لأن سورية هي آخر خندق عربي فإني أكتب لها!

الإتحاد الأوربي وسورية والحصار

لن أكتب اليوم عن مجلس الأمن الدولي وقرارته التي تستخف بميثاق الأمم المتحدة وتعول على بؤسنا وعجزنا عن الرد حتى في حقل القانون اذا كان عجزنا في حقل القوة لا يحتاج لبرهان.

لكني أكتب اليوم، وبايجاز، عن الحصار الإقتصادي الذي فرضه الإتحاد الأوربي على سورية بحجة كونه مطابقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي.

وأول ما يجب التذكير به هو ان الحصار اذا فرض على بلد فانه يشمل شعب ذلك البلد. وتعريض أي شعب أو مجموعة محددة من شعب لأذى جسدي أو نفسي هو جريمة إبادة على وفق تعريفها في القانون الدولي. والحصار، اذا شئت، هو جريمة ضد الإنسانية وهو جريمة إرهاب. وهذا كله ثابت ومتفق عليه بين دول العالم وأقرت به المحاكم الدولية. واكتفي بهذا القدر من التذكير هنا.

وما ينتج عن هذا التذكير هو أن ما يرتكب بحق شعب سورية الثابت والصابر هو جريمة سبق أن تعرض لها شعب العراق، الأبي يومها، لإثني عشر عاماً!

وقبل أن يطلع البائسون من ابناء هذه الأمة ليصرخوا: أين الضمير العالمي؟ أين منظمات حقوق الإنسان العالمي؟ أين… أين… أين؟

لا بد أن نسأل أين العرب الذين سكتوا عن الإبادة بحق شعب العراق ويسكتون اليوم عن ابادة شعب سورية؟

إن منظمات حقوق الإنسان الأوربية، اذا صدقت في نياتها، فهي أكثر استعداداً في تبني قضايا حقوق الإنسان في دوائر تحركها وقد تدعم مطالب تتعلق بخرق حقوق الإنسان خارج أوربا لكنها تحتاج أولاً لمن يحرك تلك الشكاوى في تلك المناطق المتضررة.

فما الذي فعله العربي عامة والسوري خاصة في التصدي لحصار الإبادة المجرم بحق شعب سورية؟

أتوقف هنا لأسوق خبراً لا أظن أن كثيراً من العرب قد سمعوا به وذلك لعلاقته بما أكتب عنه. قام الإتحاد الأوربي (وأعني به مفوضية الإتحاد الأوربي) باصدار قوائم عديدة بحجز أموال عدد من الذين أشارت الولايات المتحدة على أنهم يمولون تنظيم القاعدة وسارع مجلس الأمن الدولي، والذي يعمل في خدمة الصيهونية العالمية، لقبول هذا القرار وتبعه الإتحاد الأوربي.

قام أحد الأغنياء من شعب جزيرة العرب ممن حجزت أمواله بطلب استشارة قانونية. فاشير عليه في أن يرفع دعوى أمام المحكمة الأوربية ضد الإتحاد الأوربي بتهمة خرق حقوقه الأساس التي حماها ميثاق حقوق الإنسان الأوربي.

وحين سمعت المحكمة الأوربية القضية فانها قضت بحقه في الطعن بقرار مفوضية الإتحاد الأوربي بحجز أمواله. وحين استأنفت المفوضية ذلك الحكم وقف مع طلب الإستئناف تسع دول من دول الإتحاد الأوربي كما يتوقع المراقب. لكن الإستئناف رد.

واصدرت المحكمة الأوربية حكماً قد يكون من أكثر الأحكام التي صدرت في محكمة لها صفة دولية منذ الحرب العالمية الثانية أهمية وخطورة، ليس فقط من حيث قيمته القانونية ولكن بسبب أن أحكام المحكمة الأوربية ملزمة وقاطعة في ثماني وعشرين دولة أوربية!

وأهم ما جاء في الحكم هو أن قرارات مجلس الأمن اذا عرضت على ميثاق حقوق الإنسان الأوربي ووجد أنها معارضة لمبادئ الميثاق فانها تصبح غير ملزمة لأحد بل ويصبح الإلتزام بذلك القرار خرقاً للقانون الأوربي.

وقيمة هذا القرار هو أنها المرة الأولى التي تصدر فيها محكمة دولية حكماً يجيز الطعن بقرارات مجلس الأمن الدولي. فقد عودتنا المحاكم الوطنية بل وحتى محكمة العدل الدولية على أن قرارات مجلس الأمن لا تخضع لأية مراجعة قانونية.

والذي حدث هو أن أموال ابن جزيرة العرب أطلقت ورفع الحجز عنها وتبعه العشرات من الذين حجزت أموالهم.

فهل يعقل أن مواطناً واحداً من ابناء جزيرة العرب أثاره حجز ماله كي يلجأ للقضاء فينال حقه، ولا يتحرك سوري واحد للمقاضاة أمام المحكمة الأوربية ضد الإتحاد الأوربي الذي يعتدي على حقه في الحياة خلافاً لقانونه الذي شرعه هو وأعلن مراراً أنه يلتزم به؟

ترى هل المال عندنا أعز من الحياة؟

 

عبد الحق

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image