العضروط الإبراهيمي – مرة أخرى

بسم الله الرحمن الرحيم

العضروط الإبراهيمي – مرة أخرى

مقدمة

لم أرد أن أحرج السوريين وهم يقاتلون في الحديث حول قبولهم التعاون مع الإبراهيمي بل حتى منحه شرف مقابلة الرئيس السوري ذلك لأن أعلى ما كان يحق له أن يلقاه هو مقابلة مدير المراسم في وزارة الخارجية لأن هذا هو ما يليق بالعضاريط. لكني اليوم وقد صرح السوريون أنفسهم بتفاهته وصهيونيته فلا بد من قول بعض الشيء عنه وعن ما أعتقده ضرورياً للتعامل معه ومع ما يترتب على سلوكه المشين.

لكني قبل أن أكتب جديداً فإني أود أن أذكر بما سبق وكتبته عن الإبراهيمي هذا، ذلك لأن الكثيرين قد نسوا أو هم لا يعرفون أصلاً عن دوره الصهيوني المشين بعد غزو العراق. ولن أفعل هنا أكثر من إعادة النص الكامل لما كتبته عنه في نهاية 2004 كما في أدناه، وأترك للقارئ اللبيب أن يستخلص من هذه الحقائق ما يليق ويصح استخلاصه. أما من أراد أن يستزيد فهناك أكثر من وثيقة تأريخية توضح تلك الفترة السوداء من تأريخه.

 نص مقال عام 2004

” كانون الأول 2004

   بسم الله الرحمن الرحيم    

العضروط الإبراهيمي – عضروط عربي آخر  

نشرت شبكة المعلومات العربية اليوم خبراً ينقل تعليقً للأخضر الإبراهيمي ، الذي عمل ممثلاً للأمين العام للأمم المتحدة في العراق في مرحلة تشكيل الحكومة الإنتقالية ، و ذلك عن مستقبل الإنتخابات في العراق

ولا أعرف الكثير عن تأريخ الأخضر هذا السياسي ولكني حيث سمعت ما قاله وقرأت ما نقل عنه في مرحلة تعيين الحكومة الإنتقالية وجدته لا يختلف كثيرا عن عضاريط العرب في القرن العشرين. وحتى أكون واضحاً في ما أقوله أود بادئ بدء أن ابين لمن لا يعرف معنى لفظة عضروط فأقول ان المعنى اللغوي للفظة عضروط هو من يعيش على بطنه وفي هذا قال المتبني في كافور

وإن ذا الأسود المثقوب مشفره          تطيعه ذي العضاريط الرعاديد

فالأخضر هذا وفق تعريف العرب عضروط من العضاريط الذين اشار لهم المتنبي. فقد تابعت حركاته خلال فترة تشكيل الحكومة المؤقتة للعراق ، وسمعت أنه يتحدث كثيرا عما يمكن أن يحدث وما لا يمكن ولكنه وجدته في النتيجة يقبل بما أملاه عليه أسياد سادته من الأمريكيين الصهاينة. فرغم كل ما قاله حول ما يمكن وما لا يمكن وجدناه أخيراً يعلن قبوله بما لم يشر له أولا بكونه ممكنًا. فكيف حدث ذلك؟ لا يمكن لأحد أن يرد على تلك النتيجة إلا عضروط من عضاريط أهل الأرض وجد أن مصلحة بطنه وزواج إبنته مرتبط بالموافقة على تلك النتيجة

ولكن الذي غاب على العضروط الإبراهيمي هذا وهو إبن المؤسسة الفرنسية والبعيد كل البعد عن التجربة العربية حيث أن ثورة الجزائر أثبتت ظاهرة متميزة من الخلط العجيب بين الفكر الفرنسي الساقط وحضارة الإنسان العربي ما زال شعب الجزائر يعاني منها وما زال وطنيون في الجزائر مثل أحمد بن بله لا يستطيعون فهمها. أقول إن العضروط الإبراهيمي هذا طلع علينا اليوم ليقول أن هناك مشكلة في الإنتخابات العراقية

ويذكرني هذا بقول العالم البريطاني وخبير التحليل العسكري الدكتور موريسون الذي قال أنه يوم سمع توني بلير ، رئيس وزراء بريطانيا ، يقول بأن العراق يشكل خطراً على أمن بريطانيا ، أنه سمع يومها عفطة تجري في كل ديوان مجلس الوزراء البريطاني. واليوم أعتقد أن هناك عفطة في كل العراق بل في كل الوطن العربي لتصريح العضروط الإبراهيمي

