نحن العرب: من نحن وإلى أين؟ – الجزء الثامن والعشرون

إلى أين: ما لنا وللأمم المتحدة؟ – 4

إنتهيت في الجزء السابق بالسؤال عن المعاهدات التي وقعها العرب في مجال السلاح واصطفافهم طوعا أو كرها للدخول في عالم العبودية وكيف دفعوا ثمن ذلك.

ولا بد لي قبل الدخول في هذا أن أعرف ما أعنيه بالعرب الذين وقعوا تلك المعاهدات. فقد يقرأ القارئ أن عدد الدول الأعضاء اليوم في جامعة الدول العربية (الجامعة)، وهي المشروع الذي دعا اليه رئيس وزراء بريطانيا أنتوني إيدن، هو 22 دولة. وقد يعتز من يعتز بهذه الكثرة وقد يغضب العاقل كما جاء على لسان الجواهري في قوله:

تُرَقَّعُ رايةٌ منها بأخرى        وتستبقي أصائلها الهجانا

وتفخر أنها ازدادت عديدا        وتعلم أنها ازدادت هـوانا

لكن هذا العدد لا ينفعنا كثيرا في فهم عدد الدول العربية التي تهافتت على توقيع اتفاقيات العبودية في حدود السلاح الذي يحق للعرب الحصول عليه إذا ما قيس ذلك بجيرانهم. حيث إن أغلب الدول الأعضاء في (الجامعة) إما استقلت بعد عام 1960 أو أنها خلقت بقرار من الصهيونية العالمية كما هو الحال في أغلب دول مجلس التعاون الخليجي اليوم وهي بطبيعة تشكيلها لم تمتلك في السابق، ولا تمتلك حتى اليوم، حرية القرار السياسي. وهو الحال الذي عبر عنه حمد بن جاسم بقوله إنه لا يحق لك أن تقول لا.

لذا فإن ما يعنيني هي الدول الرئيسة والتي لعبت، ومازالت تلعب، دورا مهما وحاسما في مستقبل الأمة وهي مصر وليبيا في شمال أفريقيا والعراق وسورية ولبنان في مشرق الوطن العربي. وقد يثير هذا التصنيف حفيظة قوم يعتقدون خلاف ذلك وعلى الأخص أولئك الذين يعتقدون أن السعودية دولة مهمة في هذا المضمار، إلا اني الى جانب أني لا أعد السعودية دولة وإنما أحسبها قبيلة قوية متمكنة من أولياء لهم مساكين، ولذلك فإنها تسميهم بالسعوديين نسبة لشيخ القبيلة كما كانت الحال في السابق في نسب الموالي لقريش. أقول إني الى جانب هذه القناعة فإني أعد أهمية الدولة العربية تأتي من الطريقة التي تعاملت بها الصهيونية مع الأمة العربية ودولها فحين تستهدف الصهيونية العراق وسورية ومصر وليبيا فهذا يعني أنها تعد هذه الدول فقط بأنها ذات أهمية وقيمة في السياسية والمواجهة والصراع. وأكتفي بهذا في هذا الوقت.

كما لا بد من التذكير بمبدأ مهم في القانون الدولي العام يستند الى مفهوم السيادة وينسجم مع المنطق والعقل ألا وهو حق كل دولة في ان تمتلك السلاح الذي تختاره هي وليس ما يختاره الآخرون لها. وهذا يجعل الإتفاقيات التي تحدد السلاح الذي يمكن لأي بلد أن يمتلكه اتفاقيات استثناء وليست قاعدة. وليس هناك فرق بين أن تكون تلك الأسلحة ذات تأثير شامل أو أن تكون ذات تأثير محدود. كما ان السؤال الذي ينطبق مع قواعد العدالة والقانون هو: لماذا يحق لدولة ما أن تمتلك سلاحا معينا بينما تمنع هي دولا أخرى أن تمتلكه؟

وهناك عدد من الإتفاقيات والمواثيق المتعلقة بالسلاح وتحديده والتي ولدت ودخلت حيز التنفيذ منذ الحرب العالمية الثانية. ويهمني منها ثلاثة. وهي:

  1. معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي (الإتفاق النووي)،
  1. معاهدة منع تطوير وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتيرية (البيولوجية) والأسلحة السمية (الإتفاق الحيوي)،
  1. إتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية (الإتفاق الكيميائي).

واستحدث الأوربيون، الذين يديرون هذه الإتفاقيات كما يديرون كل ما يتعلق بالأمم المتحدة، منظمات لتقوم بالإشراف على تطبيق كل اتفاقية ومراقبة قيام كل دولة موقعة بالإلتزام. وحيث إن قبول كل دولة بأية اتفاقية دولية هو عمل طوعي فقد أصبحت الدولة التي صادقت على الإتفاقية ملزمة بها بينما ظلت الدولة غير المصادقة حرة تعمل ما تشاء خارج الإتفاقية وقواعدها.

