شكراً للصهيونية – أسقطت سايكس بيكو وبعثت الحرب الباردة!

إسقاط سايكس- بيكو

نوشك أن نقترب من الذكرى المائة لإتفاقية سايكس- بيكو التي قسمت المشرق العربي كما شاء الإستعمار الصهيوني..وذلك حين اتفقت بريطانيا وفرنسا على رسم الحدود التي تلائم مصالحهما وتؤمن أطول هيمنة على المنطقة، بشكل لاعلاقة له بالواقع التأريخي أو الجغرافي للمنطقة، بل وربما بتعمد محسوب من أجل تأمين إعتماد الأطراف الناتجة عن ذلك التقسيم على الصهيونية من أجل الديمومة…

وهكذا كان الإبقاء على فلسطين تحت الوصاية البريطانية خلاف بلاد الشام التي أعطيت للفرنسيين من أجل تأمين الوطن الموعود لليهود حيث إن عاصمة الصهيوينة كانت وما زالت في لندن وليست في واشنطن كما يظن بعض قصيري النظر…. فتحقق في خلق دولة إسراائيل أكثر من هدف، وليس أقلها التخلص من عقدة الذنب الأوربي تجاه اليهود وخلق المانع الطبيعي بين مصر والشام لقتل الأمل في وحدة الأمة العربية!

وهكذا انتزع لبنان من بلاد الشام ليكون وطناً مزعوماً للنصارى بينما كان الهدف منه إبقاء الهيمنة الفرنسية على ساحل بلاد الشام من خلال إبتزاز النصارى العرب بخطر إسلامي مزعوم، فما أن ولد ذلك الخطر الإسلامي حقاُ في صورة “القاعدة” حتى نكص الصهاينة على أعقابهم وتركوا نصارى الشام في معلولا وجرمانا وكسب ضحايا…. وادَّعوا ان ذلك كان من جرائم البعث العلماني الخاطئ!

وكذلك إقتطع ساحل العراق التأريخي في جنوب البصرة وخلقت منه مشيخة بائسة منعت العراق من حقه الطبيعي في منفذ على البحر وقادت تلك المشكلة لما يعرفه الجميع من خراب العراق وتقسيمه وتسليمه للخونة واللصوص!

وأتبعت معاهدة سايكس بيكو ترتيبات عديدة في جزيرة العرب، وشمال أفريقيا مما مهد فرض الهيمنة الصهيونية على كل أرض العرب حتى أمسينا اليوم نعيش في العصر الذهبي لإنتصار الصهيونية والذي لم تكن تحلم حتى هي في ساعات نشوتها بتحققه بهذه السرعة والذهول العربي المفرط وهو يعيش نشوة “ربيعه” الصهيوني المشؤوم!

فجاؤوا باقوام من الأعراب وأسكنوهم عنوة في محطات للنفط ما لبثت أن توسعت وجعلت دولاً وأعلاماً وممالك وإمارات، ثم ما لبث هؤلاء أن صدقوا تلك الكذبة حتى أصبحوا يتحدثون عن تراث إماراتي وتأريخ قطري ووثائق كويتية في “الأرشيف” البريطاني، وحسبوا أن كل الناس مثلهم أميين لم يقرؤا ولن يقرؤا وإن شراء ذمم عدد من الكتاب والإعلاميين العرب التافهين سيكون كافياً لسد عين الشمس بغربال!

ذلك لأن الأمم لا تصنعها محطات النفط ولا قنوات التلفاز ولا صحف بائسة المحتوى أعجمية اللغة تصدر في لندن ويساهم فيها خليط من العضاريط والخونة وبائعي الدم والضمير، كما وصفهم بدر شاكر السياب. ولا يصنعها تأريح مختلق مبني على قلعة هنا أو أسطورة من هناك… فالتأريخ يصنعه أهل الأرض التي عاشوا عليها في بلاد الهلال الخصيب، كما أصطلح على تسميته، منذ آلاف آلاف السنين وتراكم لديهم تأريخ وتراث ولغة وحروب ومشاعر مشتركة…. فهناك مجتمع دمشقي وهناك مجتمع بصري وهناك مجتمع حلبي وهناك مجتمع بغدادي كما يعرف كل مراقب وكل منها له هويته وصفاته وملامحه وآهاته… فهل هناك مجتمع كويتي أو مجتمع قطري أو مجتمع إماراتي؟ وما هي صفات تلك المجتمعات؟

