قل ولا تقل / الحلقة الثالثة والستون

إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (م ج)

 

 

قل: له جدول أعمال مختلف

ولا تقل: له أجندة مختلفة

استمر محدثي في استعمال “اجندة” وجمعها وحين سألته لماذا لا يستعمل “جدول أعمال” رد عليَّ بأن العبارة العربية لا تفي بالغرض وحين سألته وما هو معنى “اجندة” إذن، لم يكن لديه رد.

ولعل من المحزن أن هذا حال أكثر المتعلمين العرب اليوم. فالعربي الذي يعتقد أنه إذا استعمل هذه المفردات اللاتينية الأصل، والتي استعارها الأوربيون وأعطوها معاني ليست بالضرورة مطابقة لأصل الكلمة وذلك لقصور لغاتهم في التعبير، مثل “أجندة” و “استراتيجية” و “لوجستية” و “ديموغرافية” وما شابهها من عشرات الكلمات التي تخدش السمع العربي فإنه يبدو للمتلقي على أنه متعلم بل وربما يحسب نفسه مثقفاً.

وهذا هو جوهر التخلف العربي! فالذي لا يستطيع أن يحدث قومه إلا بلسان مستعار فهو إنما يفكر بفكر مستعار. ولا يمكن لأي إنسان أن يقدم شيئاً جديداً إذا لم يفكر بلسانه. فالعرب لم يضيفوا لرياضيات الهند واليونان بلسان أولئك القوم لكنهم أضافوا علم “الجبر” بالعربية.

وكلمة “اجندة” هي واحدة من الكلمات التي أسرف العرب في استعمالها لمائة عام حتى ليظن القارئ أنها موجودة في قاموس “العين” أو “كتاب” سيبويه.

وقد استعار الأميون العرب كلمة “اجندة” من الإنكليز والذين اشتقوها بدورهم من اللاتينية، مع ملاحظة أن اللغة الفرنسية لا تستعمل كلمة “أجندة” بالمعنى نفسه الذي تستعمل فيه بالإنكليزية. ذلك أن الإنكليز استعملوا الكلمة اللاتينية منذ القرن السابع عشر في استعمال “لاهوتي” لكنها لم تدخل الإستعمال الجديد إلا في نهاية القرن التاسع عشر حين أصبحت تعني “مجموعة فقرات العمل المعدة للبحث في الاجتماع”. وهكذا تستعمل اليوم في اللغة الإنكليزية. فهل ان العقل العربي المتغرب يريد أن يضيف على المعنى الذي يريده الإنكليزي والذي اشتق الكلمة أصلاً؟ فاذا أراد أن يضيف شيئاً على الإستعمال الإنكليزي فلا بد أن يقول لنا ما الذي يريد إضافته. أما إذا كان لا يريد معنى مختلفاً عن الإنكليزي فان عبارة “جدول أعمال” مطابقة بالكامل للمعنى الإنكليزي، فلماذا لا تعتمد العبارة العربية؟

فقل “جدول أعمال” ولا تقل “أجندة”.

قل: أحيل فلان على معاش التقاعد وأحال عليه بحوالة وأحال على الكتاب المذكور

ولا تقل: أحال إليه بهذا المعنى

كتب مصطفى جواد: “وذلك لأن في معنى الإحالة تسليطاً وتحميلاً وتكليفاً للمحال عليه، فينبغي استعمال “على” سماعاً وقياساً كما تقول: “حكم عليه وضرب عليه ضريبة وطُرق عليه وأرسل عليهم جيشاً وأذاع عليه اسراره ودلّ عليه ووضع عليه من يغتاله، واختلق عليه أقوالاً، وولّد عليه أحاديث، واحتال عليه وعلا عليه، واستولى عليه واحتوى عليه، وقبض عليه، ومال عليه”.

