قل ولا تقل / الحلقة الحادية والتسعون

إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (مصطفى جواد)

فإن من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب. ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته اليها. (الثعالبي)

 

قل: إن انتخاب رئيس الجمهورية يمثل توافقاً لبنانياً

ولا تقل: إن انتخاب رئيس الجمهورية يمثل تقاطعاً لبنانياً

 

كتبت، ولا شك كتب آخرون، أكثر من مرة عن عجبي من إصرار وسائل الإعلام من محررين ومراسلين ومذيعي أخبار وعلى الأخص في بلاد الشام على استعمال الفعل “تقاطع” بمعنى أتفق أو طابق. ذلك لأن الفعل “تقاطع” يعني عكس ذلك بالكامل. فمعاجم العربية تجمع على هذا المعنى والذي عبر عنه ابن فارس في المقاييس حين كتب:

“القاف والطاء والعين أصلٌ صحيحٌ واحد، يدل على صَرْمٍ وإبانة شيءٍ من شيء. يقال: قطعتُ الشيءَ أقطعه قَطْعاً. والقطيعة: الهِجران. يقال: تقاطَعَ الرّجُلان، إذا تصارما.”

أما الجوهري فقد كتب في الصحاح: ” والتقاطُعُ ضدُّ التواصل.”

وقد اشتق من الفعل في الإستعمال الحديث كلمات مثل “المقاطعة الإقتصادية” لتعني إيقاف أية علاقة في الإقتصاد بين طرفين وليس للتوافق أو التطابق. كما ان استعمال الفعل “قاطع” تعني الإمتناع عن التواصل في العلاقة أو حتى الكلام.

ولم يسمع عن العرب استعمال للفعل “قاطع، تقاطع” اي معنى آخر.

لكنني لم أطق أن أستمر في سماع مراسلة قناة المنار وهي تؤكد لنا أن انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان “كان تقاطعاً لبنانياً وليس تقاطعاً دولياً”. رحم الله لغة العرب إذا أصبح يراد منا أن نفهم الفعل بنقيض معناه. ولا أدري لماذا لم تكتف المراسلة أن تقول لنا بأنه “كان توافقاً لبنانياً وليس توافقاً دولياً”.

 

قل: ليس لوَعدِهِ خُلفٌ

ولا تقل: ليس لوعدِهِ خِلفٌ

ونأخذ مما كتبه ثعلب في “باب المكسور أوله والمضموم باختلاف المعنى: ما يلي: “الإمَّة (بالكسر): النعمة، والأُمَّة (بالضم): القامة والقرن من الناس والجماعة كما قال تعالى “ولكل أُمّة جعلنا منسكاً، والأُمَّة أيضاً الحين، قال تعالى “وادَّكَرَ بعد أُمَّة” أي بعد حين، وتقول: بعيرٌ ذو رُحلّة (بالضم) إذا كان قوياً على السفر، والرِّحلَة (بالكسر): الإرتحال، وخِلفُ الناقة بالكسر، وليس لوعده خُلفٌ، والحُوار (بالضم): ولد الناقة، والرجل حسنُ الحِوار (بالكسر)”

 

قل: هو مَنْهُومٌ لولعه بالشيء

ولا تقل: هو نَهِمٌ لولعه بالشيء

وكتب البغدادي في ذيل فصيح ثعلب: “المنهوم: المولع بالشيء، ويقال: نَهُمَ (بضم الهاء)، وفي الحديث: منهومان لا يشبعان. واما النَّهِمُ فهو المفرط في شهوة الطعام، وفعله: نَهِمَ يَنهَمُ كحّذِرَ يَحْذَرُ.” إنتهى

وكتب الجوهري في الصحاح: “النَهْمَةُ: بلوغ الهمَّة في الشيء…. وقد نُهِمَ بكذا فهو مَنْهومٌ، أي مولعٌ به.”

