قل ولا تقل / الحلقة السادسة والثمانون

إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (مصطفى جواد)

فإن من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب. ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته اليها. (الثعالبي)

 

قل: هذا بحث جامعي

ولا تقل: هذا بحث أكاديمي

شاع وانتشر بين المتعلمين العرب استعمال كلمة “أكاديمي” حين الحديث عن مؤتمر أو بحث أو دراسة تعد في نطاق العمل أو البحث أو الدراسة في الجامعة. وحين سألت أحدهم عن سبب استعماله عبارة “بحث أكاديمي” وليس عبارة “بحث جامعي”، رد علي بأنها لا تعني الشيء نفسه وحين سألته عن معنى “أكاديمي” وجد صعوبة في التعبير ثم فهمت منه انه يعتقد أن كلمة “أكاديمي” تعني شيئا متقدماً ومتحضراً يفوق القول بانه “جامعي”. وهذه علة العلل فكيف يمكن اقناع من يعيش عقدة نقص يرى فيها أن كل ما يفعله ويقوله سيده لا بد أن يكون هو الأفضل؟

فمن أين جاءت كلمة “أكاديمي” وماذا تعني؟

حين أراد الفيلسوف اليوناني أفلاطون عام 387 ق م إنشاء مدرسته لتدريس الفلسفة فإنه اختار لها قطعة من الأرض في بستان سمي تيمناً باسم البطل اليوناني “أكاديموس”. فسميت المدرسة “أكاديمي” باسم البستان الذي بنيت عليه. أي إن اسم المدرسة
لا يدل على شيء سوى اسم الموقع.

وحين اختارت اللغة الإنكليزية اسما للتعليم العالي فهي لم تستعمل كلمة “أكاديمي” لكنها استعارت كلمة “University” أي “جامعة”. لكن هذه الكلمة كما هو الحال في كثير من الكلمات في اللغة الإنكليزية لا تسمح بالإشتقاق مما يدفع للجوء لمصادر اخرى. فاستعار الإنكليز كلمة “أكاديمي” لوصف البحث الذي يتم في الجامعة حين لم يكن بمقدورهم استعمال كلمة “Universal”  لأنها لا تعطي المعنى المطلوب.

لكن هذه المشكلة ليست موجودة في العربية فالقول بان البحث او المؤتمر “جامعي” يفهم منه الهدف ولا يختلط بمفهوم آخر.

فلماذا يلجأ المتعلم العربي لإستعمال كلمة تدل على موقع مدرسة يونانية للتعبير عن مستوى “جامعي”.

فاذا قال قائل بان الإستعارة هي من باب الإحترام والتقدير لما فعله افلاطون فلماذا لا يستعمل العربي كلمة “مستنصري” لوصف البحث الجامعي تيمناً بجامعة “المستنصرية” التي كانت قاعدة متميزة للدراسة والبحث مما هو جدير بالعربي أن يخلده.

فقل بحث “جامعي” ولا تقل بحث “اكاديمي”.

قل: كُنّا في رُفقَة عظيمة

ولا تقل: كُنّا في رِفقة عظيمة

ونأخذ مما كتبه ثعلب في “باب المضموم أوله” ما يلي: “تقول: أللهمَّ ارفع عنا هذه الضُّغطة، وأنا على طُمأنينة، وأجد قَشعريرة، واجعله منك على ذُكر، وثيابٌ جُدُدٌ، وهو الفُلفُلُ، وهو العُنُقُ، وهو عُنوان الكتابِ، وطُفتُ بالبيت أسبوعاً، وهو الجُبُن للذي يؤكل، واعط العاملَ أُجرته، وهي الذٌّؤابة من الشعر، وليس عليه طُلاوةٌ، وهي نُفايةُ المتاع لرديئه، وهي التُّخمة، وعليك بالتُّؤدة، ورجُلٌ لُعَنى إذا كان يلعنُ الناس وهو لَعّنَة إذا كان يُلعَنُ،  وكذلك ضُحكة وهُزأة ونحو ذلك، ومنه تقول عُصفُور وبُهلُول وزُنبُور وكل اسم على “فُعلول” فهو مضموم الأول، ومنه تقول صار فلان أُحدوثة للناس وهي الأُرجوزة والأُرجوحة التي يلعب عليها الصبيانُ، وهي الأُضحيَّة والجمع أضاحي ومثله أمنيَّة وأماني وأُوقيّة وأواقي ولا تنون هذه الأحرف الثلاثة الأخيرة لأنها لا تنصرف وكذلك ما أشبهه.”

