لماذا سيفشل مؤتمر جنيف 2، إذا انعقد؟

إن من يستمع للقنوات السورية وهي تتحدث عن بيان جنيف 1 وأهمية جنيف 2 يعتقد أن بيان جنيف 1 نزل قبل سورة العلق وأن جنيف 2 أهم من بيعة السقيفة!

وحتى لا أتهم بالمغالاة في ما أقوله دعونا ننظر للحقائق..

فما هو بيان جنيف 1؟ أليس هو البيان الذي أصدرته الدول الأوربية لمعالجة قضية وطنية قومية عربية وذلك دون الرجوع لنا واستشارتنا؟ أليس هذا هو ما حدث في إتفاقية سايكس بيكو حين قرر الفرنسيون والبريطانيون عام 1916 تقسيم المنطقة على وفق مصالحهم دون الأخذ بالحسبان بما يريده أهلها فكان ما كان من تقسيم بلاد الشام وما آلت اليه اليوم من دويلة في لبنان ودويلة في سورية وشبه دويلة في شرق الأردن ولا حتى دويلة في فلسطين؟ وكان اقتطاع الكويت من العراق ومنع العراق من مخرج على الخليج لخنقه وتحجيمه فكان ما كان من كوارث حين حاول العراق استعادة الكويت في الوقت الخطأ؟ فما عدا مما بدا؟ هل إن ثمانين عاماً من البناء والتضحيات والحروب والعرق والدم كانت عبثاً وأننا عدنا لمطلع القرن العشرين وكأن شيئاً لم يتغير؟ وأين المشروع القومي الواعد من كل هذا إذا أنتج لنا بعد خمسن عاماً حاضنة شعبية في مناطق عدة من سورية والعراق تقاتل من أجل بناء دولة متخلفة باسم سلفية لا تعرف عنا سوى اسمها؟

وقد يقول قائل أني متشائم أو باعث على التثبيط.. وليتني كنت كذلك فذلك أسهل الحلول!

فما الذي قرره بيان جنيف 1؟ ومن صاغه ولمصلحة من هو؟ وماذا سيحدث في جنيف 2؟

أولا: إن الدول التي حضرت مؤتمر جنيف يوم 30 حزيران 2012 والمسماة “فريق العمل” واصدرت بيانها المشؤوم هي:

الولايات المتحدة، روسيا الإتحادية، الصين، فرنسا، بريطانيا، تركيا، قطر، الكويت، العراق، وممثل الإتحاد الأوربي بحضور الأمين العام للأمم المتحدة والإبراهيمي.

ويكفي لأي متفرج على الحدث السياسي أن يستنتج من هذه التركيبة المعادية، والتي ساهم ويساهم أكثر أعضائها في العدوان على سورية وخرابها ويعلن جهاراً رغبته ونيته في إسقاط النظام السياسي حتى دون أن يقدم بديلاً، أنها ليست تركيبة سليمة أو عادلة أو أمينة… أي بمعنى آخر لا يمكن لهذه المجموعة أن تكون هادفة لحماية سورية ما دامت شريكة في العدوان على سورية.

هذا كما لايمكن للمتابع إلا أن يتساءل عن سبب حضور دويلات لا قيمة لها في الميزان السياسي والدولي والصراع العقائدي الحقيقي على  أرض العرب… فهل لحكومات قطر أو الكويت أو العراق قيمة في أية معركة على أرض العرب اليوم أو غدا أو بعد غد؟

لكن المهم والأخطر في مؤتمر جنيف 1 هو أن سورية صاحبة القضية والمستهدفة في العدوان كانت مستبعدة عمداً… وليس هذا الإستبعاد عفوياً بل جاء بقرار متفق عليه بين دول العدوان من أجل جعل القضية وكأنها قضية عالمية تتعلق بصراع بين طرفين مما يجعل من العسير دعوة طرف دون آخر… بينما واقع الحال هو ان المعركة في سورية هي قضية داخلية صرفة لا تختلف عن تمرد الشيشان في روسيا أو تمرد الجيش الإيرلندي في بريطانيا..

وأهم ما تضمنه بيان جنيف 1 هو:

قيام كافة الأطراف بوقف كل أعمال العنف المسلح.

