قل ولا تقل / الحلقة الحادية والسبعون

إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (م ج)

 

قل: مشيت حتي أعييت

ولا تقل: مشيت حتى عييت

ونأخذ مما كتب ثعلب في باب “فعلت” و “أفعلت” باختلاف المعنى ما يلي: “تقول شرَقَت الشمس إذا طلعت، وأشرَقَت الشمس إذا أضاءت وصَفَت. ومشيت حتى أعييتُ وأنا مُعيّ، وعييتُ بالأمر إذا لم تعرف وجهه وأنا به عيّ وعييّ. وحَبَسْتُ الرجل عن حاجته وفي الحبس فهو محبوس، وأحبَسْتُ فراساً في سبيل الله فهو مُحْبَس وحَبيس. وأهديتُ الرجل الهدية إهداءَ، وأهديتُ الى البيت الحرام هَدْياً، وهَدَيتُ العروس الى زوجها هِداءً، وهَدَيتُ القوم الطريقَ هداية، وفي الدين هُدى. وقد سَفَرَت المرأة إذا ألقت خمارها عن وجهها والرجل عمامته وهي سافر، وأسْفَرَ وجهُها إذا أضاء وكذلك أسْفَرَ الصبح. وأقْبَستُ الرجلَ علماً وقَبَسْتُه ناراً. وأوْعَيْتُ المتاعَ في الوعاء، ووَعَيْتُ العلم إذا حَفَظته. وقد أضاقَ الرجلُ مثل أعسَرَ فهو مضيقٌ، وضاقَ الشيء فهو ضَيِّقٌ. وقد أقسَطَ الرجل فهو مُقْسِطٌ إذا عَدَلَ، وقَسَطَ فهو قاسِطٌ إذا جارَ. وخَفَرتُ الرجلَ خَفْرَة وخَفَارَة إذا أجرته، وأخْفَرتُه إذا نَقَضتُ عهده. وأسَنَّ الرجلُ إذا كبر وسَنَّ سُنَّةً إذا شَرَعها، وسَنَّ الماءَ على وجهه يَسُنُّه سنَّاً إذا صَبَّه. ووَقَرَ الرجل في مكانه من الوقار ووَقَرَت أذنه أي ثَقُلَت، وأوقَرَ النخلُ إذا كثر حمله. وأعْقَدْتُ العسل وغيره فهو مُعْقَدٌ وعَقِيد، وعَقَدْتُ الحبل والعهد فهو معقود. وقد أصْحَتْ السماءُ فهي مُصْحِيِة وصحا السكران فهو صاحٍ. وأدليَتُ الدلو إذا أرسلتها في البئر ودَلَوتها إذا أخرجتها. وتقول: هل أحسَسْتَ صاحبك ومنه قوله عز وجل “هل تُحِسُّ منهم من أحد”، وحَسَّهم: قتلهم ومنه قوله تبارك وتعالى “إذ تَحسُّنهم باذنه”. ومَلَحْتُ القدر أملحها إذا ألقيت فيها من الملح بقدر وأمْلَحتها إذا أفسدتها بالملح. وقد أجْبَرْت الرجل على الشيء يفعله فهو مُجْبَرٌ، وجَبَرْتُ العظمَ والفقير فهو مجبور. وقد تَرِبَ الرجلُ فهو تَرِبٌ إذا افتقرَ، وأترَبَ إذا استغنى. وقد نَظَرتُ الرجل إذا انتظرته، وأنْظَرته إذا أخرته. وأعْجَلته إذا استعجلته، وعَجَلته إذا سبقته. ووَعْدت الرجلَ خيراً أو شرَّا، فإذا لم تذكر الشر قلت وعدته بالخير، وأوْعَدته بكذا وكذا تعني الوعيد. وزَرَيتُ عليه إذا عبتُ عليه فعله، وأزرَيْتُ به إذا قصرتُ به. وجنَّ عليه الليل وأجَنَّه الليل أي ستره. ولَهيتُ عن الشيء وغيره ألهى إذا تركته ولَهَوْتُ به من اللهو. وأهَمَّني الشيء: أحزنني، وهَمَّني: أذابني.”

