قل ولا تقل / الحلقة الثامنة والستون

إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (م ج)

 

قل: ما تأثير ذلك على سوق الأسهم

ولا تقل: ما تداعيات ذلك على سوق الأسهم

شاع في الإعلام العربي الأمي استعمال كلمة “تداعيات” في مناسبة وغير مناسبة حتى ان المذيعة حين لا تجد كلمة لتنقذها من محدودية مفرداتها  فإنها لا بد أن تسأل المراسل أو المسؤول “ما هي تداعيات هذا….”. وهي لا بد تعتقد أنها تستعمل كلمات براقة جميلة وأن كانت لا تعني شيئاً.

فمن أين جاءت هذه الكلمة البائسة وكيف دخلت الإستعمال وهل من سبيل للحد من استعمالها؟

ولا شك عندي ان كلمة تداعيات دخلت الإعلام العربي ترجمة للكلمة الإنكليزية  “Consequences”. والتي تعني بالإنكليزية ما الذي يترتب على شيئ ما من تأثير شيء آخر. لكن كلمة “تداعيات” لا تعني هذا في اللغة العربية.

فكتب ابن منظور في اللسان: ” وتَداعى القومُ: دعا بعضُهم بعضاً حتى يَجتمعوا؛ عن اللحياني، وهو التَّداعي…….. وفي الحديث: كَمَثَلِ الجَسدَ إذا اشْتَكَى بعضهُ تَداعَى سائرهُ بالسَّهَر والحُمَّى كأَن بعضه دعا بعضاً من قولهم تَداعَت الحيطان أَي تساقطت أَو كادت، وتَداعَى عليه العدوّ من كل جانب: أَقْبَلَ، من ذلك. وتَداعَت القبائلُ على بني فلان إذا تأَلَّبوا ودعا بعضهم بعضاً إلى التَّناصُر عليهم. وفي الحديث: تَداعَتْ عليكم الأُمَم أَي اجتمعوا ودعا بعضهم بعضاً.”

ولم يرد عن العرب أي استعمال لكلمة “تداعيات” بمعني آثار أو نتائج كما يستعملها الإعلام العربي اليوم، وليس هناك من سبب يدفع لهذا الإستعمال فإذا اراد السائل أن يسأل ما هي آثار هذا على ذلك أو ما هي نتائج هذا الحدث فليقل ذلك ولكن ليكف المذيعون عن استعمال “تداعيات” بهذا المعنى.

قل: جَنَبَتْ الريح من الجنوب

ولا تقل: جَنِبَتْ الريحُ من الجنوب

ونأخذ مما كتب ثعلب في باب “فَعَلت” بفتح العين ما يلي: “شَمَلَتْ الريح من الشمال، ودَبَرَتْ من الدبور، وصَبَتْ من الصبا، ورَعَدتْ السماء من الرعد، وبَرَقِتْ من البرق، وهَرَقْتُ الماء فأنا أهريقُه، وصَرَفَ الله عنك الأذى، ووَقَفْتُ الدابة أقِفُها، ووَقَفْتُ وَقْفَاً للمساكين، ومَهَرْتُ المرأة من المهر، وعَلَفْتُ الدابة أعلفها، وزَرَرْتُ عليَّ قَميصي، ورَهَنْتُ الرّهنَ، وحَلَلْتُ من إحرامي، وحَزَنَني الأمر يَحْزُنُني، وشَغَلَني عنك أمرٌ يشغلني، ونَفَيتُ الرجل وردئ المتاع أنفيه نفياً، وبَرَدْتُ عيني أبردها وكذلك بَرَدَ الماءُ حرارة جوفي يُبردها، وقَد جَهَدَ دابته يَجهدُها إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها، وفَرَضْتُ له من العطاء أفْرض.”

 

قل: أصبحنا بخير وتصبحون بخير

ولا تقل: أصبحنا على خير ولا تقل تصبحون على خير

كتب مصطفى جواد: “وذلك لأن الحرف الذي يوائم الإصباح هو الباء المصاحبة المعروفة بباء المصاحبة لا الحرف أو الظرف “على” فهي للإستعلاء وليس المقام مقام استعلاء بل هو مقام مصاحبة للخير، فكأنك قلت: أصبحنا مُصحبين بالخير وتصبحون لأن قولهم “تصبحون على خير تأويله “تصبحون راكبين خيراً أو على خير” أو “تصبحون واقفين على خير” أو “تصبحون مشرفين على خير” أو مطلين عليه، وهذه جمل مستوردة فضلاً عن أن المسموع هو “أصبحنا بخير وتصبحون بخير”.  وهذا هو الوجه في تأويل كلام العرب المختصر. قال الجوهري في الصحاح: ” وقوله تعالى: فاستقيموا اليه اي التوجه اليه دون الآلهة”. فقد قدر وجود “التوجه” في الجملة ليطابق الحرف “الى”.


