قل ولا تقل / الحلقة الرابعة والعشرون


إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

قل: هؤلاء الضباط البُسلاء والباسلون

ولا تقل: هؤلاء الضباط البواسل

لأن “البسلاء” هو جمع البسيل في الأصل وجمع الباسل في الإستعارة المعروفة باستعارة الجموع، والبسيل والباسل معناهما الشجاع والبطل الشديد، وجمع العقلاء على فُعلاء أي بُسلاء نحو كريم وكُرماء هذا لبسيل. ويقال باسل وبُسلاء نحو شاعر وشعراء وفاضل وفضلاء.

أما “البواسل” فهو جمع لغير العاقل وللمؤنث، تقول أسد باسل واسود بواسل وفتاة باسلة وفتيات بواسل، أي باسلات. قال في لسان العرب: “والبسالة الشجاعة والباسل الشديد والباسل الشجاع والجمع بُسلاء”، ولم نذكر الجمع الآخر الذي هو بُسل لأنه غريب، قال ابن مكرم الأنصاري في لسان العرب: “وفي حديث خيفان قال لعثمان (رض) أما هذا الحي من همدان فأنجاد بُسل اي شجعان وهو جمع باسل وسُمي به الشجاع لإمتناعه ممن يقصده”.

وأما الجمع الصحيح “باسلون وبسيلون” فيستعمل عند إرادة الحدث أي الحدوث في الصفة أو في زمانها. قال الله تعالى في سورة المؤمنون: “ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ” أي ستكونون موتى. وقال عز من قائل في سورة الصافات: “أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ” أي لن نموت إلا موتننا الأولى. وقال جل وعز في سورة الزمر: “إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ”، يعني أنهم سيموتون بدلالة أنهم كانوا أحياءً حين خاطبهم على لسان نبيه. أما الذين ماتوا ودرجوا وعبروا فيقال لهم “أموات وموتى”. وهذا هو القياس وقد يأتي خلافه شاذّاً. (م ج)

قل: فلان من شذّاذ الرجال

ولا تقل: فلان من شواذ الرجال

والسبب المانع من جمع الشاذ للإنسان على شواذ هو السبب الذي منع جمع “الباسل” للإنسان على “البواسل”، وإنما يقال جمل شاذ وجمال شواذ، وقول شاذ وأقوال شواذ.

أما الشذّاذ فهو جمع الإنسان من صفة الشاذ مثل كاتب وكتاب وحاسب وحساب وعامل وعمال وسارق وسراق وحاذق وحذاق وما لا يحصى لكثرته وهو جمع قياسي مطرد في كل المثل. (م ج)

قل: لا تقوم الدولة إلا بأطرها أو مَلاكاتها

ولا تقل: لا تقوم الدولة إلا بكوادرها

وكتب عبد الهادي بوطالب: “في المشرق العربي يستعمِل الإعلامُ كلمةَ الكَوادِر (جمعا لكلمة كادر) للدلالة على كبار العاملين في المكاتب والإمارات والوزارات ومرافق الدولة والقطاع الخاص. وهي كلمة فرنسية (Cadre) لا ضرورة لاستعمالها لوجود نظيرها في العربية الذي هو إطار ويجمع على أُطُر. ونقول “أُطُر التعليم، وأُطُر وزارة كذا، وأُطُر المهندسين، وأُطُر الأطباء”.

يُطلِق البعض كلمة مَلاك (بفتح الميم) للدلالة على الإطار. فهما بذلك مترادفان. ولكن كلمة مَلاك غير شائعة. وأصل الإطار هو ما يحيط بالشئ. من خارجه : “إِطار الصورة”. و”إِطار العَجَلة”، و”إِطار النظَّارة”. والفعل هو أطَّر يُؤطِّر. والمصدر هو تأطير.

وبذلك تطور المعنى وامتد إلى تعابير مقبولة. كأن نقول : “الأحزاب تقوم بتأطير الشعب”. وتُستعمَل كلمة إطار مرادفة لكلمة نِطاق ونقول: “وفي هذا الإطار نُدخِل هذا المثال”. كما نقول: “وفي هذا النِّطاق جرى حادث كذا”.