فجزيرة العرب لم يوجد فيها منذ الأكديين سوى ثلاثة تجمعات سكنية تكون لها تراث وإتصال بحضارة الهلال الخصيب بشكل أو بآخر وهي مجتمع يمني ومجتمع عماني ومجتمع حجازي وكل ما دون ذلك فهو صنيعة صهيونية ستزول، كمفهوم سياسي وليس بشرياً، تماماً  كما قامت!

وعانى المشروع القومي العربي الذي تمثل بشكل متميز في الحركة الناصرية والبعث كثيراً من نظرية عدم جواز التعرض للحدود التي وضعتها سايكس – بيكو. لقد قررت الصهيونية وفرضت حقيقة على الأرض مفادها أن تلك الحدود التي رسمت في أعقاب الحرب العالمية الأولى كانت وتبقى مقدسة. فما أن قامت وحدة مصر وسورية عام 1958 حتى أجهضت، وحتى وحدة المملكتين في ألعراق والأردن لم تكن لترضي الصهيونية فسرعان ما  وئدت. وما أن استعاد العراق شاطئه الطبيعي على البحر حتى إستعمل ذلك سبباً ومسوغاً لخراب العراق وهدمه… وهكذا ظل شبح سايكس بيكو المهيمن على المنطقة والمتحكم في سياساتها… ولم يستطع المشروع القومي العربي تخطي ذلك ولم يستطع إقناع أحد ببطلان تلك الحدود وبحق الأمة في كسرها ورسم ما تشاء من حدود إذا رأت في وضع الحدود في أرض العرب من حكمة!

لكن العوامل الفاعلة في التأريخ والتي قد تبدو سلبية تكون أحياناً إيجابية. فحين كان المشروع القومي يعاني من قيود سايكس بيكو المفروضة عليه فإنه كان في الوقت نفسه يثبت للصهاينة أن مشروعهم لم يعد ينفع وان عليهم تغييره.. وهكذا ولدت القناعة بفشل مشروع الدولة الوطنية التي عول عليها الصهاينة في خلق نظم سياسية موالية وتابعة لهم ضمن حدود رسموها هم وزعموا أن لها هويات وطنية… أي ان المشروع القومي ساهم من حيث لا يدري في إبطال سايكس – بيكو.

فقد وجد الصهاينة أن البديل لمشروع الدولة الوطنية هو مشروع دول الطوائف المذهبية.. فبدؤا بخلق العمود الفقري للمشروع الجديد في تأسيس تنظيم “القاعدة” والذي أنشؤوه ودربوه ومولوه من مال نفط العرب وزعموا أنه أقيم ليقاوم “الشيوعيين الكفار”، ذلك لأن الصهاينة مؤمنون كما يعرف كل الجهلة المسلمين… وسرعان ما أصبح التنظيم ساحراً  للمسلمين وأعرف عدداً من المتعلمين العرب (ولست معنياً بغير العرب من المسملمين فهم غرباء على ديننا) من الذين عاشوا ودرسوا في دول أوربا وأمريكا كانوا يتعاطفون مع القاعدة والتي لا يمكن في أفضل حال أن تمثل في فكرها إلا العودة للعصر ما قبل الحجري من الفكر البشري!

تلك كانت بداية الإلغاء العلني لسايكس بيكو حين قرر الصهاينة جواز إنتقال العربي ليقاتل في بلد آخر خارج حدود الدولة الوطنية المزعومة.. ذلك لأن الصهيونية كانت تغذي في تلك الفترة وتحت مشروع مواز للدولة القومية حركات دينية تتجاوز حدود الدولة الوطنية مثل الوهابية والإخوان المسلمين وحزب التحرير، وهي جميعاً أحزاب أممية بالمعنى اللغوي للكلمة ولا تعترف بحدود جغرافية. وكان دعم الصهيونية لتلك الحركات أداة للضغط على نظام الدولة الوطنية التي أخترعوها ضمن معادلة لإقامة توازن يحفظ مصالحها في كل حال.

