حذار .. حذار يا بشار! – الجزء الثالث

مقدمة

كنت قد أسلفت في الجزئين السابقين نصحي للرئيس بشار الأسد للتعامل العربي والإقليمي في معركة العرب الكبرى بل ربما الفاصلة في هذا القرن. وأروم اليوم أن أعرض لأخطر جزء في نصحي ليس فقط لأهميته بالنسبة للمعركة ولكن لأن آرائي قد لا تكون سهلة القبول وقد تجد معارضة كبيرة. إلا أن هذا لن يثنيني عن عرضها إذ أني أجد أنها السبيل الوحيد الذي يجب اتباعه للتعامل مع الإستكبار (الإمبريالية) العالمي. ورغم أني كنت أؤمن بهذا الأسلوب دائماً، إلا أن يقيني به قد تعمق بعد غزو العراق وخرابه. فلو أن صدام حسين خرج مقاتلا المغول الجدد والرجعية العربية الأعرابية، كما سبق وقلت، منذ العام الأول للحصار ثم اتبع ما سوف أقترح على بشار عمله لربما كان سيغير وجه المعركة ونتائجها ويحد من الكارثة التي حلت بالعراق.

فهم طبيعة الإستكبار

إن من أمر ما اكتشفته خلال ثلاثين عاما من متابعة الحركة القومية في الوطن العربي هي الجهل داخل الحركة بشكل عام بطبيعة الإستكبار العالمي ولست أقصد بها الإستكبار الأميركي فحسب، بل أقصد به فهم الفلسفة التي تشكل القاعدة لأي استكبار في التأريخ البشري. فلا حزب البعث ولا حركة القوميين العرب ولا الناصريين فهموا ذلك. أما الرفاق الشيوعيون فقد تحجروا في الصراع الطبقي ففقدوا المقدرة على الفهم حين لم يصبح الصراع الطبقي نظرية قادرة على التعليل. فقد فشل البعث في سوريا كما فشل في العراق في فهم طبيعة الصراع مع الإستكبار فظن أن من الممكن التعايش معه واتخذ من فترات الهدوء النسبي أحيانا تصوراً مغلوطاً بأن هذا الإستكبار قد قبل بحقيقة الوجود القومي العربي النازع للتحرر والإستقلال السياسي والإقتصادي. فلم يكن الأمر كذلك في أي يوم منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى ونزول جيوش الغرب لأرض المشرق العربي بشكل مكثف ومكشوف بعد جهدها للتغلغل خلال القرنين اللذين سبقا ذلك. فقد ظن كل من صدام حسين وحافظ الإسد ان بالإمكان التفاهم مع الإستكبار وإقناعه بطريقة ما أن من الأفضل له أن يتعايش مع حقيقة الوجود القومي العربي فقدموا له التنازلات وسار كل منهم معه في فترة، فصدام حسين ارتهن به في حربه مع إيران وحافظ الأسد في وقوفه تحت العلم الأمريكي في حفر الباطن. وكلاهما كشف عن جهل خطير لطبيعة الإستكبار. ذلك لأن الإستكبار لا يؤمن بتحالفات وشراكات فهو لديه مشروع واحد لا يقبل التجزئة قائم على أساس أن تكون المنطقة خاضعة بالكامل ليس فقط سياسياً وعسكرياً واقتصادياً بل فكرياً بمعنى أن تقبل أن تكون كذلك مجتمعات استهلاكية تصدر النفط وتأكل وتشرب وتتكاثر قدر ما تشاء ولا شيء فوق ذلك…. ويكفيك دليلاً على ذلك أنهم اشترطوا على مصر ماذا تدرس في مدارسها بعد أن سلم السادات بأن الحل كله بأيديهم ….أن ما أردت إيجازه بهذا أنه لا خيار للحركة القومية فهي إما أن تواجه وتقاتل حتى تهلك دون مشروعها أو أن يتعب الإستكبار فيرحل أو تسلم كما سلم شيوخ الجزيرة والخليج من أعراب الأكل والشرب والنكاح والفاقدين للكرامة….

كيف المواجهة

إن ما قلته أعلاه ليس بدعاً من القول وليس أمراً لم يفعله أحد غيرنا، فقد مرت كوبا بمثله ومرت كوريا الشمالية بأقسى منه وقبلها قاست روسيا منه….فكيف تعاملت هذه الدول مع تلك المواجهة؟ ولنأخذ تجربة كوريا الشمالية والتي زار وفد منها سوريا قبل أيام… وحبذا لو سأل الرفاق السوريون الوفد ليشرح لهم كيف تمكنت كوريا الشمالية التي تشكو من نقص في كل شيء حتى الغذاء أن تثبت في وجه الهجمة الإستكبارية وأن تنتصر في النهاية لتمتلك سلاح الردع النووي الذي أجبر الإستكبار على التعامل معها بجدية واحترام.