أما المَلاك فهو قِوام الشئ وأساسه وعنصره الجوهري. وكل ذلك ينطبق على الأُطُر وخاصة منها ذات الكفاءة. ونقول: “القلب مَلاك الجسد” أي لا يقوم الجسد إلا به. كما لا تقوم الدولة إلا بأُطُرها أو مَلاكاتها (جمع مَلاك).
لذا مع وجود هذين التعبيرين لا ضرورة تفرض استعمال كلمة كادر الأجنبية (مفردا) وكوادر (جمعا). وأُفضل استعمال الأُطُر (لشيوع هذه الكلمة) على كلمة مَلاك وهي قليلة الاستعمال.

والذين أدخلوا كلمة “كوادر” الفرنسية إلى العربية اقتصروا على جمعها. ولا يستعملون مفردها. وجمع كادِر على كوادر يُعترَض عليه لأن جمع فواعل يأتي في اللغة لجمع فاعِلة المؤنث لا لفاعل المذكر. فنقول شواعر العرب للدلالة على النساء. وفي القرآن الكريم : “والقواعد من النساء”. وفيه أيضا: “ولا تُمسكوا بِعِصَم الكوافر”، أي الكافرات.
لكن “كوادر” تستعمل في المذكر والمؤنث، وفواعل تستعمل في اللغة العربية للمؤنث أكثر مما تستعمل للمذكر بشروط مفصلة في كتب اللغة، إذ نقول عن الرجال: “الجنود البواسل” وهذا قليل في الاستعمال.” إنتهى

ولعل الأستاذ بو طالب تسرع في هذا القول ذلك لأن ما كتبه المرحوم مصطفى جواد هو الصحيح. أما قول بو طالب “إذ نقول عن الرجال الجنود البواسل وهذا قليل الإستعمال” فهو غير دقيق فقد كان حرياً به أن يقول انه خطأ لا يصح استعماله رغم شيوعه. وهذا ما أكدته المعاجم فقد جاء في لسان العرب: “والفارس: صاحب الفرَس على إِرادة النسَب، والجمع فُرْسان وفَوارس، وهو أَحَدُ ما شذَّ من هذا النَّوع فجاء في المذكر على فَواعِل؛ قال الجوهري في جمعه على فَوارس: هو شاذ لا يُقاس عليه لأَن فواعل إِنما هو جمع فاعلة مثل ضاربة وضَوارِب….. وقال بعض النحويين: لم يجئْ فاعل مجموعاً على فَواعِلَ إلا قولهم إنه لخالِفٌ من الخَوالِف، وهالِكٌ من الهَوالِكِ، وفارِسٌ من الفَوارِس. والخَوالِفُ: النساء المُتَخَلِّفاتُ في البيوت.” ثم كتب أبن منظور في باب “نكس” : “ونَكَسَ رأْسَه إِذا طأْطأَه من ذُلٍّ وجمع في الشعر على نواكِس وهو شاذ على ما ذكرناه في فَوارس؛ وأَنشد الفرزدق: وإِذا الرِّجالُ رَأَوْا يَزيدَ، رأَيْتَهُم خُضْعَ الرِّقابِ، نَواكِسَ الأَبْصار قال سيبويه: إِذا كان الفِعْل لغير الآدميين جمع على فَواعِل لأَنه لا يجوز فيه ما يجوز في الآدميين من الواو والنون في الاسم والفعل فضارع المؤنث، يقال: جِمال بَوازلُ وعَواضِهُ”.