قل: اقْتَتَلَهُ الحبُّ

ولا تقل: قَتَلَه الحبَّ

وكتب البغدادي في ذيل فصيح ثعلب: “وتقول: اقتتله الحب، فأما قَتَلَه فبالسيف ونحوه”.

وكتب الحريري: “ويقولون: قتله الحب، والصواب أن يقال فيه: اقتتله، كما قال ذو الرمة :

إذا ما امرؤ حاولن أن يقتتلنه **        بلا إحنة بين النفوس ولا ذحل

تبسمن عن نور الأقاحي في الثرى ** وفترن من أبصار مضروجة كحل

وعنى به عين البرقع.

ويقال أيضا: اقتتل فلان، إذا قتلته عين النساء والجن.”

(احنة: حقد. ذحل: الثأر. مضروجة: عين واسعة الشق نجلاء)

قل: مُدية جمعها مُدى

ولا تقل: مُدية جمعها مُدي

كتب مصطفى جواد: “لأن المُدية هي الشفرة والسكين وتجمع تكسيراً على مُدى سماعأً وقياساً، كزُبية وزُبى، ونُهية ونُهى، ومُنية ومُنى. أما جمع المُدية على مُدى سماعاً فقد قال فيه الفيومي في المصباح المنير ناقلاً: “المُدية: الشفرة والجمع مُدى ومُدْيات مثل غُرفة وغُرَف وغُرْفات وغُرَفات بالسكون والفتح، وبنو قشير تقول: مِدية بكسر الميم والجمع مِدى بالكسر مثل سِدرة وسِدر ولغة الضم هي التي يراد بها المماثلة في هذا الكتاب”. وأما جمع المُدية على مُدى قياساً فذلك بأن كل اسم على وزن “فُعلة” يجمع تكسيراً على فُعل كغُرفة وغُرف وقُوة وقُوى ونُقطة ونُقط.”

قل: وقع في شَرَك فلان

ولا تقل: وقع في شراك فلان

وكتب اليازجي: “ويقولون وقع في شراك فلان يريدون بالشراك الشرك بفتحتين وهو حبالة الصائد وإنما الشراك السير الذي تشد به النعل”. انتهى

وكتب ابن فارس في المقاييس: “الشين والراء والكاف أصلانِ، أحدُهما يدلُّ على مقارنَة وخِلاَفِ انفراد، والآخر يدلُّ على امتدادٍ واستقامة. فالأول الشِّرْكة، وهو أن يكون الشيءُ بين اثنين لا ينفردُ به أحدهما…….. وأمّا الأصل الآخر فالشرَك: لَقَم الطّريق، وهو شِرَاكُه أيضاً.
وشِرَاك النَّعْل مشبَّه بهذا.”

قال: وضع كِلَّةً حول سريره

ولا تقل: وضع كَلَّةً حول سريره

كتب الزبيدي: “يقولون “كَلَّةً” لشقاق الحرير المتَّخَذَة كالبيت والصواب “كِلَّة” و “كُلَل” و “كِلاَّت”، قال لبيد:

مِن كُلِّ محْفُوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّه            زَوجٌ عليه كِلَّةٌ وقِرامُها

والزوج: النَّمط، والقرام: السِّتْرُ.” انتهى

وكتب الجوهري في الصحاح: “والكِلَّةُ: السِترُ الرَّقيقُ يُخاطُ كالبيتِ يُتَوَقَّى فيه من البقِّ.”.