ذلك لأن هذا العضروط الإبراهيمي الذي جاء العراق وهو يعتقد أنه يفهم وهو البعيد كل البعد عن فهم تأريخ العراق والأمة إنتهى به الأمر أن يوقع على ما لا يمتلك حق التوقيع عليه نيابة عن سيده الأسود الذي يعيش عقدة النقص التي خلقها له سيده الأبيض المتخلف الذي يقيم في البيت الأبيض

إن العضروط الإبراهيمي هذا لا يدرك أن اي عراقي بسيط يمتلك من الحس السياسي ما يفوق بأجيال كل ما يمتلكه هو وكل مثقفي الجزائر اليوم وغداً وبعد غد من أمثال عباس مدني التافه ، الذي تربى مثله على الثقافة الغربية ولم يكن له حصانة ضدها في الإسلام، والذي أباح ذبح الأطفال في الجزائر بإسم الإسلام وسكت عن قتل الأطفال العراقيين بإسم الإسلام لكي ينتهي به الأمر وهو يعيش كما يعيش أي عضروط على فضلات موائد أعراب الخليح الساقطين. وذلك ما يعتقد به لعنه الله ولعن إسلامه الصهيوني الساقط

إن ما يريد العضروط الإبراهيمي أن يقوله للعرب اليوم أنه كان طرف خير ولم يكن أداة طيعة بيد الصهيونية حين جاء إلى العراق ليعين حكومة أملاها عليه أسياده الصهاينة. ثم ليحاول أن يجد مخرجاً من ذلك السلوك المشين بأن يدعي أن هناك مشكلة في إنتخابات العراق. ولكنه يريد أن ينسى الناس أنه كان جزءاً من المشكلة فلو أنه رفض بإسم العراقيين أن يوقع على القرار الصهيوني بتعيين حكمومة من الأقزام لكان له الحق أن يقول اليوم أن هناك مشكلة ، أما أنه وقع على تلك الحكومة بدون حق ولا سلطة يمتلكها سوى أن صهاينة بيضا وسودا قد عينوه لتلك المهمة فليس له أن يطلع علينا بآراء إلا إذا إعتقد أن العراقيين بغباوة الجزائريين الذين تبنوه دبلوماسياً متخلفاً

والسلام

د. عبد الحق العاني

هل اكتشف السوريون جديداً؟

وسلوك الإبراهيمي في التعامل مع الأزمة في سورية لا يختلف عن سلوكه في التعامل مع غزو العراق وإحتلاله ومساهمته في دعم ذلك العدوان.

فقد أعلن السوريون أخيراً أن الإبراهيمي يعمل لصالح بطنه في تسويقه للمشروع الصهيوني التركي الخليجي، وهذا الإستنتاج ليس وليد ما قاله الإبراهيمي على مرأى ومسمع الجميع لكنه مبني على ما نقله الروس للسوريين عما قاله في الإجتماعات الثنائية والثلاثية…. فهو يقول بصراحة إن سادة بطنه مستمرون في دعم التمرد الإرهابي المسلح وهو لايجد حلاً سوى برحيل النظام السياسي وتسليم الدولة لهذه العصابات التي يعيش بعضها في العصر الحجري من الفكر البشري ناهيك عن الفكر الإنساني!

ولا أظن أن السوريين كانوا يجهلون حقيقة الإبراهيمي الصهيونية، لكنهم أرادوا أن يثبتوا للعالم عامة وللروس خاصة أنهم ليسوا ضد الحل السياسي وأنهم يؤكدون أنهم مستعدون لقبول كل طرف يأتي بنية سليمة فقد سبق لهم أن قبلوا الدابي السوداني وعنان الغاني وموود النرويجي! والذين رفض المتمردون الإرهابيون التعاون مع اي منهم وسحبوهم إلا الإبراهيمي الذي لم يطلب أحد سحبه لأنه ملتزم بخطة سادته أصحاب المشروع الصهيوني لتخريب الأمة العربية.