وتوسع صاحب العباب الزاخر في شرح ذلك في باب “فرس” فكتب: “يُجْمَع على فَوَارِس، وهو جمع شاذٌّ لا يُقاس عَلَيه، لأنَّ فواعِل إنَّما هيَ جمع فاعِلَة – مثال ضارِبَة وضَوَارِب؛ أو جمع فاعِل إذا كان صفة للمؤنَّث مثل حائِض وحَوائِض؛ أو ما كان لِغَير الآدَمِييِّن مثل: جَمَلٍ بازِل وجِمالٍ بوازِل؛ وجَمَلٍ عاضِهٍ وجمالٍ عَواضِه؛ وحائطٍ وحَوائِط، فأمّا مُذَكَّرُ ما يَعْقِل فلم يُجْمَع عليه إلاّ فَوارِس وهَوَالِك ونَواكِس وعَواطِس وكَوادِس ورَواهِب وقَوارِس وقَوابِس وخَوالِف.  …….. وأمّا هوالِك فانَّه جاء في المَثَل: هالِك في الهَوَالِك، فجرى على الأصل، لأنَّه قد يَجيء في الأمثال ما لا يَجِيءُ في غيرِها. وأما نواكِس فقد جاءت في ضرورة الشعر.”إنتهى

وهكذا يتبين أن قول “بوطالب” في البواسل ليس موفقاً فقد كان عليه أن يقول إنه خطأ لأنه مخالف للقاعدة ولم يرد عن العرب أنه مما شذ عن تلك القاعدة وما لم يعرف عن العرب لا سمعاً ولا قياساً لا يصح.

قل: جلست صباحاً في الظل

ولا تقل: جلست صباحاً في الفيء

وكتب إبن قتيبة: “ومن ذلك: ” الظلُّ والفَيْءُ ” يذهب الناس إلى أنهما شيء واحد، وليس كذلك؛ لأن الظل يكون غُدوةً وعشيَّةً، ومن أول النهار إلى آخره، ومعنى الظل السِّتْر، ومنه قول النَّاس ” أنا في ظِلِّكَ ” أي: في ذَرَاك وسِترك، ومنه “ظل الجنة” ، وظل شجرها إنما هو سترُها ونواحيها، وظلُّ الليل: سواده؛ لأنه يستر كل شيء، قال ذو الرُّمة:

قدْ أعسِفُ النازِحَ المجهولَ مُعْسِفُه … في ظلِّ أخضرَ يدعُو هامَهُ البُومُ

أي: في ستر ليل أسود، فكأن معنى ظل الشمس ما سترته الشخوص من مَسْقطها، والفيء لا يكون إلا بعد الزوال، ولا يقال لما قبل الزوال فيء، وإنما سمي بالعشي فيئاً لأنه ظلٌّ فاء عن جانب إلى جانب، أي: رجع عن جانب المغرب إلى جانب المشرق، والفيء هو الرجوع، ومنه قول الله عزّ وجلّ: (حتَّى تفيءَ إلى أمْرِ الله) أي: ترجع إلى أمر الله. وقال امرؤ القيس:

تَيَمَّمَتِ العينُ التي عندَ ضارِجِ … يَفيءُ عليها الظلُّ عَرْمَضُهَا طامِ

أي: يرجع عليها الظل من جانب إلى جانب؛ فهذا يدلك على معنى الفيء.

وقال الشمّاخُ:

إذا الأرْطَى تَوَسَّدَ أبْرَدَيْهِ …خُدودُ جَوازِئ بالرّمْلِ عِينِ

أبْرَداه: الظل والفيء، يريد وقت نصف النهار، وكأن الظباء في بعض ذلك الوقت كانت في ظل ثم زالت الشمس فتحول الظل فصار فيئاً فحوَّلتْ خدودها”.

