من فاز في مؤتمر موسكو الأخير؟

ما كنت لأكتب هذا حيث إني أكره التكرار وقد اضطر لتكرار بعض ما كتبته قبل أسبوع. لكني سمعت من أحد أصدقائي والذي اعده عالماً ببطائن الأمور قوله إن نتائج مؤتمر موسكو الأخير كانت في صالح الدولة السورية. فقلت في نفسي إذا كان هذا حال صديقي العارف فما هو حال من لا يعرفون.

إن مؤتمر موسكو الأخير وقراراته كانت ضد مصلحة سورية وبرغم أنفها!

لا أقول هذا لأن عندي معلومات عما دار وما لم ينشر لكنني ألحظ الإشارات وأبني عليها. تعالوا معي نجمع عددا من الملاحظات ثم نقرأها معاً ونستخرج منها العبر.

  1. قام الرئيس الروسي بالإتصال بالرئيس التركي عدداً غير مسبوق من المرات بين رؤساء الدول في فترة لا تتجاوز الشهر.
  2. أجمعت الأخبار أن سبب الإتصالات كان بحث موضوع سورية بين الإثنين.
  3. لم يتصل الرئيس الروسي بالرئيس السوري ولا مرة واحدة في تلك الفترة.
  4. إتصل وزير خارجية روسيا بكل من وزراء خارجية تركيا وايران والولايات المتحدة أكثر من مرة.
  5. لم يتصل لافروف بالمعلم ولا مرة واحدة في تلك الفترة. بل هو لم يتصل به منذ فترة طويلة.
  6. ما ان انتهى الإجتماع حتى سارع لافروف بابلاغ كيري بنتائجه.
  7. لم يبلغ لافروف وليد المعلم بالنتائج.
  8. قام نائب وزير الخارجية الروسي باستدعاء السفير السوري في موسكو واعلمه بالنتائج.
  9. سمح الإتفاق بخروج أكثر من عشرة آلاف مسلح من شرق حلب من تنظيم النصرة التي تسميها روسيا إرهابية.
  10. اتفقت الدول الثلاث على وقف العمليات القتالية في كل سورية باستثناء قتال “داعش” والنصرة، أي أن توقف الدولة السورية قتال المجموعات المسلحة الأخرى التي تحتل مساعات شاسعة ومدن عديدة.
  11. أعلن وزير خارجية تركيا ان على حزب الله الإلتزام بوقف القتال.
  12. صرح بشار الجعفري، ممثل سورية في الأمم المتحدة، أنه لن يتم خروج مسلح دون موافقة الحكومة السورية.
  13. صرحت بثينة شعبان أن لا اتفاق لا توافق عليه الحكومة السورية.

فما الذي يمكن للمراقب أن يخرج به من هذه الإحداث والتصريحات؟

يبدو لي واضحاً ان اتفاقاً تم بين روسيا وتركيا وواقفت عليه ايران يقضي باخراج المسلحين من حلب. وسبب الحاح روسيا عليه كان حقناً للدماء ذلك أن روسيا غير قادرة حتى على مستوى الشارع الروسي أن تبدو وكأنها تدعم مجزة كانت ستحدث حقاً في حلب. فقد نجحت سياسة النصرة ومعها تركيا بابتزاز العالم بعوائل المقاتلين وجندوا من أجل ذلك اعلام العالم كله. وظلت كل وسائل الإعلام في العالم تقريباً تتحدث لأسابيع عن مائتين وخمسة وسبعين ألف مدني محاصرين في حلب ويموتون من الجوع والقنابل، مع أن مجموع الذين خرجوا من حلب في كل الاتجاهات لم يتجاوز الخمسين ألفاً وهم المقاتلون وعوائلهم. وكان استمرار القتال سيقود لنهاية المسلحين لكنهم كانوا سيأخذون للموت معهم عوائلهم!

أما تركيا فقد حققت مبتغاها في اخراج أتباعها من المقاتيلن من عدة فصائل، ففازت في هذا المضمار. ويكفي أن نشاهد أن الفتاة التي استغلتها والدتها كي تبعث الرسائل عن وضعهم في حلب كانت في حضن أردوغان بعد ساعات من الخروج من حلب، هذا إذا كانت في حلب أصلاً.

