قل ولا تقل / الحلقة الخامسة والخمسون

إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (م ج)

 

قل: زودّه زاداً وكتاباً وشيئاً آخر وتزوّد هو زاداً وكتاباً وشيئاً آخر

ولا تقل: زوّده بزاد وبكتاب وبشيء، ولا تزوّد هو بها

وكتب مصطفى جواد: “وذلك لأن الأصل في استعمال “زوّد وتزوّد” أن يكونا مقصورين على الزاد أي على الأصل الذي اشتقا منه، فكانت العرب إذا قال القائل منهم “زوّدوه” علم من “أعطوه زاداً” ثم تطورت اللغة من الحقيقة الى المجاز واختلفت الأزودة فوجب تمييز نوع الزاد فقيل: زوّده شيئاً وتزوّد هو شيئاً بنص الإسمين في الجملتين. والدليل على ما قلت هو منقول اللغة، قال الجوهري في الصحاح: “الزاد: طعامٌ يتخذ للسفر. تقول: زَوَّدْتُ الرجل فَتَزَوَّدَ.” ولم يزد على ذلك.

وقال الزمخشري في أساس البلاغة: “ومن المجاز…زودته كتاباً الى فلان وتزوّد من الأمير كتاباً الى عامله وتزوّد مني طعنة بين أذنيه وسمة فاضحة بين عينيه”.

وأما ما جاء في لسان العرب وهو قوله: “وتَزَوَّد: اتخذ زاداً، وزوَّده بالزاد وأَزاده” فقد أدخل الباء على الزاد في جملة زوده مع أنه خاص بالشعر، ويؤكد ذلك قوله بعد ذلك “وزوَّدت فلاناً الزاد تزويداً فتزوَّده تَزَوُّداً”. وقوله في سمن “سمّنهم تسميناً: زوّدهم السّمن”، ومن الشعراء من استعمل الفصيح أيضاً وهو القائل:

لا ألفيك بعد الموت تندبني       وفي حياتي ما زوّدتني زادي”

قل: عندي كُوزُ صُفرٍ

ولا تقل: عندي كوزُ صِفرٍ

كتب الكسائي: “وتقول عندي كُوُزُ صُفْرٍ بضم الصاد. قال النابغة:

كأنَّ شَواظَهُنَّ بجانبيهِ            نُحاسُ الصُّفْرِ تضربه القُيُونُ

والصِّفْرُ بكسر الصاد الخالي من كل شيء. قال الشاعر:

وإن بتُّ صِفْرَ الكفِّ والبَطنِ طاوِيَا

وقال حاتم طيء:

ترى أنَّ ما قَدَّمتُ لم يكُ ضَرَّني        وأنَّ يدي مِمَّا بَخِلتُ به صِفْرُ” إنتهى

(شرح الكلمات: الشُّواظُ، كغُرابٍ وكِتابٍ: لَهَبٌ لادُخانَ فيه، أو دُخانُ النارِ وحَرُّها. والنحاس : الدخان الذي لا لهب فيه. القَيْنُ: الحَدَّادُ، وقيل: كل صانع قَيْنٌ، والجمع أَقْيانٌ وقُيُونٌ.)

قل: هي الأنمَلَةُ (بفتح الميم)

ولا تقل: هي الأنمُلَةُ (بضم الميم)

وكتب إبن قتيبة: “هي الأنمَلَةُ واحدة الأنامل بفتح الميم”.إنتهى

وجاء في لسان العرب:

“والأَنْمُلة، بالفتح …. والانملة بتثليث الميم والهمزة تسع لغات التي فيها الظفر، الجمع أنامل وأنملات): المَفْصِل الأَعْلى الذي فيه الظفر من الإِصبع، والجمع أَنامِل وأَنمُلات، وهي رؤوس الأَصابع، وهو أَحد ما كسِّر وسَلِم بالتاء؛ قال ابن سيده: وإِنما قلت هذا لأَنهم قد يستغنون بالتكسير عن جمع السلامة وبجمع السلامة عن التكسير، وربما جمع الشيء بالوجهين جميعاً كنحو بُوَانٍ وبُون وبُونات؛ هذا كله قول سيبويه.”

