قل ولا تقل / الحلقة الرابعة عشرة


إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

 

قل: كابد العدوُّ خسارة كذا وكذا

ولا تقل: تكبَّد العدو الخسارة

وذلك لأن “تكبَّد” على وزن “تفعَّل” وقد ذكرنا في الكلام على “تعرَّض” أن تاءه وتاء أمثاله تدل على رغبة الفاعل في الفعل والمفعول به، والعدو لم يرغب في الخسارة كما هو بديهي. يضاف الى ذلك أن “تكبّد” له عدة معان ليس فيها ما يقابل “كابد” أي قاسى وتحمل بمشقة أو ما يقاربه.

قال ابن فارس في المقاييس: “الكاف والباء والدال أصلٌ صحيح يدلُّ على شِدّة في شيء وقُوّة. من ذلك الكَبَد، وهي المشقّة. يقال: لَقِيَ فلانٌ من هذا الأمر كَبَداً، أي مشَقة. قال تعالى: لَقَدْ خَلقْنَا الإنسانَ في كَبَدٍ…. ومن الاستعارة: كَبِد السَّماء: وسطها….. ويقال: تكبَّدَتِ الشّمس، إذا صارت في كَبِد السماء…. وتَكَبَّدَ اللَّبنُ: غَلُظَ وخَثُر.”

وورد في لسان العرب: “وتَكَبَّدتِ الشمسُ السماءَ: صارت في كَبِدِها…..ويقال: تكبدت الأمر قصدته ومنه قوله: يروم البلاد أيها يتكبد…. وتكبد الفلاة إذا قصد وسطها ومعظمها… وتَكَبَّد اللبنُ وغيرُه من الشراب: غَلُظ وخَثُر”.

فتكبَّد الشيء المائع لا مطمع فيه لتوجيه الخطأ في قولهم “تكبَّد خسارة”  لأنه مشتق من الكبد وبمعنى صار مثل الكبد، وتكبدَّت الشمس السماء وتكبّد فلان الفلاة والأمر، يدل على إرادة الفاعل لفعل، كما ذكرنا، فلا وجه لإستعارة جديدة كأن يقال: “أراد العدو الدخول في وسط الخسارة” فإنه لا يريدها بل يريد الفوز والفلح والظفر والغلبة والإخسار. فالصواب ما ذكرناه وهو “كابد العدو الخسارة”.

قال ابن فارس: “وكابدت الأمر: قاسيته في مشقة”.

وورد في لسان العرب  في تفسير الآية المذكورة آنفاً: “… وفي كَبَدَ يكابد أَمر الدنيا والآخرة. قال أَبو منصور: ومكابَدَةُ الأَمر معاناة مشقته.
وكابَدْت الأَمر إِذا قاسيت شدته…… الليث: الرجل يُكابِدُ الليلَ إِذا رَكِبَ هَوْلَه وصُعُوبَتَه، ويقال: كابَدْتُ ظلمة هذه الليلة مُكابدة شديدة… وكابَدَ الأَمرَ مُكابَدَة وكِباداً: قاساه….. قال العجاج:

 ولَيْلَةٍ مِنَ اللَّيالي مَرَّتْ             بِكابِدٍ، كابَدْتُها وجَرَّتْ

 أَي طالت.”

هذا معظم النصوص اللغوية المعجمية لإستعمال “كابد” ومن شواهد الواقع اللغوي لها ما ورد “ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ: ﺗﺮﺑﺖ ﺃﻳﺪﻳﻜﻢ إلى ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺪﻫﺮ، أما إني قد أمرتكم فعصيتموني فمكثت (أكابد ما في نفسي) ورأيت في الليل المقداد ﻭﺳﻠﻤﺎﻥ ﻭﺃﺑﺎ ﺫﺭ ﻭﻋﺒﺎﺩﺓ ﺑﻦ ﺍﻟﺼﺎﻣﺖ ﻭﺃﺑﺎ الهيثم ﺑﻦ ﺍﻟﺘﻴﻬﺎﻥ ﻭﺣﺬﻳﻔﺔ ﻭﻋﻤﺎﺭﺍﹰ، ﻭﻫﻢ ﻳﺮﻳﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺪﻭﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺷﻮﺭﻯ بين المهاجرين.[1]” وتأتي المكابدة للمقاومة عامة والمنازلة مع مقاساة مشقة، فمن ذلك ما ورد في أبيات  عُزيت الى معاوية بن أبي سفيان:

أكابده والسيف بيني وبينه                       ولست لأثواب الدنيء بلابس

وإني لأرجو خير ما نال نائل      وما أنا من ملك العراق بيائس

وقال ابن الجوزي: “… عنه وهب بن منبه قال: إني وجدت فيما أنزل الله على أنبيائه أن الشيطان (لم يكابد) شيئا أشد عليه من مؤمن عاقل وانه “يكابد” مائة جاهل فيستجرهم حتى يركب رقابهم فينقادون له حيث شاء “ويكابد” المؤمن العاقل فيتعصب عليه حتى لا ينال منه شيئاً من حاجته”.

وقال جحدر سجين الحجاج:

وتقدمي لليّث أرسفُ نحوه                      حتى أكابده على الإحراج

وجاء في أخبار قبيلة جديس قول عُفيرة بنت الأسود الجدسي لأخيها الأسود: “لا تفعل هذا فإن الغدر فيه ذلة وعار ولكن (كابدوا) القوم في ديارهم تظفروا أو تموتوا كراماً”.

وبما نقلناه من نصوص واقع اللغة العربية في استعمال “كابد” يظهر للقارئ تقصير اللغويين القدامي في ذكر معاني هذا الفعل المجازية الإستعارية التي هي جناحا كل لغة محلقة في سماء الحضارة والجدارة بالإزدهار والتقلب في جميل الأطوار، وباب الإستعارة مفتوح في اللغة العربية على شرط أن تكون سائغة عذبة في أذواق العرب. (م ج)

قل: مُتخصّصٌ بالعلم

ولا تقل: إخصائيّ به

وذلك أن “الإخصائي” على وزن الإعدامي إنما هو منسوب الى “الإخصاء” على وزن الإعدام، والإخصاء مشتق من “الخصي” أي المخصي. قال جار الله الزمخشري في “ربيع الأبرار” وهو كتاب مشهور: “إن من لا يعلم إلا فنَاً واحداً من العلم ينبغى أن يسمى خصي العلماء”. والسبب في ذلك أن الوقوف على علم واحد عند القدماء كان عجزاً وعيباً. من لفظ “الخصيّ” المذكور أخذوا الفعل “أخصى يخصي” والمصدر الإخصاء. فمعنى أخصى فلان هو “صار  خصياً في العلم” مثل أثرى أي صار ثرياً وأفصح بمعنى صار فصيحاً.

قال مؤلف القاموس: “وأخصى: تعلم علماً واحداً”. وفي قوله اشارة إلى أنه لم يتقن العلم الواحد ولو كان فيه دلالة على الإتقان لقال “تعلم علماً واحداً وأتقنه وبرع فيه ومهر وتبحر فيه” وما إلى ذلك. فالإخصاء أقرب الى الذم من التصريح به، ثم أن قباحة اللفظ تدل على قبح معناه، وقد أحسن بذلك من اختاره لتأدية  معنى “سبيسياليست” الفرنسية فاجتنب اسم فاعله القبيح وهو “المُخصي” على وزن المُثري وأخذ مصدره “الإخصاء” ونسب اليه ليغطي على عواره ويستر من شينه، مع ان العرب تقدم اسم الفاعل والصفة المشبهة على غيرهما في مثل هذا المعنى، لذلك  قالت: “الرازق والمفسد والمستقصي” ولم تقل “الرزقي والإفسادي والإستقصائي”. وقالت الشريف ولم تقل الشرفي لتأدية معناه. فأنت ترى ان “الإخصائي” اسم قبيح في المعنى وغلط في الوضع. ومن أدلتنا على صحة المتخصص قول القفطي في ترجمة ابن عبد الأعلى المنجم المصري “وعلي هذا من المتخصصين بعلم النجوم وله مع هذا أدب وشعر”. (م ج)

