قل ولا تقل / الحلقة الحادية والثلاثون بعد المائة

إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (مصطفى جواد)

فإن من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب. ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته اليها. (الثعالبي)

 

 

قل: دَفَقْتُ الماءَ
ولا تقل: أدْفَقْتُ الماءَ

 كتب الكسائي: “وتقول دَفَقْتُ الماءَ وهَرَقْتُه ولا يقال أدفقتُ ولا أهْرَقْتُ.”

وكتب الصفدي في هذا الباب: ” ويقولون: أُديرَ به. والصواب: دِيرَ بِهِ، بإسقاط الألف. والعامة تقول: أدْفَقْتُ الإناء، بزيادة الألف. والصواب: دَفَقْتُه أدْفِقُه بكسر الفاء.”

 

قل: اجتمع فلانٌ وفلان
ولا تقل: اجتمعَ فلانٌ مع فلانٍ

 كتب الصفدي: “ويقولون: اجتمعَ فلانٌ مع فلانٍ، فيوهمون فيه. والصواب: اجتمع فلانٌ وفلان، لأن اجتمع على وزن افْتَعَل. وافْتَعَل مثل اختصم واقتتل، وما كان أيضاً مثل تَفاعَلَ – مثل تخاصم وتقاتل – يقتضي وقوعَ الفعل من أكثر من واحدٍ، ومتى أسند الفعلُ منه الى أحد الفاعلين لزم أن يُعطَف عليه الأخرُ بالواو لا غير.”

وعلق أبو الثناء الآلوسي في هذا فكتب: “ويقولون اجتمع فلان مع فلان وهو وهم والصواب الواو بدل مع في كل ما اقتضى وقوع الفعل من أكثر من واحد، كافتعل نحو اختصم وتفاعل نحو تخاصم، للاستغناء عنها لما تدل عليهِ صيغة الفعل فلا يؤتى بها إلَّا حيث يجوز أن يقع الفعل من واحد نحو جاءَ زيد مع بكر؛ لإفادة المصاحبة وإبطال تجويز سبق اتصاف أحد الشخصين الآخر بالفعل كما هو مع الواو، فإن قولك: جاءَ زيد وبكر، يحتمل ثلاثة أمور كما هي مشهور فمع هناك مثلها في اصطحب زيد وبكر معًا، وهو لا يجوز للاستغناء باصطحب عن معًا، وتعقب ذلك في الحواشي بأنهُ لا يمتنع في قياس العربية، اجتمع زيد مع عمرو واختصم جعفر مع بكر بدليل جواز اختصم زيد وعمرًا، واستوى الماء والخشبة بواو المفعول معهُ وهي بمعنى مع ومقدرة بها، والمثال الأخير في غاية الشهرة ولا شك أن المساواة لا تكون إلَّا بين اثنين فصاعدًا كالاختصام، فحيث جاز فيها دخول واو المفعول معهُ جاز دخول مع كقولهم استوى الحر والعبد في هذا الأمر، وقال ابن مالك في التسهيل تختص الواو بعطف ما لا يستغنى، قال ابن عقيل في شرحهِ: نحو هذان زيد وعمرو وإخوتك زيد وعمرو وبكر نجباء وسواء عبد الله وبشر، وأجاز الكسائي في ظننت عبد الله وزيدًا مختصمين، وأوجب البصريون والفراء الواو إلى آخر ما قال، وفيهِ تأكيد لما في الحواشي، وأورد على دعوى الاختصاص أم المتصلة في سواء على قمت أم قعدت فتدبر.”

قل: أُتْخِم الرجل
ولا تقل: اتّخَم الرجل

كتب الصفدي: “ويقولون: اتّخَم الرجل، إذا أضرّ به الشِّبَع، والصواب أُتْخِم، فهو مُتْخَم، على ما لم يسمّ فاعله. قلت: يريد أنهم يشددون التاء ويفتحونها، والصواب أن تخفف وتسكن.”