إتفاق أطراف فريق العمل على قواعد المرحلة الإنتقالية التي تتضمن ما يلي:

منظور المستقبل: دولة ديموقراطية تعددية تسمح بتحقيق تطلعات القوى الناشئة للمشاركة في العملية السياسية، وتكون الدولة  مبنية على قاعدة إحترام حقوق الإنسان وسيادة وإحترام القانون.

خطوات الفترة الإنتقالية: سوف ينتهي العنف عندما تتأكد كل الأطراف أن هناك سبيلا سلمياً لمستقبل مشترك في سورية. ويتطلب تحقيق ذلك الخطوات التالية:

–        تأسيس هيئة حكم إنتقالية تخلق جواً حيادياً يمكن أن يتحقق الإنتقال من خلاله. وهذا يعني أن هيئة الحكم تلك ستتمتع بكافة السلطات التنفيذية. ويمكن لتلك الهيئة أن تضم أعضاءً من الحكومة الحالية ومن المعارضة ومن أطراف أخرى وتتألف على اسس من التفاهم المشترك.

–        للشعب السوري أن يقرر مصيره من خلال حوار بناء وشامل.

–        وستكون هناك مراجعة للنظام الدستوري والقانوني ويجري عرض ذلك على إستفتاء شعبي.

–        فإذا تم تبني النظام الدستوري الجديد تجري الإنتخابات متعددة الأحزاب للمؤسسات والمواقع التي شرعت.

–        يجب تمثيل المرأة في كل مراحل الإنتقال.

وضم البيان خطوات لتحقيق الأمن والأمان والهدوء كما ضم خطوات لتحقيق التفاهم السياسي الموثوق… وهي في أغلبها إنشائية لا تعني أكثر من كلام على ورق…

لكن المهم في البيان هو ما أسلفت أعلاه….

فلا يمكن إلا لأعمى أن يسمع ما جاء في بيان جنيف 1 ولا يرى فيه دعوة لإنهاء النظام السياسي الذي حكم سورية أكثر من خمسين عاماً واستبداله بنظام موالي للصهيونية العالمية…خصوصاً وان البيان تم إعداده وتبنيه وإصداره دون أن يكون للدولة السورية صاحبة الشأن اي دور فيه، وهو تماماً ما حدث للعراق في قرارات مجلس الأمن التي لم يدع العراق حتى لسماع رأيه في أي منها وذلك قبل ايام حكومات اللصوص والخونة! فقد تعود العالم أن كل حركة تطالب فيها الولايات المتحدة بتغيير النظام السياسي تنتهي كما انتهت دول أمريكا الوسطى وكما انتهى العراق، دويلات فاسدة متهرئة لا تنتج شيئاً سوى المشاكل وتعيش مجتمعاتها على الإستهلاك للسلع التي تنتج في النظام الرأسمالي وهي تأكل وتشرب وتنكح لا غير، كما هو الحال في دول الجزيرة والخليج!

وكما هو الحال في أي بيان دولي فهو عادة ما يحمل عوامل تناقضه في داخله حتى يسمح لأي طرف أن يفسره كما يشاء…وما أصبح عرضة للتأويل في بيان جنيف1 هو صلاحيات الحكومة الإنتقالية..

وقد نجحت الصهيونية كعادتها في تحويل هذا التأويل لمصلحتها وذلك بجعله يتركز حول سلطة الرئيس الأسد خلال الفترة الإنتقالية من عدمها، وهي ما انفكت تؤكد في مناسبة وغير مناسبة أن هدفها الأول والأخير نهاية نظام الأسد وما يعنيه ذلك من نهاية نظام البعث وإنهاء المشروع القومي العربي بعد إنهائه في مصر والعراق!  لكن الحقيقة التي أخفتها الصهيونية وهي تجادل حول بقاء الأسد أو رحيله هي أنها تريد أن تدير سورية أثناء الفترة الإنتقالية سلطة مستقلة عن البعث تتحكم ليس في الحكومة فقط ولكن في الأمن الدفاع وكل مرافق الحياة. أي بمعنى أدق إن التركيز على دور الأسد من عدمه يهدف لتأمين حقيقة أن الحكومة الإنتقالية لها سلطة مطلقة في سورية باي حال من الأحوال سواء أكان للأسد دور أم لم يكن… وهكذا انطلت اللعبة على الجميع!

