قل ولا تقل / الحلقة التاسعة والتسعون

إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (مصطفى جواد)

فإن من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب. ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته اليها. (الثعالبي)

 

 قل: قد نَفِدَ المالُ والطعامُ
ولا تقل: قد نَفذَ المالُ والطعامُ

كتب الكسائي: ” وتقول: قد نَفِدَ المالُ والطعامُ، بكسر الفاء. قال الله تعالى: “قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لَنَفِدَ البحرُ قبل أن تنفِدَ كلمات ربي”.

 

قل: قد أريتُ فلاناً موضع زيد
ولا تقل: قد أوريتُ فلاناً موضع زيد

وكتب الكسائي: “وتقول قد أريتُ فلاناً موضع زيد، بغير واو. ولا يقال: أوْرَيْتُ، فانه خطأ. قال تعالى: “ولقد أريناه آياتنا كلها”. وقال أيضاً: “رب أرني أنظر اليك”.

وتقول: قد أوريت النار اذا أشعلتها، بالواو. قال تعالى: “أفرأيتم النار التي تورون”. وقال عدي بن زيد في شاهد ذلك:

وأطْفِ حديثَ السُّوء بالصمتِ إنه              متى تُورِ ناراً للعِتابِ تأجَّجَا

واضاف المحقق: “وفي خطأ العوام للجواليقي: وقد أريته كذا أريه ولا تقل: أوريته أوريه.”

 

قل: فلانٌ يُريني كذا
ولا تقل: فلان يُوريني كذا

وكتب البغدادي في ذيل فصيح ثعلب: “وتقول فلان يريني كذا، وأراني الله فيك ما أحب. ولا يجوز فيه  أوراني ولا يوريني.”

 

قل: جاء القوم قاطبةً
ولا تقل: جاء قاطبة القوم

وكتب البغدادي في ذيل فصيح ثعلب: “جاء القوم قاطبة ولا تقل القاطبة ولا قاطبة القوم”.

وفي مثل هذا كتب الشيخ ابراهيم اليازجي، فقال:

ويقولون: هذا الأمر يهمّ عمومَ السُكّان

والأصح: يهمّ السكان عامة

 

قل: هَبْكَ فَعلْتَ
ولا تقل: هَبْ أنك فعلتَ

وكتب البغدادي في ذيل فصيح ثعلب: “وتقول هَبني فَعَلْتُ وهَبْهُ فعلَ وهَبْكَ فعلتَ، هذا هو الفاشي في كلامهم فأما قولهم “هَبْ أنك فعلت” فغير مسموع.” انتتهى

وقال المتنبي في قصيدة رائعة له في رثاء جدته:

هبيني أخذت الثار فيك من العدى       فكيف باخذ الثار فيك من الحمى

 

قل: هو ثقة من قوم ثقات
ولا تقل: من قوم ثقاة

كتب مصطفى جواد: “فالثقة مصدر تعمل صفة فَجُمع جمع الإسماء مثل هبة وهبات وترة وترات وعدة وعدات وزنة وزنات، وهن مأخوذات من واثق من وثق ووهب ووتر ووعد ووزن. وقولنا ثقاة يعني أن مفرده ثاقي نحو قاضي وهو غير موجود أصلاً. فقل هو ثقة من قوم ثقات.”

 

قل: أعجبني هذا القَصَص وأعجبتني هذه القِصَص
ولا تقل: أعجبتني هذه القَصَص

وكتب مصطفى جواد: “وذلك لأن القَصَص بفتح القاف مذكر لا مؤنث وهو اسم بمعنى المقصوص أي المحكي والمروي والمأثور والمنقول والمذكور للإعتبار والإتعاظ. وهو على وزن اسم المفعول القديم، اي على وزن فَعَلٍ بمعنى مفعول كالعدد بمعنى المعدود والحسب بمعنى المحسوب والقبض بمعنى المقبوض وجمعه الإقباض وكالنفض بمعنى المنفوض والولد بمعنى المولود والحلب بمعنى المحلوب والقلم بمعنى المقلوم والصمد أي المصمود وهو المقصود ومنه قوله تعالى “الله الصمد” أي المصمود بمعنى المقصود في الحاجات والمستغاث المستعان، وهذه الصيغة من صيغ اسم المفعول القديمة، قد تنبهت عليها بعد تفكير جليل وتعليل طويل وهي تؤيد أن الصفات القديمة في العربية خالية من التأنيث مقصورة على التذكير، وقد نشأ التأنيث بعد ذلك.

