قل ولا تقل / الحلقة الثامنة عشرة

إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

قل: هذه أخبار ملفقة أو مختلقة

ولا تقل: هذه أخبار مفبركة

وشاع في القرن الماضي بين العامة إستعمال كلمة “مفبركة” وأشتق منها فعل “فبرك يفبرك”، بعد أن أدخلها الإعلام العربي المتخلف. وقد يكون من المقبول أن تستعمل العامة في حديثها اليومي هذه الكلمات الدخيلة لكن أن يستعملها الإعلام والساسة في خطبهم فليس مفهوماً لأن العربية غنية بما يعبر عن المقصود خصوصاً وان الكلمة نفسها ليست فريدة في معناها ولم تأت باستعمال نادر.

والكلمة من أصل لاتيني دخل إستعمالها عدداً من اللغات الأوربية ومنها الإنكليزية. ولا بد أن العرب الذين أدخلوا إستعمالها في العربية جاؤوا بها من الإنكليزية أو الفرنسية. ولها في الإنكليزية، على سبيل المثال، أكثر من معنى. فهي قد تعني صناعة شيء بخبرة أو فن. وقد تعني تلفيق أو إختلاق وثيقة. وهذا المعنى الأخير هو الأقرب لما يراد به عند إستعمالها في العربية. لكن العربية الغنية بمفرداتها فيها أكثر من فعل أو إسم يغني عن إدخال هذا الدخيل. فمن ذلك “ملفقة” أو “مختلقة”.

فقد جاء في الصحاح للجوهري: “وأحاديثُ مُلَفَّقَةٌ، أي أكاذيب مزخرفة.”

أما إستعمال الإختلاق فيعطي كذلك المعنى المراد حيث جاء في مقاييس اللغة لإبن فارس:

“والخَلْق: خَلْق الكذِب، وهو اختلاقُه واختراعُه وتقديرُه في النَّفس. قال الله تعالى: وتَخْلُقُونَ إفْكاً”.

فلا تقل: أخبار مفبركة

وقل: أخبار ملفقة.

قل: ينبغي لك أن تعمل ولا ينبغي لك أن تكسل وينبغي لك العمل ولا ينبغي لك هذا الشيء وما ينبغي

ولا تقل: ينبغي عليك أن تعمل ولا تقل ينبغي عليك أن لا تكسل

وذلك لأن الفعل “ينبغي” هو بمعنى يُراد ويُطلب ويُستحب وما جرى مجراهن من الأفعال كيُنشد الشيء أي يُبحث عنه ويُفحص عنه، ويُصلح. جاء في لسان العرب: “وقولهم: يَنْبَغِي لك أَن تفعل كذا فهو من أَفعال المطاوعة، تقول: بَغَيْتُه فانْبَغَى، كما تقول: كسرته فانكسر….. ثم قال” “الزجاج: يقال انْبَغَى لفلان أَن يفعل كذا أَي صَلَحَ له أَن يفعل كذا، وكأَنه قال طَلَبَ فِعْلَ كذا فانْطَلَبَ له أَي طاوعه، ولكنهم اجْتزَؤوا بقولهم انْبَغَى.
وانْبَغى الشيءُ: تيسر وتسهل. وقوله تعالى: وما علَّمناه الشعر وما ينبغي له؛ أَي ما يتسهل له ذلك لأَنا لم نعلمه الشعر.
وقال ابن الأَعرابي: وما ينبغي له وما يَصْلُح له.”

وقال الفيومي في المصباح المنير: “وينبغي أن يكون كذا، معناه يندب ندباً مؤكداً لا يحسن تركه واستعمال ماضيه مهجو وقد عدوا “ينبغي”  من الأفعال التي لا تتصرف فلا يقال: انبغى، وقيل في توجيهه: إن “إنبغى” مطاوع بغي، ولا  يستعمل “إنفعل” في المطاوعة، إلا إذا كان فيه علاج وانفعال، مثل “كسرته فانكسر” وكما لا يقال “طلبته فانطلب” و لا “قصدته فانقصد” لا يقال “بغيته فانبغى” لأنه لا علاج فيه، وأجازه بعضهم وحكي عن الكسائي أنه سمع من العرب، وما ينبغي أن يكون كذا أي ما يستقيم وما يستحسن”.