فهذه قاعدة مطردة في اللغة العربية تُغني عن مراجعة كتب اللغة في كثير من الأفعال والمصادر واسمائها، وسرها اللغوي كما ذكرنا غير مرة، محفوظ في “على” لإفادتها الإستعلاء والسيطرة والإحتواء. ألا ترى البون المبين بين “لك دين” و “عليك دين” و “يوم لك” و “يوم عليك” و “لك حق” و “عليك حق” و “وظف له” و “وظف عليه” و “جمع له” و “جمع عليه” و “دعا له” و “دعا عليه”، غير أنه ينبغي أن لا تحشر مع هذه الكلمات الظاهرة النفع أمثال “حفظ عليه ماله وحقوقه” و “حدب عليه وعطف عليه” و “حنا عليه وأشفق عليه وتساهل عليه ووسع عليه” فالأفعال نفعية لا تفيد “على” معها إلا الحصر والقصر، ولا تحشر معها الأفعال وأشباهها من الأمور البديهية لأنها أفعال ضرورية في أصل وضعها.”

قل: حاطكَ الله بعونه

ولا تقل: أحَاطَكَ الله بعونه

وكتب الكسائي: “ويقال حاطَكَ الله بعونه بغير ألف.” إنتهى

وكتب ابن منظور في اللسان: “حوط: حاطَه يَحُوطُه حَوْطاً وحِيطةً وحِياطةً: حَفِظَه وتعَهَّده؛ وَقَوْلُ الْهُذَلِيِّ:

وأَحْفَظُ مَنْصِبي وأَحُوطُ عِرْضِي، … وبعضُ القومِ ليسَ بذِي حِياطِ

ثم كتب في موضع آخر: “وكلُّ مَنْ أَحْرَز شَيْئًا كلَّه وبلَغ عِلْمُه أَقْصاه، فَقَدْ أَحاطَ بِهِ. يُقَالُ: هَذَا الأَمْر مَا أَحَطْتُ بِهِ عِلماً. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ؛ أَي جَامِعُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وأَحاطَ بالأَمر إِذا أَحْدَقَ بِهِ مِنْ جَوانِبِه كلِّه. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ؛ أَي لَا يُعْجِزُه أَحَدٌ قُدْرَتُهُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهِمْ. وحاطَهم قَصاهُم وبِقَصاهُم: قاتَلَ عَنْهُمْ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ أَي عَلِمْتُهُ مِنْ جَمِيعِ جهاتِه. وأَحاطَ بِهِ: عَلِمَه وأَحاطَ بِهِ عِلْماً. وَفِي الْحَدِيثِ: أَحَطْت بِهِ عِلماً أَي أَحْدَقَ عِلْمِي بِهِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ وعَرفَه……… وأُحِيطَ بِفُلَانٍ إِذا دَنا هلاكُه، فَهُوَ مُحاطٌ بِهِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى مَا أَنْفَقَ فِيها؛ أَي أَصابَه مَا أَهْلَكَه وأَفْسده. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ؛ أَي تؤْخَذُوا مِنْ جَوانِبِكم.”

 

قل: بَلَّغَه اللهُ آماله

ولا تقل: بَلَّغَه اللهُ أماليه

كتب الزبيدي: “ويقولون بلغه الله أماليَه والصواب “آماله” وهو جمع الأمل، يقال: أمَلْتُ الرجلَ آمُلُه وأمَّلْتُه، ولا وجه للياء فيه.”

ونقل خالد العبري ذلك عن الزبيدي وتوسع فيه فكتب: ويجمعون الأمل على “الآمال” وهذا صواب، ويجمعون هذه الأخيرة على “أمالي” فيقولون “بلغه الله أماليه” وذلك خطأ واضح، فأمل تُجمع على آمال كأجل وآجال وأبد وآباد. أما “ألأمالي” فجمع لأملية، وتقول أملاه أُملية وأمال وأمالي كأُمنية وأمان وأماني، والأملية في اللغة ما يمليه الشخص على غيره ليكتبه والأملية أُفعلى والأمالي أفاعيل والأمالي أفاعيل.

وآمال على “أفعال” جمع قلة، أما الأمالي “أفاعل” جمع كثرة على صيغة منتهى الجموع، وأصل آمال “أأْمال” التقى فيها حرفان متجانسان الأول متحرك والثاني ساكن فأدغما معاً.