فالقصص اسم مفعول قديم بمعنى المقصوص وأما القِصص بكسر القاف فهي جمع قصة بمعنى الخبر والحكاية والرواية. والقصة منقولة من مصدر الهيأة الى الإسمية كالقطعة والفرقة والرِّزمية وكفة الميزان، وتجمع القصة على قِصص كإربة وإرب.

 

قل: كان رَجُلاً لُغَوِيَّاً (بضم اللام)
ولا تقل: كان رَجُلاً لَغَوِيَّاً (بفتح اللام)

وكتب الزبيدي: ” يقولون رجل “لَغَوْيّ” بفتح اللام يعنون صاحب اللغة، والصواب “لُغَوْيّ” بالضم، و “لُغِيّ” منسوب إلى اللغة. فأمّا الَّلغَوْيّ” بالفتح فهو الكثير “الَّلغا” وهو القبيح من القول، قال الراجز:
عن الَّلغا وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ

 

قل: وأدّى بعدها صلاة العِشاء
ولا تقل: وأدّى بعدها صلاة العَشاء

وكتب عبد الهادي بوطالب: لا بد من التمييز بين هذه الكلمات في النطق وفي المعنى. الغِذاء (بالدال المعجمة وكسرها) هو ما يساعد على نماء الجسم من طعام وشراب. ونقول : “لا غنى للجسم عن الغِذاء” و”الغِذاء  ضروريٌّ للحياة”. ومنه التغذية التي هي إعطاء الغِذاء للجسم. ونقول : “تشكو بعض شعوب العالم من الجوع، وأخرى من نقص التغذية، وطائفة أخرى من سوء التغذية”.

والغَداء (بفتح الغين والدال المُهمَلة أي التي لا تحمل النقطة) هو الأَكْلة التي تُقَدَّم في ظُهْر اليوم. ويقابلها في المساء وَجْبة العَشاء (بفتح العين) أي الطعام المتناوَل في وقت العِشاء (بكسر العين).
العِشاء (بكسر العين) هو بداية أول ظلام الليل، أي المساء. ونقول صلاة العِشاء (بكسر العين) لأنها تُؤدَّى في بداية أول ظلام الليل بعد صلاة المغرب، أي وقت غروب الشمس. وعلى ذلك نقول: “نتناول العَشاء قبل أو بعد العِشاء”.

ويُطلَق على صلاتي المغرب والعِشاء بصيغة المثَنَّى لفظ العِشاءَيْن. وقد غَلَبَتْ في هذه التثنية العِشاءُ على المغرب.”

 

قل: وقع هذا في مُتِمّ الشهر المنصرم
ولا تقل: وقع هذا في مَتَمّ الشهر المنصرم

وكتب عبد الهادي بوطالب: “نقول : “وقع هذا في مُتِمّ الشهر المنصرم”. ويعني في اليوم الذي يُتمُّ الشَّهرَ أي في آخره. والفعل أَتَمَّ الرباعي متعدٍّ وينصب مفعولا به. وجاء في القرآن: “وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتْمَمْنَاها بعشر”. وفيه أيضا: “اليومَ أكمَلْتُ لكم دينكم وأَتْمَمْتُ عليكم نعمتي”. وأيضا: “ويأبى الله إلاّ أن يُتِمَّ نورَه”. ورد فعل أتمَّ في القرآن في صيغة الأمر: أتْمِمْ في مخاطبة المفرد: “ربنا أَتْمِم لنا نورنا”. وبصيغة الجمع: “ثم أتِمُّوا الصيامَ إلى الليل”.