قل: هذا يوم عرفة

ولا تقل: هذا يوم العرفة

وكتب الضبي: “وهذا يوم عَرَفة، ولا تقل: العَرَفَة.”

قل: خرج سَرَعَانَ الناس

ولا تقل: خرجَ سِرْعانَ الناسِ

كتب البستي:  “وفي حديثِهِ، صلّى اللهُ عليه وسلّم، الذي يَرْويِهِ ذو اليَدَيْنِ قال: “فخرجَ سَرَعَانُ الناسِ”. يرويه العامَّةُ: سِرْعان الناسِ، مكسورة السينِ ساكنة الراءِ، وهو غَلَطٌ. والصوابُ: سَرَعَانُ الناس، بنصبِ السينِ وفتح فأَجْوَدُ.” انتهى

وفي هذا كتب الجوهري في الصحاح: “وسَرْعانَ ذا خروجاً، وسُرْعانَ وسِرْعانَ، ثلاث لغات، أي سَرُعَ ذا خروجاً…… وسَرَعانُ الناس بالتحريك: أوائلُهُمْ.” أما الفيروزأبادي فقد أجاز في القاموس التسكين فكتب: “وَسَرَعانُ الناسِ، محركةً: أوائِلُهُم المُسْتَبِقونَ إلى الأمرِ، ويُسَكَّنُ.”

قل: كان كذا في شهر ربيعٍ الأول

ولا تقل: كان كذا في شهر ربيعِ الأول

كتب المقدسي: “ويقولون: كانَ كذا في شَهْرِ رَبِيعِ الأَولِ، بالإضافةِ. وصوابُهُ: شَهْرُ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، بالتنوينِ.”

قل: علت من بعده جَلَبَةٌ وضوضاء

ولا تقل: علت من بعده جَلْبَةٌ وضوضاء

وكتب عبد الهادي بوطالب: “وتعني (جَلَبَة) الصِّياح والهَرْج. ومثل نَسَمة فإن جَلَبة تُجمَع على جلَب (بحذف تاء التأنيث) وعلى جَلَبات. ونقول “وقع انفجارٌ هزَّ المدينة وعَلَتْ من بعيد جَلَبةٌ وضوضاء” أو جَلَبٌ في صيغة الجمع.”

قل: جاء بحُزمَةٍ من الحَطَبْ

ولا تقل: جاء بمجموعة من الحَطَبْ

وكتب عبد الهادي بوطالب: “الحُزْمة ما جُمِع ورُبط من كل شيء. ونقول : “حُزْمَة من الحَطَب”. و”حُزْمَة من الأوراق”. ولا نقول : “حُزْمَة من الناس” بل مجموعة. وفي جمع معاني هذه الكلمة تبقى الحاء مضمومة لا مفتوحة، وتُجمَع جمعا قياسيا على حُزَم (وزن فُعَل جمعا لفُعْلة) كنُخْبة ونُخَب وجُرْعَة وجُرَع، وعُقْدَة وعُقَد.

وتطلق الحُزمة في ترجمة لنظيرتها بالإنجليزية (Package) كما تترجم هذه الكلمة إلى رُزْمة. وتنشر بعض الصحف ضمن أبوابها تحت عنوان حزمة أخبار، وأنصح بأن توضع الضمة على الحاء حتى لا ينطق بها القارئ بالفتح. والمتفاوضون الفلسطينيون رددوا “قبولهم لخطة ميتشيل على أن يكون التعامل معها رُزْمة أو حُزْمة واحدة”.”