ثم كان غزو وإحتلال العراق والذي سيظل يشكل الحدث الأكبر في تأريخ الأمة العربية منذ الحرب العالمية الأولى فهو أكبر وأخطر حتى من ضياع فلسطين لأن قضية فلسطين يفهمها كل عربي بل كل إنسان أما غزو العراق فقد نجحت الصهيونة في تصويره لكثير من الناس بما فيهم العراقيين على أنه إنقاذ شعب “ذي مظلومية” من قبضة جبار ظالم، بينما هو بداية إبتلاع الأمة العربية في العصر الذهبي للصهيونية.

فأطلقوا الخريف الصهيوني وسموه ظلماً بالربيع العربي… وجاؤوا بمجاهيل من الناس وأسسوا حركات جديدة في شمال أفريقيا والعراق وسورية وأطلقوا لهم العنان ومدوهم بالمال والسلاح وسخروا لهم كل الإعلام الصهيوني… فإذا بالمسلمين يدبون من مشارق الأرض ومغاربها كأنهم إلى نصب يوفضون، وكأن صاحب الزمان قد ظهر يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا…واصبحنا نسمع أن آلافاً يبايعون أبا مصعب الزرقاوي وآلافاً يبايعون أبا بكر البغدادي وآلافاً يبايعون ابا محمد الجولاني، وكلها أسماء مستعارة لنكرات من الناس.. ولم نسمع ثورة من المؤسسة الدينية تعترض على جواز بيعة من لا يعرفه الناس، فكيف يمكن بيعة مجهول؟ كيف يمكن لرجل عراقي نكرة من مدينة سامراء لم يكتب ورقة واحدة في حياته ولم يعلن عن فكرة واحدة ولم يعرفه ولم يسمع به أحد أن يدخله الأمريكيون السجن ثم يخرج لكي يؤسس “الدولة الإسلامية في العراق والشام” ويبايعه آلاف الناس دون أن يلتقوه؟ لكني ما ألبث أن أتذكر قوله تعالى: “ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون ان هم الا كالانعام بل هم اضل سبيلا”!

إن ما حدث خلال الأعوام العشرة الماضية هو أن الصهيونية ألغت الحدود حين أطلقت للحركات السلفية حرية الحركة عبر الحدود.. وهذا ما يوجب على المشروع القومي أن يتبعه في حقه في تجاوز حدود سايكس بيكو.. إن الدعوة للقومي هي أن يعد ويجاهر بأن معركة سورية والعرق ولبنان وفلسطين معركة واحدة وأن يكون هذا مقبولاً ومشروعاً تماماً كما ترتضي الصهيونية أن يكون للسلفيين الحق في التحرك في أرض العرب دون إعتبار لحدود جغرافية أو سياسية… فلا يسأل حزب الله عن المشاركة في الدفاع عن مشروعه في سورية ولا يسأل العراقي القومي، إن وجد اليوم، إذا قاتل في فلسطين أو سورية…

إن قبول الصهيونية في إلغاء سايكس بيكو وقبول إنتهاء عصر الدولة الوطنية في أرضنا قد أدركه حتى الأعراب. فها هم آل سعود يعربون عن أطماعهم في ضم قطر لهم فعبروا عن ذلك بحجة رفضهم لسياستها المؤيدة للإخوان المسلمين! ثم انتقلت هذه العدوى بين الأعراب حتى أن ضاحي بن خلفان، رئيس شرطة دبي، صرح مؤخرا بأن قطر يجب أن تعود للإمارات لأنها كانت جزءً منها في السابق..

لا ياضاحي.. فقطر جزء من لا شيء ودبي جزء من لا شيء وأنتم جميعاً جزء من لا شيء… أربعون عاماً مضت وأنتم تضخون النفط كما يضخ الماء من باطن الأرض وتأكلون وتشربون وتنكحون وما زلتم يدير أموركم الأمريكيون والإنكليز ويهندس مشاريعكم الهنود ويترافع في محاكمكم المصريون ويقود سياراتكم الباشتون ويديم خدماتكم الآسيويون..ويملؤ فنادقكم بغايا الأرض..  وأنتم لا تفعلون شيئاً وكأنكم متفرجون في مسرح اللامعقول!