قل: قد حَدَثَ أمر

ولا تقل: قد حَدُثَ أمر

وكتب الحريري: ويقولون: قد حدُث أمر، فيضمون الدال من حدث مقايسة على ضمها في قولهم: أخذه ما حدُث وما قدُم، فيحرفون بنية الكلمة المقولة ويخطئون في المقايسة المعقولة، لأن أصل بنية هذه الكلمة حدث على وزن فعل، فتح العين، كما أنشدني بعض أدباء خراسان لأبي الفتح البستي:
جزعت من أمر فظيع قد حدث ** أبو تميم وهو شيخ لا حدث ** قد حبس الأصلع في بيت الحدث.

وإنما ضمت الدال من حدث حين قرن بقدم لأجل المجاورة والمحافظة على الموازنة، فإذا أفردت لفظة حدث زال السبب الذي أوجب ضم دالها في الازدواج، ووجب أن ترد إلى أصل حركتها وأولية صيغتها. وقد نطقت العرب بعدة ألفاظ غيرت مبانيها لأجل الازدواج وأعادتها إلى أصولها عند الانفراد فقالوا: الغدايا والعشايا إذا قرنوا بينهما، فإن أفردوا الغدايا ردوها إلى أصلها فقالوا: الغدوات. وقالوا: هنأني الشيء ومرأني، فإن أفردوا مرأني قالوا: أمرأني. وقالوا: فعلت به ما ساءه وناءه، فإن أفردوا قالوا: أناءه، وقالوا أيضا: هو رجس نجس، فإن أفردوا لفظة نجس ردوها إلى أصلها فقالوا: نجس، كما قال سبحانه وتعالى: “إنما المشركون نجس”.
وكذلك قالوا للشجاع الذي لا يزايل مكانه: أهيس أليس، والأصل في الأهيس الأهوس لاشتقاقه من هاس يهوس، إذا دق فعدلوا به إلى الياء ليوافق لفظة أليس.

وقد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفاظ راعى فيها حكم الموازنة وتعديل المقارنة، فروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال للنساء المتبرزات في العيد: ارجعن مأزورات غير مأجورات.

وقال في عوذته للحسن والحسين كرم الله وجههما: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة، والأصل في مأزورات، موزورات لاشتقاقها من الوزر، كما أن الأصل في لامة ملمة لأنها فاعل من ألمت إلا أنه صلى الله عليه وسلم قصد أن يعادل بلفظ مأزورات لفظ مأجورات، وأن يوازن بلفظ لامة لفظتي تامة وهامة. ومثله قوله عليه السلام: من حفنا أو رفنا فليقتصد أي من خدمنا أو أطعمنا، وكان الأصل أتحفنا فأتبع حفنا رفنا.

ويروى في قضايا علي عليه السلام أنه قضى في القارصة والقامصة والواقصة بالدية أثلاثاً وتفسيره أن ثلاث جوار ركبت إحداهن الأخرى، قرصت الثالثة المركوبة فقمصت، فسقطت الراكبة ووقصت، فقضى للتي وقصت، أي اندق عنقها بثلثي الدية على صاحبتيها، وأسقط الثلث باشتراك فعلها فيما أفضى إلى وقصها، والواقصة هاهنا، بمعنى الموقوصة، وأنشد الفراء في هذا النوع:

هتاك أخبية ولاج أبوبة ** يخلط بالجد منه البر واللينا
فجمع الباب على أبوبة ليزاوج لفظة أخبية.”

قل: قلبٌ مُتْعَبٌ وعَمَلٌ مُفْسَدٌ و رَجُلٌ مُبْغَضٌ

ولا تقل: قَلْبٌ مَتعُوبٌ وعَمَلٌ مَفسُودٌ و رَجُلٌ مَبْغُوضٌ

وكتب الزبيدي: “ومن مفاضح اللحن الشنيع قولهم ” قلب متعُوبٌ وعملٌ مَفْسُودٌ ورجلٌ مبغُوضٌ” ووجه القول أن يقال: “قلبٌ مُتعَبٌ” و “عملٌ مُفسَدٌ” و “رَجُلٌ مُبْغَضٌ”، لأن مفعول الرباعي يبنى على “مُفْعَل”.