قل: طبيب متخصص وأطباء متخصصون

ولا تقل: طبيب إخصائي ولا أطباء إخصائيون

فالاخصائي منسوب الى الإخصاء، ذكر الفيروزأبادي في القاموس أنهم قالوا “أخصى فلان إذا تعلم علماً واحداً” فظن واضح الإصطلاح أن “الاخصاء” هو للمدح والتنبيه والتنويه، فنسب اليه على صورة “اخصائي” وهذا النسب مخالف للذوق واللغة، لأن الوصف بالإخصائي لا يفيد البتة. ألا ترى أن المعلم لا يقال “تعليمي” والمدرس لا يقال “تدريسي” فما كان الداعي الى استبدال المصدر باسم الفاعل، فالمعطي لم يسمه أحد الإعطائي. (م ج)

قل: مكان وطيء وخفيض أي منخفض

ولا تقل: مكان واطئ

لأن الوطيء هو السهل والمنخفض. قال ابن مكرم الأنصاري: “والوَطِيءُ السَّهْلُ من الناسِ والدَّوابِّ والأماكِنِ. وقد وَطُؤَ الموضعُ، بالضم، يَوْطُؤُ وطَاءة وَوُطُوءة وطِئةً: صار وَطِيئاً….. والوَطَاءُ والوِطَاءُ: ما انْخَفَضَ من الأَرض بين النّشازِ والإِشْرافِ، والمِيطَاءُ كذلك…. ويقال: هذه أَرضٌ مُسْتَوِيةٌ لا رِباءَ فيها ولا وِطَاءَ أَي لا صُعُودَ فيها ولا انْخفاضَ.”  انتهى المراد نقله من لسان العرب. أما الواطئ فهو اسم فاعل من “وطئ الشيء يطؤه وطأً أي داسه” قال الشاعر:

ووطئتنا وطأً على حنق                         وطء المقيد نابت الهرم

فالواطئ هو العالي بالنسبة الى الموطئ، فاستعمال الواطئ يدل على عكس المراد فقل: مكان وطيء. (م ج)

قل: نذيع بينكم وفيكم

ولا تقل: نذيع عليكم

ويقولون “نذيع عليكم” بمعنى نذيع بينكم وفيكم وذلك خطأ لأن “على” في العربية تفيد الإستعلاء والتسلط والأذي في الأعم الأغلب. فمعنى “نذيع عليكم” هو ننشر أخباراً سيئة وأوصافاً قبيحة لكم أو ما تكرهون نشره من أحوالكم، كما يقال “قال عليهم وتقول عليهم ونشر عليهم ونادى عليهم ورفع عليهم”. قال الجوهري في الصحاح: “ذاع الخبر يذيع ذيعا وذيوعة وذيعاناً أي انتشر، وأذاعه أي أفشاه والمذياع الذي لا يكتم السر”.. وورد في أساس البلاغة للمزمخشري: “ذاع سره ذيوعاً وأذاع الخبر والسر وأذاعه وهو مذيع مذياع”.

وفي المصباح المنير: “ذاع الحديث ذيعاً وذيوعاً: انتشر وظهر وأذعته: أظهرته”. وفي القاموس: “ذاع الخبر يذيع ذيعاً وذيوعاً و ذيوعة وذَيَعاناً (محركة): انتشر وأذاع سره وبه أفشاه وأظهره أو نادى به في الناس”.

وفي لسان العرب: “الذَّيْعُ: أَن يَشِيع الأَمرُ. يقال أَذَعْناه فذاع وأَذَعْت الأَمر وأَذَعْتُ به وأَذَعْتُ السِّرَّ إِذاعة إِذا أَفْشيْته وأَظهرته.
وذاعَ الشيءُ والخبر… وأَذاعه وأَذاع به أَي أَفشاه.
وأَذاعَ بالشيء…. وفي التنزيل: وإِذا جاءهم أَمْر من الأَمْن أَو الخَوْف أَذاعوا به، قال أَبو إِسحق: يعني بهذا جماعة من المنافقين وضَعَفةً من المسلمين، قال: ومعنى أَذاعُوا به أَي أَظهروه ونادَوْا به في الناس؛ وأَنشد: أَذاعَ به في الناسِ حتى كأَنه             بعَلْياء نارٌ أُوقِدتْ بثَقُوبِ”.

فهذه معظم النصوص اللغوية للفعل “أذاع” ومصدره “الإذاعة” ولم يذكر اللغويون حرفها ولا الظرف المتمم لجملها، سوى ما ورد في بيت الشعر، فمن البديهي أن يكون الحرف “في” والظرف “بين” ويجوز “عند” إذا اقتضاه المعنى، كما يقال “نشر فيهم وبينهم”.