وهذا يؤيد ما ذهبت إليه من أن المطاوعة خيالية “فانبغى ينبغي” لا مطاوعة فيه وهو أقدم الأفعال بدلالة وروده في القرآن الكريم احتوى استعمال اللام مع الفعل “ينبغي”، كما ورد في الآية الكريمة. ولا حجة في استعمال بعض المتأخرين من اللغويين للحرف “على” مع الفعل “ينبغي” وهو صاحب تاج العروس، فقد قال في مادة ن ب أ من التاج: ” كان ينبغي على المؤلف…” وهذا خطأ والصواب: كان ينبغي للمؤلف. وقد ذكرنا غير مرة أن “على” تفي الأذى والتعدي، فضلاً عن الإستعلاء فمعنى “ينبغي عليك” هو “يراد على الرغم منك” وبغير موافقة منك، كما يقال “افتات عليه يفتات عليه، وانتقد عليه ينتقد عليه، وباع عليه يبيع عليه”. قال الفيومي في المصباح المنير: “وباع عليه القاضي أي من غير رضاه، وفي الحديث: لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يبيع على بيع أخيه، أي لا يشترلأن النهي في هذا الحديث إنما هو على المشتري لا على البائع بدليل رواية البخاري: لا يبتاع الرجل على بيع أخيه”، انتهى المراد نقله. وقد تكلمنا على هذا غير مرة فيما قدمناه، ومعنى الحديث في الخطبة أنه لا يجوز للخاطب أن يخطب إمرأة سبقت اليها خطبة رجل آخر ولم تزل الخطبة في المداولة والمفاوضة. (م ج)

قل: هذا تلميذ مستتِّم وهذه تلميذة مستَتِّمة وهذا تلميذ إكمالي وهذه تلميذة إكمالية

ولا تقل: هذا تلميذ مُكمل ولا إكمال ولا مستكمل

ذكرت ذلك إجابة لأحد السائلين الفضلاء عن الإسم الذي ينبغي أنه يسمى به المقصر في الإمتحان تقصيراً يمكن تلافيه وتداركه أهو مكمل أم إكمال أم مستكمل؟

وذلك لأن المستتم هو طالب التمام والتمام للشيء هو ما يتم به قال مؤلف لسان العرب: “استتم الله النعمة: سأل إتمامها…… والمستتم: الذي يطلب التُّمة أي التمام”. فالطالب المقصر في الإمتحان تقصيراً جائزاُ تداركه وتلافيه على حسب قانون الدراية ينبغي أن يسمى “مستتماً” ويجوز أن يسمى “إكمالياً” أي منسوباً الى الإكمال على التفاؤل. والنسبة لا تستوجب اشتمال المنسوب على جميع المنسوب اليه ولو اشتملت على جميعه لكان المنسوب مثله، فالمنسوب يكون ذا صلة بالمنسوب إليه قوية كانت أو ضعيفة، وكلية كانت أو جزئية. فإذا قلنا: هذا طالب إكمالي فمعنى ذلك أنه ذو صلة بالإكمال على سبيل الإنتساب والتفاؤل. أما إذا قلنا هذا الطالب إكمال فيحتمل التعبير وجهين، أحدهما  الإخبار عنه بالمصدر، وهو ضرب من المبالغة البالغة، ومعناه أن الطالب حاز الإكمال والنجاح، حتى صار هو الإكمال نفسه، أي مكتملاً دراسته إكمالاً تاماُ دائماُ، كما تقول: هذا القاضي عدل وأنت حرب لمن حاربنا، وسلم لمن سالمنا أي أشد من محارب لمن حاربنا وأعظم مسالم لمن سالمنا، وهذا المعنى لا يؤدي المراد بقولهم: فلان إكمال.