ويبدو أنه تعالى حين خلق النفاق فانه قسمه عشرة أجزاء، خص أوربا بتسعة أجزاء منه ووزع الجزء المتبقي على بقية العالم!

والا فهل يستطيع أحد يمتلك ذرة من الخلق أن يفسر لي كيف ترضى أوربا ووسائل اعلامها أن يتم استخدام الأطفال بهذا الشكل وهو مناقض بالكامل لإتفاقية حقوق الطفل العالمية والتي تدعي أوربا أنها تقرها وتدعمها وتحميها؟

ثم أين كانت قناة البي بي سي وأخواتها حين كان أطفال العراق يموتون من الجوع ونقص الدواء ليس لشهر أو شهرين بل لأثني عشر عاما؟

وهذا الإتفاق حول خروج السملحين لم يتم بحثه مع السوريين بل تم عقده وقيل للسوريين أن عليهم تنفيذه، وهذا يفسر سبب تصريح بشار الجعفري أعلاه. وأخال ان السوريين كانوا سيطلبون ثمناً للسماح لاعدائهم، ومنهم من هو مطلوب للسلطة، بالخروج بسلام. ذلك لأن سورية لم تحصل على شيء لقاء تسوية حلب.

لكن الإتفاق على تسوية حلب بين روسيا وتركيا، والذي تم لأسباب يطول عرضها وليس هذا وقتها أو مكانها، ليس سوى الخطوة الأولى في تسوية واسعة تمت بين الإثنين لتسوية العلاقة بين الدولتين لكن على حساب سورية.

فالخطوة القادمة ستكون الضغط على الدولة السورية أن تفاوض الذين تسميهم روسيا “المعارضة المعتدلة”. فمن تعني روسيا بالمعارضة المعتدلة؟ إن الاجابة على هذا لا تحتاج بحثاً طويلاً. فروسيا لا تعني بهذه المعارضة قدري جميل ولا حسن عبد العظيم ولا ميشيل كيلو، على سبيل المثال لا الحصر. لكنها تعني بهم “الجيش الحر”.

والجيش الحر هذا كان بداية الحرب الأهلية في سورية فهو التنظيم العسكري لحركة الإخوان المسلمين في سورية والذي اعتمد في تحركه العملي على انشقاق عدد من منتسبي الجيش السوري وآخرين من نتاج التجنيد الإلزامي البائس والذي يدرب الناس في النهار كي يغسل عقولهم شيوخ الفتنة في الليل ويحولونهم لقتلة ومخربين باسم الدين.

وليس سراً أن المخابرات الأمريكية احتضنت الجيش الحر ودربت أعضاءه في تركيا على السلاح الجديد الذي أكدت مراراً وتكراراً تزويدهم به. لكن بروز الحركات العديدة من المسلحين وتبنيهم من قبل دول خليجية مختلفة أضعف الجيش الحر حيث اصبح المقاتل السوري محترفاً في القتال وينتظم حيث يكون المال.

وحدث كثير بعد ذلك، لكن المهم في كل ذلك هو أن تركيا حلت محل المخابرات الأمريكية حاضناً للجيش الحر. وهي اليوم تدعمه بشكل مباشر وسافر في القتال في ما يسمى عملية “درع الفرات” والتي ترمي تركيا من ورائها لإحتلال جزء من الأرض السورية وتسليمه للحيش الحر. فاذا حدث ذلك وتم وقف اطلاق النار كما نص بيان مؤتمر موسكو فانه يصبح على الحكومة السورية أن تفاوض الجيش الحر من موضع الند للند فهو يحتل جزءاً من الأرض.

وروسيا قد وافقت على هذا الحل من أجل اجبار البعث في سورية على تقاسم السلطة. وهكذا يمكن أن يفهم تبليغ نائب وزير الخارجية الروسي للسفير السوري في موسكو بان المفاوضات سوف تجري على وفق القرار الأممي.

كما أن روسيا لم تعلق ولو بكلمة لا في مؤتمر موسكو ولا بعده على المخاوف المشروعة للدول السورية من وجود الجيش التركي على الأرض السورية ولا على حركة الجيش الحر في شمال سورية ولا على وجود الجيش التركمستاني في ادلب.