أما “أذاع عليه” فكما ذكرنا في أول التنبيه يفيد النشر السيء والوصف القبيح ونشر ما يكره نشره. جاء في مادة ر ف ع من أساس البلاغة “ورفع فلان على العامل: أذاع عليه خبره”، يعني نشر بين الناس اختيانه أو احتجانه. ومع هذا فأنا على عادتي لا أترك ما أحتج له أو ما أنبه عليه خلواً من شواهد الواقع اللغوي أي الإستعمال لكي يطمئن القارئ ويجد فائدة زائدة على ما ذكر اللغويون فإن نصوصهم في متناول المتناول.

جاء في أخبار نصيب قول قائلة: “فرأيت السوداء تخبط الأسود وتقول له: شهرتني و (أذعت في الناس ) ذكري. فإذا هو نصيب وزوجته”. وقال أبو الأسود الدؤلي في بعض الرجال، وقد ذكرناه آنفاً في النصوص اللغوية ولم يذكروا قائله ليقووا ناقله:

أذاع به في الناس حتى كأنه                    بعلياء نار أوقدت بثقوب

أما “أذاع عليه أو عليه” فيفيد النشر السيء أو الوصف القبيح أو نشر ما  يكره نشره أو يكرهونه. جاء في أخبار ديك الجن عبد السلام بن رغبان الشاعر: “وحكا ابن عمه بغضه إياه بعد مودته وإشفاقه عليه بسبب هجائه له على أن (أذاع على تلك المرأة) التي تزوجها عبد السلام أنها تهوى غلاماً لها”. وقال عمرو بن مسعدة الأديب الكاتب للمأمون: “وإنما كنت غبياً لو (أذعت سراً على السلطان) فيه ندم أو نقض تدبير”.

وقال موسى بن علقمة المكي في قصة فتى من النساك مغرم بجارية أشد الغرام وهائم بحبها أشد الهيام: “فدخلت عليه يوماً ولم أزل به ألح عليه إلى أن حدثني بحديثه وما يقاسيه وسأل (أن لا أذيع عليه ذلك) ولا يسمع به أحد فرحمته لما يقاسي وما صار إليه”. وقدمنا قول الزمخشري في مادة ر ف ع من أساس البلاغة “ورفع فلان على العامل”.

ولقائل أن يقول إن باب الإستعارة مفتوح في العربية وباب التضمين غير مغلق أفلا يجوز أن يستعمل “أذاع عليه أو عليهم” بمعنى قرأ عليه أو عليهم؟ قلنا لو لم يستعمله الفصحاء بذلك المعنى الذي ذكرناه ولو لم يذع على النحو الذي ذكرنا شواهده لجاز ذلك، فلماذا لا يقال “نقرأ عليه وعليكم” ولماذا هذا العبث باسلوب العرب الفصيح في خطابهم وكتابهم؟

فالصواب: نذيع فيكم وبينكم. (م ج)

قل: وجبَ هنا التنبيه

ولا تقل: وجبَ هنا التَّنويه

كتب إبراهيم اليازجي في “لغة الجرائد”: “ويقولون نوه بالأمر ونوه عنه أي ذكره تلويحاً وأشار اليه من طرف خفي وليس ذلك من استعمال العرب في شيء وانما هو تواطؤ العامة. قال في الأساس نوهت به تنويهاً رفعت ذكره وشهرته. وإذا رفعت صوتك فدعوت إنساناً قلت نوهت به ونوهت بالحديث أشدت به وأظهرته. ا ه. فهو لا يخلو أن يكون على عكس استعمالهم كما ترى”. وذكر مثله خالد العبري وأضاف قائلاً: “نستعمل كثيراً لفظة: “تَنويه” قاصدين بها “التنبيه”، والتنويه ليست كالتنبيه فلا تصلح أن تستعمل للمعنى نفسه. فالتنويه في اللغة يعني: الثناء والإشادة بشخص معين والرفع من ذكره، وهو معنى – كما ترى – بعيد عن معنى التنبيه.

