قل ولا تقل / الحلقة الرابعة والثلاثون بعد المائة

إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (مصطفى جواد)

فإن من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب. ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته اليها. (الثعالبي)

 

 

قل: هذا هَويُّ طوابع، وهؤلاء هُوو طوابع، وهو الهَويّ وهم الهُوون ولم يكونوا هوُين من قبل
ولا تقل: هذا هاوي طوابع، ولا هؤلاء هُواة طوابع، ولا هم الهُواة، بهذا المعنى

وكتب مصطفى جواد: “وذلك لأن “الهوى” أقرب الى العادات منه الى الحالات العارضات، فينبغي أن تصاغ له صفة مشبهة على وزن “فَعِل” والمثنى منه “فَعِلان” والجمع “فَعلون” نحو فَرِح وهما فَرِحان وهم فَرِحون وتقول: هَوِيَ فلان يَهوي هوىً، مثل جَوِيَ يَجوي جَوَىً، وشَجي يَشجي شَجَىً. فالأول الهَويّ والثاني الجَويّ والثالث الشَّجيَ.

وجاء في لسان العرب “والهوى مقصور هوى النفس وإذا أضفته اليك قلت هَوايَ. قال ابن بري: وجاء هوى النفس ممدوداً في الشعر يعني للضرورة قال:

وهان على أسماء أن شطت النوى             نحن اليها والهواء يتوق

وقال ابن سيدة: الهوى العشق، يكون في مداخل الخير والشر…، وهو بالنفس إرادتها والجمع أهواء.

وفي التهذيب قال اللغويون: الهوى محبة الإنسان الشيء وغلبته على قلبه. قال الله عز وجل: ونهى النفس عن الهوى، معناه نهاها عن شهوتها، وما تدعو اليه من معاصي الله عز وجل. وقال الليث: الهوى مقصور هوى الضمير، تقول: هَويَ يهوى أي أحب، ورجل هوٍ: ذو هوى مخامر، وامرأة هَوية لا تزال تهوى على تقدير فَعِلة…. وفي حديث الخيار: يأخذ كل واحدٍ من البيع ما هوى أي ما أحب، وما تُكلم بالهوى مطلقاُ لم يكن إلا مذموماً حتى يُنعت بما يُخرجُ معناه كقولهم: هَوى حسن موافق للصواب. وأثبت سيبويه الهوى لله عز وجل فقال: فإذا فعل فقد تقرَّب الى الله بهواه وهذا الشيء أهوى إلي…والجمع أهواء وقد هَويَه هوى فهو هَوٍ…واستهوته الشياطينُ…. جعله الزجاج من هَويَ يَهوي أي زّيَّنت له الشياطين هواه” انتهى المراد نقله من لسان العرب.

وقال يزيد بن الحكم بي أبي العاص يعاتب ابن عمه عبد الرحمن بن عثمان بن أبي العاص:

أراك إذا لم أهوَ أمراً هوِيته              ولست لما أهوى من الأمر بالهَوِيّ

وقال عمرو بن كلثوم في معلقته:

وإنّا التاركون لما أردنا                  وإنّا الآخذون لما هَوينا

وقال المبرد في الكامل: “تقول: هَوِي يهوى كما تقول فَرِق يَفرَق وهو هَوٍ كما تقول هو فَرق كما ترى”.

وأما الهاوي فهو اسم فاعل من هَوي يَهوي هُوياً أي سقط الى اسفل، فالهاوي هو الساقط والهواة هم السقاط.

فقل: هذا هوي غناء وهؤلاء هوو غناء، وهو من الهَوين للغناء لا من الهواة أي السقاط وهم اللؤماء.”

لكن عبد الهادي بوطالب كتب في الهِوايةِ ما يلي: “ويفتح البعض الهاء أو يضمها خطأ والصواب كسرها. والهِوَاية عمل يُشغَف به المرء ويقضي أوقات فراغه في ممارسته دون أن يحترفه. فنقول: إن هِوَاية فلان هي الموسيقى. أما فلان الآخر فهو يزاول هِواية جمع الطوابع البريدية. وفلان أصبح شَغوفا بهواية الرسم.

وليس لكلمة الْهَواية (بفتح الهاء) ولا بضمها (الهُوايَة) دلالة لغوية. ويطلق على من له هِواية اسم الهاوي وجمعه هُوَاة (بضم الهاء ودون تشديد على الواو) فنقول فلان هاوي الموسيقى، أو هاوي السباحة، أو هاوي حل لغز الكلمات المسهَّمة. وهم جميعا هُوَاة.” إنتهى

وهكذا يتضح أن استاذا معاصرا للعربية أصابه التلوث الذي أصاب الجميع فلم يقدر أن يميز بين الهاوي والهوي.

 

 

قل: أنا أحِسُّ بكذا
ولا تقل: أنا أُحُسُّ بكذا

كتب الصفدي: “ويقولون: أنا أحُسُّ بكذا، بفتح الألف وضم الحاء. والصواب: أُحِسُّ، بضم الألف وكسر الحاء. قلت: لأن أصله أحسَسْت بالشيء، فأنا أُحِس به، وليس هو من حَسَسْتُ أَحُسُّ.”