أما كلمة مُتِمٌّ فقد جاءت في قوله تعالى: “يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله مُتِمٌّ نورَه ولو كره الكافرون”. ولم ترد كلمة مَتَمّ بفتح الميم والتاء مصدرا ولا تستعمل إلا للدلالة على المكان، أي موضع التمام ومكانه. وهذا غير ما تفيده كلمة مُتِمّ الشهر أي يوم نهايته.”

 

قل: هذا يَنْبَعُ من مصدر آخر
ولا تقل: هذا يَنبُعُ من مصدر آخر

وكتب عبد الهادي بوطالب: “في أغلبية الأفعال التي يكون ثانيها أو آخرها حرف حلْق يَطَّرِد فتح ثاني الفعل ببعض الشذوذ.

وآخر الكلمة في فعل نَبَع هو حرف العين. وهي من حروف الحلق، أي مَخْرَجُها عند النطق بها هو الحلْق. ففعله المضارع مفتوح العين: نبعَ ينبَع، لا ينبُع، كما يَرِدُ خطأً على بعض الألسنة. ومَثَله مَثَل شَرَح، يشرَح (حرف الحاء من حروف الحلق) ونَصَح ينصَح.”

 

قل: زرت  المأصِرَ لدفع الضريبة
ولا تقل: زرت  المأصَرَ لدفع الضريبة

كتب الحريري: “ويقولون لمركز الضرائب: المأصَر بفتح الصاد والصواب كسرها، لأن معناه الموضع الحابس للمار عليه والعاطف للمجتاز به، ومن ذلك اشتقاق أواصر القرابة والعهد لأنها تعطف على ما تجب رعايته من الرحم والمودة.

وحكى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، قال: اجتمع عندنا أبو نصر أحمد بن حاتم وابن الأعرابي فتجاريا الحديث إلى أن حكى أبو نصر: أن أبا الأسود الدؤلي دخل على عبيد الله بن زياد، وعليه ثباب رثة، فكساه ثيابا جددا، من غير أن عرض له بسؤال، أو ألجأه إلى استكساء، فخرج وهو يقول:

كساك ولم تستكسه فحمدته ** أخ لك يعطيك الجزيل ويأصر

وإن أحق الناس إن كنت مادحا ** بمدحك من أعطاك والعرض وافر

فأنشد أبو نصر قافية البيت: ويأصر يريد به: ويعطف، فقال ابن الأعرابي: بل هو وناصر بالنون، فقال أبو نصر: دعني يا هذا وياصري، وعليك بناصرك.”

 

قل: كان يُنشِدُ القصيدة  إنشاداً جميلا
ولا تقل: كان يَنشُدُ القصيدة  إنشاداً جميلا

وجاء في ملحق مفردات أوهام الخواص: ومن أوهامهم في غير المضاعف من المضارع أنهم لا يفرقون بين يُنشِدُ (بضم الياء وخفض الشين)، ويَنشُد (بفتح الياء وضم الشين). فالأول من أنشد القصيدة ينشدها إنشادا: إذا رفع صوته في إلقائها.

والثاني من نشد ضالته ينشدها نشدانا: إذا طلبها وبحث عنها، ومنه قول النابغة الجعدي:

أنشد الناس ولا أنشدهم ** إنما ينشد من كان أضل

ونظيره في المضارع أنهم لا يفرقون بين يَشرَك (بفتح الياء والراء) ويُشرِك (بضم الياء وخفض الراء). فالأول من الفعل شركه في الأمر يشركه مشاركة، أي صار شريكه، ومنه الأمر المشترك والمتشرك الذي يستوي فيه المتقاسمون، ونظيره قول الشاعر :

لا يستوي المرآن ، هذا ابن حرة ** وهذا ابن أخرى ظهرها متشرك

والثاني من أشرك بالله يشرك شركا وإشراكا، أي جعل له شريكا في ملكه، فهو كافر مشرك. ومنه قوله تعالى عن عبده لقمان أنه قال لابنه: “يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم” ونظيره قول الشاعر:

أمران لا يسلم الإنسان شرهما ** الشرك بالله والإضرار بالناس

 

وفوق كل ذي علم عليم!

وللحديث صلة….

عبد الحق العاني

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image