نحن العرب: من نحن وإلى أين؟ – الجزء الحادي عشر

ما الذي فعله الإسلاميون العرب؟

 

انتهيت في الجزء السابق الى ان الناس انقسموا في ظل الدولة الوطنية التي أوجدها الاستعمار الأوربي ورسم حدودها، بشكل اعتباطي بالنسبة لأهلها، الى ثلاث مجموعات: إسلامية وقومية وشيوعية.

 ولا بد من الإتيان بملاحظة قصيرة قبل الحديث عما فعلته كل مجموعة من هذه. إذ يجب أن نتذكر أن منطقتنا في أعقاب الحرب العالمية الأولى لم تكن هي كما عليه اليوم مما يمكن أن يغيب عن ذهن القارئ ملاحظته خصوصاً وهو يسمع وبشاهد وقد يقرأ محاولات بائسة، تُسخَّر لها وسائل إعلام لا تقل بؤساً في جوهرها، لعدد من دويلات وهمية إنشئت بعد الحرب العاليمة الثانية وهي تبحث لها وتختلق تأريخاً لا وجود له حتى في الخيال.

 فلم تكن في أعقاب الحرب العالمية الأولى، حين اقتسم الاستعمار الأوربي منطقتنا، دولة كويت ولا دولة إمارات ولا دولة قطر ولا دوله بحرين. وحين أقول لم تكن هناك أي من هذه الدول فلا أعني فقط بالمفهوم السياسي للكيان ولكن أعني حتى في المدلول التأريخي لأي جذر أو حقيقة تقول بوجود هذا الكيان حتى في ضمير الناس.

 

إن واقع الحال هو إن منطقتنا بالمفهوم السياسي والفكري والاجتماعي كانت في أعقاب الحرب العالمية الأولى تتألف من ثلاث حواضر فاعلة في السياسة والفكر والتأريخ والجغرافيا وهي: بغداد ودمشق والقاهرة. لذا فإن الحديث عما فعلته المجموعات المشار اليها أعلاه هو في حقيقة الأمر البحث عما فعلته المجموعات الثلاث في هذه الدول.

 وحين أقول إن الناس انقسموا الى ثلاث مجموعات فهذا لايعني ان كل شعوب المنطقة يمكن تصنيفهم تحت إحدى هذه المجموعات. فليس الحال كذلك فأكثر الناس غير معنيين بالواقع الذي هم فيه بالحد الذي يدفعهم للتفكير بما سيكون عليه الأمر غداً حتي يعملوا من أجله أو تغييره. لكن الذين يهمهم هذا ويسعون لتغييره أو تثبيته هم الفاعلون في التأريخ، وإن كانوا قلة.

 فالإسلاميون من العرب وجدوا في الهيمنة الأوربية تحدياً للفكر الإسلامي الذي كانوا يركنون اليه والذي كان يمنحهم الديمومة والاستمرار دون الحاجة لمواجهة أي سؤال عن شرعية أو عقلانية أي موقف. حيث إنه حين يواجه الإنسان بأفكار جديدة تحمل قيماً ومبادئ لم يعرفها سابقاً فإن أسهل السبل للتعامل معها هو العودة للمألوف. هكذا وجد دعاة المشروع الإسلام السياسي أن أسهل طريق لمواجهة فكر المستعمر الأوربي هو الدعوة للعودة للدولة الإسلامية. وهذا يعني خلق قناعة فكرية تنظر لتأريخ الدولة الإسلامية بعين الرضى التام متجاهلة أية إساءة أو عيب في الدولة الإسلامية الغابرة. فأصبح تأريخ الدولة الإسلامية صفحة زاهرة من العدل والإنصاف والتطور والأمن. وهو لم يكن كذلك. لكن إقناع الناس بذلك لم يكن عسيراً حيث إن المظلوم بطبعه مستعد للتغاضي عن الخلل إذا كان في الصالح من ذلك التأريخ ما يبشره بمستقبل أفضل له مما يراه في البديل الأوربي الغريب.

 لكن الإسلام السياسي وجد نفسه أمام عقبة حقيقية من حيث إنه لم يكن هناك إسلام سياسي واحد أمام العربي كي يتفق عليه.