ويمكن أن نستأنس هنا بقول صفي الدين الحلي (من الوافر):

فكيف أروم أم أجزيك صنعاً                    وأيسر صنعك التنويه باسمي

قل: نعم الرجل فلان

و لاتقل: أنعم بفلان من رجل

ويقولون أنعم بفلان من رجل أي نعم الرجل فيأتون به على صيغة أفعل على حد أكرم به مثلا ومنهم من يجمع بينهما يقول أنعم به وأكرم وهي من العبارات الشائعة على ألسنة العامة. ومعلوم أن أنعم به صيغة تعجب فهو بمعنى ما أنعمه كما أن أكرم به بمعنى ما أكرمه وحينئذ فاشتقاقه (أي أنعم) من النعومة أو النعمة لا من نِعْمَ التي هي فعل مدح لأن هذه من الأفعال الجامدة التي لا تبنى منها صيغة تعجب. (إ ي)

قل: هذا من تراثنا الشعبي

ولا تقل: هذا من فلكلورنا

فقد شاع في القرن العشرين استعمال لفظة “فلكلور” فكتب عنها الكتاب وتحدث عنها المتحدثون. بل إن الأمر اخذ منحى أخطر من ذلك حين قرر مجمع اللغة العربية في القاهرة عام 1972 إعتماد لفظة “فلكلور” على أنها تعني ما تركه السلف من الفنون والآداب الشعبية. وترتب على ذلك أنها دخلت “المعجم الوسيط” حيت ظهرت منذ عام 1973 كما يلي:

فلكلور: مأثورات شعبية أو تراث شعبي (مج)

ولعمري لا أدري ما الذي دفع مجمع اللغة لإتخاذ هذا القرار، فقد يعذر جهلة نجد والخليج إذا لم يميزوا بين القاف والغين لكن مجلساً أخذ على نفسه أن يحمي هذه اللغة ويصونها لا يمكن له أن يدخل عليها الهجين المستجهن دون مسوغ! ولكي أوضح ما أريده تعالوا نرى اصل هذه اللفظة الإنكليزية لنفهم سبب دخولها للعربية. فكل من يعرف الإنكليزية لا بد أن يعرف أنها لغة لا تقدر على الإشتقاق لأنها لا جذور لها فهي حين تحتاج لإشتقاق لفظة جديدة لا بد أن تلجأ في أغلب الأحيان للغة اللاتينية وقد تلجأ أحياناً للجرمانية. وهذا الكلمة دخلت الإستعمال في الإنكليزية أول مرة عام 1846 حين اشتقها الكاتب الإنكليزي ويليام جونز توماس، أي أنها لم تكن مستعملة حتى في الإنكليزية قبل ذلك التأريخ. ولست ملماً باللاتينية أو الإغريقية حتى أستدل على ما كانت تلك الأقوام تستعمل لتعبر فيه عن تراثها الشعبي. وحبذا لو تمكن أحد الباحثين العرب أن يعلمنا بما كان العرب يستعملون من لفظ إذا ما تحدثوا عن ملحمة “كلكامش” أو زرقاء اليمامة على سبيل المثال قبل أن ياتينا ويليام بالفلكلور.

 ويبدو أن ويليام توماس أخذها عن الجرمانية. فقد اشتقها من كلمتين وهما “فوك” و “لور”. أما الأولى “فوك” فتعني “الشعب” وأما “لور” فتعني “التراث”. وقد اصبحت كلمة “فلكلور” الإنكليزية تعني على وفق تعريف القاموس “إيمان وعادات وأساطير وخرافات مجموعة عرقية من الناس”. وحيث إنا لا يمكن لنا أن نعرب كلمة عن الإنكليزية ونعطيها معنى يتجاوز المعنى الأصلي الذي أخذنا عنه فإنه يصيح واضحاً أن الكلمة لا تعني في الأصل أكثر من “التراث الشعبي”. فما الذي أضطر مجمع اللغة العربية في القاهرة ألا يستعمل المصطلع العربي “التراث الشعبي” وهو أفضل وقعاُ في السمع العربي من اللفظ الإنكليزي وأوفي في المعنى؟.

فقل: التراث الشعبي

ولا تقل: الفلكلور. (ع ع)

وللحديث صلة….

عبد الحق العاني

12 تشرين أول 2013



[1] شرح نهج البلاغة لإبن ابي الحديد مج 1   ص74 طبعة الحلبي الأولى.

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image