فإذا نظرنا لجدول المصادقات لعدد من الدول بما فيها الدول العربية التي أشرت اليها وعدد من جيرانها، وجدنا ما يلي:

جدول الدول وتصديقها على الإتفاقيات المتعلقة بنزع أسلحة الدمار الشامل الرئيسة:

اسم الدولة اتفاقية النووي اتفاقية الحيوي اتفاقية الكيميائي
العراق 29/10/1969 19/6/1991  13/01/2009 
سورية 24/09/1969  غير مصادقة  14/09/2013 
لبنان 16/07/1970 26/03/ 1975 20 /11/2008
مصر 26/02/1981 غير مصادقة  غير مصادقة
ليبيا 24/04/1975  19/01/ 1982  06 /01/2004
إيران 02/02/1970  27/08/ 1973 3/11/1997 
تركيا 17/04/1980 25/09/1974 12/05/1997
اسرائيل غير مصادقة غير مصادقة غير مصادقة
باكستان غير مصادقة  25/09/1974 28/10/1997
الهند غير مصادقة 15/07/ 1974 3/09/1996

 

ونستخلص في نظرة عابرة وسريعة ما يلي:

  1. صادقت كل الدول العربية وبعجالة على اتفاقية حظر السلاح النووي، بينما امتنعت اسرائيل والهند وباكستان.
  1. صادقت كل الدول العربية باستثناء مصر على اتفاقية حظر السلاح الكيميائي، بينما امتنعت اسرائيل عن التصديق. وأجبرت سورية بالقوة على التصديق عام 2013 بعد خرابها.
  1. صادق العراق وليبيا ولبنان على اتفاقية حظر السلاح الحيوي (البايولوجي) بينما امتنعت اسرائيل عن التصديق.

وحيث إن هذه الدول العربية كانت في حالة حرب مع إسرائيل وإن أي طرف في حرب مع طرف آخر لابد أن يراقب ما يفعله خصمه وأن يحاول، في أضعف حال، أن يمنع عنه طوعا فرص التفوق.

فما الذي دفع الدول العربية هذه الى التدافع للمصادقة على اتفاقيات نزع سلاح أعلن العدو الصهيوني أنه ليس مستعدا حتى للحديث فيه. وانتهى الأمر في خراب العراق وسورية وليبيا بحجة عدم الإمتثال لشروط تلك الإتفاقيات. وانتهت كل من اسرائيل والهند باكستان قوى نووية. بل إن الوضع دخل عالم اللامعقول حين أصبحت اسرائيل، والتي تمتلك أكبر خزين لأسلحة الدمار الشامل في غرب آسيا كلها وليس في منطقتنا حسب، تطالب المنظمات الموكلة بالإشراف على تطبيق تلك الإتفاقيات لتقوم بتفتيش دولة ما بحجة معلوماتها “الموثقة” حول امتىلاكها سلاحا من تلك الأسلحة! ثم تضحك على العالم في قولها إنها غير ملزمة حتى بالرد على ما إذا كانت تمتلك أيا من هذه الأسلحة أو لا تمتلكه.

إن السؤال الذي لم أجد له جوابا حتى اليوم، برغم أني حاورت فيه العديد، هو ما الذي أجبر الدول العربية على المصادقة على تلك الإتفاقيات حين أمكن لعدد من الدول ألا تصادق وحمت نفسها من التفتيش والإستباحة والإهانة؟

فهل يعقل أن حكام تلك الدول لم يفهموا هذه الحقائق التي تقضي محاولة خلق نوع من التوازن مع العدو، وهم لم يكونوا أغبياء بكل حال!

هل كان نصح الخبراء العرب لحكامهم أن يدخلوا في هذا الفخ الأوربي الصهيوني المتقن؟

أم ان الحكام العرب أجبروا على الدخول والتقييد؟ ومن أجبرهم، إذا كان هذا الحال، وهم لم يكونوا جميعا تحت وصاية قوة واحدة!

فمن خدع، أو أجبر، حافظ أسد وصدام حسين ومعمر القذافي على التوقيع على معاهدة نزع السلاح النووي، على سبيل المثال، خصوصا وان مصادقاتهم على المعاهدة تمت بعد اختبار اسرائيل لسلاحها النووي!

وأرجو ألا يردن علي ساذج بالقول انها الحاجة لإستعمال الطاقة النووية لأعراض سلمية، فقد تمكنت كوريا الشمالية من استعمال الطاقة النووية لأعراض سلمية وعسكرية دون الحاجة للوكالة الدولية للطاقة الذرية ودون الحاجة للتوقيع على معاهدة الحظر.

 

وللحديث صلة…..

عبد الحق العاني

لندن في 28 تموز 2022

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image