 

قل: نزلنا بجانبي الوادي
ولا تقل: نزلنا بجنبي الوادي

كتب الصفدي: “ومن ذلك: الجَنْبُ والجانِبُ، لا يفرق كثير من الناس بينهما. والجَنْب للحيوان، والجانِبُ ناحية كل شيء، وليس لشيء من الحيوان غير جنبين، وله جوانب كثيرة، لأن كل ناحية من نواحيه جانب. والجَنْب أحد جوانبه، فكل جنْب جانِب، وليس كل جانبٍ جَنْباً، تقول: نزلنا بجانبي الوادي، ولا تقل بجنبيه إلا على سبيل المجاز.”

 

قل: أطرده السلطان
ولا تقل: طرده السلطان

كتب الحريري: “ويقولون طرده السلطان. ووجه الكلام أطرده، لأن معنى طرده أبعده بيده أو بآلة في كفه، كما يقال: طردت الذباب عن الشراب، وما المقصود هذا المعنى، بل المراد به أن السلطان أمر بإخراجه عن البلد، والعرب تقول في مثله: أطرده، كما تقول: أطرد فلان إبله، أي أمر بطردها، والطَّرْد بتسكين الراء: المصدر، وبالفتح: مطاردة الصيد، والطريدة: هي الصيد.”

وعلق أبو الثناء الآلوسي فكتب: “ويقولون طرده الأمير يعنون أمر بإخراجه عن البلد والصواب في ذلك أطرده، ويكون هذا بمعنى أمر بطرده لأن معنى طرده أبعده بيده أو بآلة في كفه، في التخصيص المذكور بحث لأن الطرد يكون بالقول أيضًا وما ذكر من التفرقة مأخوذ مما قاله سيبويه في باب التعدية من الكتاب، وعبارته يقال طردته إذا نحيته وأطردته إذا جعلته طريدًا هاربًا وقال السيرافي في شرحه يعني أن أطرد ليس بفعل لطرد كذهب واذهب نعم قال ابن الحنبلي أن ما ذكره الحريري غير مسلم لهُ لأن الأمر يجعل كالمباشرة فيقال قطع يده السلطان إذا أمر بذلك ويؤيد المنع أنهُ قيل للحكم طريد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل عليه أيضًا في القاموس الطرد ويحرك الابعاد وطردته نفيته عني ولا شك أن الأمر بالإخراج عن البلد يتضمن ذلك في الجملة وهو يكفي تصحيح كلامهم فتأمل.”

 

قل: ما يعْرُضُك لهذا الأمر؟
ولا تقل: ما يعرِّضُك لهذا الأمر؟

كتب الحريري: “يقولون: ما يُعرِّضُك لهذا الأمر؟ بضم الياء وكسر الراء وتشديدها. والصواب أن يقال: ما يَعْرُضُك، بفتح الياء وضم الراء، أي ما ينْصِبُ عُرْضَك؟ وعُرْضُ الشيء: جانبه، ومنه قولهم، اضربْ به عُرْضَ الحائط.”

وعلق أبو الثناء الآلوسي على ذلك فكتب: «ويغلطون في يعرضك من قولهم ما يعرضك لهذا الأمر بضم الياء وكسر الراء وتشديدها، والصواب يعرضك بفتح الباء وضم الراء وتخفيفها أي ما ينصب عرضك لهُ وعرض الشيء»‏ بضم العين وسكون الراء «جانبه» ومنهم قولة اضرب بهِ عُرْض الحائط، ويضم الراء أيضًا فيقال نظر إليه عند عرض وعرض أي من جانب وفي القاموس أثناء كلام طويل : التعريض خلاف التصريح وجعل الشيء عريضاً إلي أن قال وإن يجعل الشيء عرضاً للشيء ولا شك أن الفعل من هذا عَرّض بالتشديد، وما أنكر هو استعمال مضارع ذلك في المعني الأخير كما لا يخفي «وأما قولهم كُل الجبنَ عرضًا فمعناه كله ممن يعترض ولا تسأل عمن جبنه‏» وفي القاموس أي اعتراضه، واشتره ممن وجدته ولا تسأل عن عمله، والمراد بالجُبُنِّ هو المأكول المعروف وهو بضم الجيم والباء وتشديد النون في اللغة الفصيحة وفيهِ لغة أخري وهي ضم الجيم وسكون الباء وتخفيف النون كضد الشجاعة وهى الشائعة في لسان العامة، وعلى ذلك قول بعضهم وقد أمر بالقتال:

فلا تأمرني بالشجاعة إنني

وحقك عبد يأكل الجبن بالخبز

وما ذَكر مثل يضرب لترك الفحص والسؤال في أكثر الأمور وأول ما قاله محمد ابن أمير المؤمنين علي كرم الله تعالي وجههُ المشهور بابن الحنفية رضي الله تعالي عنهُ ومثله قولهم:

كل البقل من حيث تؤتى بهِ

ولا تسألن عن المبقلة

وللخفاجي عليهِ الرحمة:

وإذا انتشيت من الطلا

لا تسألن عن عاصره

وله أيضاً:

اترك سؤالًا لا يضرك تركه

فلربما قد ساء ما أبداه

وإذا هنا لك مشرب لا تسألن

من أين سال وما جري مجراه

وفوق كل ذي علم عليم!

وللحديث صلة….

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image