قل: جمعت الشَّمَع

ولا تقل: جمعت الشَّمْع

 وكتب إبن السكيت: “هو الشَّمَع، هذا كَلَام العرب، والمولدون يقولون: شَمْع، بإسكان الميم.” إنتهى

وكتب صاحب الصحاح في باب “شمع”: ” الشَمَعُ بفتحتين: الذي يُسْتَصْبَحُ به. قال الفراء: هذا كلام العرب، والمولَّدون يقولون شَمْعٌ بالتسكين. والشَمَعَةُ أخصُّ منه.” أما إبن منظور فقد أورد الرأيين في لسان العرب فكتب في  باب “شمع”: الشَّمَعُ والشَّمْعُ: مُومُ العَسل الذي يُسْتَصْبَحُ به، الواحدة شَمَعةٌ وشَمْعة؛ قال الفراء: هذا كلام العرب والمُوَلَّدون يقولون شَمْعٌ، بالتسكين، والشَّمَعةُ أَخص منه؛ قال ابن سيده: وقد غَلِطَ لأَن الشَّمَع والشَّمْعَ لغتان فصيحتان. وقال ابن السكيت: قُلِ الشَّمَعَ للموم ولا تقل الشَّمْعَ.” وفوق كل ذي علم عليم.

قل: أصاب جَفْنَ عينه

ولا تقل: أصاب جِفْنَ عينه

ومما كثر اللحن فيه قول الناس “جِفن العين ” ووقع حتى الشعراء في هذا الخطأ. وفصيح العربية هو القول “جَفن العين” بفتح الجيم لا كسرها. فكتب الجوهري في الصحاح: “الجَفنُ: جَفْنُ العين…والجَفنُ أيضاً: غِمْدُ السَيف. والجَفْنُ قضبان الكرْم، الواحدة جَفْنَةٌ. والجَفْنَةُ كالقَصعة، والجمع الجفانُ والجَفَناتُ.” أما إبن فارس فقد كتب في المقاييس: “الجيم والفاء والنون أصلٌ واحد، وهو شيءٌ يُطِيفُ بشيءٍ ويَحْوِيه. فالجَفنُ جَفْنُ العين.
والجَفْن جفن السَّيْف.وجَفْن مكان، وسمِّي الكَرْم جَفْناً لأنه يَدُورُ على ما يَعْلَق به.”

وكتب إبن السكيت: “وتقول: هو جَفْن السيف وجَفْن العين، ولا تقل: جِفْن.”

قل: هذا رجل سِكِّيرٌ

ولا تقل: هذا رجل سَكِّيرٌ

وكتب الكسائي: “وتقول هذا بَصَلٌ حِرِّيف بكسر الحاء وتشديد الراء. و خّلٌّ ثِقِّيق بتشديد القاف. ورجل عِنِّين كما قالوا: سِكِّير، إذا كان كثير السكر، وخِمِّير إذا كان يشرب الخمر، وعربيد. هذا كل على مثال: فِعِّيل.

وإنما تكلموا بهذه الأحرف، على مثال قول الله تعالى: “كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ” وكما قال: “تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ” فشدد، لأنه مبني على مثال: فِعِّيل. فافهم وقس عليه إن شاء الله تعالى.” إنتهى

وكتب إبن منظور في باب “سكر”: ” السَّكْرَانُ: خلاف الصاحي.
والسُّكْرُ نقيض الصَّحْوِ. والسُّكْرُ ثلاثة: سُكْرُ الشَّبابِ وسُكْرُ المالِ وسُكْرُ السُّلطانِ؛ سَكِرَ يَسْكَرُ سُكْراً وسُكُراً وسَكْراً وسَكَراً وسَكَرَاناً، فهو سَكِرٌ؛ عن سيبويه، وسَكْرانُ، والأُنثى سَكِرَةٌ وسَكْرَى وسَكْرَانَةٌ؛ الأَخيرة عن أَبي علي في التذكرة. قال: ومن قال هذا وجب عليه أَن يصرف سَكْرَانَ في النكرة. الجوهري: لغةُ بني أَسد سَكْرَانَةٌ، والاسم السُّكْرُ، بالضم، وأَسْكَرَهُ الشَّرَابُ، والجمع سُكَارَى وسَكَارَى وسَكْرَى”.

