ما الذي جرى في الأمم المتحدة حول القدس؟

 

لم أكن لأكتب حول هذا الأمر لو لم أطلع على مقال الدكتور السفير سعد الدين زيادة والذي أثار اهتمام الكثيرين من أصدقائي. وسبب عدم رغبتي في الكتابة أني أعد الأمم المتحدة أكبر “لعبة” أنتجتها الحرب العالمية الثانية بهدف استحواذ الكبار على شؤون الأخرين بحجة أنها تنظم العلاقات بين الدول. إن التوازن الذي قام في اعقاب الحرب العالمية الثانية لم يكن بسبب وجود الأمم المتحدة وميثاقها وانما كان بسبب التوازن بين المعسكر الرأسمالي والمعسكر الشيوعي الذي وضع خطوطاً لا يتجاوزها أي طرف خوفاً من الصدام المباشر بين المعسكرين. وحين هدم النظام الشيوعي كان أول اختبار لقيمة الأمم المتحدة وميثاقها في حصار العراق ودماره وغزوه واحتلاله، والذي أسقط ورقة التوت عن عورة الكبار!

فالأمم المتحدة هي جميعة يحدد صلاحياتها ونشاطها ميثاقها الذي قبلته الدول الأعضاء. فميثاق الأمم المتحدة هو عقد والعقد ملزم للمتعاقدين. فلا يحق لأحد سواء أكان مجلس الأمن أم الجمعية العمومية العمل بتجاوز الميثاق دون تعديله أياً كانت الذريعة.

إن ما كتبه السفير فاروق حول دعوة الولايات المتحدة للجمعية العمومية للإجتماع واصدار القرار 377 لعم 1950 تحت شعار “التحالف من أجل السلام” صحيح. لكنه إجراء لا قيمة له بحكم الميثاق والقانون. ذلك لأن الميثاق صريح في صلاحيات الجمعية العمومية ومجلس الأمن.

فقد نصت المادة (12) من الميثاق على:

“عندما يباشر مجلس الأمن بصدد نزاع أو موقف ما، الوظائف التي رسمت في الميثاق، فليس للجمعية العامة أن تقدم أية توصية في شأن هذا النـزاع أو الموقف إلا إذا طلب ذلك منها مجلس الأمن.”

بينما تنص المواد (24) و (25) على:

“رغبة في أن يكون العمل الذي تقوم به “الأمم المتحدة” سريعاً فعالًا، يعهد أعضاء تلك الهيئة إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدولي ويوافقون على أن هذا المجلس يعمل نائباً عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات.”

” يتعهد أعضاء “الأمم المتحدة” بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق.”

وهذه المواد تلزم الجمعية العمومية بقبول ولاية مجلس الأمن المطلقة في حل النزاعات. وليس للجمعية العمومية سلطة التدخل واتخاذ أي قرار ما دام مجلس الأمن واضعا يده على النزاع.

أما كيف فعلت الولايات المتحدة ذلك فتفسيره أنها تلعب بالمنظمة كما تشاء وتستحدث ما تشاء سواء أطابق ذلك الميثاق أم خالفه. ففعلت ذلك عام 1950 حينما كانت روسيا بعد ضعيفة وعادت لتفعل الشيء ذاته بعد عام 1990 حين تعبت روسيا من جديد.

لذا فان الحديث عما إذا كان قرار الجمعية العمومية الأخير حول القدس استشارياً أم غير استشاري لا يغير من حقيقة أنه لا قيمة له! علماً بأنه ليس في الميثاق تصنيف كهذا لقرارات الجمعية العمومية.

وهنا أختلف مع السفير فاروق في قوله إن قرار الجمعية العمومية يسمح بالذهاب لمحكمة العدل الدولية. فالمحكمة، وهي الفيصل في النزاعات الدولية، رفضت خلال سبعين عاماً القبول بأن قرارات الجمعية العمومية تشكل جزءاً من القانون الدولي العام مما يجعلها ملزمة للجميع. وسبب ذلك الرفض واضح لأن تشكيل المحكمة ودستورها جاء كي يكرس وصاية الكبار في مجلس الأمن، فأي قرار للجمعية العمومية ينزع تلك الوصاية ليس مسموحاً به.

والحقيقة أن مصادر القانون الدولي كما حددها دستور المحكمة لا تعد قرارات مجلس الأمن تلقائياً واحداً من تلك المصادر.

حتى ان المحكمة الأوربية وهي أعلى سلطة قضائية في أوربا وتمتلك أهمية أكبر حتى من محكمة العدل الدولية قضت في أن قرارات مجلس الأمن التي تتجاوز القواعد القسرية للقانون الدولي العام أو مبادئ حقوق الإنسان هي قرارات باطلة وغير ملزمة لأحد حتى إذا كانت قد صدرت تحت الفصل السابع من الميثاق وذلك لأن الميثاق نفسه خاضع لقواعد القانون الدولي وليس العكس!

إن كل قرارات مجلس الأمن التي صدرت حول فلسطين منذ سبعين عاماً لا تعدل في قيمتها حكم محكمة العدل الدولية حول الجدار العازل في فلسطين. ذلك لأن المحكمة الأوربية تعد قرارات محكمة العدل الدولية، حتى الاستشارية منها، ملزمة لها. فهل قام فلسطيني واحد باختبار قيمة ذلك الحكم أمام محكمة واحدة في أية من دول الاتحاد الأوربي الثمانية والعشرين؟ فلو فعل لربما كانت النتيجة أهم من كل المؤتمرات والقرارات!

لكن هناك أمراً آخر لا بد من التعريج عليه قبل الإنتهاء من هذه الملاحظة القصيرة.

إن مشروع القرار الذي قدمته مصر لمجلس الأمن تحدث عن القلق من أي قرار يغير الخريطة السكانية أو الوضع القانوني لمدينة القدس. ولم يشر للولايات المتحدة بالإسم أي إن مشروع القرار لم يكن موجها لدولة ما. وقد يقول قائل: ما الضير في هذا إذا كان الهدف واضحا؟ وجواب ذلك يدعو للإعتقاد في أن مشروع القرار قدم بالإتفاق مع الولايات المتحدة حيث يبدو مشروعاً عربياً قومياً لكنه في الوقت يمكن الولايات المتحدة من نقضه.

فلو إن القرار كان موجهاً للولايات المتحدة بالإسم لما جاز لها أن تصوت عليه، وحتى لو صوتت عليه لكان ذلك باطلاً لأن المادة (27) من الميثاق لا تجيز للدولة التي هي طرف في نزاع ما أن تصوت على مشروع القرار، إلا أذا كان النزاع تحت الفصل السابع من الميثاق.

وحتى لو كان القرار لا قيمة له كما أسلفت لكنه كان سيكون الإدانة الأخلاقية الأولى للولايات المتحدة منذ تأسيس الأمم المتحدة. ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم!

مع تمنياتي بعيد ميلاد سعيد!

عبد الحق العاني

25 كانون الأول 2017

 

 

 

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image