وقد كان كثير من علماء العرب يُملي على طلابه أمالي في الأدب أو اللغة أو التفسير أو الفقه أو غيرها. ومن الأمالي المعروفة: أمالي أبي علي القالي، وأمالي المرتضى والأمالي الشجرية لابن الشجري والأمالي العمانية وغيرها.

ومن أمثال العرب وحكمها في تقصير الآمال قولهم: “سرور الناس بالآمال أكثر من سرورهم بالأموال”، وقولهم: “من لم يركب الأهوال لم ينل الآمال”.

قل: غرس الشجرة

ولا تقل: زرع الشجرة

وكتب اليازجي: “ويقولون زرع الشجرة أي غرسها وإنما الزرع للحب والبزر ولا يقال للشجرة وما في معناها”. إنتهى

وكتب ابن منظور في اللسان: “غرس: غَرَس الشَّجَرَ وَالشَّجَرَةَ يغرِسها غَرْساً. والغَرْس: الشَّجَرُ الَّذِي يُغْرَس، وَالْجَمْعُ أَغْراس. وَيُقَالُ للنَّخلة أَول مَا تَنْبُتُ: غَريسَة. والغَرْس: غَرْسُك الشَّجَرَ. ثم كتب في باب زرع: “زرع: زَرَعَ الحَبَّ يَزْرَعُه زَرْعاً وزِراعةً: بَذَره، وَالِاسْمُ الزَّرْعُ وَقَدْ غَلَبَ عَلَى البُرّ والشَّعِير، وَجَمْعُهُ زُرُوع، وَقِيلَ: الزَّرْعُ نَبَاتُ كُلِّ شَيْءٍ يُحْرَثُ، وَقِيلَ: الزرْع طَرْحُ البَذْر؛ وَقَوْلُهُ:

إِنْ يأْبُروا زَرْعاً لِغَيْرِهم   والأَمْرُ تَحْقِرُه وَقَدْ يَنْمِي

قَالَ ثَعْلَبٌ: الْمَعْنَى أَنهم قَدْ حَالَفُوا أَعداءهم لِيَسْتَعِينُوا بِهِمْ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ؛ وَاسْتَعَارَ عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، ذَلِكَ للحِكمة أَو للحُجة وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ الأَتقياء: بِهِمْ يَحْفَظُ اللَّهُ حُجَجَه حَتَّى يُودِعُوها نُظَراءَهم ويَزْرَعُوها فِي قُلُوبِ أَشباههم.”

قل: لا آتيك ما دمت حياً

ولا تقل: لا آتيك ما زلت حياً

وكتب اليازجي: “ويقولون لا آتيك ما زلت حياً يريدون ما دمت حياً فيجعلون ما قبل زال مصدرية زمانية ولا يخفى أن معنى مازال ما انقطع فإذا جعلت ما مصدرية على فرض صحة استعمال الفعل بدون النفي أو شبهه كان المعنى لا آتيك مدة انقطاعي عن الحياة وهو عكس المراد. ومن الغريب أن ممن سقط في هذا ابن خلدون حيث قال في الفصل الخامس من الكتاب الأول ولا تزال الصناعات في التناقص ما زال المصر في التناقص، اللهم إلا أن يكون هذا من غلط النساخ ولعله الأقرب.” إنتهى

ولم أعثر في كتاب ابن خلدون على هذه الجملة، فيكون اليازجي قد أنصف ابن خلدون حين تدارك فكتب بأن الخطأ الذي أشار اليه من غلط النساخ.

قل: هذا لحْمٌ نِئٌ

ولا تقل: هذا لَحْمٌ نَيٌّ

كتب الزبيدي: “يقولون هذا لحمٌ “نَيٌّ” فيفتحون أوله. والصواب “نِئٌ” بالكسر والهمز. وقد أنأت اللحمَ أنِيِئُه إنَاءَةً وفيه إنتياءٌ.

فأمّا “النَّيُّ” بالفتح فهو الشّحمُ بعينه، قال الهذلي:

قَصَرَ الصَّبُوحَ بها فَشَرَّجَ لَحمَها       بالنِّيِّ فهو تَثُوخُ فيها الإصْبَعُ

ويقال نَوَتْ النَّاقَة تَنْوِي نَيَّا إذا سمَنَت، وهي ناوية من نَوَت نِواءً عن الأصمعي.”