قل: لم يتزحزح عن موقفه قِيدَ أُنملة

ولا تقل: لم يتزحزح عن موقفه قَيدَ أُنملة

وكتب عبد الهادي بوطالب: يقال : “لم يتزحزح عن موقفه قِيدَ أُنملة أو قِيد شعرة ؟ بمعنى مقدار. والكلمة بهذا المعنى مكسورة القاف.أما القَيْد بفتح القاف فهو ما تُربَط به دابة من حبل ونحوه، أو ما يوضع على يد المجرم من رباط حديدي لإمساكه والحيلولة بينه وبين الإفلات. فلا ينبغي الخلط. لكن الشائع هو نطق الكلمة خطأ بفتح القاف.” إنتهى

وكتب ابن منظور في اللسان:

“في حديث الصلاة: حين مالت الشمسُ قِيدَ الشِّراكِ؛ الشراك أَحدُ سُيُور النعل التي على وجهها، وأَراد بِقِيدِ الشِّراكِ الوقت الذي لا يجوز لأَحد أَن يَتَقَدَّمه في صلاة الظهر، يعني فوق ظل الزوال فقدّره بالشراك لدقته وهو أَقل ما تَبِينُ به زيادة الظل حتى يعرف منه ميل الشمس عن وسط السماء؛ وفي الحديث رواية أُخرى: حتى ترتفع الشمس قِيدَ رُمح.
وفي الحديث: لَقابُ قَوْسِ أَحدِكم من الجنةِ أَو قِيدُ سَوْطِه خيرٌ من الدنيا وما فيها.”

وجاء في القاموس: “والقِيدُ، بالكسرِ: القَدْرُ.”

قل: على وجهه طُلَاوة (بضم الطاء)

ولا تقل: على وجهه طَلاوة (بفتح الطاء)

وكتب إبن السكيت: “وتقول: على وجهه طُلَاوة (بضم الطاء)، والعامة تقول: طَلَاوَةُ (بفتح الطاء)”. إنتهى

وخالف آخرون ابن السكيت فيما ذهب اليه. فقد أجاز الجوهري الوجهين فكتب في الصحاح:

“والطُلاوَة والطَلاوَةُ: الحسن والقبول. يقال: ما عليه طُلاوَةٌ.”

أما ابن منظور فقد رجح قول ابن السكيت فكتب في اللسان:

“الطَّلاوة والطُّلاوة الحُسْنُ والبَهْجَةُ والقَبولُ في النَّامي وغير النامي، .. وعلى كلامِهِ طُلاوةٌ على المَثَل، ويجوز طَلاوةٌ. ويقال ما على وجْهه حَلاوةٌ ولا طَلاوةٌ، وما عليه طُلاوةٌ، والضم اللغةُ الجيِّدة، وهو الأَفْصَح.
وقال ابن الأَعرابي: ما على كلامه طَلاوةٌ وحَلاوة، بالفتح، قال: ولا أَقول طُلاوة بالضم إِلا للشيءِ يُطْلى به، وقال أَبو عمرو: طَلاوة وطُلاوة وطِلاوة.”

وكتب اليازجي:”ويقولون هذا كلام طلي وهو أطلى من كلام فلان أي كلام ذو طلاوة وهو أكثر طلاوة من كلام فلان ولم ترد صفة من هذا الحرف فيما نقلوه”.

قل: إن جمع لجام هو لُجُم

ولا تقل: إن جمع لجام هو ألْجُم

كتب الزبيدي: “يقولون لجمع اللجام “ألْجْم” وذاك خطأ والصواب “لُجُم”، قال النابغة:

خَيْلٌ صِيامٌ وخَيلٌ غيرُ صائِمَةٍ       تحتَ العَجَاجِ وَخَيْلٌ تعِلِكُ اللُّجُما

ولا يكون أفعل جمعاً لفعال، وما كان على زِنَتِهِ إلا أن يكون مؤنثاً مثل “لسان” و “ألسُن” فيمن أنث اللسان، و “عُقاب” و”أعقُب”.

فأمّا “أفعِلَة” فإنما تأتي جمعاً للمذكر في أدنى العدد مثل “حمار وأحمرة” و “إزار وآزِرة” و “لسان وألسِنَة” فيمن ذكر اللسان.

ومن هذا الباب ما لا يأتي له جمع على أدنى العدد مثل “كتاب وكُتُب” و “لِجام ولُجُم”، ولم يقولوا “أكتبة” ولا “ألجمة”. وكان القياس لو قيل، وقد روى بعضهم “ألجمة”.