إن مؤتمر موسكو بهذا ثبت حقيقة جديدة وهي اعتراف موسكو وطهران ليس فقط بحقيقة ان لتركيا مصالح في سورية كما هو الحال بوجود حزب العمال الكردستاني ولكنه اعتراف بأن تركيا لاعب أساس في تقرير مستقبل سورية. ولهذا تمت مفاوضة تركيا حول سورية بمعزل عن الحكومة السورية.

وقد أكد وزير خارجية تركيا هذه الحقيقة حين صرح بان على حزب الله أن يلتزم بوقف القتال وهو ولا شك أراد بان واجب إيران إلزام حزب الله بذلك.

وحين لم تصرح لا روسيا ولا ايران بان على تركيا أن تلزم اتباعها من الجيش الحر والجيش التركمستاني والزنكي وكثير من الفصائل التي تتمون وتعبر من تركيا، فانه يغدو واضحاً أنها تقر لها هذا الدور في حرية التصرف نيابة عن أتباعها. ثم من يقرر لمن ينتسب هذا المقاتل أو ذاك؟ ألم ينتقل السلاح الأمريكي من الجيش الحر للنصرة؟ اليس للمقاتل الذي تحول لمرتزق الحرية الكاملة في نقل ولائه كما يشاء كل صباح ومساء؟

فاذا قال قائل بان لتركيا الحق في حماية الجيش الحر وغيره من أتباعها تماما كما يحدث لحزب الله في جانب الحكومة السورية فلا بد من التذكير باختلاف في الحال. وقد لا يكون القانون الدولي مما يهم إيران وتركيا فلم يعرف عنهما ذلك. لكن الأمر يختلف بالنسبة لروسيا فهي ما انفكت منذ بداية حرب خراب سورية تؤكد على الإلتزام بقواعد القانون الدولي.

فكيف يمكن لها والحال هذا أن ترتضي أن تساوي بين وجود حزب الله في سورية مع الوجود التركي وأتباعه فيها. ذلك لأن القانون الدولي الذي تدعي موسكو الإلتزام به يعطي الدولة السورية الحق في استدعاء من تشاء لأرضها على وفق قواعد السيادة التي تتمتع بها أية دولة عضوة في الأمم المتحدة. أما الوجود العسكري لأية دولة أخرى على الأرض السورية دون دعوة الحكومة السورية أو موافقتها فهو عدوان سافر! ولا يمكن المساواة بين سلوك على وفق القانون وسلوك معتد على القانون. فالوجود التركي على الأرض السورية عدوان فاذا رضيت به إيران فكيف قبلت به روسيا؟

بل ان القانون الدولي يذهب أبعد من ذلك فيقضي أن كل من يلقى القبض عليه من مقاتلي الجيش الحر او التركمستاني أو الزنكي اوغيرها فانه لا يعامل كاسير حرب على وفق اتفاقية جنيف الثالثة بل يعد مجرماً عادياً ويحاكم إما كمتمرد اذا كان من أهل البلد أو كمرتزق اذا كان من الخارج.

وروسيا تعرف كل ذلك. فكيف ترضى بتجاوزه ثم تحدثنا عن إيمانها بالقانون الدولي وبوحدة أراضي سورية وهي تتفق مع من يقوم بانتهاك سيادة سورية واقتطاع أجزاء منها من أجل الضغط على الحكومة السورية للتفاوض عليها؟

ليس لدي شك في ان تمكن الجيش السوري من فرض السيطرة التامة على مدينة حلب حدث مهم، لكني أخشى أن ما يعد لسورية من خطط روسية ايرانية تركية يسعى كي يسلب سورية نشوة النصر في اعطاء المتمردين، أياً كانت اسماؤهم، حصصاً ومكاسب في سورية لا يستحقونها ولم يتمكنوا منها خلال خمسة أعوام من الخراب والتدمير والقتل.

ان على المخططين لسورية أن يدركوا انه مهما كانت المساعدة التي قدموها لسورية كي تنتصر فان الجيش السوري، وهو القوة الوحيدة المنظمة في سورية لن يسمح بسلبه حقه في النصر وكل من أراد من سورية أن تعطي الأتراك ومن معهم شيئاً من سورية أو سيادتها فعليه أن يقنع الجيش السوري، صانع النصر، بذلك. وما أظنه سيوفق!

عبد الحق العاني

22 كانون الأول 2016

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image