والوجه الآخر هو أن الطالب “ذو إكمال” فيكون من باب المجاز بحذف المضاف، والإستغناء عنه بالمضاف اليه، وذو الإكمال هو الذي أكمل عمله، لأن “ذا” تفيد التملك والإحتواء في أشهر معانيها، والمقصر في دروسه ليس بذي إكمال وإنما هو نقصان وتقصير، ومحتاج الى الإكمال.

وأما المكمل والمستكمل فهما اللذان أكملا واجبهما وانتهى عملهما بالفلاح والنجاح. وكان مأمولاً أن يكون “استكمل” للطلب قياساً على وزن الطلب العام الذي هو “استفعل” إلا أن العرب استعملته بمعنى “أكمل” كما استعملت “استخرج” بمعنى أخرج واستجمع بمعنى اجتمع واستطال بمعنى طال واستعد بمعنى أعد واستجاب بمعنى أجاب واستبان بمعنى أبان في أحد معنيين، واللغة كما معلوم سماعية قبل أن تكون قياسية. والمسموع مفضل على المقيس، وإن كان للمقيس وجه مقبول ومعقول عند التعارض بينهما،  والغاية الأصلية من التزامنا السماع هو فهمنا آدابنا القديمة وإزالة اللبس الناشئ عن استعمال الكلمة في غير موضعها لغير معناها. (م ج)

قل: عُمران البلاد

ولا تقل: عِمران البلاد

وذلك لأن العُمُران في الأصل مصدر قولهم: عمر الرجل ماله وبيته عُمراناً اي لزمهما وحفظهما ثم استعير العُمران للعمارة. جاء في نهج البلاغة: “وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يُدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا… وإن العُمران محتمل ما حملته وإنما يُؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها”.

أما “العِمران” بكس العين فلم يجئ في اللغة بمعنى “العُمران” بضم العين، ثم أنه لو جاز التلفظ به لتركه العرب أيضاً لأنه يلتبس بعِمران الذي هو اسم من أسماء الأعلام، وأكره ما تكره العرب في لغتها الإلتباس وذلك لأن اللغة معتمدة على البيان والوضح دون اللبس والغموض. فالعُمران كالغُفران والكُفران والشُكران والحُسبان. (م ج)

قل: الخُطّة الإقتصادية

ولا تقل: الخِطّة الإقتصادية

قال الجوهري في الصحاح: “والخُطة بالضم: الأمر والقصة”. وجاء في لسان العرب: “والخُطَّةُ، بالضم: شِبْه القِصَّة والأَمْرُ…. وفي حديث الحديبية: لا يَسْأَلوني خُطَّةً يُعَظّمون فيها حُرُماتِ اللّه إِلاَّ أَعطَيتهم إِيَّاها، وفي حديثها أَيضاً: إِنه قد عرَض عليكم خُطَّة رُشْدٍ فاقبلوها أَي أَمراً واضحاً في الهُدَى والاسْتِقامةِ…… وفي رأْسِه خُطَّةٌ أَي أَمْرٌ مّا…….. والخُطَّةُ الحالُ والأَمْرُ والخَطْبُ”. امّا الخِطّة بكسر الخاء فهي الأرض يختطها الرجل لنفسه ليبنيها داراً وإنما سميت خِطّة لأنه يُعَلَّم عليها علامة بالخط ليُعلم أنه قد اختارها، ومن ذلك علم الخِطط وهو معرفة المباني والطرق ومِساحات العمارات والمنشآت الأخرى. (م ج)

قل: نقد على فلان قوله وانتقد عليه قوله

ولا تقل: نقد فلان وانتقده

وذلك لأن النقد والإنتقاد ينبغي أن يوجها على شيء من أشياء فلان لا على فلان نفسه. وإذا كان النقد والإنتقاد من باب المؤاخذة في الظاهر استعملنا “على” وهي تفيد الأذى والإستعلاء والضرر، كما قلنا عدة مرات. تقول: نقدت على فلان قوله وانتقدت على فلان قوله، فقوله منقود ومُنتقد وهو منقود عليه ومنتقد عليه.