وسوريا أفضل من كوريا الشمالية في أي حال فهي قد حلت مشكلة الأمن الغذائي الذي كانت أحد أسباب فشل العراق لأنه كان يعتمد في غذائه على الإستيراد الذي قيده الحصار كما أن سوريا تمتاز عن غيرها من الدول العربية في أنها دولة المصانع الصغيرة وهي على طراز إيطاليا قادرة على انتاج أكثر حاجاتها من العدد واللوازم، كما ان العقل الصناعي السوري قادر على الإبداع والتطوير وانتاج أكثر ما يحتاجه السوق. كما أن سوريا تمتلك خزيناً نفطياً ليس صغيراً خصوصاً إذا أضيف له النفط والغاز قبالة الساحل السوري. فكيف ستتعامل سوريا مع أمريكا وأوروبا؟

هذا بعض النصح في هذا الباب:

1. تغلق سوريا حدودها بالكامل مع جيرانها. فلا يغادر سوري إلا لهدف مشروع ولا يدخل غير السوري إلا بموافقة تماماً كما فعلت كوريا الشمالية. فيغلق باب التجسس والتغلغل تحت أي غطاء. فمن يوجد على أرض سوريا خلاف ذلك فلا عذر له إذا عوقب.

2. تقطع سوريا علاقاتها بالكامل مع الولايات المتحدة وتجعل هذه القطيعة تامة وغير قابلة للنقض إلا بعد أن تحترم الأخيرة حق سوريا في الإستقلال التام وحقها في استرجاع الجولان وتصرح بذلك وتعتذر لسوريا عن كل عدوانها خلال الخمسين عاماً المنصرمة.

3. تجمد سوريا علاقاتها مع أية دولة في الإتحاد الأوربي تتخذ إجراءات عقوبة بحق سوريا لأي سبب كان.  وتشترط عودة تلك العلاقات باحترام تلك الدولة لسوريا وسيادتها وبمعاملتها بما ينسجم مع ذلك لا بالطريقة الإزدرائية السائدة الآن.

4. تتجه سوريا إلى اقامة وتمتين علاقات سياسية وتجارية مع دول العالم خارج المجموعة الغربية الإستكبارية وعلى الأخص روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا والتي تكون في مجموعها ثلث نصف سكان الأرض تقريباً ويشكل اقتصادها مجتمعة أكبر كتلة اقتصادية في العالم.

5. تجمد سوريا عضويتها في الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى تتخذ وتنفذ الأخيرة أحد إجرائين فإما أن تكشف عن المواقع النووية في اسرائيل وتحدد ما تمتلكه هذه الأخيرة أو تطرد اسرائيل من عضويتها. إذ أن من أقبح القبيح تمكين إسرائيل أن تجلس في الوكالة تكيل السباب والتهم للآخرين بينما ترفض أن تصدق على اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي. إن أية منظمة تقوم بهدف مراقبة تنفيذ اتفاقية الحظر لا يمكن لها أن تحترم نفسها وهي تسمح لهذا الوضع الشاذ أن يستمر.

6. تدعو سوريا كل خبراء العراق الذين عملوا في المجال النووي للعمل في سوريا بهدف تطوير سلاح نووي. إن امتلاك سوريا لهذا السلاح والذي يجب أن يتم بأية كلفة سيكون ضمانة لأمنها وأمن الأمة العربية مجتمعة حيث انه سوف ينزع عن قاعدة الإستكبار في وسطنا سلاحها الأوحد الذي تستبد به.

7. تعمل سوريا على تطوير كل أسلحة الدمار الشامل التي تقدر عليها حتى يتم الإتفاق على نزع هذه الأسلحة عالمياً ذلك لأن حق التسليح أمر تصونه قواعد القانون الدولي.

8. تحث سوريا شعوب المنطقة المحيطة بها على التصدي للقواعد العسكرية المتواجدة على أراضيها وتدعو شعوب المنطقة لإزالتها بالطرق التي تراها تلك الشعوب ملائمة.

9. تشجع سوريا العراقيين المقيمن فوق أراضيها على تأسيس قوة حقيقية تقوم بتطهير العراق من عصابات القتلة واللصوص الذين جاؤوا مع الإستكبار. إن العراق العربي وليس عراق الخيانة هو الضمانة الحقيقية لأمن واستقرار سوريا. وبقاء الحكومات الموالية للإستكبار سوف يعني بقاء العراق قاعدة للتجسس والتغلغل والتآمر على سوريا حتى في غياب تواجد الجيش الأمريكي الفعلي على أرض العراق. كما يجب أن تكف سوريا عن مغازلة الخونة الحاكمين في بغداد والذين يعمل أكرمهم وأكثرهم عفة خادماً للإستكبار.