ولا يحاج المتابع أن يكون سياسياً أو حتى محللاً صحفياً أن يفهم من أقوال الإبراهيمي (والذي لا يجيد لا العربية ولا الإنكليزية ولعمري لا أدري أية لغة يتكلم في البيت) الذي يصرح كلما زار سورية ليوم أو يومين أن الحالة تزداد سوءأ، وهي مقولة مضللة ذلك لأن الوضع العسكري والأمني في سورية أفضل منه الآن عما كان عليه قبل عام (كما تشهد به المخابرات الأوربية). إلا أن الإبراهيمي يصر على أنه يستطيع من خلال مروره ليوم أو يومين أن يستنتج بعبقرية فذة من أن الأمر يزداد سوءأ. لكن الهدف الحقيقي من تصريحات كهذه هو ليس نقل الصورة الصحيحة بل من أجل تضخيم الخبر الإعلامي وتعظيم حجم الخطر في أذهان الناس وهذا جزء من الحرب النفسية الإعلامية ضد سورية والتي سخر لها الإستكبار الصهيوني العالمي كل طاقاته، تماماً كما فعل خلال إثني عشر عاما في العراق من حصاره لغزوه واحتلاله.

إن تأكيد سورية على استعداها الإستمرار في التعاون مع الإبراهيمي بجب أن يبنى مستقبلاً على إعطائه حجه الحقيقي فلا يرى إلا مديراً في وزارة الخاريجة ولا يجتمع مع وزير الخارجية السوري إلا إذا كان يحمل رسالة من وزير خارجية إحدى دول اسياده ولا يقابله الرئيس السوري في أي حال من الأحوال. أي انه يجب إعطاءه حجمه الحقيقي وليعلم الصديق قبل العدو أنه إذا لم يأت بجديد سوى تكرار واجترار ما يريده أسياده فإن من الأفضل للقيادة السورية الحديث مع السيد لا مع التابع.

حل عسكري وحل سياسي

لست مع من يقول أنه ليس هناك حل عسكري في سورية. ولست أقصد بهذا أني لا أعتقد بوجود حل سياسي. لكني أقول أن هناك حلين متوازيين ومتلازمين: حل عسكري وحل سياسي.

ورغم أنه ليس الآن وقت عتاب لكني لا بد أن أؤكد قناعتي أن النظام السياسي الفاشل الذي دار الحرب في سنتها الأولى أخطأ في حساباته خطئاً جسيماً فتقاعس عن الحل العسكري الواجب على كل دولة أن تتتخذه  فوراً وبكل قوة في حالة قيام أي تمرد مسلح… وهكذا أعطى قوى الظلام الفرصة كي تتجمع وتتسلح وتشن حرب الخراب والإستنزاف التي كان بالإمكان تفاديها بخسائر أقل مما تحملته سورية حتى اليوم بشرياً ومادياً وسياساً ونفسياً!  وأعلم علم اليقين أن النظام كان قادراً في العام الأول على فعل ذلك فلماذا لم يفعل؟ هذا ولاشك مما سيأتي وقته للسؤال والإجابة والحساب، ذلك لأن من حق هذه الأمة أن تسأل قادتها عما فعلوه وما لم يفعلوه!

فسورية تواجه معركة مصيرية بين مشروعين: قومي عربي يمثله نظام البعث القائد وإسلامي صهيوني تمثله قوى الظلام الأوربية البدوية الصهيونية. ولن أخوض مع الخائضين في توافه القول لأرد على من  يتساءلون ويشككون في عدم قيام البعث بتحرير الجولان على أنها دليل على كذب المشروع القومي فهذا سؤال يليق أن يعرض على طلاب الصف الأول الإبتدائي ليردوا عليه بالغريزة لا بالعقل فمن امتلك عقلاً لا يسأل سؤالاً كهذا….. ويكفي سورية شرفا ومجدا كما كفى بعث العراق شرفا ومجدا أن من تآمر عليهما ودمرهما هما الصهاينة والأعراب... فإذا لم تكن هذه شهادة كافية فلعمري أية شهادة يريد السائل؟

