قل ولا تقل / الحلقة الخامسة عشرة بعد المائة

إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (مصطفى جواد)
فإن من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب. ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته اليها. (الثعالبي)

 

قل: الأمر المعروض أمامنا
ولا تقل: الأمر المطروح أمامنا
شاع بين الكتاب وفي الإعلام بأشكاله الاستعمال المتكرر للكلمات “طرح” و “أطرح” و “المطروحة” حين يراد بها عرض أمر للبحث أو الجدل حوله. ولست على يقين متى دخل هذا الاستعمال المبتذل، لكنه لم يكن معروفاً عند العرب وقد يكون دخوله في وقت متأخر ما يشير إلى أنه مولد.
فما الذي قالت العرب في الفعل ومشتقاته؟ لننظر في أمهات معاجم العربية، لا الدخيلة الجاهلة والمنتشرة على وسائل الإعلام والتي تشوه لغة الناس وتعطي جِزافاً معاني للكثير من الكلمات مما لم تعرفه العرب.
فقد جاء في لسان العرب في باب “طرح”:
“ابن سيده: طَرَحَ بالشيء وطَرَحَه يَطْرَحُه طَرْحاً واطَّرَحَه وطَرَّحه: رمى به؛ أَنشد ثعلب: تَنَحَّ يا عَسِيفُ عن مَقامِها، وطَرِّح الدَّلْوَ إِلى غُلامِها الأَزهري: والطِّرْحُ الشيء المطروحُ لا حاجة لأَحد فيه….”
وكتب الجوهري في الصحاح:
“طَرَحْت الشيءَ، وبالشيء، طَرْحاً، إذا رَمَيْتَه.  النَوَى بفلانٍ كلَّ مَطْرَح، إذا نَأَتْ به. تَطْريحاً، إذا أكْثَرَ من طَرحِهِ. أي أبعده، وهو افْتَعَلَه…”
وكتب الفيروزأبادي في القاموس:
” طَرَحَهُ، وـ به، كمَنَعَ: رَماهُ، وأبْعَدَهُ،
كاطَّرحَهُ وطَرَّحَهُ. والطَّرَحُ، بالكسْرِ وكقُبَرٍ والطريحُ المَطْروحُ والطَّرَحُ مُحرَّكةً: المكانُ البَعيدُ،…..”
ثم جمع ابن فارس هذا المعنى فكتب في مقاييس اللغة:
” الطاء والراء والحاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على نَبْذ الشَّيءِ وإِلقائِهِ. يقال طَرَحَ الشَّيْءَ يطرحُه طرحا ذلك الطَّرَح، وهو المكان البعيد. النَّوَى بفلانٍ كلَّ مَطرَحٍ، إذا نأتْ به ورمت به…”
وهكذا يبدو واضحا أن العرب لم تستعمل الفعل “طرح” إلا بمعنى “نبذ” و “ألقي بعيدا” وكان لا حاجة لأحد فيه. فكيف يمكن والحال هذا أن يستعمل اليوم كي يعني أنه أمر معروض للبحث وهناك حاجة لذلك، حيث لا يدل الفعل “طرح” على هذا المعنى.
إن استعمال الفعل في غير معناه أو ضده هو ليس من باب التطور حيث يكون التطور لحاجة مستجدة أو لعدم وجود كلمة تغني عن المطلوب. أما وان العرب استعملت فعل “عرض” ومشتقاته فلا حاجة لاستعارة فعل النبذ للدلالة على العرض.
قل: عرضت الأمر ولا تقل طرحت الأمر.
قل: مَرَّتْ عليه أرابيعُ
ولا تقل: مَرَّتْ عليه أربِعاءات
كتب الكسائي: ” ويقال سبتاٌ وسبتان وأسبُتٌ وسُبُوتٌ وأسباتٌ. وأحدٌ وأحدان، وآحادٌ. مثل أسس الحائطِ وآساس.