وفي العربية موضع واحد تقول فيه: نقدت فلاناً وانتقدته، وهو إذا ألّفت كتاباً في نقد شخصيته من حيث الصدق والكذب في الحديث كميزان الإعتدال في نقد الرجال لشمس الدين الذهبي أو من حيث السيرة والأخلاق. (م ج)

 قل: ما له دارٌ ولا عَقَارٌ

ولا تقل: ما له دارٌ ولا عِقَارٌ

ذكر إبن السكيت في إصلاح المنطق: تقول: ما له دارٌ ولا عَقَارٌ، ولا تقُل: عِقَارٌ، والعَقَارُ: النَّخْل, ويقال أيضاً: بيت كثير العَقار، إذا كان كثير المَتَاع.

وجاء في لسان العرب: ” قال الأَصمعي: عُقْرُ الدار أَصلُها في لغة الحجاز، فأَما أَهل نجد فيقولون عَقْر، ومنه قيل: العَقَارُ وهو المنزل والأَرض والضِّيَاع.”

وكتب إبن فارس في مقاييس اللغة: ” قال الخليل: العَقَار: ضَيعة الرَّجُل، والجمع العَقارات. يقال ليس له دارٌ ولا عَقارٌ. قال ابن الأعرابيّ:العَقار هو المتاع المَصُون”.

قل: اضرب به عُرْض الحائط

ولا تقل: اضرب به عَرْض الحائط

يجد بعض الناس صعوبة في التمييز بين عَرْض و عُرْض و عِرْض رغم إختلاف معنى كل منها عن الآخر.

فقد كتب إبن منظور في لسان العرب:

” العَرْضُ: خلافُ الطُّول، والجمع أَعراضٌ”.

” وعُرْضُ الشيء، بالضم: ناحِيتُه من أَي وجه جِئْتَه. يقال: نظر إِليه بعُرْضِ وجهه.”

وذكر إبن السكيت في اصلاح المنطق: “والعَرْض: ما خالف الطُّوْل, والعُرْض: الناحِيَة، يقال: اضرب به عُرْض الحائط، أي ناحِيَة من نَوَاحيه, ويقال: نظر إلي بِعُرْض وجهه.”

 قل: شتم آبائي وأمهاتي

ولا تقل: شتم عِرضي

 كتب إبن قتيبة في أدب الكاتب: ومن ذلك: ” العِرْضُ ” يذهب الناس إلى أنه سَلَفُ الرجل من آبائه وأمهاته، وأن القائل إذا قال: شَتَمَ عرضي فلان إنما يريد شتم آبائي وأمهاتي وأهل بيتي، وليس كذلك، إنما عِرْض الرجل نفسه، ومن شتم عِرْضَ رجل فإنما ذكره في نفسه بالسوء، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة: ” لا يَبُولونَ ولا يَتَغَوَّطونَ، إنما هو عَرَق يخرج من أعراضهم مثل المِسْكِ ” يريد يجري من أبدانهم، ومنه قول أبي الدرداء ” أقْرِض من عِرضك ليوم فقرك ” يريد مَن شتمك فلا تشتمه، ومن ذكرك بسوء فلا تذكره، ودَعْ ذلك عليه قَرْضاً لك ليوم القصاص والجزاء، ولم يرد أقرض عرضك من أبيك وأمك وأسلافك؛ لأن شَتْمَ هؤلاء ليس إليه التحليلُ منه، وقال ابن عُيَيْنة: لو أن رجلاً أصاب من عرض رجل شيئاً ثمَّ تَوَرَّع فجاء إلى ورثته أو إلى جميع أهل الأرض فأحَلّوه ما كان في حلٍّ، ولو أصاب من ماله شيئاً ثم دفعه إلى ورثته لكنا نرى ذلك كفاره له، فعِرْضُ الرجل أشد من ماله، قال حسان بن ثابت الأنصاري:
هجوتَ محمَّداً فأجبتُ عنهُ … وعندَ الله في ذاكَ الجزاءُ
فإنَّ أبي ووالدَهُ وعِرْضِي …               لعِرْضِ محمَّدٍ مِنكمْ وِقاءُ

أراد فإن أبي وجَدِّي ونفسي وقاء لنفس محمد، ومما يزيد في وضوح هذا حديثٌ حدَّثنيه الزيادي عن حمَّاد بن زيد عن هشام عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أيعجزُ أحدكمْ أنْ يكونَ كأبي ضَمْضَمٍ، كان إذا خرج من منزله قال: اللهم إني قد تصدَّقتُ بعِرْضِي على عِبادك.”