وكتب صاحب القاموس: “النَّهَمُ، محرَّكةً، .. إفْراطُ الشَّهْوَةِ في الطعامِ، وأن لا تَمْتَلِئ عَيْنُ الآكِلِ ولا يَشْبَعَ، نَهِمَ، كفَرِحَ، وعُنِيَ، فَهو نَهِمٌ ونَهِيمٌ ومَنْهُومٌ.”

 

قل: رَبَكه الحادث يَربكه رَبْكاً فالحادث رابك وهو مربوك

ولا تقل: أربكه إرباكاً فالحادث مُربِك وهو مُربَك

كتب مصطفى جواد: “وذلك لأن الفعل “رَبَك” متعد الى المفعول بنفسه في أصل وضعه، والتعدي في الأفعال هو الأصل، واللزوم هو حالة طارئة لا أصلية والسبب في ذلك أن حركة الحي إنساناً أو حيواناً، يراد بها في الغالب التعدي على غيره، كالأكل والضرب والأسر والجرح والكسر والرد والصد والقهر والنهب. ويراد بها في الأقل النادر قرار الفعل في فاعله، كالنوم والرقاد والثبات والنكوص والهرب. وهذا أمر غفل عنه علماء النحو القدامى (رح) قال ابن فارس في مقاييس اللغة: “الراء والباء والكاف كلمة تدل على خلط واختلاط، فالربك إصلاح الشريد وخلطه….. ويقال: ارتبك في الأمر إذا لم يكد يتخلص منه”. وقال الفيروزأبادي في قاموسه: “ربكه: خلطه، وربك الشريد: خلطه”. وجاء في لسان العرب: “الربك أن تلقي إنساناً في وحل فيرتبك فيه… وربك الرجل وارتبك إذا اختلط عليه أمره ورجل ربك: ضعيف الحيلة”.

وبما نقلت يعلم أن قولهم “ربك الأمر فلاناً ربكاً” هو من باب الإستعارة تشبيهاً للربك المجازي بالربك الحقيقي الذي هو الإلقاء في الوحل، فقل: ربكه ربكاً فهو رابك ولا تقل: أربكه إرباكاً فهو مربك، لأنه مخالف للسماع والقياس.”

 

قل: فلان من أكابر العلماء

ولا تقل: فلان من فطاحل العلماء

وكتب اليازجي: “ويقولون فلان من الفطاحل أي من أكابر العلماء واستعمال هذه اللفظة بهذا المعنى من مواضعات العامة ولا شيء منها في كتب اللغة”. إنتهى

وكتب الجوهري في الصحاح: “الفِطْحَلُ، على وزن الهِزْبَرُ: زمنٌ لم يُخلقِ الناس فيه بعد. قال الجرميُّ: سألت أبا عبيدة عنه فقال: الأعراب تقول: إنه زمنٌ كانت الحجارة فيه رَطْبَةٌ..” وأضاف الفيروزأبادي هو:”الضَّخْمُ من الإِبِلِ”. وكهزبر هزابر فان جمعه “فطاحل”. فقد تكون العامة قد اخذت ما قاله القاموس في وصف الضخم من الإبل للتعريف بموقع متميز للإنسان فقالت فيه فطحل، والله أعلم!

 

قل: سَدلْتُ علي السّتر

ولا تقل: أسْدَلْتُ علي السّتر

كتب الزبيدي: ” ويقولون أسْدَلْتُ عليه السِّترَ والصواب “سَدَلْتُه”. إنتهى

ولم تتفق معاجم اللغة على هذا. فقد كتب الفيروزأبادي في القاموس: “سَدَلَ الشَّعَرَ يَسْدِلُه ويَسْدُلُه، وأسْدَلَه: أرْخاهُ وأرْسَلَهُ.”  ونقل ابن منظور ذلك في لسان العرب. أما الجوهري فلم يأت على ذكر أسدل في الصحاح فكتب في باب سدل: “سَدل ثوبه يسْدُلُه سَدْلاً، أي أرخاه.”

