قل ولا تقل / الحلقة التاسعة والسبعون

إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم.

(م ج)

فإن من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب. ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته اليها. (الثعالبي)

 

 

قل: أطلقت القوات اليمنية صاروخاً فضائياً

ولا تقل: أطلقت القوات اليمنية صاروخاً باليستياً

ما تنفك وسائل الاعلام تتحدث عن استعمال صوارخ باليستية وهي النقل العربي للكلمة الإنكليزية (Ballistic). وهي ولا شك تفترض ان المستمع أو المشاهد العربي يفهم بالفطرة معنى الصاروخ الباليستي لأن الكلمة عربية أصيلة لها جذر أو مصدر اشتقت منه. لكني أكاد أجزم أن أكثر مستعملي الكلمة من الاعلاميين العرب لا يعرفون حقاً معناها. فمن أين جاءت الكلمة وما الذي تعنيه؟

فأصل الكلمة ليس انكليزيا لأن اللغة الإنكليزية ليست لغة اشتقاقية بل هي مزيج من اللاتيني والألماني والانكليزي القديم وقليل من الاسكندنافي. لذا فحين يحتاج الانكليزي لكلمة جديدة تعبر عن استعمال أو مخترع جديد فانه يلجأ عادة للغة اللاتينية الإشتقاقية والتي بدورها أخذت كثيرا عن اللغة الإغريقية.

وقد دخلت الكلمة الإستعمال في اللغة الانكليزية في القرن الثامن عشر باستعارة الكلمة اللاتينية “بالستا” والتي كانت تعني “المنجنيق”، وهي بدورها أي “بالستا” مأخوذة عن الاغريقية “بالين” والتي تعني “أن ترمي”. فكان الهدف هو إيجاد كلمة تعني الرماية بارتفاعات شاهقة مع دقة في الإصابة.

أما ما تعنيه في يومنا هذا فهو وصف حركة الشيء من قذيفة أو جسم بعد توقف المحرك فيه، حيث يخضع الشيء المتحرك في مساره لحركة يحكمها زخمه الذاتي المكتسب والقوى الخارجية من جاذبية ومقاومة الهواء له.

وهكذا فان ما تعنيه عبارة “Ballistic missile” والتي ترجمها الإعلام العربي المقلد “صاروخاً باليستيا”، هو قذيفة ليس فيها محرك يوجهها بل تخضع في مسارها لما اكتسبته من دفع ولقوانين جاذبية الأرض.

ألا يكفي في هذا الحال أن نشير للقذيفة أو الصاروخ بأنه فضائي حتى يفهم العربي بالفطرة أنه يخضع لقوانين الفضاء دون أي تعمق في الشرح؟ أليس أسهل على العربي أن يفهم من استعمال “فضائي” شيئاً أكثر مما يفهمه من استعمال “باليستي”؟

وكما تعلم الإنكليزي تدريجاً أن يقبل الكلمة اللاتينية ويحولها لإستعملات عامة اخرى مثل قوله عن الشخص “اصبح باليستيا” يعني أنه فقد توازنه وعقلانيته، فان العربي سوف يقبل معنى “الصاروح الفضائي”، ولن نعود نبحث في القواميس عن كلمات مبهمة.

قل: تقدم مُطّرِد وتعليم مُختلِط وجندي مُرتزِق وشيء مُزدوِج

ولا تقل: مُطّرَد ولا مُختلَط ولا مُرتزَق ولا مُزدوَج في وصف تلك الموصوفات

كتب مصطفى جواد: “وذلك لأن هذه الأسماء مشتقة من أفعال مبنية للمعلوم لازمة غير متعدية. يقال إطّرَد التقدم يَطّرِد فهو مُطّرِد، واختلطَ التعليم يَختَلِط فهو مُختَلِط، وارتزق الجندي يرتزِق فهو مُرتَزِق، وازدوج الشيء وأكثر ما يقال ازدوج الشيئان فهو مُزدَوِج وهما مُزدَوِجان.”

قل: تقدم مُطّرِد (بالطاء المشددة)

ولا تقل: تقدم مُضطَرِد (بالضاد)

كتب مصطفى جواد: “وذلك لأن المُطّرد مشتق من مادة “الطرد” وهي الطاء والراء والدال وليس فيها ضاد، فالقائلون “مضطرد” ليت شعري من أين أتوا بالضاد؟ فليس في العربية “ضَرَدَ” حتى ينقل الى افتعل ويكون بالإبدال “اضطرد”، كما هو الحال في “ضرب” الذي أشتق من “اضطرب” فهو “مضطرب”، ولم يجئ في الإبدال المطرد إبدال الطاء الأول ضاداً.”

قل: قلَوتُ الحبَّ في المِقلى

ولا تقل: قلَوتُ الحبَّ قي المِقلاة

كتب الزبيدي: “ويقولون للظرف الذي يقلى فيه الحبُّ وغيره “مِقلاة” والصواب “مِقلى” بلا هاء. تقول قلوت الحبَّ في المقلى أقلوه قَلوَاً، وأقْليَتُ أيضاً، لغة ضعيفة. وقد تَقَلَّى الحبُّ فهو مُتَقَلّ. وحدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله البصري المهراني، قال أخبرنا يزيد بن محمد المهَّلبي، قال حدثنا العتبي قال: قيل لبعض الأعراب: إن من أجود أشعاركم ما كان في المراثي، قال إنّما نقولها وقلوبنا تقلى.