فشكراً للصهيونية حين ألغت سايكس بيكو وكفتنا مشقة إثبات بطلان المشروع من أجل أن يتحرك المشروع القومي على أساس عدم الإعتراف بالحدود التي رسمتها الصهيونية.

بعث الحرب الباردة

إعترض علي عدد من الأصدقاء حين كتبت مقالي الأخير “مرحباً بالحرب الباردة” وقالوا إنها سحابة ستعبر وتعود الأمور بين روسيا والصهيونية العالمية لما كانت عليه، معددين لذلك أسباباً… ولم تكن تلك الأسباب غائبة عني حين كتبت بل إنني اليوم وبعد إسبوعين أكثر قناعة بأن الحرب الباردة بدأت وسوف تزداد حدة.

ولن أعيد ما سبق وكتبته عن العداء التأريخي الأوربي لروسيا والذي لا علاقة له بالشيوعية الكافرة كما قيل، فروسيا اليوم أكثر نصرانية من أي مكان في أوربا لكن التخوف والعداء ما زال على أشده… ولن أعيد أسباب بداية الحرب الباردة فهي معروفة لكني سأتحدث عن الأسباب الخفية لها وما يعد لتوسيعها وما الهدف.

إن المشروع الصهيوني المتمثل في برنامج المحافظين الجدد (Neocons) ، والذي شعر أن سقوط الإتحاد السوفيتي أعطاه المجال للتنفيذ، قائم على الهيمنة على العالم بهيمنة النظام الرأسمالي الذي تحكمه الصهيونية العالمية من خلال إمتلاكها لمصارف العالم الرئيسة وتحكمها بالدولار النفطي…ومن أجل تحقيق هذا المشروع لا بد من تحقيق العديد من الحلقات هنا وهناك… فكان تفكيك الإتحاد السوفيتي واللعب على الشعور بالضعف والذل من قبل شعوب بعض جمهورياته السابقة مثل دول البلطيق… وكانت بداية الهيمنة الكاملة على أرض العرب التي بدأت بغزو العراق ثم “الخريف الصهيوني” الذي خرب وما زال يخرب ما بقي من أرض العرب مما يؤمن ليس فقط السيطرة التامة على خزين النفط والغاز لكنه يؤمن كذلك منع روسيا من الوصول للمياه الدافئة كما ظلت تحلم لقرنين.

ثم إنتقلوا بمساعدة “الرتل الخامس” داخل روسيا والذي عملوا على تغذيته خلال الحرب الباردة الأولى بربط روسيا بعجلة الرأسمال الصهيوني، كما تمكنوا من وزارة الخارجية الروسية بشكل خاص حيث لديهم فيها اليوم أكبر عدد من المتعاطفين مع الصهيونية من اية مؤسسة أخرى في روسيا …لقد كان عملاً منظماً ودؤباً لإختراق روسيا وجعلها معتمدة بالكامل على الإقتصاد الرأسمالي كما فعلوا مع الصين التي قد يبدو للبعض أنها نجحت في إمتلاكها أكبر خزين من الدولار في حين أن ذلك هو موضع ضعفها لأنها اصبحت اسيرة له مما يمنعها من إمكانية التصدي لأي مشروع صهيوني في العالم خشية تعرض اقتصادها لهزة كبيرة إذا ما تعرض خزينها من إحتياط الدولار للخلل.

لكن الشعب الروسي شعب عريق وصلب وممانع.. قد لا يكون عدونياً كعدوانية الصهيونية لكنه ليس سهل الركوب… فحين بدأت بشائر محاولته للخروج من القيد الصهيوني عليه وذلك من خلال إعادته لهيكلة القوات المسلحة وتسليحها بآخر ما أنتجه العقل الروسي المبدع من تقنية لا يعرف عنها العرب إلا القليل باشرت الصهيونية في محاولة لإحتواء روسيا عسكرياً، فنصبت الدرع الصاروخي في بولندة بحجة أنه موجه ضد إيران وكأن كل أهل الأرض كغباوة الشعب الأمريكي الذي لا يعرف حتى جغرافية أرضه.