 

قل: بنى على أهله
ولا تقل: بنى بأهله

كتب الحريري: “ويقولون للمعرس: قد بنى بأهله، ووجه الكلام بنى على أهله، والأصل فيه أن الرجل كان إذا أراد أن يدخل على عرسه بنى عليها قبة، فقيل لكل من عرس: بان، وعليه فسر أكثرهم قول الشاعر:

ألا يا من لذا البرق اليماني ** يلوح كأنه مصباح بان

وقالوا: إنه شبه لمعان البرق بمصباح الباني على أهله، لأنه لا يطفأ تلك الليلة، على أن بعضهم قال: عنى بالبان الضرب من الشجر، فشبه سنا برقه بضياء المصباح المتقد بدهنه. ويجانس هذا الوهم قولهم للجالس بفناء بابه: جلس على بابه، والصواب فيه أن يقال: جلس ببابه، لئلا يتوهم السامع أن المراد به: استعلى على الباب وجلس فوقه.

وقد أذكرني ما أوردته نادرة تليق بهذا الموطن، حكاها لي الشريف أبو الحسن النسابة المعروف بالصوفي رحمه الله، قال: اجتاز البستي بابن البواب وهو جالس على عتبة بابه، فقال: أظن الأستاذ يقصد حفظ النسب، بالجلوس على العتب.

 ومما يوهمون فيه أيضا: قولهم: خرج عليه خراجٌ ووجه القول أن يقال: خرج به. وكذلك يقولون: رميت بالقوس، والصواب أن يقال: رميت عن القوس أو على القوس، كما قال الراجز:

أرمي عليها وهي فرع أجمع ** وهي ثلاث أذرع وإصبع

فإن قيل: هلا أجزتم أن تكون الباء في هذا الموطن قائمة مقام عن أو على، كما جاءت بمعنى عن في قوله سبحانه وتعالى: “سأل سائل بعذاب واقع” وبمعنى على في قوله تعالى: “وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها”. فالجواب عنه أن إقامة بعض حروف الجر مقام بعض إنما جوز في المواطن التي ينتفي فيها اللبس ولا يستحيل المعنى الذي صيغ له اللفظ. ولو قيل هاهنا: رمى بالقوس لدل ظاهر الكلام على أنه نبذها من يده، وهو ضد المراد بلفظه: فلهذا لم يجز التأول للباء فيه.”

وكتب ابو الثناء الآلوسي: ” ويقولون: للمعرس بنى بأهله بالباء ووجه الكلام بني على أهلهِ بعلى بدل الباء. والأصل فيه أن الرجل إذا أراد أن يدخل على عرسهِ بنى عليها قبة. فقيل لكل من أعرش بان. وعليه فسر أكثرهم قول الشاعر:

ألا يأمن لذا البرق اليماني

يلوح كأنه مصباح بان

وقالوا أنهُ شبه لمعان البرق بمصباح الباني على أهله لأنهُ لا يطفأ تلك الليلة. وقال بعضهم أنهُ عنى بالبان الضرب المعروف من الشجر فشبهوا سنا برقه بضياء المصباح المتقد بدهنه ما أنكر مما لا شبهة في صحتهِ. فإنه متضمن معنى دخل فيتعدى تعديته. وقال ابن بري بنى بأهله غير منكر لأن بنى بها بمعنى دخل بها. وقال ابن قتيبة يقال لكل داخل بأهله بان. والباء وعلى قد يتعاقبان على معنى واحد نحو أفاض بالقداح وعليها وفي الأساس وتبعهُ في القاموس بنى على أهله. وبها زفها كابنتى. وعن ابن دريد بنى بامرأته عرس بها فعدى بنى بالباء. وقد تداولتهُ الفصحاء من غير إنكار كما قال أبو تمام:

لم تطلع الشمس فيه يوم ذاك على

بان بأهل ولم تعذب على عَزَب

وكما وهموا في استعمال الباء في ذاك، وهموا في استعمالهم إياها في قولهم (رميت بالقوس). والصواب عن أو على كما قال الراجز:

ارمي عليها وهي فرع أجمع

وهي ثلاث أذرع وإصبع

فأتى بعلى دون الباء والفرع بالفاء من خير القسي. ويطلق على القوس المعمولة من طرف القضيب وعلى المشقوقة. وهذا ما ذهب إليه بعضهم. قال ابن السيد في شرح أدب الكاتب قال بعضهم لا يجوز ورميت بالقوس. والصواب عن القوس كما قال طفيل:

رمت عن قسي الماسخي([1]) رجالنا

وإنما أنكره لأنهُ توهمهُ بمنزلة رميت بالشيء إذا لقيته عن يدك وليس كذلك لأن المعنى رميت السهم بالقوس والباء للآلة أو بمعنى عن كما في قوله:

فإن تسألوني بالنساء فإنني

خبير بأدواء النساء طبيب

وقولُه ولا يجوز أن تجعل الباء هناك بمعنى عن كما في قوله تعالى سأل سائل بعذاب واقع لأن مثل ذلك إنما جوز حيث لا لبس واللبس هناك ظاهر ليس بشيء إذا المقام دافع لذلك اللبس كما لا يخفى. واختار في شرح اللباب كون الباء للآلة قال يجوز رميت بالقوس نظرًا إلى أن القوس آلة الرمي المستعان بها فيه. ورميت على القوس بالنظر إلى أن المعنى أنى امرؤ اعتمدت على القوس في الرمي ورميت عن القوس بالنظر إلى أن الرمي يبتدأ منها وقد حكى الفراء رميت عن القوس وبها. وعكس ذلك الوهم استعمالهم على مكانَ الباء([2]) في قولهم للجالس بفنائه جلس على بابه. ولمن خرج به خراجٌ بالضم؛ أي: قروح. خرج عليه خراجٌ والصواب في الموضعين الباء دون على؛ إذ لا استعلاء ويتوهم في الأول أنهُ استعلى على الباب وجلس فوقه. وهذا ليس بشيء أيضاً لتحقق الاستعلاء في الثاني. والاستعلاء في الأول كما في قولهم مررت على فلان والتوهم الذي زعمه مما يبعد أن يلحق العاقل.”

 

قل: رأيت عاسّا يسير وحده
ولا تقل: رأيت العسس يسير وحده

كتب الحنفي: “قال الجوزي: العامة تطلق “العسس” على الواحد، وإنّما هو للجماعة، جمع عاسّ.”

 

قل: نفى الفلسطينيون مسؤوليتهم عن القتال بحجة أن إسرائيل كانت المعتدية
ولا تقل: نفى الفلسطينيون مسؤوليتهم عن القتال بدعوى أن إسرائيل كانت المعتدية

وكتب عبد الهادي بوطالب: “وتستعمل الكلمتان أحيانا في معنى واحد، بينما لكل منهما دلالة خاصة. الدعوى – مَثَلها مَثَل التهمة – تحتمل الصدق والكذب إلى أن يقوم الدليل على ثبوت واحد منهما.

أما الحجة فتعني التأكد من الأمر. فهي في مقابل الدعوى والادعاء. لكننا نسمع ونقرأ هذين التركيبين المستعملين من البعض في غير معنَيَيْهما، كأن يقال: “نفى الفلسطينيون مسؤوليتهم عن البدء بإطلاق النار بدعوى أن إسرائيل كانت هي البادئة بالعنف” و”نفت إسرائيل عن نفسها هذه الدعوى بحجة أنها إنما لجأت إلى إطلاق النار دفاعا عن النفس” ولو وضعت كلمة “بحجة” بدلا عن “بدعوى” في الجملة الأولى ووضعت كلمة “بدعوى” عوضا عن “بحجة” في الجملة الثانية لكان ذلك أنسب، إذا كان الإعلام ملتزماً منضبطاً بتأييد الفلسطينيين وعاملاً على ترويج خطابهم بصدق وأمانة.”

وفوق كل ذي علم عليم!

وللحديث صلة….

““““““““““““““`

([1]) الماسخي القواس كما في القاموس.
([2]) قوله (استعمالهم على مكان الباء) ذكر هذه المسألة في هذا الحرف لأجل المقابلة والمعاكسة لا يرد على الشارح رحمة الله تعالى ما قد يقال أن ذكرها في هذا الحرف سهو. اهـ. مصححة.

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image