قل: جاء الدووي يحمل الدواة

ولا تقل: جاء الدواتي يحمل الدواة

وكتب الحريري “ويقولون لمن يحمل الدواة: دواتي بإثبات التاء، وهو من اللحن القبيح والخطإ الصريح، ووجه القول أن يقال فيه: دووي، لأن تاء التأنيث تحذف في النسب، كما يقال في النسب إلى فاطمة: فاطمي. وإلى مكة: مكي وإنما حدفت لمشابهتها ياء النسبه من عدة وجوه:
أحدها: أن كلتيهما تقع طارفة فتصير هي حرف الإعراب، ويجعل ما دخلت عليه حشواً في الكلمة. الثاني: أن كل واحدة منهما قد جعل ثبوتها علامة للواحد، وحذفها علامة للجمع، فقالوا في تاء التأنيث: ثمرة وثمر، كما قالوا في ياء النسب: زنجية وزنج.

 والوجه الثالث: أن كل واحدة منهما إذا التحقت بالجمع الذي لا ينصرف أصارته منصرفاً، نحو صيارف وصيارفة ومدائن ومدائني، فلما أشبهتا من هذه الأوجه الثلاثة، لم يجز أن يجمع بينهما كما لا يجمع بين حرفي معنى في كلمة واحدة. ولما حذفت التاء بقي الاسم على دوا الموازن للثلاثي المقصور فقيل: دووي، كما قالوا في النسب إلى فتى: فتوي، ولا فرق في هذا الموطن بين الألف التي أصلها الواو كألف حمى المشتق من حميت، وحكمهما فيه بخلاف حكمهما في التثنية التي ترد فيها الألف إلى أصلها، كقولك في تثنية قفا: قفوان، وفي تثنية حمى: حميان. والفرق بين الموضعين أن علامة التثنية خفيفة وما قبلها يكون أبداً مفتوحاً ولا يجتمع في الكلمة المثناة ما يثقل، وعلامة النسب ياء مشددة تقوم مقام ياءين وما قبلها لا يكون إلا مكسوراً، فلو قلبت الألف في النسب ياء لتوالى في الكلمة من الكسر والياءات ما يستثقل التلفظ بها لأجله.”

 

قل: جَلَسْتُ في ظِلِّ الشجرة

ولا تقل: جَلَسْتُ في فيء الشجرة

وكتب البغدادي في ذيل فصيح ثعلب: “وتقول جَلَستُ في ظلِّ الشجرة تريد المكان الذي تستره الشمس، فأما الفيء ما كانت عليه الشمس ثم رجعت عنه”.

وكتب الحريري: “ويقولون: جلست في فيء الشجرة، والصواب أن يقال: في ظل الشجرة، كما جاء في الأثر مما أخبرنا به أبو الحسن محمد بن علي السيرافي الحافظ فيما قرأته عليه، قال: حدثنا القاضي أبو محمد علي بن أحمد بن بشر، قال: حدثنا محمد بن يوسف البيع قال: حدثنا سعيد ابن عامر الضبعي، قال: حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، لا يقطعها، اقرؤا إن شئتم: “وظل ممدود”. والعلة فيما ذكرناه أن الفيء يسمى بذلك لأنه فاء عند زوال الشمس من جانب إلى جانب، أي رجع، ومعنى الظل، الستر ومنه اشتقاق المظلة، لأنها تستر من الشمس، وبه أيضا سمي سواد الليل ظلاً، لأنه يستر كل شيء، فكأن اسم الظل يقع على ما يستر من الشمس، وعلى مالا تطلع عليه، وذرى الشجرة ينتظم هذين الوصفين فانتظمه اسم الظل واشتمل نطاقه عليه فأما قوله صلى الله عليه وسلم: والسلطان ظل الله في أرضه فالمراد به ستره السابغ على عباده، والمسندل على بلاده، ومن سنة العرب أن تضيف كل عظيم إليه جلت قدرته وعظمته، كقولهم للكعبة: بيت الله، وللحاج: وفد الله، فأما قول الراجز:

كأنما وجهك ظل من حجر **

وقيل: المراد به سواد الوجه، وقيل: بل كنى به عن الوقاحة، وقد فصل بعضهم أنواع الاستظلال، فقال: يقال: استظل من الحر، واستذرى من البرد، واستكن من المطر.”

 

وفوق كل ذي علم عليم!

وللحديث صلة….

عبد الحق العاني

14 تموز  2017

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image