وكتب إبن فارس في المقاييس: “السين والكاف والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حَيرة. من ذلك السُّكْر من الشراب. يقال سَكِر سُكْراً، ورجلٌ سِكِّير، أي كثير السُّكْر….. والسَّكْر حَبْس الماء”.إنتهى وما زال أهل العراق يستعملون كلمة “السَّكر” للحديث عن المكان الذي يحتبس فيه الماء في النهر وهو كما يبدو من فصيح العربية.

قل: هاتِ المَحْبَرَة

ولا تقل: هاتِ المِحْبَرَة

وكتب الكسائي: ” وتقول: هاتِ المَحْبَرَة بفتح الميم، على مثال مَفْعَلَة. وكذلك جلست في المَشْرَفة. وكذلك مَرَرت بالمَقْبَرَة وكذلك حلقت مَسرَبَتي، والمَسربَةُ شعر الصدر.”

وما كان من الآلات مما يرفع ويوضع مما في أوله ميم فاكسر الميم أبداً، إذا كان على مِفْعَل و مِفْعَلَة، وتقول في ذلك: هذا مِثقَب، ومِقْوَد، ومِنْجَل، ومِبَرَد، و مِقْنَعَة، ومِصْدَغَة، ومِجهَرَة ومِسْرَجة، ومِشْرَبة، ومِرْفَقَة، ومِخَدّة، و مِحَسَّة، و مِظَلَّة، فهذا كله مكسور الأول أبداً، سوى، مُنجَل، و مُسعَط، ومُدهَن، ومُدُقّ، ومُكحَلَة، فإن هذا الأحرف جاءت عن العرب بضم الميم.”

وتوسع الحريري في هذا فكتب: “ ويقولون : مَطرد ومَبرد ومَبضع ومَنجل ، كما يقولون : مَقرعة ، ومَقنعة ، ومَنطقة ، ومَطرقة ، فيفتحون الميم من جميع هذه الأسماء وهو من أقبح الأوهام وأشنع معايب الكلام، لأن كل ما جاء على وزن مَفْعَل ومَفْعَلَة من الآلات المستعملة المتداولة فهو بكسر الميم كالأسماء المذكورة ونظائرها ، وعليه قول الفرزدق في مرثية سائس:

 ليبك أبا الخنساء بغل وبغلة ** ومِخلاة سوء قد أضيع شعيرها

ومِجرفة مطروحة ومِحسة **  ومِقرعة صفراء بال سيورها

وإنما كسر الميم من محسة لأن الأصل فيها محسسة ، فأدغم أحد الحرفين المتماثلين في الآخر وشدده ، والمشدد يقوم مقام حرفين كما فعل في نظائرها، مثل مِحفة ومِخدة ومِظلة ومِسلة.

من وهمهم أيضا في هذا النوع قولهم لما يروح به: مَرْوَحَة بفتح الميم، والصواب كسرها. وأخبرني أبو القاسم الحسين بن محمد التميمي المعروف بالباقلاوي قراءة عليه، قال: أخبرنا أبو عمرو الهزاني عن عمه أبي روق عن الرياشي عن الأصمعي قال: قال أبو عمرو بن العلاء: بلغنا أن عمر رضي الله عنه كان ينشد في طريق مكة:

 كأن راكبها غصن بمَروحة ** إذا تدلت به أو شارب ثمل

ثم قال لنا أبو عمرو: المَروحة بفتح الميم: الموضع الكثير الريح، والمِروحة بالكسر ما يتروح به.

وهذا الذي أصله أهل اللغة من كسر الميم في أوائل أسماء الآلات المتناقلة المصوغة على مِفْعَل ومِفْعَلَة، هو عندهم كالقضية الملتزمة والسنة المحكمة، إلا أنهم أشذوا أحرفا يسيرة منه، ففتحوا الميم من مَنقبة البيطار، وضموها في مُدهن ومُسعط ومُنخل ومُنصل ومُكحل ومُدق، وقيل فيه مِدق بالكسر على الأصل، ونطقوا في مِسقاة ومِرقاة ومِطهرة بالكسر، قياسا على الأصل، وبالفتح لكونها مما لا يتناقل باليد.” إنتهى