 

قل: طال العهد على هذا الأمر

ولا تقل: طال المطال على هذا الأمر

وكتب اليازجي: “ويقولون طال المطال على هذا الأمر أي طال العهد عليه مثلاً، ويقرؤون المطال بفتح الميم ذهاباً إلى أنه فعال من طال على ما يوهم ظاهر اللفظ ولا معنى لهذا التركيب وإنما هو عند من نقلت عنه هذه العبارة المِطال بكسر الميم مصدر ماطله مثل القتال من قاتله، والمعنى ظاهر.”

 

 

قل: بيعَ المتاعُ

ولا تقل: أبيعَ المتاعُ

كتب المقدسي: “ويقولُ بعضُهم: أُبِيعَ المتاعُ، بالألفِ. وصوابُهُ: بِيعَ. فأَما أُبِيعَ فمعناه: عُرِضَ للبيْعِ.”

قل: شيءٌ مَبيعٌ

ولا تقل: شيءٌ مبيوعٌ

كتب المقدسي: “ويقولون: مَبْيُوعٌ  و مَعْيُوبٌ. وصوابُهُ: مَبِيعٌ ومَعِيبٌ.”

قل: أحصى التاجر مَبيعَ متجره السنوي

ولا تقل: أحصى التاجر مُباعَ متجره السنوي

وكتب عبد الهادي بوطالب: “مبيع هو أيضا اسم مفعول من فعل باع يبيع بيعا. واسم الفاعل منه بائع ونقول: “أحصى التاجر مَبيعَ متجره السنوي”. كما نقول: “قائمة المَبيعات والمشْتَرَيات”. ولا يجوز استعمال لفظ الْمُباع عوضا عن المَبيع. كما لا تُستَعْمل في العربية كلمة “مَبْيُوع” التي تُسْتَعمل في اللهجة الدارجة، احتراما للقاعدة النحوية المعروفة التي لا داعي لتفصيلها هنا.

قل: رجل دنيوي

ولا تقل: رجل دنيائي

كتب الحريري: ويقولون رجل دنيائي، بهمزة قبل ياء النسب، فيلحنون فيه، لأن المسموع عن العرب في النسب إلى دنيا دنيي ودنيوي، وفيهم من شبه ألفها بألف بيضاء لكونهما علامتي التأنيث، فقالوا فيها: دنياوي، كما قيل في بيضاء: بيضاوي، فأما إلحاق الهمزة بها فلا وجه له، لأنه اسم مقصور غير مصروف والهمزة إنما تلحق بالممدود المنصرف، كما يقال في النسب إلى سماء وحرباء: سمائي وحربائي، على أنه قد جوز فيهما سماوي وجرباوي.

ومن أوهامهم في لفظة دنيا أيضا تنوينهم إياها فيقولون: هذه دنياً متعبة، وهو من شائن الوهم ومقابح اللحن، لأن دنيا وما هو على وزنها، مما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة لا يدخله التنوين بحال، وإنما لم ينصرف ما أنث بالألف في معرفة ولا نكرة، وانصرف ما أنث بالهاء في النكرة، وكلتاهما علامة للتأنيث لأن التأنيث بالألف أقوى من التأنيث بالهاء، بدليل أن الكلمة المؤنثة بالألف نحو حبلى وسكرى وحمراء وخضراء صيغت في بدئها، وأول وضعها على التأنيث، فقوي تخصصها بالأنوثة ونابت هذه العلة مناب علتين، فمنعت الصرف بالواحدة، والتأنيث بالهاء ملتحق بالكلمة بعد استعمالها في المذكر نحو قولك: عائش وعائشة وخديج وخديجة فلهذا حط من درجة ما أنث بالألف وصرف في النكرة.”

 

قل: إنه لا يظلمه بل يحافظ عليه

ولا تقل: إنه لا يظلمه إنما يحافظ عليه

كتب خالد العبري: يخلط الكثير منا في إستعمال أداتين هما “بل” و “إنما” فنسمع بعضنا يقول: “إن الوالد عندما يضرب ولده لا يظلمه إنما يحافظ عليه” والصواب أن يستعمل “بل” فيقول: “إن الوالد عندما يضرب ولده لا يظلمه بل يحافظ عليه”. ووجه الخلط أن “بل” تكون للإضراب و “إنما” تكون للقصر. ونحن في العبارة السابقة قصدنا الإضراب لا القصر. فلا يسوغ لنا استعمال “إنما”. والآيات القرآنية التالية توضح مجال استعمال كل أداة في موضعها، فعندما كان المعنى “الإضراب” جاءت “بل” وعندما كان “القصر” جاءت “إنما”، فتأمل:

  1. “بل” التي للإضراب ويسمى الإضراب الإبطالي لأنه يبطل الحكم السابق ويثبت ما بعده:
  • في قوله تعالى: “وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون”.
  • وفي قوله تعالى: “أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون”.
  1. إنما التي للقصر:
  • في قوله تعالى: “وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون”.
  • وفي قوله: “إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً”.

