عجز المسلمين في الدفاع عن مسلمي بورما!

مرةً أخرى نرى قوافلَ النازحينَ من المسلمينَ كأن فلسطينَ بعيدةٌ عن الذاكرة. ومرةً أخرى تمتلأ الدنيا بالشكوى والعويلِ والإستنكار. إنما الفرقُ بين اليومِ وبين عامِ 1948 هو أننا نمتلكُ اليومَ الهاتفَ النقالَ وشبكةَ المعلوماتِ و”الفيس بوك” و “التويتر” وووو. وحيثُ إن المسلمَ اليومَ متقدمٌ ومتطورٌ ويُحسنُ استعمالَ هذه الأدواتِ فهو لا بد أن يرغبَ في أن يُذكرَ الآخرينَ بأنه يفهمُ ويتعاطفُ ويريدُ أن يقاتلَ المجرمينَ في بورما، لكن بشرطِ أن يقومَ بهذا القتالُ آخرونَ غيره لأنه، أي هذا المسلمَ، لا يقدرُ أن يقدمَ لمسلمي بورما سوى الكلامِ وعلى الآخرينَ أن يقدموا أكثرَ من ذلك. وعذرُهُ إما أنه مشغولٌ بعملهِ أو لديهِ عائلةٌ أو يخافُ من حاكمٍ طاغيةٍ أو من غضبِ دولةٍ لجأ اليها أو من قطعِ رزقٍ أو أو. ولا أدري لماذا يفترضُ ان الآخرين ليس لديهم ظروفٌ مشابهةٌ له!

فالمفتي فلان يدعو، وأية الله الآخر يتعجب….

أما أنا فاني اكادُ أغرقُ في الرسائلِ النصيةِ ومقاطعِ الفيديو التي تصلني كلَّ ساعةٍ تطالبُ باللغوِ نفسه داعيةً لعملِ شيءٍ. وأقضي وقتاً كبيراً من يومي أمسحُ بعضَها وأعلقُ على بعضٍ خُصوصاً إذا جاءتْ من صديق.

واسألُ نفسي تُرى ألمْ يتعلمْ هولاءِ الناسُ شيئاً في الدنيا بعدَ كلِّ ما جرى منذ مائةِ عامٍ من أنه ليس هناكَ شيءٌ اسمُهُ الأممُ المتحدةُ يمتلكُ سلطةَ عملِ شيءٍ فهي مِنبرٌ اعلاميٌ، وانما هناك قُوىً في العالمِ تفعلُ، ومن لا يَقدِرُ أن يفعلَ فله أن يشكوَ ويبكي! أسمعتمْ ان أمريكا أو اسرائيلَ اشتكتْ يوما لما تسمونَهُ الأممَ المتحدة؟

ألسنا أكثرَ أهلِ الأرضِ مقدرةً على حفظِ وترديدِ أرقامِ قراراتِ مجلسِ الأمن؟ أيوجدُ سياسيٌ أو اعلاميٌ عربي يظهرُ على الناس يشرحُ ويسوغُ دون أن يذكرَ رقمَ قرارٍ لمجلسِ الأمنِ يستند هذا البائسُ له وهو لا يعرفُ انه بغيابِ القوةِ التي تفرضهُ فالقرارُ الذي يستندُ اليهِ لا يساوي الورقةَ التي كُتبَ عليها!

إن ما جرى في بورما منذُ سنواتٍ ويجري الأن بشكلٍ سافِرٍ هو إرهابٌ وجرائمُ ضِدُّ الإنسانية كما عرفتها الإتفاقاتُ والقوانينُ التي اصطلحَ على تسميتها دولية. وهذا ليس سراً او إدعاءً من أعداءِ البوذيةِ المسالمةِ في الظاهرِ فقطْ كما يبدو، وإنما هو ما يقوله حتى أصدقاءُ بورما.

إن التصديَ للجرائمِ التي ترتكبُ بحقِّ المسلمينَ العُزلَ في بورما يتمُ من أحد بابين: إما التدخلُ العسكريُّ لحمايتهم أو اللجوءُ للقضاءِ لإيقافِ العدوان.

فالتدخلُ العسكريُّ يمكنُ أن يتمَّ اذا شاءتْ الدولُ الإسلاميةُ والتي لا أنكرُ أني لا أعرف عددَها لكثرتها، أن تفعل. فهذه الدولُ التي ساهمتْ بجيوشها في غزوِ العراقِ عام 1991 برغمِ أن جيشَ العراقِ لم يُحرقْ قريةً ولم يهجرْ الآلافَ من سكانِ الكويت، وتقومُ اليومَ بقتلِ المدنيينَ في اليمنِ، قادرةٌ أن تُحولَ جزءً من قُدُراتِها للتلويحِ لحكام بورما بالتدخلِ أو بالتدخلِ فعليا. ولا يَقولنَّ أحدٌ إن الأمرَ يحتاجُ لقرارٍ من مجلسِ الأمن فقدْ اتفقَ فقهاءُ القانونِ الدوليِّ من الأوربيين، وهم أساتذتنا وبهم نقتدي، على أن التدخلَ العسكريَّ لمنعِ وقوعِ كارثةٍ إنسانيةٍ عملٌ مقبولٌ بموجبِ القانونِ الدوليِّ وهذا هو ما حدثَ في “كوسوفو” وما تحججوا به للعدوان على ليبيا!