 

قل: وجدت في الوزارة عدداً من المديرين العامين

ولا تقل: وجدت في الوزارة عدداً من المدراء العامين

وكتب عبد الهادي بوطالب: “يَجْمَع البعض في المشرق العربي خاصة لفظ مدير على مُدراء (جمع تكسير). والصواب جمعه جمع المذكر السالم “مديرين، ومديرون” كما يقال في المغرب العربي.
وزن فُعَلاء يأتي جمعاً لفعيل إذا كان وصفاً وليس لمُفعِل الذي هو وزن مُدير. فنقول في جمع ظَريف، وبَخيل، وعَميل، وقَريب، وعَظيم : ظُرَفاء، وبُخَلاء، وعُمَلاء، وقُرَباء وعُظَماء.

أما وزن مُفعِل كَـ : مُسْلِم، ومُؤْمِن، ومُرْشِد، ومُنْشدِ ومُبْدِئ، ومُعيد فيُجمع جمع المذكر السالم -في حالة الرفع- على مسلمون، ومؤمنون، ومُرشِدون، ومُنشِدون، ومُبْدِئون، ومُعِيدون. وإذن فمدير يجمع على “مديرون” في حالة الرفع، و”مديرين” في حالتي النصب والجر. وقد تَسرَّب جمع مدير على مُدراء إلى بعض المعاجم الحديثة وهو خطأ يحسن العدول عنه إلى جمع مديرين.”
قل: هذا الواقع مَعيش

ولا تقل: هذا الواقع مُعاش

وكتب عبد الهادي بوطالب: “معيش اسم مفعول من عاش يعيش عَيْشاً. والياء هي أصل الألف في عاش. اسم المفعول هذا مفتوح الحرف الأول (الميم) والياء فيه أصلية. لذا لا يجوز النطق به مُحرَّفاً على صيغة مُعاش (بضم الميم).

الأصل في كلمة مُعاش أن يكون فعلها رباعياً: أعاش يُعيش فهو مُعاش. كما يقال أراد الشيءَ يريده فالشيء مُراد. وأعاد الكلام يعيده فالكلام مُعاد. ونقول : “هذا كلامٌ مُعاد”.

ومما قرأناه لشاعر عربي قوله:

ما أُرانا نقولُ إلا مُعاراً

أو مُعاداً من لفْظنا مَكْرُورا

وأعاش الرباعي متعدٍّ ينصب مفعولاً به. ويعني جَعَلَه يعيش فنقول: “أعاشك الله طويلاً”. ونقول: “لئن أعاشني الله طويلاً لأفعلنَّ كذا وكذا”. ومن هذا الفعل الرباعي يمكن أن تُستعمَل كلمة مُعاش، لكنها غير ملائمة لجملة: “هذا الواقع مَعيش”. أو “في الواقع المَعيش”. والمَعيشة (وجمعها معايِش ومعائش) هو ما تقوم به الحياة من مأكل ومشرب وما يساعد على العيش. وفي القرآن الكريم: “نحن قَسَمْنا بينهم مَعِيشَتَهم في الحياة الدنيا”. وجاء اللفظ على صيغة جمع التكسير في القرآن أيضا: “ولقد مكَّنَّاكم في الأرض وجعلنا لكم فيها مَعَايِش”.

ومَهيب يجري عليها ما يجري على مَعيش. وفعلها هو هاب يهاب هَيْبة. واسم الفاعل هائبٌ واسم المفعول مَهيبٌ (كما هو عليه مَعيش سابق الذكر). ونقول : “فلان مَهِيب الجانب” أو مَهِيب الطلعة (أي الوجه)، أي أنه يفرضَ الخوف أو الاحترام.