 

قل: في حالةِ وُقوع كذا وفي حالة ثُبوتِ كذا

ولا تقل: في حالةِ وَقع كذا وفي حالة ثَبتِ كذا

وكتب عبد الهادي بوطالب: “في هذين التعبيرين خطأ شائع يستعمل فيه المضاف قبل المضاف إليه. لكن المضاف إليه ليس اسما بل فعلا في صيغة الماضي. ولا ينَوَّنُ المضاف تطبيقا لقاعدة أن المضاف لا يُنوَّن عند الإضافة. في حين أنه لا يوجد بعده مضاف إليه لأنه يكون اسما وهنا هو فِعْلا “وقع” و “ثبت”.

وصواب العبارتين : “في حالةِ وُقوع وفي حالة ثُبوتِ” والالتباس جاء من عبارة : “فيما إذا وقع وفيما إذا ثبت” وهي لا علاقة لها من حيث قواعد اللغة بعبارتي” في حالةِ وقع وفي حالةِ ثَبَتَ”.”

قل: جاء القوم إلا أنت

ولا تقل: جاء القوم إلاك
كتب الحريري: “ويقولون: جاءني القوم إلاك وإلاه، فيوقعون الضمير المتصل بعد إلا كما  يوقع بعد غير في مثل قولك: جاء القوم غيرك فيوهمون كما وهم أبو الطيب في قوله:

ليس إلاك يا علي همام ** سيفه دون عرضه مسلول

والصواب: ألا يوقع بعد إلا إلا الضمير المنفصل، كما قال تعالى: “أمر ألا تعبدوا إلا إياه”، والفرق هاهنا بين إلا وغير أن الاسم الواقع بعد غير لا يقع أبدا إلا مجروراً بالإضافة، وضمير المجرور لا يكون إلا متصلاً، ولهذا امتنع أن يفصل بينهما، وليس كذلك الاسم الواقع بعد إلا، لأنه يقع إما منصوباً وإما مرفوعاً، وكلاهما يجوز أن يفصل بينه وبين العامل فيه ولهذا جعل له ضميران: متصل ومنفصل، إلا أنه لما اعترضت إلا في الكلام وفصلت بين العامل والمعمول، أوقع بعدها الضمير المنفصل، كما قال سبحانه وتعالى في ضمير المنصوب: ” ضل من تدعون إلا إياه”، وكما قال عمرو بن معدي كرب في ضمير المرفوع:

قد علمت سلمى وجاراتها ** ما قطر الفارس إلا أنا
فأما قول القائل:

فما نبالي إذا ما كنت جارتنا ** ألا يجاورنا إلاك ديار

فلم يأت في أشعار المتقدمين سواه ، والنادر لا يعتد به، ولا يقاس عليه.

قل: أصابه نزف حاد

ولا تقل: أصابه نزيف حاد

وجاء في ملحق مفردات أوهام الخواص: ويقولون لخروج الدم الحاد من الجرح نزيفاً، فيوهمون. والصواب أن يقال نزفاً لأن النزيف صفة لمن أصيب بالنزف، وهو على وزن فعيل نحو: قتيل وجريح ونزيف، والمعنى: مقتول ومجروح ومنزوف، وهو من الفعل نزف فلان دمه ينزفه نزفاً، فهو نزيف ومنزوف إذا استخرجه بحجامة أو فصد. والأصل في ذلك كله: نزفت ماء البئر، أي نزحت وذهب ماؤها. ­

وفي الحديث: زمزم لا تنزف ولا تذم، أي لا يفنى ماؤها على كثرة الاستقاء، وقوله تعالى: “لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون” أي لا ينقطع شرابهم. ونظيره قول العجاج:

وصرح ابن معمر لمن ذمر ** وأنزف العبرة من لاقى العبر

ويقال للسكران أيضا النزيف والمنزوف، ومنه قوله تعالى: “لا يصدعون عنها ولا ينزفون” أي يسكرون. ونظيره قول الأبيرد في هجاء آل أبجر:

لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم ** لبئس الندامى كنتم آل أبجرا

شربتم ومدرتم وكان أبوكم ** كذاكم إذا ما يشرب الكأس مدرا

ويقال للرجل إذا عطش حتى يبست عروقه وجف لسانه نزيف ومنزوف،

ومنه قول جرير:

قالت : وعيش أبي وحرمة إخوتي ** لأنبهن الحي إن لم تخرج

فخرجت خيفة أهلها فتبسمت ** فعلمت أن يمينها لم تحرج

فلثمت فاها آخذا بقرونها ** شرب النزيف ببرد ماء الحشرج

قل: أكلت بِطّيخاً

ولا تقل: أكلت بَطّيخاً

كتب الحنفي: “قال الجوزي: العامة تقول: بَطِّيخ ، بفتح الباء. والصواب كسرها.”

وفوق كل ذي علم عليم!

وللحديث صلة….

عبد الحق العاني

15 كانون الأول 2016

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image