وقد يقول قائل إن روسيا لن تسمح بذلك… ولست واثقاً من سلامة هذا الإستنتاج. ذلك لأن روسيا حريصة على شيئين لا اشك فيها، أولهما أنها حريصة على أن يسود القانون الدولي في التعامل بين الدول بمعنى منع العدوان كلما أمكن ذلك. والثاني هو أن الشرق الأوسط حدودها الطبيعية ليس فقط للقرب الجغرافي ولكن بسبب التركيبة السكانية في الجمهوريات الإسلامية لوسط آسيا والنسبة الكبيرة لمسلمي روسيا نفسها وما يمكن أن يعكسه أي تفجر ديني في أرض العرب عليها.. لكن روسيا في الوقت نفسه تفهم جيدا ً الفرق بين الحد الذي يمكن أن تمضي فيه إذا ما قيس بالحد الذي يمكن أن تمضي فيه الولايات المتحدة… ذلك لأن روسيا سوءا أكانت روسيا الشيوعية أم روسيا بوتين القيصرية الجديدة لن تدخل حرباً من أجل دولة مشرقية بينما تدخل الولايات المتحدة رهينة الصهيونية حرباً في أي ساعة من أجل ضمان هيمنة إسرائيل على المنطقة وانفرادها بالسلاح المدمر، وهكذا يجب أن يفهم موقف روسيا من السلاح الكيميائي السوري الذي أمنت هي نزعه في مقابل الصمت المطبق عن ترسانة السلاح المدمر لدى إسرائيل!

هذا إلى جانب أن روسيا القيصرية ليست متحمسة كثيرا للنظم الإشتراكية التي قامت محاكاة للنظام الشيوعي.. فقد يكون من صميم السياسية الروسية الجديدة رغبة حقيقية في خلق دول تحل محل الدول الإشتراكية في العراق وليبيا وسورية، ليس عن طريق تخريبها طبعا كما فعلت الصهيونية ولكن عن طريق “ديموقراطية” إن أمكن. أي بمعنى آخر إن روسيا لن تتمسك ببقاء بشار الأسد ونظام البعث إذا وجدت أن النظام البديل سوف لا يتعرض لمصالحها!

فما الذي ينتظر في مؤتمر جنيف 2؟

ليس هناك اختلاف على أن الصهيونية تعيش مرحلة إرباك كبير حيث إنها عولت على أن تحضر مؤتمر جنيف 2 بعد أن يكون أجراؤها قد حققوا نصراً على الأرض وفرضوا معادلة تمكنهم في المؤتمر من المطالبة بإنتزاع السلطة من يد القوميين وتسليمها للصوص والخونة كما فعلت في العراق بعد غزوه… إلا أن النجاح السياسي المتميز للأسد والخاصة من حوله في إدارة المعركة قلب ذلك الحلم كابوساً…. فكان أول الضحايا النعجة “حمد بن جاسم” والذي كان يصول ويجول وأصبح اليوم أخرس من جدار!

وهي اليوم تتخبط في محاولة يائسة لتشكيل وفد يضم المعارضة الموالية لها… لكنها تجد أن رجالها يهربون كالجرذان.. فكيف يمكن لسليم إدريس أن يهرب أمام “دشداشة” القاعدة البائسة وهو يدعي انه بديل وأنه قادر على أن يسقط الأسد ونظامه؟ وأية مشروعية سيمتلك إذا حضر جنيف 2 وليس له في سورية حتى موضع قدم؟

لكن المهم بالنسبة لي هو ليس ما سيفعله هؤلاء الأقزام من العرب فكلهم في النتيجة أدوات حيث إن الصراع الحقيقي هو بين البعث والصهيونية..إنما المهم لي هو كيف يمكن للسوري الوطني الحقيقي، والذي له كل الحق أن يختلف مع البعث وأن يطالب بحقه في المشاركة في البناء والقرار السياسي، كيف يمكن لهذا السوري الوطني أن يسمح للسفير الأمريكي في سورية أن يقرر من هم أعضاء وفد المعارضة إلى جنيف 2؟ وكيف سيكون مؤتمر جنيف حقاً مؤتمراً بين نظام البعث وخصومه الوطنيين في هذه الحالة؟ أليس قرار السفير الأمريكي الذي أبلغ  للروس برفض قبول قدري جميل ضمن وفد المعارضة إعلاناً صريحاً بأن الصهيونية هي التي ستحضر مؤتمر جنيف2 أمام البعث وليس وفداً آخر؟ أليس من حق قدري جميل، وهو الذي خرج من الحكومة لكي يكون مع المعارضة وهذا حقه ولا شك، أن يقرر أن يحضر مؤتمراً سورياً مع المعارضة إذا شاء؟

