نحن العرب: من نحن وإلى أين؟ – الجزء الخامس عشر

ماذا فعل القوميون من العرب – 3 ؟

إنتهيت في الجزء السابق في السؤال عن أهم الأخطاء التي أرتكبها قادة المشروع القومي في تعاملهم. هذا ما ساحاوله في مقال اليوم.

إذ أعرض أدناه أهم المواقف والسياسات التي أخطأ فيها القوميون من العرب فأساءت للمشروع القومي وشاركت في تعثره إن لم يكن فشله. ولن أخوض طويلاً في كل موقف لأن ذلك يخرجني عن الهدف من هذه المقالات في الإستعراض والتلخيص لأني أود أن أركز بشكل رئيس على ما يجب عمله مستقبلا أكثر مما كان يجب أن يحدث. ولا بد أن أؤكد هنا ان تحديدي لمواضع الخطأ كما أراها لا يسلب أحدا من قادة المشروع القومي العربي الإيجابيات التي تحققت على يديه.

  1. دفاع جمال عبد الناصر عن استقلال الكويت عام 1961: لم يكن موقف جمال عبد الناصر المدافع عن حق الكويت في تكوين دولة وهمية حين قرر البريطانيون الإنسحاب الشكلي منها عام 1961 متفقا مع اي مبدأ قومي. فبرغم اي خلاف بينه وبين عبد الكريم قاسم فإنه كان على عبد الناصر أن يقف مع مطالبة العراق العربي المشروعة بعودة الكويت المقتطعة من جغرافيته على يد المستعمر. إن وحدة الأمة يجب أن تكون القاعدة التي تسبق كل شيء. فإذا أعاق هدف الوحدة أي سبب يصبح الإيمان بالوحدة موضع شك.

  1. موقف البعثيين في العراق وسورية عام 1961 الغامض من موضوع الكويت والذي تمثل إما بالوقوف ضد ضمها للعراق أو الإدعاء بعدم وجود موقف. إن أي خطاب للبعثيين عن هدف تحقيق الوحدة العربية يصبح عبثا إذا كانوا غير متأكدين من موقفهم من وحدة العراق. فكيف كانت الأمة ستتوحد على أيديهم إذا كانوا لا يطالبون باعادة الكويت والتي لم يقم أي دليل تأريخي على أنها لست مقتطعة من العراق على ايدي الصهاينة البريطانيين؟

  1. دعم البعثيين السوريين وغيرهم من القوميين العرب لإنفصال سورية عن مصر عام 1961: إن افتعال الحجج الواهية من قبل عدد من قادة البعث في سورية كشف هزالة الإيمان لديهم. إن الوحدة يجب أن تدعم مهما كانت الأخطاء ووحدة مصر وسورية كانت وتظل، كما كتب السفير البريطاني في مصر حين أرسل محمد علي باشا ابنه الى سورية، أخطر ما يهدد مصالح الصهيونية. إن ألمانيا ما كانت لتكون ألمانيا اليوم لولا ما فعله بسمارك حين وحدها بالقوة. إن إيطاليا ما كانت لتكون إيطاليا اليوم لولا أن وحد غاربالدي دوقياتها المتصارعة بالقوة. إن الولايات المتحدة الأمريكية القائمة اليوم ولدت بعد حرب توحيد دامية كلفتها قرابة مليون ضحية.

  1. تعطيل مشروع الوحدة بين مصر وسورية والعراق عام 1963: إن فشل مقترح الوحدة عام 1963 بين مصر وبعثيي العراق وسورية شاهد بين على مدى ضحالة الإيمان بالمشروع القومي لدى الجميع. ذلك إن عبد الناصر كان يفتقر لفهم حقيقة أن الشارع العربي في العراق وسورية يختلف عن الشارع المصري. كما ان محاولة عدد من البعثيين من العراق وسورية التقليل من دور جمال عبد الناصر في قيادة الدولة الموحدة المقترحة أدت جميعها الى فشل أكبر مشروع طموح للأمة في القرن العشرين لو تحقق لما حدث الكثير مما حدث لاحقاً. ولو ان قادة البعث في العراق وسورية كان لديهم رجال قادرون على القيادة لفهمنا الخلاف لكنهم لم يكن بينهم من يقدر على ذلك ولم يكن الأمر أكثر من أحلام عظمة كبرت في عقول صغار.

  1. العداء غير المعقول بين بعثي العراق وسورية: لا شك عندي في أن قيادة البعث في كل من العراق وسورية كانت مخلصة في تبنيها ودفاعها عن المشروع القومي العربي. إلا أن حقيقة أن القطيعة بين الإثنين، اللذين ولدا من حركة واحدة وكانا يوما أعضاء في قيادة حزبية واحدة، لا يمكن أن تفهم بسهولة دون افتراض اختراق صهيوني في مكان ما. وإلا كيف يمكن أن يفهم تسابق الجانبين لإرضاء دول مجلس التعاون الخليجي المعادية كليا للمشروع القومي في وقت كانا يأتمران أحدهما بالآخر.