وإذا خفيت على الغبي فعاذر            ألا تراني مقلية عمياء

ولا بد لي من وقفة هنا لأذكر الأخوة القوميين في سورية ألا ينزلقوا كما فعل حزب الله (وبتأثير ايراني ولا شك) في الظن بأن في العراق سلطة سياسية شريفة تقف معهم أو مع أي مشروع قومي… ذلك لأن كل الساسة العراقيين المشاركين في الحكم هم من خدم الصهيونية ولا يستثنى أحد منهم من هذا الإنتماء… فإذا كانت عصابة نوري المالكي  تحس بالعزلة في المشروع الطائفي العنصري الذي شكلت ذراعه الأساس يوم قام وتريد أن تجد لها مخرجاً من هذه العزلة  وتمنع سقوطها وخسارتها للسلطة، والتي هي هدفها الوحيد شأنها في ذلك شأن أي حزب اسلامي عربي، فلا يمكن لسورية أن تمنح الساقطين اللطامة مخرجاً مشرفاً لتمسح عنهم خيانتهم وعمالتهم للمشروع الصهيوني الذي دمر العراق القومي… فهل سمع أحد خلال الأعوام العشرة التي مرت على غزو العراق واحتلاله مقولة واحدة من أي سياسي تافه في العراق تتحدث عن عروبة العراق أو انتمائه القومي أو عن الصراع العربي الصهيوني أو عن فلسطين؟؟ كلا وألف كلا! ذلك لأن سبب بقاء اللطامة والصحوة والبشمركه في الحكم هو دعم الصهاينة لهم وهم الذين جاؤا بهم أصلاً للحكم…. فلا يظنن أحد أن العراقيين يريدون ذلك ومن شاهد المظاهرة البائسة لتأييد نوري المالكي في ساحة التحرير قبل ايام أدرك أن هذا الشعب لم يعد معنيا بالأمر فقد أدرك أغلب أهل العراق أنهم بفقدهم المشروع القومي الذي مثله تأريخ البعث (رغم كل مساوئه) وجدوا أن أسوء يوم في ذلك التأريخ القومي هو أفضل من أفضل يوم من أيام العراق منذ غزوه وخرابه!

 أعود فأقول ان سورية ملزمة بالحلين المتوازيين: العسكري والسياسي.

وأعني بالحل العسكري ضرورة إنهاء أي وجود مسلح على أرض سورية خارج عن إرادة الدولة أو على حدودها مما يهدد أمنها ويشكل خطراً على مواطنيها أو أرضها. وهذا مبدأ ليس فقط مما تقرره القوانين الدولية بل هو من مسلمات النظام السياسي والقانوني الدولي الذي قامت عليه علاقات الدول منذ قرون. وقد فعلت كل دول العالم ذلك.. فقد دمرت القوات الروسية مدينة غروزني حين تمرد الشيشان ودمر الجيش الجزائري قواعد الإسلاميين حين حملوا السلاح كنموذج بسيط على ما حدث في السابق… بل إن الأمريكيين، وهم سادة السابقة في العالم، دمروا فيتنام بحجة الدفاع عن جنودهم الذي تواجدوا ظلماً وعدواناً فيها في الأساس كما أنهم دمروا مدينة الفلوجة عام 2004 وذلك إثر مقتل أربعة من مرتزقتهم على جسر الفلوجة البطلة! وقبل ايام قام المغامرون الجدد من الفرنسيين الذين يبحثون عن أمجاد منسية بعمليتين عسكرتين بحجة الدفاع عن أمنها القومي كانت الأولى في غارة فاشلة في الصومال لتحرير أحد رجال مخابراتها (والتي كشفت الفشل الذريع للمخابرات الفرنسة والتي يضخم البعض مقدرتها الأسطورية)  والثانية (وما زالت مستمرة) بحجة دعم حكومة مالي لدحر التمرد في أرضها..

 فلماذا يطلب من سورية ألا تحمي وتدافع عن شعبها وأرضها وأمنها القومي؟ أنه حقاً لعجيب أمر هذا العالم المنافق!

ولا يمكن لسورية أن تحجب حقها في استعمال أي سلاح للدفاع عن نفسها وشعبها وأمنها القومي داخل حدودها وخارجها، فإذا كانت الولايات المتحدة وهو قدوة الديموقراطية في العالم تحتج بأن من حقها أن تستعمل أي سلاح لديها للدفاع عن نفسها في أي حرب فلا بد أن يكون لسورية نفس الحق المطلق كذلك، فلا يطلعن علينا كل يوم من يؤكد أن سورية لن تستعمل هذا السلاح أو ذاك فلماذا تمتلك الدول سلاحاً إذا لم تكن تنوي استعماله؟ إن حق أي شعب أن يسأل حكومته عن التفريط بالمال العام إذا صرفت حكومته مالاً في سلاح ثم رفضت استعماله في الدفاع عنه…

ويجب أن تكون سورية جادة في تأكيدها للصديق قبل العدو أنه إذا استفحل استمرار هذا التدخل الخارجي فإنها ستضرب وبعنف مواقع ذلك التدخل خارج حدودها سواء أكان ذلك في تركيا أم إسرائيل أم في الخليج، فإذا قال قائل أنه سوف يجر لحرب مدمرة في المنطقة  فإن على سورية ألا تموت وهي تتفرج فإذا كان ولا بد فليكن خيار “شمشون” إذن!

