤُ في المِقْدار لا يزيد ولا ينقُص، وأَما المُماثَلة فلا تكون إِلا في المتفقين، تقول: نحوُه كنحوِه وفقهُه كفقهِه ولونُه كلونِه وطعمُه كطعمِه، فإِذا قيل: هو مِثْلة على الإِطلاق فمعناه أَنه يسدُّ مسدَّه، وإِذا قيل: هو مِثْلُه في كذا فهو مُساوٍ له في جهةٍ دون جهةٍ”.

وهكذا يتضح أن العربية الثرية أغنتنا في “المماثلة” العربية الأصيلة عن “التماهي” الدخيلة والتي لاجذر لها.

فقل: مماثلة

ولا تقل: تماهي (ع ع)

 وللحديث صلة….

عبد الحق العاني

21 أيلول 2013

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image