ونأخذ مما جاء في كتاب فائت صحيح ثعلب في الباب نفسه ما يلي: “نَهَبْتُ الشيء: فرَّقْتُه، وأنهَبْتُهُ: إذا أبحته الناسَ، يقال أوَى فلان الى بيته، وآوى فلانٌ غَيْرَه، ولم يجئ: آوى هو الى بيته، وسَقَيْتُه: ناولته، وأسقيته: جعلت له نهراً، شَفَيته: أبرأته، وأشفيته: وهبت له شفاءً، صلَيَتُ اللحمَ وغيره إذا شويته، وأصليته إذا ألقيته فيه ألقاءً كانك تريد الإحراق، وقد أفصى عنك الحر والبرد: إذا ذهب عنك وابن الأعرابي يأباه في البرد (أي يقول أفصى عنك الحر)، وفَصَيَتُ الشيء من يد الرجلِ فصياً: إذا خَلَّصتُه، وأدنته: بعته بدين فأنا مُدينٌ وهم مُدان، ودِنْتُ أنا وادّنْتُ: أخذتُ بدينٍ فأنا دائن ومُدّان، وأضَجَّ القوم: صاحوا وجَلَّبوا، وضَجُّوا: جَزَعوا، ورَمَيْتَه بيدي، فإذا قلعته من موضعه قلت: أرميته: والفرس يُرمي صاحبه (قال ابن السكيت في اصلاح المنطق: طعنه فأرماه عن ظهر دابته)، خطئ: إذا تَعَمَّدَ وهو خاطئ ومنه الخطيئة، وأخطأ يُخْطئ إذا أراد شيئاً فأصاب غيره والمصدر الخطأ، وأفَحَشَ إذا أتى بفاحشة في منطقه، وفَحُشَ يَفْحُشُ إذا صار ذلك عادة له.”

قل: الحالة الحاضرة أو الحال الحاضرة أو الحالة العارضة أو الحالة الطارئة اي غير الدائمة ولا الثابتة

ولا تقل: الحالة الراهنة

كتب مصطفى جواد: “وذلك لأن “الراهنة” هي بمعنى الثابتة والدائمة في الغالب وبمعنى الحاضرة نادراً. قال ابن فارس في المقاييس: “الراء والهاء والنون أصلٌ يدل على ثباتِ شيءٍ يُمسَك بحقٍّ أو غيره. من ذلك الرَّهْن… والشيء الرَّاهن: الثابت الدائم. ورَهَن لك الشيءُ: أقام.
وأرهنْتُه لك: أقمتُه……. فأمّا تسميتهم المهزُولَ من الناس [و] الإبلِ راهناً، فهو من الباب؛ لأنَّهم جعلوه كأنّه من هُزاله يثبُت مكانَه لا يتحرَّك. قال:

إمَّا تَرَيْ جِسْمِيَ خَلاًّ قد رَهَنْ    هَزْلاً وما مجدُ الرِّجال في السِّمَنْ

وقال الجوهري في الصحاح: “ورَهَنَ الشيءُ، أي دام وثبت.
والراهِنُ: الثابتُ.”

وقال الزمخشري في أساس البلاغة: “نعمة الله راهنة: دائمة، وهذا الشيء راهن لك: معد، وطعام راهن معد وكأس راهنة: دائمة لا تنقطع، وأرهن لضيفه الطعام والشراب: أدامهما، ورهن بالمكان: ثبت وأقام”.

وقال الفيومي في المصباح المنير “رهن الشيء يرهن رُهوناً: ثبت ودام فهو راهن ويتعدى بالألف فيقال: أرهنته إذا جعلته ثابتاً وإذا وجدته كذلك أيضاُ”.

وجاء في لسان العرب: “هذا راهِنُ لك أَي دائم محبوس عليك…. وكل شيء ثبت ودام فقد رَهَنَ……. قال: أَرْهَنَ أَدامَ لهم. أَرْهَنْتُ لهم طعامي وأَرْهَنْته أَي أَدمته لهم.. وأَرْهَنه لهم ورَهَنه: أَدامه، والأَول أَعلى. التهذيب: أَرْهَنْتُ لهم الطعام والشرابَ إرهاناً أَي أَدمته. وهو طعام راهِنٌ أَي دائم.”

وقال الزمخشري في ق ل د من الأساس يقال: “لي في أعناقهم قلائد: اي نِعَم راهنة”.

ومن كتاب للحريري صاحب المقامات قوله: “وسألته جلّت عظمته أن يجعل النعمة راهنة بربعه والسعادة جاذبة أبداً بضبعه”. وقال بعض السلف “استدام راهن النعمة بكرم جوارها”. ونستنتج مما قلنا أن أكثر ما ترد كلمة “الراهن” بمعنى الدائم والثابت إلا قولهم “وهذا الشيء راهن لك أي معد وقولهم استدم راهن النعمة، فلو كانت النعمة المذكورة دائمة لم يأمر القائل الناصح باستدامها. فمن الفصاحة أن تقول: الحالة الحاضرة أو الحال الحاضرة أو الحال العارضة أو الحال الطارئة وأن لا تقول الحالة الراهنة.”