واثنين واثناوان وأثانين يا هذا، وأثانيُّ
وثُلاثاء وثُلاثاوان وثُلاثاوات وأثْلِثَة
وأربعاء وأربعاوان وأربعاوات وأرابيع
وخَميس وخميسان وخميساوات وأخمسة
وجُمعة وجُمعَتَان وجُمُعات وجُمع.”
قل: عندي دِرْهَم
ولا تقل: عندي دُرْهَم
كتب الكسائي: “ويقال عندي دِرْهَم بكسر الدال وفتح الهاء.”
قل: القنابِل والبراعِم والدراهِم (بكسر الحرف الرابع أي الحرف الذي قبل آخر الكلمة)
ولا تقل: القنابُل والبراعُم والدراهُم.
 كتب مصطفى جواد: “وكذلك تلفظ جميع الجموع التي على هذا الوزن كالخنافِس والزوارِق والبيارِق.”
قل: ما زال يبحث عن هُوَيَّة
ولا تقل: ما زال يبحث عن هَوِيَّة
وكتب عبد الهادي بوطالب: لا يصح في لفظ الهَوية فتح الهاء. وهو خطأ شائع على ألسنة الكثيرين في المغرب العربي والمشرق العربي على السواء. أصل الهُوية هي كلمة هُو (بضم الهاء ولا أحد ينطق بها بفتحها).
والأصل فيها السؤال: من هو فلان؟ والجواب هو كذا وكذا. وما يجيء في الجواب هو هُوية الشخص: اسمه، وجنسيته، ووطنه وخصائصه. ونقول إذن هُوية شخص، وهُوية شعب، وورقة التعريف، أو ورقة الهُوية.
فليتذكر الإعلامي لفظ هُو حين ينطق بالهُوية. لأن الهُوية ليست إلا هُو مع ياء النسبة. أما الهَوية (بفتح الهاء) فلا وجود لها في العربية وبالتالي لا دلالة لها. وتوجد كلمة الهاوية (بفتح الهاء) وهي تعني الحفرة العميقة، والأُخدود. وجاء إطلاقها في القرآن على جهنم :”وأما من خفّتْ موازينه فأمه هاوية. وما أدراك ماهيه، نار حامية”.
قل: أجنب الرجل اذا جاء من الغائط
ولا تقل: جنب الرجل اذا جاء من الغائط
كتب الحريري:ويقولون لمن أصابته الجنابة: قد جنب، فيوهمون فيه، لأن معنى جنب أصابته ريح الجنوب، فأما من الجنابة، فيقال فيه: قد أجنب.
وجوز أبو حاتم السجستاني في جنب، واشتقاقه من الجنابة وهي البعد، فكأنه سمي بذلك لتباعده عن المساجد إلى أن يغتسل، فأما قول ابن عباس، رضي الله عنه: الإنسان لا يجنب، والثوب لا يجنب، فأراد به أن الإنسان لا يجنب بمماسة الجنب وكذلك الثوب إذا لبسه الجنب.”
وعلق أبو الثناء الآلوسي على ما كتبه الحريري فقال:
“… هذا هو الحق فيقال أجنب وجنب كما في الفائق وغيره في القاموس قد أجنب وجَنِبَ أي بكسر النون وجَنُبَ أي بضمها، وأجنب أي على زنة المجهول واستجنب وهو جنب يستوي للواحد والجمع، أو يقال جنبان وأجناب.
فلا معنى لعد ذلك من الأوهام إلَّا فضول الكلام (واشتقاقه من الجنابة وهي البعد)، وكأنه سمي بذلك لأن متعاطي سببها يبعد في الغالب عن الناس بحيث لا يرونه عند الفعل، ولعله أولى من قوله (وكأنه سمي بهِ لتباعده عن المساجد إلى أن يغتسل)، إذ اللغة سابقة على وجوب الاغتسال فتأمل.”