تحريير الجولان

ليس سراً ان قضية بقاء الجولان بيد الصهيونية مما يؤرق أي حاكم وطني يجلس في دمشق. ليس لأن أعداءه سوف يستغلون سكوته عنها حجة، وإن أريد بها باطل، لأنهم غير صادقين، ولكن لأن الحقائق تصنع التأريخ والتقادم قد لا ينفي الجريمة لكنه يجعل إثباتها أصعب. وقد ينتهي مصير الجولان كمصير الإسكندرون. إن على سوريا أن تعمل على استعادة الجولان كأولية وأن تكف عن خداع الشعب العربي بأن الجولان يمكن أن تعود بالمفاوضات التي كان العثماني الصهيوني يقوم فيها بدور الوسيط.

ومن أجل أن يتم تحرير الجولان فإن الخطط العسكرية التقليدية يجب أن تعدل حتى يمكن التعامل مع العدو على ضوء ما تعلمه العرب من غزو العراق ومقاومة حزب الله. فقد كشفت التجربتان عجز الجيش النظامي عن خوض حرب مع العدو لأنه يمتلك الآلة التي تستطيع أن تشل فاعلية الجيش النظامي. إن البديل الذي يمكن أن يحقق التوازن أو النصر (حيث إن العدو يخسر الحرب حتى في حالة التوازن كما حدث في معركته مع حزب الله) هو أن يجبر العدو على قتال لا يلائم خططه واسلحته المعدة للمواجهة وفق قواعد لعبته. أي بمعنى آخر إجباره على القتال في ساحة عمليات مختلفة وبأسلحة خفيفة ومتحركة مع العمل في الأساس على شل أو تحجيم فاعلية السلاح الجوي الذي يقرر مصير المعركة لصالحه منذ ساعاتها الأولى.

إن على سوريا أن تشكل قوة حقيقية من متطوعين حقيقيين من سوريين وغير سوريين ممن يريدون حقاً قتال العدو وتحرير الجولان ويجري تدريبهم للعمل في القتال في زمر صغيرة سريعة التحرك تمتلك السلاح الفاعل في مقاومة الدروع والطائرات. وحتى لا يكون هذا المقال درساً في خطط السوق والتعبئة مما لا ينفع كثيرا أوجز هنا: فسوريا ليست بعيدة عن فهم ما نجح حزب الله في تحقيقه وعليها أن تنتفع من تلك التجربة وتطورها لمشروع تحرير الجولان. على أن يجري بالتوازي مع خلق قوة التحرير هذه أن تبنى خطط السوق (الإستراتيجية) الأساس في الجيش السوري على أساس المقدرة على الردع الصاروخي المدمر دون الإهتمام بالتوازن الجوي والذي لن يتحقق في المستقبل المتوسط ما دام الإستكبار يمتلك التفوق المطلق في هذا المجال. فإذا تمكن الجيش السوري النظامي من حماية المدن والمنشآت الأساس من طائرات الإستكبار وتمكن من خلال تخندقه حيث يجب أن يتخندق من منع أي تقدم عسكري ملموس لقوات العدو دون أن يتحول من الدفاع للهجوم فإن قوة التحرير سوف تتمكن من تحرير الجولان بشكل لا يقل مجداً عن انتصار مقاتلي لبنان في معاركهم التأريخية مع العدو.

إن مبادرة سوريا في الإعداد لتحرير الجولان سوف يشد الشعب السوري المتطلع لنصر كهذا كما أنه سوف يسكت كل المتآمرين بعد أن يكشفهم في ذلهم وخنوعهم للمشروع الإستكباري ويقطع دابر التقول الذي يتذرعون به بأن البعث متواطئ مع المحتل رغم أنهم في جيب العدو.

هكذا يجب أن ترد يا بشار على كل الصهاينة في واشنطون ولندن وباريس  والدوحة وأنقره وبيروت…. وهكذا سوف يعرف الجميع أن سوريا العرب ليس فيها طائفة وطنية وطائفة مأجورة بل إن سوريا هي كلها مشروع قومي واحد، هكذا كانت وهكذا سوف تبقى. وإذا أخطأ البعض وفسد آخرون فإن المشروع القومي حقيقة تأريخية قائمة وكما ولد في سوريا سوف يبقى فيها حياً متوثباً متجدداً…

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image