قل: هذا العنب ما زال حِصْرِما

ولا تقل: هذا العنب ما زال حَصْرَما

كتب الزبيدي: “ويقولون لما لم ينضج من الفواكه “حَصْرَم” والصواب “حِصْرِم” وأصل الحصرمة الشِّدّة، يقال: حَصْرَم قوسَه إذا شَدَّها وحَصْرَم حَبْلَه إذا أحكم فَتْلَه، ورجل حِصْرِمٌ إذا كان بخيلاً، والتمرة التي لم تنضج حِصْرِمة أي شديدة، وأنشد يعقوب:

فَلَن تَجديني في المَعِيشَة عاجِزَاً       ولا حِصْرِمَاً خَبَّاً شديداً و كائِيا” إنتهى

(شرح الكلمات: الخَبُّ والخِبُّ: الرجل الخدَّاع الجُرْبُزُ. رَجُلٌ كَيْءٌ وكَيْئَةٌ وكاءٌ وكاءَةٌ -مثالُ كَيْعٍ وكَيْعَةٍ وكاعٍ وكاعَةٍ-: ضَعيفٌ جَبان.)

قل: كَلِفتُ بالشيء

ولا تقل: كَلَفتُ بالشيء

وكتب الضبي في باب ما جاء من الأفعال بالكسر والعامّة تغلط فيه: “(فقل) كَلِفتُ بالشيء. ولا تقل: كَلَفْتُ.” إنتهى

وكتب ابن فارس في مقاييس اللغة: ” الكاف واللام والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على إيلاعٍ بالشيء وتعلُّقٍ به. من ذلك الكَلَف، تقول: قد كَلِف بالأمر يَكْلَفُ كَلَفاً. ويقولون “لا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفاً، ولا بُغْضُكَ تَلَفاً. ما يُتَكلَّفُ من نائبةٍ أو حقٍّ. والمتكلِّف العِرِّيض لما لا يَعنيه. قال الله سبحانه: قُلْ لا أسْأَلُكُمْ علَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ.”

قل: يقاتِلكم فِئامُ الرُّومِ

ولا تقل: يقاتِلكم فَيَّامُ الرُّومِ

كتب البستي: “ومن هذا قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: “يقاتِلكم فِئامُ الرُّومِ”. يريد جماعات الروم، مهموزٌ بكسر الفاءِ، وأصحابُ الحديثِ يقولونَ: فيّام الرومِ، مفتوحة الفاء مشدَّدَة الياء، وهو غَلَطٌ، وإنّما هو الفِئامُ، مهموزٌ. قالَ الشاعرُ: كأنَّ مواضِعُ الرَّبَلاتِ منها فِئامٌ ينظرونَ إلى فِئامِ.”

قل: الماءُ الذي تَلَغُ فيه الكِلابُ

ولا تقل: الماءُ الذي تَلِغُ فيه الكِلابُ

وكتب المقدسي: “ويقولون: الماءُ الذي تَلِغُ فيه الكِلابُ، بكسرِ اللام. وصوابُهُ، تَلَغُ، بفتح اللام.” إنتهى

وجاء في الصحاح: ” وَلَغَ الكلب في الإناء يَلِغُ وُلوغاً، أي شرب ما فيه بأطراف لسانه.”

وأيد ابن منظور المقدسي في هذا فنقل عن اللحياني قوله: “يقالوَلَغَ الكلب وَوَلِغَ يَلِغُ في اللغتين معاً، ومن العرب من يقول وَلِغَ يَوْلَغُ مثلُ وجِلَ يَوْجَلُ.” غير أن كلا من الفيروزابادي وابن فارس أجازا قول ” وَلَغَ يَلَغُ”.

قل: لم يفعل كذا، بَلْ فَعَل كذا

ولا تقل: لم يفعل كذا، بَلْهَ فَعَل كذا

وكتب عبد الهادي بوطالب: “يشيع هذا التعبير الخاطئ في لغة الإعلام فيقال لم يفعل كذا، بَلْهَ فَعَل كذا. والصواب استعمال بَلْ.
أما بَلْهَ فهي اسم فعل أمرٍ بمعنى دَعْ، واتْرُكْ. وهي تجر الاسم بعدها. ويقال : “تتشابك العروبة والإسلام في نفوس بعض المفكرين، بَلْهَ جمهورِ (بكسر الراء) العرب المسلمين : أي أنهما يتداخلان في نظر المثقفين، دَعْكَ عن الجمهور، فإنهما عندهأكثر تشابكا وتداخلا.”