قل: إرتكب في هذا الأمر ذنباً

ولا تقل: إرتكب في هذا الأمر جنحة

وكتب ابراهيم اليازجي في لغة الجرائد: “ويقولون إرتكب في هذا الأمر جنحة بالضم أي ذنباً يسيراً وقد جنحه تجنيحاً إذا نسب اليه الجنحة وكلاهما لم يرد في اللغة إنما جاء الجُناحُ بالضم بمعنى الذنب وكأن الجنحة محرفة عنه”.

قل: هذه جَريرةٌ وليست جناية

ولا تقل: هذه جُنحةٌ وليست جناية

وقد شاع في عالم القانون والقضاء العربي في القرن العشرين إستعمال لفظتي “جنحة” و “جناية” وذلك للتعبير عن الجريمتين المعرفتين باللاتينية في كلمتي (misdemeanor)  و (felony) على التوالي لتعنيان كما في الإنكليزية جريمة صغيرة وجريمة كبيرة. ويبدو أن من أدخل كلمة “جُنحة” هم الأخوة المصريون وذلك في مراحل متقدمة من التشريع العصري بعد التخلي عن الشريعة، ثم انشر الإستعمال وساد في الوطن العربي حتى ان لدينا اليوم “محاكم جنح”. والحقيقة هي أن الأخوة المصريين قدموا للعربية علماء لغة متميزين في القرن العشرين كما قدموا في السابق لكنهم أدخلوا للعربية لفظاً غريباً معرباً أو غير معرب. وكلمة “جنح” هي واحدة من هذا الدخيل الغريب.

فليس في العربية كلمة “جنحة”. فقد جاء في الصحاح للجوهري: “جَنَحَ، أي مالَ، يَجْنَحُ ويَجْنِحُ جُنوحاً.”

أما إبن فارس فقد كتب في مقاييس اللغة:”الجيم والنون والحاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على المَيْلِ والعُدْوان”……”والجُنَاح: الإثم، سمّي بذلك لمَيْلِه عن طريق الحقِّ”.

وهكذا يبدو واضحاً أن العرب لم تستعمل قط كلمة “جُنحة”، فهي لم تعرف لا سمعاً ولا قياساً وما لم يعرف كذلك فليس له في العربية مكان. ولو أن من بحث عن كلمة عربية تقابل الجريمة الصغيرة في الإنكليزية إختار كلمة “جُناح” لكن أقرب للصواب كما أخبرنا إبن فارس.

 لكن العرب لا بد أنهم كان لهم لفظ أو أكثر لوصف الإثم أو الجريمة الصغيرة قبل عصرنا الحاضر. وعندي أن كلمة “جريرة” تفي بهذا المعنى.

  وروي عن حذيفة بن اليمان قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع‏:

‏”‏لا ترتدوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض لا يؤخذ الرجل بجريرة أخيه ولا بجريرة أبيه‏”‏‏.‏

وهذا الإستعمال منه (ص) للإثم الصغير أو الجريمة الصغيرة. ويعزز ذلك ما جاء في معجمات اللغة.

وكتب إبن منظور في لسان العرب:

“وقد جَرَّ على نفسه وغيره جَريرةً يَجُرُّها جَرَّاً أي جنى عليها جِنايَةً”

“قال: إذا جرَّ حولانا علينا جريرةً     صبرنا لها إنَا كِرامٌ دعَائِمُ”.

وقال إبن فارس في مقاييس اللغة: “ومن هذا الباب الجريرةُ، ما يجرُّه الإنسانُ من ذنبٍ، لأنّه شيءٌ يجرُّه إلى نفسه.”

فقل: هذه جريرة

ولا تقل: هذه جُنحة.

وللحديث صلة….

عبد الحق العاني

26  تشرين ثاني 2013

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image