ومن الخطأ الفادح أن يقال : مُهاب. لكن ورد في اللغة لفظ “مَهُوب”. وأنصح بأن تهجر هذه الصيغة وأن تلتقي الألسنة والأقلام على “مَهيب” في نطاق المنهجية التي أنصح باتباعها حتى لا تتعدد كلمات اللغة الدالة على المعنى الواحد.”

 

قل: خربَشَ الكتاب

ولا تقل:  خَرمَشَ الكتاب

كتب الحريري: “ويقولون : خرمش الكتاب ، بالميم ، أي أفسده ، والصواب أن يقال : خربش بالباء ، وجاء في بعض الحديث : وكان كتاب فلان مخربشا.”

 

قل: كان فيه شَغْبٌ

ولا تقل: كان فيه شَغَبٌ

كتب الحريري: “ويقولون: فيه شَغَب بفتح الغين، وهو تهيج الشر والفتنة والخصام، فيوهمون فيه كما وهم بعض المحدثين في قوله:

يا ظالما يتجنى جئت بالعجب ** شغبت كيما تغطي الذنب بالشَّغَبِ

ظلمت سرا وتستعدي علانية ** أضرمت نارا وتستعفي من اللهب

والصواب فيه شغْب بإسكان الغين، كما قال الشاعر:

رأيتك لما نلت مالا وعضنا ** زمان ترى في حد أنيابه شَغْبا

جعلت لنا ذنبا لتمنع نائلا **    فأمسك ولا تجعل غناك لنا ذنبا

ونظير هذا الوهم قولهم للداء المعترض في البطن: المغَص بفتح الغين، فيغلطون فيه، لأن المغَص بفتح الغين هو خيار الإبل، يدل عليه قول الراجز:

أنت وهبت هجمة جرجورا ** أدما وحمرا مغصا خبورا

الجرجور: العظام من الإبل، والخبور الغزيرات الدر، فأما اسم الداء فهو المغْص بإسكان الغين، وقد يقال بالسين، وأما المعَص بفتح العين المغفلة فهو وجع يصيب الإنسان في عصبه من المشي، وفي الحديث : أن عمرا بن معدي كرب شكا إلى عمر رضي الله عنه المعص، فقال: كذب عليك العسل، أي عليك بسرعة المشي، إشارة إلى اشتقاقه من عسلان الذئب.”

 

قل: استغرب الرجل في الضحك

ولا تقل: استغرق الرجل في الضحك

وجاء في ملحق مفردات أوهام الخواص: ويقولون: أغرق الرجل في الضحك واستغرق، إذا اشتد ضحكه ولج فيه. والأفصح أن يقال: استغرب في الضحك، إذا بلغ الحد والمنتهى. ففي الحديث: ضحك حتى استغرب، أي بالغ فيه. وفي حديث الحسن رضي الله عنه: إذا استغرب الرجل ضحكا في الصلاة، أعاد الصلاة.

قال: وهو مذهب أبي حنيفة، ويزيد عليه إعادة الوضوء وفي حديث ابن هبيرة: أعوذ بك من كل شيطان مستغرب: أي المتناهي في الخبث. ونظيره قول الشاعر:

فما يغربون الضحك إلا تبسما ** ولا ينسبون القول إلا تخافيا

 

قل: به عَمَىً

ولا تقل: به عُميٌ

كتب الحنفي: “يقولون: به عُمْيٌ. والصواب: عَمىً، بفتح العين والميم.” إنتهى

فـ “عُميٌ” هي جمع أعمى كما جاء في لسان العرب: “قال الليث: رجلٌ أَعْمَى وامْرَأَةٌ عَمْياء، ولا يقع هذا النَّعْتُ على العينِ الواحِدَة لأن المعنى يَقَعُ عليهما جميعاً، يقال: عَمِيتْ عَيْناهُ، وامرأتانِ عَمْياوانِ، ونساءٌ عَمْياواتٌ، وقومٌ عُمْيٌ.”

 

وفوق كل ذي علم عليم!

وللحديث صلة….

عبد الحق العاني

15 كانون الأول  2017

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image