قل ولا تقل / الحلقة الثانية والأربعون

إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (م ج)

 

قل: الحقوق القبيلية والرسوم الكنيسية

ولا تقل: الحقوق القبلية والرسوم الكنسية

وذلك لأن القبيلة والكنيسة إسمان من أسماء الجنس أعني أن القبائل كثيرة والكنائس كثيرة، فلا يجوز حذف الياء منهما عند النسبة اليهما. أما حذف الياء فيكون مقصوراً على الأعلام كقبيلة بجيلة وجزيرة ابن عمر وقبيلة ثقيف وعتيك وجهينة وعُرينة وسُليم وهُذيل، فيقال” بَجَلي و جَزَري و ثَقَفي وعَتَكي و وجهني و عُرَني و سُلَمي و هُذَلي” ومع وجود هذه القاعدة الخاصة بالأعلام شذ منها “تميمي” لأنه مضعف فلم يقولوا “تممي” وشذ من النسب الى البلدان والمواضع نوادر كالحديثي نسبة الى الحديثة والحَظيري نسبة الى الحظيرة والقطيعي نسبة الى محلة القطيعة في بغداد. فإن كانت هذه القاعدة لا يبنى عليها إلا في الأعلام وكثر الشذوذ منها في الأعلام بأعيانها فكيف يبنى عليها في أسماء الجنس كالبديهة والقبيلة والكنيسة؟ فإن جاز حذف الياء في العلم فذلك لأن العلم له من الشهرة والإستفاضة ما يحفظه عند الحذف وله من قوة المنسوب ما يميزه عن غيره، ويبعده عن اللبس.

ومن الخطأ القديم الذي ارتكب في هذه النسبة قولهم “فلان الفرضي” نسبة الى علم الفرائض بدلاً من الفرائضي. قال أبو سعد السمعاني في الأنساب وعز الدين بن الأثير في اللباب: “الفرائضي.. ويقال لمن يعلم ذلك فَرَضي وفرائضي وفارض” وذكر من الفرائضيين أبا الحسن الجرجاني الفرائضي وقد توفي سنة 354 هـ، وأبا الليث الفرائضي وقد توفي سنة 314 هـ، فنسبة الفرائضي سابقة للفرضي بنحو مئة سنة، وهذا يدل على أن الخطأ حدث في القرن الرابع للهجرة.

وبناء بعض الصرفيين القاعدة على الغلط حَمَل غيره على أن يعد الصواب غلطاً في قول الشاعر:

ولسست بنحوي يلوك لسانه            ولكن سليقي يقول فيعرب

فالنسبة الى السليقة “سليقي” لأنها من أسماء الجنس ولا يجوز حذف الياء ومن يقل “سَلَقي” فقد سلق اللغة العربية وصلقها،

فقل بديهي وقبيلي وكنيسي و سليقي

ولا تقل: بدهي وقبلي وكنسي وطبعي (م ج)

قل: هذا الأمر بديهي أو طبيعي في النسبة الى البديهة والطبيعة

ولا تقل: بدهي وطبعي

لأن العرب لم تحذف الياء من أمثال هذه الأسماء إلا إذا كانت من الأعلام المشهورة كقبيلة ثقيف وعتيك وبجيلة وجزيرة ابن عمر، فقالوا ثقفي وعتكي وبجلي وجزري. أمّا أسماء الجنس وأشباهها كغريزة وبديهة وطبيعة وسليقة فلا تخذف منها الياء أبداً لئلا تلتبس بعشرات أسماء بل مئات. وقد قالت العرب علم الطبيعيات ولم يقولوا “علم الطبعيّات” ولقب أحد الشعراء “البديهي” وهو شاعر مشهور من أهل القرن الرابع للهجرة واسمه علي بن محمد ولم يقل له أحد طوال حياته “أنت بدهي”. (م ج)

أما عبد الهادي بو طالب فقد خالف مصطفى جواد فكتب: “والنسبة إلىفَعيلة هي فَعَلى (بفتح الفاء والعين) بشرط أن يكون المنسوب إليه صحيح عَيْنِ الكلمة وغير مضَعَّف. فنقول في النسبة إلى حنيفة حَنَفي، وإلى قبيلة قَبَلي. وإلى طبيعة طَبَعي، وإلى بَديهة بَدَهي، وإلى عَقيدة عَقَدي، وإلى صحيفة صَحَفِي.ٌّ وجميعها بفتح ثاني (عين) الكلمة لكن إذا نسبنا إلى الصحافة قلنا صَحَافِيٌّ.