ولم تكتف بذلك فدخلت في خاصرة روسيا في أوكرانيا فكان ذلك لعباً بالنار…

وقد يصعب على القارئ العربي الذي لا يعرف كثيراً عن تأريخ المنطقة ونشأة الشعب الروسي وتأريخه وكيف كان الوضع قبل قرون وكيف نشأت اللغة الروسية وماذا تعني كييف لروسيا وكيف وكيف.. يصعب على القارئ العربي أن يفهم أهمية أوكرانيا للشعب الروسي والعلاقة التأريخية للشعبين. وهذا الجهل قد يقود إلى عدم القدرة على فهم ما فعلته وقد تفعله روسيا في أوكرانيا… فالقضية ليست قضية حق شعب في تقرير مصيره في القرم على سبيل المثال وإن كان ذلك حقاً ولا شك… لكنها أبعد بكثير من ذلك. فوصول الصهيونية عسكريا إلى أوكرانيا، كما أريد للمشروع أن يحققه في دخولها لحلف الأطلسي، يعني أن موسكو أصبحت في خط النار، وقد يكون من الأسلم للروس أن يسلموا مفاتيح موسكو للصهيونية ويسكتوا…وقد يقول قائل إن من حق أوكرانيا أن تختار إذا شاءت المشاركة في حلف الأطلسي والجواب هو: كلا لا يحق لها ذلك.. والسبب هو أن دخول الأحلاف العدوانية ليس حقاً ديموقراطياً تزاوله الدول لأن الأساس هو عدم قيام أحلاف عسكرية في العالم فلماذا تحتاج دولة أن تدخل في حزب عدواني قام في الأساس من أجل الغزو والعدوان وكان تأريخه كله مبنياً على ذلك ولعل خراب صربيا الأوربية خير دليل على ذلك، دون أن تشكل في دخولها في ذلك الحلف تهددياً لأمن وسلم جيرانها مما ينفي عنها ذلك الحق. ألم تفعل الولايات المتحدة ذلك حين أوشكت أن تدخل حرباً نووية عام 1961 بسبب وضع السوفيت صواريخ في كوبا؟

لقد أفشل الروس بحنكة متميزة الحلقة الأولى من المخطط حين إغتنموا لحظة غباوة إرتكب فيها الفاشيون الصهاينة حماقة كبرى في الإنقلاب فضموا القرم لهم باسم حق تقرير المصير والإجراء الديموقراطي.

لكن الأمر لم ينته ولن يتوقف عند ذلك…. فالتصعيد الذي يأتي من الولايات المتحدة ، وهي الأداة في المشروع الصهيوني العالمي، والذي يتسارع كل يوم حتى أنه شمل التعاون في الفضاء…هذا إلى جانب تجاوز الإتفاقيات حول وجودهم في البحر الأسود وتعزيز القوات في دول البلطيق ووقف التعاون بين الأطلسي وروسيا وفرض العقوبات على الشركات وكثير غيره. هذا التصعيد هو تهيئة لما سيأتي من مواجهة أعنف.

ذلك لأن المشروع السياسي في أوكرانيا سوف يفشل… فالصهيونية التي قامت بانقلابها في كييف لن تتخلى عن ذلك المكسب الذي جعل من إدعاء الصهيونية أنها داعمة للديموقراطية أضحوكة. كما أن الروس لن يسمحوا بقيام نظام قومي متعصب مبني على كره للروس تغذيه جذور تأريخية ويدعمه الغرب الصهيوني في رغبته لإحتواء روسيا. فهو وإن نفى اليوم أنه سيلتحق بحلف الأطلسي إلا أنه سيفعل ذلك غداً كما حدث في التوسع الأخير في تسعينات القرن الماضي لحلف الأطلسي رغم التأكيد على عدم النية في حصوله. إن إستحالة الإتفاق سوف يقود لأزمة قد ينتج عنها دماء إذا ما تعرض روس أوكرانيا لإضطهاد، والذي تشير المؤشرات اليوم إلى إحتماله في ظل الشعور المتطرف السائد في سلوك وأذهان ساسة أوكرانيا …. ولا أدري ما إذا كان هؤلاء الساسة يعيشون في أحلام لا أرضية لها أم أنهم موعودون بدعم مطلق إذا ما استمروا في سياستهم غير العقلانية… فإذا لم يكونوا قد وعدوا دعماً مطلقاً من الصهيونية فهم لا بد أن يكونوا حفنة من أغبى الأغبياء الذي تصدوا للسياسة…. ذلك لأن روسيا لن تقبل بأقل من رسم جغرافيا سياسية جديدة في أوكرانيا يكون للروسي فيها حق النقض لأي قرار يتخذه الأوكرانيون مما يحفظ أمن روسيا من أي إحتمال لضم أوكرانيا للحلف الأوربي الصهيوني.