– كتب المقدسي: وتقولُ: مُبْغَضٌ ومُبْطَلٌ ومُحْرَقٌ. ولا تَقُلْ: مَبْغُوضٌ، ومَبْطُولٌ، ومَحْرُوقٌ.

كتب الحنفي: قال الجوزي: العامة تقول: مَبْغُوضٌ. والصواب: مُبْغَضٌ. وكذلك: مَتْعُوبٌ. فإنّ الصواب: مُتْعَبٌ. لأنَّ مفعول الرباعي مُفْعَلٌ. وذكر الجوهري المُبَغّض أيضاً.

 

قل: هذا رجل مبغض

ولا تقل: هذا رجل مبغوض

وكتب الحريري: “ومن أوهامهم أيضا في تغيير صيغة المفاعيل وهو من مفاضح اللحن الشنيع قولهم: قلب متعوب، وعمل مفسود، ورجل مبغوض، ووجه القول أن يقال: قلب متعب، وعمل مفسد، ورجل مبغض، لأن أصول أفعالها رباعية، ومفعول الرباعي يبنى على مفعل فكما يقال: أكرم فهو مكرم وأضرم فهو مضرم، كذلك يقال: أتعب فهو متعب، وأفسد فهو مفسد، وأبغض فهو مبغض، وأخرج فهو مخرج.”

وكتب اليازجي: “ويقولون هذا أمر مثبوت اي ثابت أو مثبت وهو من تعبيرات العامة لأنهم لا يكادون يفرقون بين فعل وأفعل بل الغالب في كلامهم الإقتصار على فعل المجرد يميزون بين اللازم منه والمتعدي بالحركة. وهذا أعظم مزال الخاصة لكثرة هذه الأفعال واشتهارها حتى لا يكاد يداخلهم ريب في صحتها وقد استدرج بها أناس من متقدمي الكتاب كما وقع لأبي الفداء حيث يقول في مقدمة تأريخه: وأما التوراة العبرانية فهي أيضاً مفسودة وكما في قوله في هذه المقدمة فصار المثبوت في الجدول كذا كذا سنة مع انه يقول في السطر الذي قبله وهو الذي اخترناه وأثبتناه….. وإنما يقال أخرب المكان أو خربه بالتثقيل ولا يقال خربه بالمجرد.  لأبي عبد الله بن الحجاج رواه له صاحب خزانة الأدب:

خرقت صفوفهم بأقب نهد

مراح السوط متعوب العنان

والصواب متعب. ومثله قول منذر بن سعيد من شعراء الأندلس:

لا تعجبوا من أنني كنيته

من بعد ما قد سبنا وأذانا

يريد آذانا بالمد. وربما تعدى ذلك الى افعال لم تجر على السنة العامة كما في بيت ابن معتوق المشهور:

خفرت بسيف الغنج ذمة مغفري

وقرت برمح القد درع تصبري

وإنما يقال أخفر ذمته أو أخفر بها ولا يقال خفرها. وأغرى منه وورد مثل ذلك في كلام أناس من أهل الجاهلية كقول عدي بن زيد العبادي:

ويلومون فيك يا ابنة عبد الله القلب عندكم موثوق

يريد موثق وإنما وقع له ذلك لأنه كان قروياً كما ذكر الأصفهاني في ترجمته قال وقد أخذوا عليه في أشياء عيب فيها. أ ه. وقد تقدم لنا ذكر قائمة من الأفعال التي يزيدون الهمزة في أولها خطأ ولا بأس أن نزيد هنا أفعالاً أخر توفية للفائدة. فمن ذلك أنهم يقولون أرشاه اي أعطاه الرشوة. وآذن له بكذا اي أذن له فيه ومنهم من يقول آذنه بكذا فيعدونه بنفسه. وإنما يقال آذنه بالأمر بمعنى أعلمه به وأشعره. ويقولون أعاقة عن الأمر وهذا أمر ملذ وأمر مشين وأمر محاط بالشرف اي محاط للشرف فيزيدون على المفعول باء وقد تقدم مثله. وهو مصان من كذا ومساق الى كذا وسلعة مباعة وأحنى رأسه وذرف دمعه وأهزل دابته وأفسح له موضعاً وآيس من الأمر وأنشد الضالة وأسدل الحجاب. وفي كلام بعضهم أبصرت بالشيء كذا معدى بالباء. وإنما يقال بصرت به (بضم الصاد وكسرها). وأبصر به فالباء تعاقب الهمزة. ومن هذا القبيل قولهم أغاظه وأشغله والأفصح غاظه وشغله بالمجرد.