 ولم يكن ذلك قد غاب عن المستعمر الأوربي، فقد أدرك ذلك قبل قرن من احتلاله للمنطقة حين كان يعد العدة ويضع الخطط وهو يترقب سقوط الدولة العثمانية. وهكذا فقد سارع الأوربي لاحتواء وتغذية مشروع الإتفاق بين محمد عبد الوهاب وابن سعود الذي أنشأ أقدم حزب في المنطقة بما اصبح يعرف لاحقا بالحركة الوهابية. فالحركة الوهابية، والتي كانت في حقيقتها ليست مذهباً دينياً فحسب بل كانت مشروعاً سياسياً، لم تكن معادية فقط للتشيع وإنما كانت معادية لكل مذهب آخر بما في ذلك فرق أهل السنة الأخرى. وهكذا فإن أول مشروع إسلام سياسي كان مفرقاً لا جامعاً وانتهى به الأمر في خدمة المستعمر الأوربي الصهيوني وليس مناهضاً له.

لقد أدرك الصهيوني، الذي كان يعد العدة لغزو منطقتنا، مسالك الخطر التي يمكن أن تعترض مشروعه. لذا فهو أسس ودعم الحركة السياسية الإسلامية حتى قبل تشكيل الدولة الوطنية المصطنعة بعد غزو المنطقة. فقد كان الهدف من هذا هو تأمين امكانية الضغط على الدولة الوطنية وابتزازها بتحريك الإسلام السياسي اذا احتاج لذلك في حالة عدم قيام الدولة الوطنية بما يراد منها في خدمة مشروعه الصهيوني للمنطقة. أما الإسلام السياسي فقد كان رهينة ابتزاز المشروع الصهيوني عن طريق الضغط على الدولة الوطنية لتبني سياسيات تبعدها عن الخط الديني.

 لكنه برغم قدم الحزب الوهابي فإن عاملين أعاقا مقدرته على إحداث أثر في سياسة منطقتنا بشكل عام. أولهما هو إن النفط لم يكن قد اصبح بعد قوة حقيقية تمكن الوهابية من لعب الدور الذي يمكنها المال من لعبه في السياسة. وثانيهما هو ان العربي ابن حواضر بغداد ودمشق والقاهرة كان ينظر بعين الاستصغار لأي فكر يأتيه من الأعراب في جنوب شبه جزيرة العرب. لذا فإن المشروع الوهابي ظل حتى مرحلة متأخرة من القرن العشرين رهين الحدود السياسية لما عرف بمجلس التعاون الخليجي. ولعل أول ظهور علني لمشروع الوهابية الإسلامي كان في الحملة المسعورة في أفغانستان والتي مولت فيها السعودية حرباً مدمرة قتلت المسلمين من العرب وغير العرب والروس وخربت أفغانستان من أجل انتصار المشروع الصهيوني في محاربة الإتحاد السوفيتي.

 إن هذه الحقيقة، أي ادراك الصهيوني لمحدودية نجاح الفكر الوهابي في منطقتنا، دفعه للبحث عن دعم حركات إسلام سياسي تلائم واقع المنطقة الفكري. لذا فإن الصهيوني سارع لدعم حركة الإخوان المسلمين في مصر وشجعها على التصدي لجمال عبد الناصر وليس للملك فاروق. ودعم مشاركة الإخوان المسلمين في دعم انفصال سورية عن مصر ثم دعم تمرد الإخوان ضد نظام البعث بقيادة أمين الحافظ في سورية. ثم أسس حزب التحرير في الأردن. واحتضن حزب الدعوة في العراق، على سبيل المثال لا الحصر. وهكذا تمكن المشروع الصهيوني من استعمال الإسلام السياسي في منطقتنا من بابين فهو سخره للتقسيم المذهبي كما فعل في العراق كما انه سخره لاستنزاف المشروع القومي الذي ساد في حكم المنطقة في أعقاب الحرب العالمية الثانية كنتيجة طبيعية للتطلع السياسي في بناء الدولة القومية كوريث للدولة الوطنية التي أنشأها هو في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

 إن ما حدث لمشروع الإسلام السياسي هو انه شارك في هدم الدولة الوطنية التي لم تعمل ضمن المشروع الصهيوني لكنه لم ينجح في بناء دولة دينية كما كان يدعي أو يطمح لفعله. بل على عكس ذلك فهو حين تمكن ولو جزئياً فإنه أغلق الباب بوجه ما ادعاه من رغبته في بناء “الديموقراطية” كما حدث في مصر. وهو الذي خرب البلد بالكامل وهدم كل مؤسساته كما فعل في سورية. وهو الذي شارك الغزاة في غزو واحتلال أرضه وادعاه تحريراً ثم أغرق الوطن في فساد خيالي كما فعل في العراق.

 

لقد فشل الإسلاميون العرب فشلا ذريعاً.

 

فما الذي فعله الشيوعيون؟

 

هذا ما سأحاول بحثه في القادم..

فللحديث صلة…..

 

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image