(وهكذا يلفظ العراقيون الكلمة في لهجتهم العامية)

قل: هرقت الماء

ولا تقل: أهرقت الماء

كتب الضبي: “يقال: هَرَقْتُ الماءَ. ولا تقل: أَهْرَقُتُهُ.”

 

قل: كان الله في عماء تحته هواء وفوقه هواء

ولا تقل: كان الله في عمى تحته هواء وفوقه هواء

وكتب البستي: حديثُ أبي رَزين العُقَيلِيّ أَنَّهُ قالَ: يا رسولَ اللهِ، أَيْنَ كانَ رَبُّنا، عزَّ وجَلَّ، قبلَ أنْ يخلُقَ السّماواتِ والأرضِ؟ قالَ: كانَ في عَماءٍ تحتَهُ هواءٌ وفوقَهُ هواءٌ. يَرْويه بعضُ المُحَدِّثين: في عَمىً، مقصورٌ، على وَزْن عصاً وقَفاً. يُريدُ أَنَّهُ كانَ في عمَىً عن علمِ الخَلْقِ، وليسَ هذا شيئاً، وإنَّما هو: في عَماءٍ، ممدود. هكذا رواهُ أبو عُبَيْدٍ وغيره من العلماءِ. قالَ: والعَماءُ: السحابُ. قالَ غيرهُ: الرَّفيقُ من السّحابِ. ورواهُ بعضُهُم: في غَمامٍ، وليسَ بمحفوظٍ. وقالَ بعضُ أهلِ العلمِ: قولُه: أَيْنَ كانَ ربُّنا؟ يريد: أَيْنَ كانَ عَرْشُ ربِّنا؟ فحذفَ اتساعاً واختصاراً، كقولِهِ تعالى: “واسأَل القَرْيَةَ ” يريدُ: أَهْلَ القريةِ، وكقولِهِ تعالى: “وأُشْرِبوا في قلوبِهِم العِجْلَ بكُفرهم. أي حُبَّ العِجلِ. قالَ: ويدلُّ على صِحّةِ هذا قولُهُ تعالى:” وكانَ عَرْشُهُ على الماءِ” قالَ: وذلكَ أَنَّ السّحابَ محلُّ الماءِ فكَنَى به عنه.”

قل: جاؤوا من كل حَدَبٍ

ولا تقل: جاؤوا من كل حَدْبٍ

وكتب عبد الهادي بوطالب: “يقال “جاءوا من كل حَدَب” بفتح الحاء والدال. لكن سمعت في بعض الإذاعات والتلفزات بالمشرق العربي من يسكِّن الدال. وهو خطأ.

الحَدَب هو الغليظ المرتفع من الأرض. يقال “جاءوا من كل حَدَب” أي كل مكان. وفي القرآن الكريم: “وهم من كل حَدَب يَنْسِلون” أييُسْرِعون من كل مرتفَع. وكثيرا ما يُعطف بالواو لفظ صَوْب على لفظ حَدَب. ويقال “جاءوا من كل حَدَب وصَوْب”. والصَّوْب هو الاتجاه أو الجهة، أي جاءوا من كل مكان، وكل اتجاه أو جهة.

وأظن أن صَوْب إنما يستعمل في هذا التعبير بعد حَدَب للدلالة على التعميم. ويُحتفَظ بالتعبير كما هو فيتقدم الحَدَب ويُعطَف عليه بصَوْب، حتى يكاد يشبه المثل الذي لا يتغير لا شكله ولا لفظه ولا ترتيب كلماته.

ومصدر حَدَب فِعْله هو حَدِب (بكسر الدال) يَحْدَب حَدَبا أي عطَف. ونقول: “علينا أن يشمل حَدَبنا (أي عطفنا) الطبقةالمحرومة”.”

