ما السلاح الروسي الذي قد يحسم الحرب في سورية؟

إن الحرب الأهلية في سورية والتي دخلت عامها الرابع لم تكن لتستمر وتشتد بهذه الضراوة إلا لسببين أساسين.

أولهما وجود حاضنة شعبية واسعة في بعض مناطق سورية مستعدة لتاييد مشروع خراب سورية أو دعمه أو منحه الرعاية والحماية وبدرجات متفاوتة. وهي في أغلبها قد تجهل الهدف الأساس من المشروع لأنها تتحرك بقناعات بعضها مسوغ وبعضها غير مسوغ لكنها في الأغلب  وليدة مشروع مذهبي عمل عليه أعداء سورية لعقود ودربوا من أجله الدعاة وأغفله حزب البعث المترهل ذلك لأنه كان منشغلاً بالحكومة والوظائف والفساد والرشوة في الوقت الذي كان الأخوان المسلمون في سورية، وهم من أكثر التنظيمات الإسلامية في العالم إنضباطاً وعنفاً، ودعاة السلفية، ممن عملوا وعاشوا في جزيرة العرب، يتحركون في المساجد المنتشرة في كل زاوية من سورية على غسل عقول البسطاء بما يغص به الإسلام من خرافات وكذب وإفتراء وأحاديث مختلقة، إلا الوطنية والولاء لسورية. وهكذا فما أن كسر حاجز الخوف بخروج الناس مطالبين بحقوق مشروعة لهم حتى وضع مشروع خراب سورية موضع التنفيذ. وحيث إن هدفي هنا ليس تحليل الحرب الأهلية فذلك وحده يحتاج لكتاب وليس مقالاً أو مقالين فإني سوف أحجم عن التوسع فيه. لكن لا بد لي من التأكيد على أنه لولا وجود الحاضنة الشعبية لما استمرت الحرب الأهلية لهذه الفترة ولما وقع ما وقع من خراب قد لا يمكن إعادة بناء بعضه عندما تضع الحرب أوزارها. فكيف كان للشيشاني أوالأفغاني أوالأعرابي أن يجد موضع قدم له في بلاد الشام لو لم يجد من يحضنه ويرعاه من أهلها؟ ويبدو أن الرئيس السوري  أدرك هذه الحقيقة حين قال في كلمة مؤخراً أن خلف هذه المجموعات الإرهابية المسلحة “حاضنة اجتماعية قد يصل عدد أفرادها إلى الملايين من السوريين”.

وثانيهما، وهو موضوع هذا المقال، أن من خطط لخراب سورية في هذه الحرب أدرك أبعاد المعركة وسلاحها وأدواتها بشكل متميز مما يجعل المراقب للحدث مقتنعاً بشكل تام أن المخطط لم يكن من بين أولاء المتخلفين من الشيشان أو الأفغان أو الأعراب الذين مهما بلغ مقدار علمهم بالقتال لا يحسنون أبعد من مسك البندقية  ولا يقدرون أن يفكروأ أبعد من أرنبة الأنف. فالخطط التي وضعت ونفذت في سورية كانت بمنتهى الذكاء في فهم قوة الجيش السوري وكيفية مواجهته إلى جانب فهمها للحقائق الموضوعية التي تحدد العلاقات الدولية والسائدة في العالم عام 2011..

فقد وضعت الخطة على أساس أن ذلك الخارج المخطط للمشروع أدرك أنه لن يكون سهلاً له أن يتدخل بشكل مباشر في القتال في أن يرسل قواته لغزو سورية كما فعل في العراق عام 2003. أما إذا ولد ظرف يسمح بذلك فإن المعركة كانت ستحسم لصالح المعتدي في فترة قصيرة جداً. وهكذا جرت محاولات إفتعال إستعمال السلاح الكيميائي والتي باءت بالفشل لأسباب أكثر تعقيداً مما يظنه البعض، فبعضها محلي وبعضها دولي لكن النتيجة هي أن التوازن الدولي كان في صالح سورية لعدم قيام التدخل المباشر. وهكذا فإن من خطط للحرب في سورية خطط لها كما لو ان التدخل العسكري المباشر بجيوش غازية ما كان ليقع. وعلى هذا فإن الخطط التي وضعت أخذت في الحسبان حقيقة أن الجيش السوري لا يوازى في إمتلاكه السلاح الجوي والصواريخ، وكلاهما لا يمكن للمهاجم أن يوازيها حتى بامتلاك مقاومة الطائرات، فليس كل سلاح  بيد “نصف دشداشة” شيشانية سيكون فاعلاً.