لكنه شاع في الاستعمال طبيعي وبديهي وغيرهما على وزن فَعِيلي بدون إدخال أي تغيير على المنسوب إليه.

وتقول كتب اللغة والنحو إن هذه أيضا لغة. إلا أني أفضل أن لا نغير هذه الكلمات وأمثالَها إلى وزن فَعَلي، لاستعمال الشائع المشهور وتفضيله على الصواب المهجور.”

قل: أحْدَدْت السكين

ولا تقل: حَدَدتُ السكين

كتب الكسائي: “وتقول أحددت السكين بالألف. وحَدَّت المرأةُ زوجَها إذا لبست الحِدادَ، فهي تَحِدُّ حِدَاداً. وحَدَدْتُ أنا عليه فأنا أحدُّ حِدَّةً من الغضبِ. وحَدَدْتُ حدودَ الدار فأنا أحُدُّ.”

قل: فحص الطبيب لِثَةَ الرجل (بتخفيف الثاء)

ولا تقل: فحص الطبيب لِثَّةَ الرجل (بتشديد الثاء)

وكتب إبن قتيبة: و “هي لِثَة الرجل” لما حول أسنانه، وجمعها لِثَاثٌ مكسورة اللام مخففة، ولا يقال لِثَّةٌ.” إنتهى

وأورد ابن منظور آراء الأخرين في اللثة فكتب في اللسان:

“اللِّثة، بالتخفيف، ما حول الأَسنان، وأَصلها لِثَيٌ، والهاء عوض من الياء. قال ابن بري: قال ابن جني اللّثة محذوفة العين من لُثْتُ العِمامة أي أَدرتها على رأْسي، واللِّثةُ مُحِيطة بالأَسنان…… واللثةُ، بالكسر والتخفيف: عُمور الأَسنان، وهي مَغارِزها؛ الأَزهري”.

قل: هذا إبزيم الحزام

ولا تقل: هذا بَزِيمُ الحزامِ

وكتب الزبيدي: “ويقولن “بَزِيم” للحديدة التي تكون في طرف حزام السرج، يُشرجُ بها. وقد تكون في طرف المنطقة ولها لسان يدخل في الطرف الآخر من الحزام والمنطقة .. والصواب “إبزيم” على مثال إفعيل. وفيه لغة أخرى، يقال “إبزام”، والجمع “أبازيم”. قال العجاج:

من كًلِّ هَرَّاجٍ نبيلٍ مَحزَمُه

يَدُقُّ إبزيم الحِزامِ جُشَمُهْ

والجشم: عكن البطن.

ويقال أيضاً “إبزين” ويجمع على “أبازين”. وقال أبو دواد الأيادي:

من كُلِّ جَرداءَ قد طارَتْ عَقِيقَتُها              وكُلُّ لأجرَدَ مُستَرْخي الأبازِيِنِ

ويقال للإبزيم أيضاً “زِرْفَن” و “زُرْفَن”. وفي الحديث أن درع رسول الله (ص) كانت ذات زَرَافِن، إذا عَلّقَتْ بزرافينها شَمَّرَت وإذا أرسلت مَسَّت الأرض.

وقال مزاحم:

يُباري سَدِيساها إذا ما تَلَمَّجَت          شَباً مثل إبزيم السَّلاح المُؤَسَّلِ

يصف ناقة. والُمؤسَّل: المحدَّد الذي رُقِّقَت أسَلته.

ويقال للقفل أيضاً “إبزيم” وهذه العبارات كلها متفقة. لأن الإبزيمَ إفعيل من “بَزَمَ” إذا عَضَّ. قال أبو زيد: بَزَمتُ به أبزِمُ بَزْمَاً أذا عضضته بالثنايا دون الأنياب والرباعيات. وكذلك “البَزْمُ” في الرمي، هو أخذك الوتر بالإبهام والسَّيابة ثم نرسل السهم.

قل: أدخل اللص السجن

ولا تقل: أدخل باللص السجن

وكتب الحريري:”ويقولون: أدخل باللص السجن فيغلطون فيه، والصواب أن يقال: أدخل اللص السجن، أو دخل به السجن، لأن الفعل يعدى تارة بهمزة النقل كقولك: خرج وأخرجته، وتارة بالباء، كقولك: خرج وخرجت به فأما الجمع بينهما فممتنع في الكلام، كما لا يجمع بين حرفي الإستفهام.
وقد اختلف النحويون: هل بين حرفي التعدية فرق أم لا فقال الأكثرون: هما بمعنى واحد.