لكني ما ألبثُ أن أتداركَ الأمرَ فأقولُ إن القُمامةَ التي تحكمُ العالمَ الإسلاميَّ هي بيدِ سيدِها الصهيونيِّ وهو راضٍ عما يجري في صنيعته في بورما ولن يسمحَ بما يُسيء لها. واذا كان في إرضائها قتلُ وتشريدُ لآلافِ المسلمينَ فما هو الجديدُ في ذلك؟ ألم يفعل ذلك في فلسطينَ والعراقَ وسوريةَ وليبيا واليمنَ وافغانستان؟

لنصرف النظرَ عن التدخلِ العسكريِّ ما دامت القُمامةُ الصهيونيةُ تحكم المسلمين!

يبقى اللجوءُ للقضاء. وهذا لا يعني الدعوةُ لعرضِ القضيةِ أمامَ محكمةِ الجناياتِ الدولية كما اعتقد عددٌ من المسلمين الذي لا يعرفون شيئا عن القضاءِ الدولي وعملهِ بل فعلوا ذلك لأنهم سَمِعوا بالمحكمةِ واعتقدوا أن لا بد من أن يمكنَ اشراكُها، فجاءتني أكثرُ من دعوةِ للتوقيعِ على طلب يوجه لفلانَ كي يتمَ عرضُ الأمرَ على محكمةِ الجناياتِ الدولية.

وسببُ عدمُ امكانِ ذلك هو أن محكمةَ الجناياتِ الدولية ليس لها سلطةٌ قضائيةٌ على الدول التي لم تصادقْ على دستورِ المحكمةِ وحيثُ إن بورما، شأنُها في ذلك شانُ الولايات المتحدةِ وأغلبُ الدولِ العربيةِّ بما فيها العراقُ الديموقراطيُّ والذي حاكمَ صدامَ حسين بدستورِ المحكمةِ ذاتِها، لم تُصادقْ على دستورِ المحكمةِ، فهي، أي بورما، لا تخضعُ لسلطتِها القضائية!

لكن الأمرَ لا يقفُ هنا اذا كان المهتمُ يبحثُ عن سبيلٍ غير العبثِ واللغو!

فقد أصبحتْ جرائمُ الإرهابِ والجرائمُ  ضِدُّ الإنسانيةِ من الخطورةِ والأهميةِ والإنتشارِ ما جعلها تدخل في التشريعاتِ الوطنيةِ للعديدِ من دولِ العالم. وكثيرٌ من هذه الدولِ منحتْ المحاكمَ الوطنيةَ فيها سلطاتِ قضاءٍ دوليةٍ في جرائمِ الإرهابِ وجرائمِ الحربِ والإبادةِ والجرائمِ ضِدِّ الإنسانية، كما هو الحالُ في بريطانيا وهذا يعني أن بالإمكانِ مقاضاةَ حكومةِ بورما أمامَ المحاكمِ الوطنيةِ لهذه الدولِ التي تتمتعُ محاكمُها بسلطاتِ قضاءِ دولية.

فمن أراد أن يعملَ شيئاً من أجلِ مسلميِ بورما فليبحثْ في بلده عن إمكانيةِ قيامِ هذا وليباشرْ به فاذا حدثَ ذلك في أكثرَ من بلدٍ فان حكومةَ بورما سوف تفكرُ مَلياً في ما ترتكبه من جرائمَ. وقد يصلُ الأمرُ أبعدَ من ذلك اذا نجحَ محامٍ ما في اقناعِ المحكمةِ في بلده وحصلَ على حكمٍ ضِدِّ رئيسةِ وزراء بورما التي أعدتها الصهيونيةُ في لندن كما أعدتْ العشراتَ غيرَها ممن أرسلوا لحكمِ الدولِ وكان أخرَهم حفنةُ الخونةِ الذي شكلوا مجلسَ الحكمِ في العراقِ بعد غزوه عام 2003.

إن ايَّ عملٍ سيكونُ أفضلَ من البكاءِ والبياناتِ والإستنكار. والعالمُ لا يحترمُ الضعيفَ ولا الجبان.

عبد الحق العاني

13 أيلول 2017

 

 

This Post Has One Comment

  1. Hasan Alani

    اتفق كليا مع ما تطرقتم له بشأن ماساة مسلمي بورما وعدم تفاعل الدول الاسلامية مع معاناتهم .
    ولكن ما يجري في العراق وسوريا و ليبيا على وجه الخصوص اكثر اجراما فالضحايا المهجرين أعدادهم بالملايين والقتلى والمعوقين بمئات الألوف ولا صوت سمعناه من اية دولة إسلامية او عربية بل من يساهم بمأساة هذه الدول بشكل فعال هي دول اسلامية وعربية بالدرجة الأولي نيابة عن المجرمين الأصليين
    ان في هذا التعليق لا اقلل من فضاعة اجرام طغمة ( حاملة)
    جائزة نوبل بل رغبت في تسليط الضوء على مأسينا نحن،
    شكرا لكم ..

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image