قل: إنزلق إلى حافَةِ الوادي (بفاء مخففة)

ولا تقل: إنزلق إلى حافَّةِ الوادي (بفاء مشددة)

وكتب إبراهيم اليازجي: “”ويقولون حافَّة الوادي فيشددون الفاء ويجمعونها على حفافي وصوابها حافة بالتخفيف والمشهورة في جمعها حافَات على لفظ المفرد وتجمع أيضاً على حِيَف بالكسر مثل غادة وغيد…… وربما قالوا في جمعها حوافي كأنهم جمعوا حافية وهو كذلك مسموع من بعض عامتنا وقد ورد في شعر للطرماح رواه صاحب لسان العرب ثم قال فسر بأنه جمع حافة ولا أدري وجه هذا إلا أن تجمع حافة على حوائف كما جمعوا حاجة على حوائج وهو نادر عزيز ثم تقلب.” إنتهى

وكتب إبن منظور في لسان العرب: “وحافةُ كل شيء: ناحِيَتُه، والجمع حيَفٌ على القِياسِ، وحِيف على غير قياس. ومنه حافَتا الوادي، وتصغيره حُوَيْفةٌ، وقيل: حِيفةُ الشيء ناحيته.”

وجاء في العباب الزاخر: “الواحد: حاف -بتخفيف الفاء.  الوادي: جانباه، وكذلك حافَتا كل شيء. وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال للنساء: ليس لكن إن تحققن الطريق؛ عليكن بحافَات الطريق.”

وكتب إبن منظور في لسان العرب في باب “حفف”:”حَفَّ القومُ بالشيء وحَوالَيْه يَحُفُّونَ حَفّاً وحَفُّوه وحَفَّفوه: أَحْدَقُوا به وأَطافُوا به وعَكفوا واسْتَداروا، وفي التهذيب: حَفَّ القوم بسيدهم. وفي التنزيل: وترى الملائكة حافّين من حول العرش.”

فيتضح مما جاء في معاجم العربية أن “حافَة” بتخفيف الفاء هي جانب الوادي، أما “حافَّة” فهي ما يحدق بالشيء أو يحيط به.

قل: هي مجموعات إرهابية موجودة في لبنان وسورية

ولا تقل: هي مجموعات إرهابية متواجدة في لبنان وسورية

وشاع على ألسن الناس، ونقله الإعلام، خطأ شنيع في إستعمال كلمة “تواجد” بمعنى “وجود” أو “حضور” وهي ليست كذلك. فنكاد نسمع بشكل مستمر قول من يقول “أين يتواجدون” أو “تواجد عدد كبير من الناس في المكان” أو “على الناس التواجد في مكان ما”، وما شابهه كثير.

وإذا نظرنا في الصحاح وجدنا الفرق بين الإثنين.

“وَجَدَ مطلوبه يَجِدُهُ وُجوداً. ووَجَدَ ضالَّته وِجْداناً. وَوَجَدَ عليه في الغضب مَوْجِدَةً، ووِجْداناً أيضاً، حكاها بعضهم……
ووَجَدَ في الحزن وَجْداً بالفتح، ووَجَدَ في المال وُجْداً ووِجْداً وجِدَةً، أي استغنى…… وتَوَجَّدْتُ لفلانٍ: أي حزِنت له. ولم يرد عن العرب إستعمال الفعل “تواجد” فهو إستعمال معاصر قد لا يتعدى محاولة ترجمة كلمة فرنسية أو إنكليزية كما هو الأمر في أكثر حالات هذا الدخيل على العربية. فإذا افترضنا جواز إستعمال “تواجد” فهي لا يمكن أن تعني “وجد” أو “حضر”. لأن “تواجد” هي إظهار الحزن وليس الحضور أو الوجود في مكان معين. فقل”وجود” ولا تقل “تواجد” إذا قصدت هذا المعنى.

وللحديث صلة….

عبد الحق العاني

20  شباط 2014

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image