قل: هو معفى من كذا

ولا تقل: هو معاف من كذا

وكتب اليازجي: “ويقولون هو معاف من كذا إذا اسقطت عنه كلفته ومقتضاه أنه يقال “أعافاه” من الأمر ولا وجود لهذا الحرف في اللغة وإنما هو تحريف “أعفاه” من الشيء فهو “معفى”. ومن غريب الإتفاق في هذا ما جاء في شرح الشريشي لمقامات الحريري عند قوله:

ولو تعافيتها لحالت         حالي ولم أحو ما حويت

قال تعافيتها تكارهتها وهي تفاعلت من “عفت” الشيء أعافه عيافاً أي كرهته. ا. ه. وعجيب من الشريشي أن يجوز عليه مثل هذا الوهم وكيف يكون “تعافت” من “عفت” وهو من معتل اللام وهذا من الأجوف. وإلا لكن اللفظ “تعايفت” لا “تعافيت” كما هو ظاهر. والأشبه أن الحريري أراد بقوله “تعافيتها” “تجاوزتها” وكأنه أخذ هذا اللفظ من عبارةالحديث: “تعافوا الحدود فيما بينكم” أي تجاوزوا عنها ولا ترفعوها إلي كما في النهاية وفي ذلك ما فيه.”

قل: أجرى عملية استبدال صِمَامِ القلب

ولا تقل: أجرى عملية استبدال صَمَّامِ القلب

وجاء في ملحق مفردات أوهام الخواص : “ويقولون للفتحة التي تصل بين الأذين والبطين داخل القلب، والتي تنظم عملية مرور الدم في الأوردة والشرايين بانسدادها تلقائيا منعا لعودة الدم في الاتجاه المعاكس، صَمَّامَ القلب (بفتح الصاد وتضعيف الميم) فيخطئون، والصواب أن يقال صِمَامَ (بخفض الصاد ومنع التضعيف) لأن هذا اللفظ هو من الفعل الثلاثي: صَمَّ رأس القارورة، يَصمّه صَمَّاً، أي سده وجعل له صِمَامَاً، أي سداداً. والصِّمَامُ هو ما أدخل في فم القارورة.

أما الصَّمامُ فهو صيغة المبالغة للرجل الكثير التصميم، وهو من الفعل الرباعي: صَمَّمَ على الأمر، أي ذهب منه على رأيه ومضى، ونظيره في صفة المبالغة، عَلاّم وقَتّال وجَرّار، ومنه قول حميد:

وحصحص في صم الحصى ثفناته ** وناء بسلمى نوأة ثم صَمَّمَا

وقد أكثر المحدثون من استخدام هذا اللفظ لكل فتحة تمنع الانفجار كتلك التي تزود بها (قدور) الضغط، والتي تسمح بمرور بخار الماء منها أثناء الغليان منعا للإنفجار.

ومن المجاز استخدام هذا اللفظ كمانع لوقوع الحرب، ومنه قول الشاعر:

يقولون لي: غامرت في كل محنة ** وأنت على العلات أقسى وأقدر
فإن كان صمام الأمان رجوته ** وإن كان تضليلا تعود فتنظر
ويأتي هذا اللفظ بالسين (سمام وسم وسم) بدل الصاد.

وسمام كل شيء وسمه وسمه، هو خرقه وثقبه، ومنه سم الخياط في قوله تعالى: “حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط” أي فتحة الإبرة.

وسمة المرأة: ثقبة فرجها. وفي حديث الوطء: فأتوا حرثكم أنى شئتم سماما واحدا. أي من مكان واحد، وهو الفرج. وروي صماما واحدا، وكلاهما بمعنى. ومنها مسام الجلد: أي ثقبه التي يبرز منها العرق.” إنتهى

(شرح الكلمات: الثَّفِنةُ من البعير والناقة: الرُّكْبة وما مَسَّ الأَرضَ من كِرْكِرتِه وسَعْداناتِه وأُصول أَفخاذه، وفي الصحاح: هو ما يقع على الأَرض من أَعضائه إذا استناخ وغلُظ كالرُّكْبَتين وغيرهما، وقيل: هو كل ما وَلِيَ الأَرض من كل ذي أَربعٍ إذا بَرَك أَو رَبَض، والجمع ثَفِنٌ وثَفِناتٌ.”

وكتب المقدسي: “ولا يفْرُقُ بَعْضُهم بَيْن عِفاصِ القارورةِ و صِمامِها. وعِفاصُها: الجلدُ الذي يُلْبَسُ رأسَها. وصِمامُها: الذي يدخلُ في فَمِها. والوِكاءُ: هو الخَيْطُ الذي تُشَدُّ بِهِ القِربةُ وغيرُها.”

وفوق كل ذي علم عليم!

وللحديث صلة….

عبد الحق العاني

14 آب 2015

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image