وقال أبو العباس المبرد: بل بينهما فرق، وهو أنك إذا قلت: أخرجت زيدا ً كان بمعنى حملته على الخروج. فإذا قلت: خرجت به، فمعناه أنك خرجت واستصحبته معك.

والقول الأول أصح بدلالة قوله تعالى: “ذهب الله بنورهم”. فإن اعترض معترض في جواز الجمع بين حرفي التعدية بقراءة من قرأ: “وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن” بضم التاء، فقد قيل فيها عدة أقوال:
أحدها أن أنبت بمعنى نبت، والهمزة فيها أصلية، لا للنقل، كما قال زهير:

رأيت ذوي الحاجات حول بيوتنا  قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل

فعلى هذا القول تكون هذه القراءة بمعنى من قرأ: “تنبت بالدهن” بفتح التاء، والمعنى أن الدهن ينبتها. وقيل في القراءة: إن الباء زائدة كزيادتها في قوله تعالى: “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة” وكزيادتها في قول الراجز:

نحن بنو جعدة أصحاب الفلج    نضرب بالسيف ونرجو بالفرج

فيكون تقدير الكلام على هذا التأويل: تنبت الدهن، أي تخرج الدهن.
وقيل : إن الباء متعلقة بمفعول محذوف تقديره تنبت ما تنبته، وفيه دهن، كما تقول: ركب الأمير بسيفه أي وسيفه معه، وخرج زيد بثيابه، أي وثيابه عليه.

وقيل – وهو أحسن الأقوال: إنما زيدت الباء لأن إنباتها الدهن بعد إنبات الثمر الذي يخرج منه الدهن، فلما كان الفعل في المعنى قد تعلق بمفعولين يكونان في حال بعد حال، وهما الثمرة والدهن، احتيج إلى تقويته في التعدي بالباء.

 

قل: أَصْلُ كُلِّ داءٍ البَرَدَةُ

ولا تقل: أَصْلُ كُلِّ داءٍ البَرْدَ

كتب البستي: “في حديثِ عبد الله بن مسعود: ” أَصْلُ كُلِّ داءٍ البَرَدَةُ”. البَرَدَةُ، مفتوحة الراء: التُّخمةُ. وأصحابُ الحديثِ يقولون: البَرْدُ، وهو غَلَطٌ.” إنتهى

أما ابن منظور فقد رأى أن هناك علاقة بين البَرَدَة والبَرْد فكتب:

“والبَرَدَةُ التخمة؛ وفي حديث ابن مسعود: كل داء أَصله البَرَدة وكله من البَرْد؛ البَرَدة، بالتحريك: التخمة وثقل الطعام على المعدة؛ وقيل: سميت التخمةُ بَرَدَةً لأَن التخمة تُبْرِدُ المعدة فلا تستمرئ الطعامَ ولا تُنْضِجُه.”

لكن الجوهري روى الحديث رواية مختلفة فكتب:

“وفي الحديث “أصلُ كلِّ داءٍ البَردَةُ. بالكسر: عِلَّةٌ معروفة من غَلَبَةِ البَرْدِ والرطوبة، تُفَتِّر عن الجماع.”

قل: جاء المُعَذِّرُون من الأعراب

ولا تقل: جاء المُعْذِرُون من الأعراب

كتب المقدسي: “ويَضَعُونَ المُقْصِرَ مَوْضِعَ المُقَصِّرِ، والمُعْذِرَ مَوْضِعَ المُعَذِّرِ، ولا يُفَرِّقُونَ بينَ ذلكَ. والفَرْقُ بينَ ذلكَ أنَّ المُعْذِرَ، بإسكانِ العينِ وكَسْرِ الذالِ وتَخْفِيفِها: المُبالِغُ في العُذْرِ. والمُعَذِّر، بفتحِ العَيْنِ، وتشديدِ الذَّالِ وكسرِها: المُقَصِّرُ في العُذْرِ. والمُقْصِرُ، بإسكانِ القافِ، وتخفيفِ الصادِ مع كَسْرِها: هو الذي ينزَعُ عن الشيءِ وهو قادِرٌ عليهِ. والمُقَصِّرُ، بفتحِ القافِ، وتشديدِ الصادِ مع كسرها أَيضاً: هو العاجزُ. وأَنْشَدَ ابنُ دُرَيْدٍ لنَفْسِهِ:

ليسَ المُقَصِّرُ وانِياً كالمُقْصِرِ               حُكْمُ المُعَذِّرِ غَيْرُ حُكْمِ المُعْذِرِ