قل: سار فلان فلاناً

ولا تقل: سارر فلان فلاناً

كتب الحريري: “ويقولون: سارر فلان فلانا وقاصصه وحاججه وشاققه فيبرزون التضعيف كما يظهرونه في مصادر هذه الأفعال أيضا، فيقولون المساررة والمقاصصة والمحاججة والمشاققة. ويغلطون في جميع ذلك، لأن العرب استعملت الإدغام في هذه الأفعال ونظائرها، طلبا لاستخفاف اللفظ، واستثقالا للنطق بالحرفين المتماثلين، ورأت أن إبراز الإدغام بمنزلة اللفظ المكرر، والحديث المعاد.

ثم لم تفرق بين ماضي هذه الأفعال ومستقبلها وتصاريف مصادرها، فقالوا: ساره يساره، مسارة، وحاجه يحاجه محاجة.

وقالوا في نوع آخر منه: تصام عن الأمر، أي أرى أنه أصم، وتضام القوم، أي انضموا، وتراص المصلون، أي تلاصقوا، وعلى هذا حكم قبيل هذا الكلام، كما جاء في القرآن: “وحاجه قومه”، وورد فيه: “لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله” فاشتملت هذه الآية على الإدغام في الفعلين: الماضي والمستقبل.

وهذا الحكم مطرد في كل ما جاء من الأفعال المضاعفة على وزن فعل وأفعل وفاعل وافتعل وتفاعل واستفعل، نحو مد الحبل وأمد وماد وامتد وتماد واستمد، اللهم إلا أن يتصل به ضمير المرفوع، أو يؤمر فيه جماعة المؤنث، فيلزم حينئذ فك الإدغام في هذين الموطنين، لسكون آخر الحرفين المتماثلين، كقولك: رددت ورددنا ونظائره، وكقولك في الأمر لجماعة المؤنث: ارددن وامددن، وقد جوز الإدغام والإظهار في الأمر للواحد، كقولك: رد، واردد، وقاص وقاصص، واقتص واقتصص، وكذلك جوز الأمران في المجزوم كما قال تعالى في سورة المائدة: “من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه”، وفي سورة أخرى: “ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر”، وكما قال سبحانه: “ومن يشاق الله” وفي موطن آخر: “ومن يشاقق الله”، فأما فيما عدا هذه المواطن المذكورة فلا يجوز إبراز التضعيف إلا في ضرورة الشعر، كما قال الراجز في الاسم:

إن بني للئام زهده     مالي في صدورهم من مودده

فأظهر التضعيف في مودة لإقامة الوزن وتصحيح البيت ومثله قول قعنب بن أم صاحب في الأفعال:

مهلا أعاذل قد جربت من خلقي ** إني أجود لأقوام وإن ضننوا

أراد ضنوا، ففك الإدغام للضرورة.

وقد شذ منه قولهم: قطط شعره، من القطط ومششت الدابة من المشش، ولححت عينه، أي التصقت، وألل السقاء، إذا تغيرت ريحه، وضبب البلد إذا كثر ضبابه، وصككت الدابة من الصكك في القوائم وكل ذلك مما لا يعتد به ولا يقاس عليه.”

قل: رأيت عدداً من السياح

ولا تقل: رأيت عدداً من السواح

وجاء في ملحق مفردات أوهام الخواص: “ومن أوهامهم أنهم يجمعون سائحا على سواح، وهم الضاربون في الأرض للتفرج والنزهة.
وهذا وهم ظاهر، والصواب أن يقال: سياح، لأنه مشتق من الفعل: ساح الماء يسيح سياحة، إذا جرى على وجه الارض.

ومنه قول الفرزدق:

وكم للمسلمين أسحت فيهم ** بإذن الله من نهر ونهر

ونظيره في الاشتقاق قولهم: هذا مكتب لتعليم السواقة، يعنون قيادة السيارات، فيخطئون. والصواب أن يقال: مكتب لتعليم السياقة، لأنها من الفعل: ساق السيارة يسوقها سياقة، نحو: قاد يقود قيادة، وحاك يحوك حياكة، وصاغ يصوغ صياغة.

وفي المثل قولهم: إليك يساق الحديث، وقولهم: هو يسوق الحديث أحسن سياق .”

وفوق كل ذي علم عليم!

وللحديث صلة….

عبد الحق العاني

15 كانون الأول 2015

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image