قل: لاطَ بيته بالجِصِّ

ولا تقل: لاطَ بيته بالجِبْسِ

كتب الزبيدي: ” يقولون للذي يلاطُ به البيوت “جِبْس” والصواب “جِصٌّ” و “جَصٌّ”، هكذا أخبرني أبو علي ويقال أيضاً “قّصٌّ” و “شِيد”. وفي الحديث أنه نهى عن تقصيص المقابر أي تبيضها بالقَصَّة. والجَصَّاصُ والقَصَّاصُ سواء. وقد جَصَّص بيته وقَصَّصَه، إذا شَيَّدَه بالجِص، قال الفرزدق:

وجَونٍ عليه الجِصُّ فيه مَرِيضَةٌ        تَطَلَّعُ منه النَّفْسُ والموتُ حاضِرُه

وأمّا “الجِبْسُ” فالرجل الضعيف الدنيء. وأنشد أبو علي:

إذا أنا لمْ أمْدّحْ على الخَيرِ أهْلَهُ         ولمْ أذْمُمْ الجِبْسَ الدّنيء المُذَمَّما”

قل: لاطَ البيت بِجَيّارٍ جَيِّد

ولا تقل: لاطَ البيت بِجيرٍ جَيِّد

كتب الزبيدي: “ويقولون للذي يلاط به البيوت أيضاً “جِيرٌ” والصواب “جَيّار” على مثال “فَعّال” وهو الصاروج أيضاً.

وكتب الحنفي: قال الصقلي: يقولون للذي تُلاطُ به البيوت: جير. والصواب: جَيّار.

قل: كَلَلْتُ في الأمر

ولا تقل: كَلِلْتُ في الأمر

وكتب الضبي: “ويقال: كَلَلْتُ في الأمر أَكِلُّ كلالاً. ولا تقل: كَلِلْتُ.”

قل: سَحور الصائم

ولا تقل: سُحُور الصائم

كتب المقدسي: “ويقولُ بَعْضُهُم: سُحُورُ الصائمِ، بضمِّ السينِ. وصوابُهُ: سَحُور بفتحِ السينِ. وكذلك الفَطور، بفتحِ الفاءِ. والنَّضُوح: لبعضِ الأشْرِبَةِ. والدَّلوكُ: لِما يُتَدَلَّك به، والسَّفوفُ، والذَّرورُ، والنَّقُوعُ، والمَصُوصُ.”

قل: مرت حِقْبَةٌ قبل أن يتغير العالم

ولا تقل: مرت حَقْبَةٌ (أو حُقْبَةٌ) قبل أن يتغير العالم

وكتب عبد الهادي بوطالب: “الحِقْبة مدة من الزمن لا حدَّ لها بقِصَر أو طول. وجمعها جمعاً قياسياً هو حِقَب، إذ وزن فِعْلة (في المفرد) يأتي على فِعَل. مثال نِعْمة ونِعَم، وبِدْعَة وبِدَع، وعِبْرة وعِبَر. وتجمع على غير قياس أيضا على حُقُوب. ويرادفها الحُقُب أي المدة من الزمان بدون تحديد لمداها. وجمعها أحْقاب وحِقاب.”

 

قل: هو شيءٌ مصونٌ

ولا تقل: هو شيءٌ مصانٌ

وكتب البغدادي في ذيل فصيح ثعلب: “وتقول شيء مصون وامرأة مصونة ولا يجوز مصانة. ومثله: فَرَسٌ مقودٌ وقول مقولٌ وخاتمٌ مصوغٌ ورجل مَزُورٌ ولا يجوز فيه غير ذلك. ومثله ثوبٌ مَخِيطٌ ودِرهَم مبيع.”

قل: هو ملك مصون غير مسؤول

ولا تقل: هو مصان غير مسؤول

كتب الحريري: “ويقولون لما يصان: هو مصان، والصواب فيه مصون، كما قال الشاعر:

بلاء ليس يشبهه بلاء        **    عداوة غير ذي حسب ودين

يبيحك منه عرضا لم يصنه **    ويرتع منك في عرض مصون

والأصل في مصون مصوون على وزن مفعول، فنقلت حركة الواو إلى ما قبلها، فاجتمعت واوان ساكنتان فحذفت إحداهما.