قل: وَضُؤَ وجهُهُ

ولا تقل: وَضَأَ وجهُهُ

كتب الضبي: “وقد وَضُؤَ وجهُهُ يَوْضُؤُ وَضاءَةً. ولا تقل: وَضَأَ. وهو وَضِيءٌ، ممدودٌ.”إنتهى

وكتب اليازجي:”ويقولون فلان ذو طلعة وضاء فيؤنثون لفظ وضاء ذهاباً إلى أن ألفه للتأنيث على حد ألف غراء مثلاً ومقتضاه أن الوضاء مؤنث الأوض مثل غراء وأغر. وهي مادة لم ينطقوا بها ولا يعرف لها معنى. وإنما الوضاء من الوضاءة بمعنى الحسن يقال وضؤ الرجل وهو وضيء على فعيل ووُضَّاه بضم فتشديد مثل كبير وكُبَّار وعجيب وعُجَّاب فالهمزة فيه أصيلة وهي لام الكلمة. ويقال في مؤنثه وضاءة. على أن مثل هذا الوهم قد جاء حتى في كلام بعض الجاهليين مثل الحارث بن حلزة:

أجمعوا أمرهم بليل فلما   أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء

فأنث الضوضاء عن توهم أنه من باب شحناء وبغضاء والذي يلزم عن هذا أن يكون اشتقاقه من ضاض يضوض… وهي مادة لم ينطقوا بها أيضاً. والصحيح أن الضوضاء وزنه فَعْلال على حد بلبال. اشتقاقه من الضوة وهي الصياح والجلبة.”إنتهى

وكتب ابن منظور في اللسان:

“والوَضاءة الحُسْنُ والنَّظافةُ.

وقد وَضُؤَ يَوْضُؤُ وَضَاءة، بالفتح والمدّ: صار وَضِيئاً، فهو وَضِيءٌ من قَوْم أَوْضِياءَ، وَوِضَاءٍ ووُضَّاءٍ. قال أَبو صَدَقة الدُّبَيْرِيُّ: والمرْءُ يُلْحِقُه، بِفِتْيانِ النَّدَى، * خُلُقُ الكَريم، ولَيْسَ بالوُضَّاءِ، قوله «وليس بالوضاء» ظاهره أنه جمع واستشهد به في الصحاح على قوله ورجل وضاء بالضم أَي وضيء فمفاده أنه مفرد. الجمع: وُضَّاؤُون.”

 

قل: وقع ذلك تحت زَخْم الأحداث المتوالية

ولا تقل: وقع ذلك تحت زَخَمِ الأحداث المتوالية

وكتب عبد الهادي بوطالب: تستعمل كلمة الزَّخْم بمعنى قوة الدفع. وترد في هذا التعبير وأمثاله: “وقع ذلك تحت زَخْم الأحداث المتوالية”. لكنسمعت الكثيرين ينطقونها بفتح الخاء (زَخَم).

وفعل زَخْم (بالسكون) غير فعل زَخَم (بالفتحة). الأول لازم متعدٍّ. يقال زَخَم الشيءُ إذا اندفع بقوة وشدة. وزخَمَ الشيءَ إذا دفعه دافعٌ بقوة وشدة.
أما الزَّخَم (بالفتح) ففعله لازم. زَخِم يزْخَم زَخَما. الشيءُ تغيرت رائحته. واللحمُ إذا تغير وأصبح كريها. ونقول:” نشمُّ من هذا الماء الراكد زَخَما” والزَّخَمة هي الرائحة الكريهة.

 

قل: أصرالرجل على ضيفه تناول الغداء

ولا تقل: أصر الرجل على تناول ضيفه الغداء

كتب خالد العبري: “من الأساليب التي شاع استعمالها قولهم “أصر الرجل على تناول ضيفه الغداء”، فالعبارة فيها من الركاكة ما يؤذي سامعها. إذ كيف يكون الإصرار موجها للتناول؟ وهو مما لا يعقل ومما لا يصلح أن يُصر عليه بشيء، فمن البداهة أن يكون الإصرار على الضيف لتناول الغداء. فالصواب أن يقال: “أصر الرجل على ضيفه أن يتناول الغداء أو أصر الرجل على ضيفه تناول الغداء”. فالضيف عاقل يجوز أن نصر عليه لكي يقوم بأمر ما أو أن يجتنب أمراً آخر.”

عبد الحق العاني

28كانون الثاني 2015

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image