وحيث إن المؤتمر في حقيقته سيكون مواجهة بين المشروع القومي العربي والصهيونية، ولا علاقة له “بالديموقراطية” وحق الشعب السوري فهذه آخر ما تهتم به الصهيونية، فإني أدعو بشار الأسد أن يتعامل مع المؤتمر إذا انعقد على هذه الأسس وبهذه الصراحة وأن يقف وقفة الأسد فيه، هذا إذا انعقد فعلاً..

فإذا افترضنا انه انعقد فعلا وكانت الصهيونية تريد حقاً ان تفاوض المشروع القومي العربي في آخر معاقله، فهذا ما يجب أن يكون الموقف القومي العربي، وهو الموقع الذي يفاوض فيه من قوة وليس من ضعف حيث يمتلك الأرض والرجال والإرادة:

–        حيث إن بيان جنيف 1 أكد وحدة سورية وسلامة أراضيها، ولما كانت سورية في موضع المواجهة منذ أربعين عاماً فإن نزع فتيل الحرب والتوتر يقتضي عودة الجولان المحتل فوراً ودون قيد أو شرط كما قضت قرارات مجلس الأمن. لذا فإن مؤتمر جنيف يجب أن يتخذ قراراً يطالب فيه مجلس الأمن باتخاذ الخطوات اللازمة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لعودة الجولان لسورية.

–        على مؤتمر جنيف 2 أن يطلب من مجلس الأمن إتخاذ قرار تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بمنع أي تدخل أجنبي في الشأن السوري ومنع أي سلاح أو دعم أو تموين لأية مجموعة خارج الدولة السورية، وإيقاف عمليات تغلغل الأفراد من أية جهة كانت إلى سورية خلافا للقوانين السورية.

–        على مؤتمر جنيف أن يقر بحق الدولة السورية المطلق في مقاومة الإرهاب ودحره في أي شبر من الأرض السورية وأن يستعين بمن يشاء على وفق قواعد القانون الدولي لرد العدوان.

–        على مؤتمر جنيف 2، بسبب ماوقع في سورية من جرائم خلال الأعوام الثلاثة الماضية ، أن يتبنى بالكامل دستور محكمة الجنايات الدولية بما فيها تعريف الدستور لجرائم الحرب والعدوان والجرائم ضد الإنسانية.

–        على مؤتمر جنيف أن يقر على وفق قواعد القانون الدولي تطبيق دستور محكمة الجنايات الدولية على جميع الأطراف المشاركة في العدوان على سورية. ومقاضاة المعتدي.

–        على مؤتمر جنيف أن يقر أن كل من تثبت مشاركته في العدوان على الدولة السورية وسيادتها كما هو معرف وفق قواعد القانون الدولي، أن يعوض الشعب السوري بما يتناسب وحجم الضرر الذي سببته مشاركته في العدوان.

–        حيث إنه سيكون من المستحيل في الوضع القائم تثبيت ما حقيقة قوة كل من يدعي أنه يمثل شريحة من المجتمع السوري وإرادته فإن الطريق الوحيد لتبيان ذلك هو القيام باستفتاء فوري وبإشراف دولي على سؤال واحد: هل تؤيد بقاء الأسد أم لا؟

–        فإذا جاءت نتيجة الإستفتاء بتاييد بقاء الأسد فله الحق وحده بعد هذا التفويض الشعب السوري، أن يعقد مؤتمر مصالحة وطنية لإعداد دستور جديد وانتخابات نيابية جديدة.

–        أما إذا كان جواب الشعب السوري برفض الأسد فإن سورية ستوضع تحت الوصاية الدولية لإعداد مشاورات شعبية واسعة وتبني دستور جديد على ضوء ذلك.

هذا هو ما يجب أن يكون عليه موقف سورية في مؤتمر جنيف 2 إذا انعقد…

ولا تنس يا بشار أن تكتب لأوباما، وليس لعبده الأجرب بن الجربا، ما كتبه علي بن أبي طالب لمعاوية بن أبي سفيان:

“وما كنت لأعطيك اليوم ما منعتك بالأمس”.

عبد الحق العاني

16 كانون الأول 2013

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image