وحيث إن الموضوع هو في تطور مستمر فقد لا يكون الإستطراد فيه مجدياً…

لكنه يجب الإشارة لمستجد في الحدث ألا وهو تصريح شركة  النفط الروسية عن إستعدادها للتعامل بالروبل في بيع نفطها وغازها… فإذا فعلت ذلك فإنه لا عودة في الحرب الباردة أبداً لأن التعامل بالروبل سيشكل بداية النهاية لهيمنة دولار النفط على الإقتصاد العالمي… إن هذا مؤشر على رغبة روسية حقيقية سبق أن دعوت لها في كسر القيد الصهيوني من خلال إيجاد إقتصاد رأسمالي غير مرتبط بالدولار…فإذا حدث هذا فإن هيمنة مشروع واحد على العالم قد تختفي لأمد طويل..

ويومها يفرح المؤمنون…

مرة ثانية اقول: مرحباً بالحرب الباردة!

عبد الحق العاني

4 نيسان 2014

This Post Has One Comment

  1. امير المدمنين

    وجهة نظر جديرة بالتأمل, مع انني لااشارك الكاتب تفاؤله بايجابية تفتت الدولة الوطنية وعودة الحرب الباردة.
    الدولة القومية من وجهة نظري تبنى على اساس الدولة الوطنية وليس على خرابها. أي انها خطوة تالية ومكملة للدولة الوطنية (الاتحاد الاوربي, امريكا والاتحاد السوفيتي امثلة على ذلك). المشروع القومي فقد الاساس الذي كان بامكانه ان يبني فوقه دولته الموعودة. المشروع القومي المناهض لدول سايكس بيكو الوطنية لايمكن تأسيسه على خراب وفوضى الدولة الوطنية, بل كان عليه الانطلاق منها والتأسيس عليها. ما نشهده اليوم ليس خطوة الى الامام باتجاه الغاء الحدود المصطنعة, بل خراب وفوضى لن تؤدي إلا الى حدود اكثر تعقيدا واعمق تقسيما.
    العلة لاتكمن في الحدود التي حتى عهد قريب لم تكن تعني شيئا للمواطن العربي ولم تتمكن يوما من ان تصبح جزءا من تفكيره وفلسفته. العلة تكمن في تحويل تلك الحدود من حدود جغرافية غير مقنعة الى حدود دينية/ طائفية/عرقية حقيقية. فالحدود بين جنوب العراق وشمال الجزيرة التي كانت غير مقنعة وغير واقعية, باتت اليوم حدودا بين طائفتين متقاتلتين, حدود شيعية سنية, حدود دينية ايديولوجية إلهية/سماوية حقيقية. وكذلك الحدود بين غزة ومصر وبين لبنان وسوريا. بل ان هذه الحدود باتت واضحة حتى داخل البلد الواحد.
    المشروع القومي بات في مواجهة تحد اكبر بكثير مما كان يواجهه في زمن دول سايكس بيكو. عليه الآن العودة بالمواطن العربي الى المربع الاول, الى دولة المواطنة (حدود سايكس بيكو) التي تتخطى العصبيات الدينية والقبلية ليؤسس بعدها الدولة القومية التي تتخطى المواطنة. اي ان المشروع القومي قد مني بهزيمة كبيرة وبات في وضع محبط يدفع الى اليأس. ولا ادري من اين استقى الكاتب تفاؤله في هذا الخراب الكبير.

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image