وعند سيبويه أن المحذوفة هي الواو الثانية التي هي واو المفعول الزائدة، وأن الباقية هي الواو الأصلية المجتلبة من الصون.

وعند أبي الحسن الأخفش أن المحذوفة هي الأولى وأن الباقية هي واو المفعول التي تدل على المعنى.

فإن قيل: لأي معنى فعلوا ذلك فالجواب أنهم قصدوا إعلال المفعول كما أعل الفعلان والفاعل وذلك أن الأصل في صان صون بفتح العين، فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، كما فعل في قال الذي أصله قول، والدليل على أن الأصل فيه فعل بفتح العين أنك تقول: صنت الثوب، فتعديه إلى المفعول يدل على أنه فعلت لأن فعلت بضم العين لا يتعدى إلى مفعول بحال، إذ لا يقال: كرمت زيدا.

ثم إنهم قالوا في مضارعه يصون والأصل فيه يصون، على وزن يحزن، فنقلوا حركة الواو إلى ما قبلها.

ثم إنهم أعلوا الفاعل منه، فقال: صائن، والأصل فيه صاون فلما أعلوا الفعلين والفاعل أعلوا المفعول به أيضا، ليلحق في الاعتلال بحيزه. ومن هذا الباب قولهم: رجل مأووف العقل فيلفظون به على الأصل، ووجه القول أن يقال: مئوف العقل على وزن مخوف، وكذلك يقال: زرع مئوف، وكلاهما مأخوذ من الآفة، ونقلت الكلمة في مخوف على ما بيناه في مصون. وشذ من هذا الباب قولهم: مسك مدووف وثوب مصوون، فلفظوا بهما على الأصل، وهو مما لا يعبأ به ولا يقاس عليه.

ومن شجون هذا النوع قولهم: فرس مقاد وشعر مقال وخاتم مصاغ وبيت مزار، والصواب أن يقال فيها: مقود ومقول ومصوغ ومزور، كما حكي أن الخليل بن أحمد عاد تلميذا له، فقال له تلميذه: إن زرتنا فبفضلك وإن زرناك فلفضلك، فلك الفضل زائرا ومزوراً، ومثله قول جميل:

زوروا بثينة والحبيب مزور ** إن الزيارة للحبيب يسير

فأراد بالزيارة المزار، فلهذا ذكر الخبر على المعنى، كما ذكر آخر الحوادث حين أراد بها الحدثان فقال:

 فإن تسأليني عن لمتي ** فإن الحوادث أودى بها

ومن هذا النمط قولهم: مبيوع ومعيوب، والصواب أن يقال فيهما: مبيع ومعيب على الحذف، كما جاء في القرآن في نظائرهما: ” وقصر مشيد”،  “وكانت الجبال كثيباً مهيلا” فقال: مشيد ومهيل على الحذف، والأصل فيهما مشيود ومهيول.

 وعند سيبويه أن المحذوف هو الواو، ثم كسر ما قبل الياء للتجانس، وقد شذ من ذلك قولهم: رجل مدين ومديون ومعين ومعيون، أي أصابته العين، ومنه قول الشاعر:

 نبئت قومك يزعمونك سيدا ** وإخال أنك سيد معيون

وجميع ذلك مما يهجن استعماله إلا في ضرورة الشعر التي يجوز فيها ما حظر لإقامة الوزن.”

قل: حقُّ التقاضي مَصونٌ

ولا تقل: حقُّ التقاضي مُصانٌ

وكتب عبد الهادي بوطالب: صان يصون صَوْنا – كقال يقول قَوْلاً اسم المفعول منه مَصُون. ويخطئ البعض فيقول مُصان. وهذا فعله رباعي، وصيغة الرباعي هذه لا وجود لها في اللغة.

صان الشيءَ يَصُونُه صَوْناً وصيانة إذا حفظه. واسم الفاعل منه صائنٌ واسم المفعول مَصُونٌ. ونقول: “يمكنك أن تثق بي إن سرَّنا سيبقى مَصُوناً عندي”. ونقول: “المال الذي أَوْدَعتَه عندي سيبقَى مَصُونا” ونقول: “عِرْض مَصُون” أي محفوظ. واشتهر تعبير: “الحرَم المَصون” أي الزوجة الفاضلة المحافظة على شرفها وعرضها. ويذكر هذا التعبير للتبجيل (التعظيم).”

 

وفوق كل ذي علم عليم!

وللحديث صلة….

عبد الحق العاني

16 نيسان  2016

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image