  1. احتضان كل من مصر وسورية، وان كان في أوقات مختلفة، للإنفصاليين الأكراد في العراق: لست أريد من هذا اني آخذ على أي من جمال عبد الناصر أو حافظ اسد أنهما لا يصح أن يدعما حق الشعب الكردي في تقرير مصيره. لكني آخذ عليهما أنهما آووا قادة المشروع السياسي الكردي في الوقت الذي كان فيه هؤلاء القادة حلفاء وأجراء للصهيونية. فهل يصح أن يكون ثمن الخلاف مع عبد الكريم قاسم أو مع صدام حسين دعم حلفاء الصهيونية في شمال العراق. واليوم يدرك السوريون قبل غيرهم ثمن ذلك!

  1. حرب العراق مع إيران: لا شك أن الحرب العراقية الإيرانية كانت وما زالت وستظل لأمد طويل موضع جدل كبير تشوبه العواطف وتتغلفه المذهبية فتضيع في ذلك كل موضوعية في فهم التأريخ على حقيقته. إلا أن الحقيقة التي لا يمكن نفيها هي أن الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثمانية أعوام من الخراب والقتل والتدمير أبعدت العراق بشكل نهائي عن الصراع الحقيقي الذي يواجهه المشروع القومي في مواجهة الصهيونية العالمية. ومن لا يقدر أن يفهم هذه الحقيقة فلا علاقة له بالمشروع القومي. وإذا خرج العراق من ساحة الصراع مع الصهوينة وخرجت مصر كذلك فإن نتيجة ذلك هو استسلام النظام السياسي العربي للصهيونية وهو ما حدث.

  1. الخطأ التاريخي الخطير لبعث العراق في استرجاع الكويت عام 1990: ليس سرا إني قد أكون من القلة الذين يؤمنون بأن الأمة العربية يجب أن توحد حتى بالقوة. ولا أقول هذا من باب مصلحة أحد بل هو السبيل الوحيد لبقاء الأمة وكرامتها. واستطيع أن اورد عشرات الصفحات في تسويغ ذلك لكن هذا ليس مكانه هنا. فلست أعترض على تنبيه حاكم الكويت أو من حكام دويلات مجلس التعاوم الخليجي الوهمية. لكني أعترض على محاولة إسترجاع الكويت عام 1990 حين كان التوازن الدولي في أسوء حال له منذ الحرب العاليمة الثاينة بعد إنيهار ألإتحاد السوفيتي. كما اني أجد أن الضرر كان سيحجم لو أن العراق انسحب بعد وقت قصير من دخول الكويت وتبين هشاشة قوة العراق أمام ما تجمعه الصهيونية لضربه. فقد أعطى بعث العراق عام 1990 الفرصة والتسويغ للصهيونية لتنفيذ مشروعها في ضرب الأمة العربية ضربة لم تتحقق لها منذ الحرب العالمية الأولى والتي ما زالت حلقاتها الأخيرة تنفذ في سورية.

  1. تأييد بعث سورية للهجوم الصهيوني على العراق عام 1991: لعل أكبر عار شهده المشروع القومي هو وقوف سورية مع المشروع الصهيوني الجديد ضد الأمة العربية والذي بدأ في غزو العراق عام 1991 وما زالت حلقته الأخيرة تنفذ في سورية اليوم. ولست أرغب في عرض ذلك لكني على يقين أن كل ضابط سوري خدم في القورة الرمزية السورية التي قيل أنها ذهبت للدفاع عن استقلال الكويت، وكأن الكويت كانت يوما مستقلة، يشعر بالخزي انه وقف تحت قيادة الصهيوني شوارتزكوف!

  1. دعم ليبيا لما سمي بالمعارضة العراقية ضد حكم البعث: شارك الرئيس الليبي معمر القذافي بتمويل عدد من الحركات التي عملت ضد حكم البعث في العراق. ولا أعرف أن القذافي سوغ يوما ذلك العمل أو وجد الأعذار لسلوكه. ذلك إنه إذا كان يمكن فهم الخلاف الشخصي بين حافظ الأسد وصدام حسين فليس هناك من خصومة بين الأخير والقذافي. ولا يمكن أن يكون في سقوط حكم البعث في العراق أية منفعة للقذافي!

  1. احتضان سورية لقادة الحركة الإسلامية الشيعية المعارضة للعراق: لعل من معضلات فهم المشروع القومي لأي متابع أو قارئ للشأن العربي في نهاية القرن العشرين هو كيف يمكن للبعث في سورية أن يحتضن حركات دينية مذهبية تدعو لسقوط نظام سياسي قائم على مبادئ البعث، مهما كانت عيوبه وسقطاته، إذا كان البديل نظاماً سياسيأ دينيا مذهبيا يرتبط بالصهيونية. فلم يكن غائيا عن أجهزة المخابرات السورية أن قادة حزب الدعوة، كما هو الحال مع القادة الأكراد، الذين كانت تدعمهم كانوا على إتصال مستمر بأجهزة المخابرات الإسرائيلية والبريطانية والأمريكية عن طريق الإتصال المباشر في عواصم أوربا.

بعد هذا العرض الموجز لفشل المشروع القومي العربي في أدائه ولس في أهدافه لا بد من الإنتقال الى السؤال: إلي أين إذن؟

هذا ما سأحاول بحثه في القادم..

فللحديث صلة…..

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image