قل: دَخَلَ المسجِدَ رِجالٌ جُنُبٌ
ولا تقل: دَخَلَ المسجِدَ رِجالٌ أجْناب
كتب الكسائي: “وتقول رجلٌ جُنُب، ورجلان جُنُب، ونسوة جُنُبٌ للمذكر والمؤنث سواء.”
قل: قطعته إرْبا إرْبا
ولا تقل: قطعته إرَبا إرَبا
وجاء في ملحق مفردات أوهام الخواص: “من قبيح أوهامهم أنهم يجمعون الإرب، وهو العضو، على إرَبٍ فيقولون: قطعته إرَبا إرَبا (بفتح الراء) ، أي أجزاء، فيقعون في الوهم والصواب أن يقال: قطعته إرْبا إرْبا “بتسكين الراء”، أي عضوا عضوا، لأن الإرب يجمع على آراب وليس على إرب.”انتهى
وكتب ابن فارس في مقاييس اللغة في باب “ارب”:
” الهمزة والراء والباء لها أربعةُ أصولٍ إليها ترجِع الفروع: وهي الحاجة، والعقل، والنَّصيب، والعَقْد. فأمّا الحاجة فقال الخليل: الأرَب الحاجة، وما أَرَبُك إلى هذا، أي ما حاجتك. والمأْرَبة والمَأْرُبَة والإرْبة، كل ذلك الحاجة. قال الله تعالى: غَيْرِ أُوْلِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ [النور 31]……
والإرْب: العقل. قال ابن الأعرابيّ: يقال للعقل أيضاً إربٌ وإرْبة كما يقال للحاجة إرْبَةٌ وإرْبٌ. والنعت من الإرْبِ أرِيبٌ، والفعل أَرُب بضم الراء. وقال ابن الأعرابيّ: أرُبَ الرجل يَأْرُبُ إرَباً.
وأما النَّصيب فهو والعُضْو من بابٍ واحد، لأنَّهما جزء الشّيء. قال الخليل وغيرُه: الأُرْبَة نَصيب اليَسَرِ من الجَزُور.
وقال ابن مُقْبِل:
لا يفرحون إذا ما فاز فائزهم              ولا تُرَدُّ عليهم أُرْبَةُ اليَسَرِ
وأما العَقْد والتشديد فقال أبو زيد: أرِبَ الرجل يَأْرَبُ إذا تشدَّد وضَنَّ وتَحَكَّر. ومن هذا الباب التأريب، وهوالتحريش، يقال أرَّبت عليهم. وتَأَرَّب فلانٌ علينا إذا التوى وتَعَسَّر وخالَف. قال الأصمعيّ: تَأَرَّبْتُ في حاجتي تشدّدت، وأَرّبْت العقدة أي شدّدتها. وهي التي لا تَنْحلُّ حتى تُحَلّ حَلاًّ. وإنما سمّيت قِلادة الفرَس والكلب أُرْبَةً لأنّها عُقِدَتْ في عُنُقهما. قال المتلمّس:
لو كنتَ كَلْبَ قنيصٍ كنت ذا جُدَد            تكون أُرْبَتُه في آخر المَرَسِ
قال ابنُ الأعرابي: رجل أرِبٌ إذا كان مُحكَم الأمر.”
قل: أدخل في عمله بَلُّورا كثيرا
ولا تقل: أدخل في عمله بِلُّورا كثيرا
كتب الحنفي: “يقولون للحجر المعروف بِلُّور، بكسر الباء وضم اللام. وفي القاموس: البَلُّور كتَنُّور وسَنّوْر.”
وجاء في القاموس”
” البَلُّورُ، كتَنُّورٍ وسِنَّوْرٍ وسِبَطْرٍ: جَوْهَرٌ م.
وكسِنَّوْرٍ: الضَّخْمُ الشُّجاعُ، والعظيمُ من مُلوكِ الهِنْدِ.”
وفوق كل ذي علم عليم!
وللحديث صلة….

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image