قل: ترجّح بين الأمرين وميّل بينهما

ولا تقل: تأرجح بين الأمرين

كتب مصطفى جواد: “لأن أصل الفعل هو الراء والجيم والحاء ولأن ألف الأرجوحة زائدة، ولأن الفعل المزيد أي الفعل الزائد على الثلاثي يؤخذ من ثلاثة إذا كان له ثلاثي فترجح يؤخذ من “رجح” لا من الإرجوحة التي هي إحدى الصيغ المشتقة منه وهي افعولة كالأمثولة. فيقال تمثّل فلان لا تأمثل وكالأغلوطة، يقال تغلّط إذا تكلف الغلط ولا يقال تأغلط، وكالأكرومة فيقال: تكرّم لا تأكرم. والظاهر لنا أن القائل “تأرجح” قاسه على “تأقلم الحيوان أو النبات” وهو مأخوذ من كلمة “إقليم” وهمزة إقليم اصلية دائمة، والفعل جديد اقتضى صوغه تطور العلم.”

قل: انتثر العقد أو تبدد

ولا تقل: انفرط العقد

وكتب اليازجي:”ويقولون انفرط العقد أي انتثر وتبدد وهو من أوضاع العامة صيغة ومعنى ومن الغريب أن هذا اللفظ ورد في كلام ابن حجة الحموي في خزنة الأدب وهو قوله في الكلام على نوع الإنسجام “وقد ألجأتني ضرورة…. أن …. المتقدمين مع المتأخرين لئلا ينفرط لعقودها نظام”. ومثله بعد صفحات “وقدمت عصر المتأخر لئلا ينفرط سلكه” فجعل هنا الإنفراط للسلك.”

قل: تختلف نسبة الضريبة على العَقار

ولا تقل: تختلف نسبة الضريبة على العِقار

وكتب عبد الهادي بوطالب: “هو كل ملك ثابت كالأرض والدار والمباني. ولا ينطق به المغاربة إلا مفتوح العين. لكن سمعت نطقه بالكسر على ألسنة بعض الإعلاميين في إذاعات المشرق العربي وتلفزاته. ونقول “بنك عَقاري”. و”تختلف نسبة الضريبة على العَقار عن نسبتها في أرباح التجارة والصناعة والخدمات”. ويجمع العقار على عَقَارات.
أما العِقار بكسر العين فهو مصدر عاقَر الخمرَ إذا داوم عليها (عقاراً ومُعاقرة). والعُقار بضم القاف هو الخمر. ونقول: “حرَّم الإسلامُ شربَ العُقار”.”

وجاء في ملحق مفردات أوهام الخواص ومن أوهامهم أنهم يطلقون على البيت أو البستان أو الأرض وما شابهها من الأملاك لفظة عِقار ( بخفض العين ) فيوهمون، لأن العِقار هو جمع عقرى، وهو صفة الأنثى اللازمة لمكانها، تقول: ناقة عقرى، ونوق عقار، نحو عطشى وعطاش، أي الملازمات لمكانهن المحجوبات عن الرعي، والأصل من العقر، أي المنع والحبس والملازمة للشيء، وهو من الفعل عاقر الشيء معاقرة وعقاراً، أي لزمه، وبه سميت الخمر عُقاراً ( بضم العين ) لأنها تعاقر العقل والدن، أي تلازمهما، ومنه قول أبي نواس:

 منع الصوم العقارا ** وذرى اللهو فغارا
أسقني حتى تراني ** أحسب الديك حمارا
والصواب أن يقال للبيت والأرض عَقار ( بفتح العين )، ومنه ما جاء في الحديث: من باع داراً أو عقاراً، أي الضيعة والبيت، والنخل. ومنه قول طفيل:

عقار تظل الطير تخطف زهوه ** وعالين أعلاقا على كل مفأم
ومن العقار والعقر بمعنى الدار الكبيرة أو القصر قول لبيد بن ربيعة:

 كعقر الهاجري إذا ابتناه ** بأشباه خذين على مثال”

وفوق كل ذي علم عليم!

وللحديث صلة….

عبد الحق العاني

1 آذار  2016

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image