 لكن هذا يجب أن يترافق مع دعوة صريحة وجدية لجميع الأطرف السياسية التي تختلف مع البعث سواء في فكره أم أسلوبه للجلوس والبحث والتدارس للخروج بمشروع دولة عصرية متجددة….وهذه الدعوة الصادقة سوف تكشف الكثير وتعري البعض. ذلك لأننا في خضم هذا السقوط الكمي الهائل للمشاريع السياسة في سوق النخاسة المحيط بسورية اليوم أصبحنا نعتقد أن كل من عقد مؤتمراً صحفياً في سورية أو خارجها وقال قولة ما فإنه بالضرورة يمثل تياراً سياسياً ويمتلك جمهوراً، وهذا مناقض للعقل والواقع فقد يكون بعضهم لا يمتلك أكثر مما أمتلكه أنا وهو مجرد المقدرة على القول والكتابة..ودون أن أسمي أحد لا بد أن أشير إلى أن أحد أكثر اليساريين تمسكاً واصراراً على مناقضة سلوك البعث قد لايفوز بأصوات تمكنه من دخول مجلس الشعب لأنه لا يمتلك ذلك الرصيد الشعبي رغم امتلاكه الرصيد الفكري والعقائدي ذلك لأن “الديموقراطية” الأوربية المستوردة والتي يريد اليساري المذكورتطبيقها في سورية ليست مبنية على سمو الفكر بل على أصوات الدهماء.

وحين أقول بأن الحل السياسي يجب أن يوازي الحل العسكري فلا أعني بذلك دعوة جميع الأطراف كما تريد روسيا وتؤكد كل يوم… ذلك لأن من حمل السلاح وقتل وخرب لا يمكن أن يعطى مقعداً للحوار بل يجب أن يكون مقعده أمام القضاء لينال حقه وفق القانون السائد فإذا لم يكن الأمر كذلك فإن دولة ما لن تكون محمية بعد اليوم إذا كان كل ما تحتاجه زمرة من القتلة هي أن تستعين من الخارج بآخرين مالياً وبشرياً لتحمل السلاح وتقتل وتخرب ثم تطالب بالحكم أو المشاركة فيه، وهذه ما لا يمكن لأية دولة في العالم أن تقبله.. فهل رضيت روسيا نفسها بالجلوس مع الشيشان الذين حاربوها لكي تطلب من سوريا الجلوس مع مسلحي الوهابية الذين قاتلوها؟

فلا يقولن قائل ان دولاً عظمى فاوضت من حمل السلاح ضدها… ذلك لأن هناك فرقاً بين أن تفاوض دولة محتلة من يحمل السلاح ضد احتلالها أو غزوها أو عدوانها وبين من يحمل السلاح داخل الدولة ويقاتل مؤسساتها بهدف تغيير الوضع السياسي بالقوة… فالولايات المتحدة فاوضت على سبيل المثال ثوار فيتنام حين قاتلوا لتحرير أرضهم لكنها لم تفاوض أحداً حمل السلاح ضدها داخل حدودها… بل انها فعلت أشنع من ذلك فحين تحصننت مجموعة دينية في مدينة “واكو” عام (1993) ولم يكن أحد من أفرادها يحمل أي سلاح فإن الحكومة الفدرالية أحرقت البيت وقتلت من فيه من نساء وأطفال ورجال وكان عددهم (76).

فلا يجوز للقيادة السورية أن ترضخ للضغط الروسي بقبول دعوة زمر الإرهاب والإخوان الصهاينة الذين يؤكدون ليل نهار استعدادهم للإستسلام للصهيونية …. أقول انه لا يجوز للقيادة السورية أن تفعل ذلك حتى لو أن أكثرية الشعب السوري تريد ذلك فعلاً، ذلك لأن قضية الحرية والسيادة ليست قضية معروضة للتصويت…. فالشعوب في الغالب تستسلم للغزو والقهر كما حدث في فرنسا بعد غزو هتلر لها.. لكن قضية الحرية والسيادة والكرامة ليست أصلاً مما يمكن التفاوض عليه أو عرضه للتصويت… فتأريخ البشرية تكتبه الأقلية كما فعل رسول الرحمة (ص) قبل أكثر من 14 قرناً فلو أنه طلب رأي أهل مكة لكانت الأغلبية مع هبل.

والسلام

عبد الحق العاني

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image