وهكذا وضعت سياسة حفر الأنفاق وتحصينها… وتم رسم شبكة واسعة من الأنفاق في كل المناطق التي خرجت من يد الدولة السورية وجيء بمعدات حفر متطورة من أمريكا وأوربا وأدخلت عبر الحدود التركية واللبنانية والأردنية بشكل اساس، ونفذت على مدى عام حين كان الجيش السوري  يلم شمله وينظم صفوفه بعد صدمته في السنة الأولى. ولعل بعض هذه الأنفاق قد تم حفرها قبل بدء التحركات المعارضة وخزنت فيها الأسلحة والذخائر بالكميات الكبيرة التي ظهرت لاحقاً. وكان ذلك لقناعة المعتدي أن المعركة فوق الأرض خاسرة لا محالة أمام طائرات وصواريخ الجيش السوري. أما إذا كان المتمرد تحت الأرض فإنه يمكن له أن يحتمي في الأتفاق اثناء القصف فما أن ينتهي القصف حتى يخرج وكأن شيئاً لم يكن…. وهذا ما فعله حزب الله في حربه مع العدو الصهيوني عام 2006. وهكذا دارت الحرب خلال عامين… ويمكن لها أن تدور لعامين آخرين أو أكثر… وليس يحدد مداها سوى مقدرة سورية على المزيد من الخراب والإستنزاف.

لكن سورية بمقدورها حسم الحرب وهزم العدوان في أسرع وقت لو أنها أمكن لها أن تعدم إمكانية الخصم على التحرك في أنفاقه تحت الأرض. وروسيا تمتلك الأداة لذلك.

فروسيا تمتلك، كما تمتلك الولايات المتحدة، قنابل موجهة تسمى بالإنكليزية Bunker Buster”” أو “مدمرة الأقبية المحصنة” قادرة على تدمير أية منشأة أو نفق أو مستودع على عمق قد يبلغ أكثر من عشرين متراً تحت الأرض. وليست أنفاق إرهابيي سورية أعمق من بضع أمتار في أفضل حال. وقد استعملت الولايات المتحدة هذه القنابل في أكثر من حرب في يوغسلافيا وأفغانستان والعراق، ولعل جريمة تدمير ملجأ العامرية في بغداد عام 1991 والتي قتل فيها ألف عراقي من النساء والأطفال، من طائرة أمريكية إنطلقت من جزيرة العرب العربية، أفضل شاهد على قدرة تلك القنابل في الإختراق والتدمير.

وتمتلك روسيا سلسلة من هذه القنابل الموجهة بالليزر بأحجام مختلفة أي بقدرة تدمير تتناسب مع حجم كل قتبلة. ونعرض من هذه السلسلة نموذجاً واحداً للتوضيح وهي القنبلة المسماة KAB-1500L-Pr والتي تزن الفاً وخمسمائة كغم وتحمل رأساً مدمراً وزنه ألف كغم ويمكن لها أن تخترق مابين 10 إلى 20 متراً من الأرض أو مترين من الخرسانة المسلحة. ويمكن إطلاقها من قبل سوخوي 24 أو سوخوي 27 وتبلغ دقتها في الإصابة 7 أمتار.

وحيث إن سورية تمتلك طائرات سوخوي 24 فإن كل ما تحتاجه هو امتلاكها لهذه القنابل لكي تقلب ميزان المعركة بالكامل.

إن من المهم بمكان أن نتذكر ان الحرب ليست بامتلاك القوة فقط لكنها بامتلاك الإرادة كذلك… لذا فإن عدداً صغيراً من هذه القنابل بايدي الجيش السوري سوف يكسر إرادة العدو الذي إرتاح لحقيقة أنه يقدر العيش في الأنفاق إلى ماشاء الله … أما إذا تغيرت هذه القناعة ووقع غير المتوقع من وصول القنابل إلى أنفاقهم وأقبيتهم فإن شعوراً بالإحباط سوف يسود بين صفوف المقاتلين قد تكون آثاره ابعد بكثير من أي تأثير مباشر للتدمير الذي تخلفه هذه القنابل…. وقد يقود إستعمالها إلى تراجع كبير بين المستعدين للجوء لهذا الأنفاق حين يصبح الموت فيها إمكانية قائمة لأن العدو لا يعرف كم من هذه القنابل يمتلك الجيش السوري، وكم من الإهداف سيصيب غداً. كما أن العدو لا يملك ولن يستطيع أن يمتلك ما يقاوم به أو يصد هذه القنابل وأذاها عنه. إن المعركة في سورية ليست في عندان أوالبو كمال. إنها في السيطرة على دمشق وحمص وحلب، فإذا تمكن الجيش السوري من إخراج المقاتلين من انفاق هذه المدن فإن المعركة تكون قد انتهت لأن تطهير مدن الحدود تصبح قضية وقت ونزهة لأي جيش نظامي!

ترى هل إن أزمة أوكرانيا ستعطي سورية حبل النجاة فيقرر “بوتين”، في خضم الضغط الصهيوني على موسكو وتجديد فرض “الستار الحديدي” عليها، أن يكسر القاعدة ويزود سورية بهذه القنابل ليضع حداً للخراب والقتل والتدمير؟..

هذا إلى جانب ما سيحققه قرار وإجراء كهذا لروسيا من نصر إذ سيكون بإمكانها التخلص من الآلاف من مسلمي القوقاز من شيشان وداغستانيين وغيرهم ممن يقاتلون اليوم في سورية وسوف يعودون غدا لروسيا لقتال الروس “الكفار”…..

إن بادرة كهذا ستكون أكبر من مساهمة روسيا الشيوعية في بناء السد العالي في مصر، وستكون الأمة العربية مقرة لروسيا بهذا الجميل لقرون.

عبد الحق العاني

1 أيار 2014

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image