قل ولا تقل / الحلقة الثلاثون بعد المائة

 

إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (مصطفى جواد)

فإن من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب. ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته اليها. (الثعالبي)

 

 

قل: بِيعَ الثوبُ
ولا تقل: أُبيعَ الثوبُ

كتب الصفدي: “ويقولون: أُبيعَ الثوبُ، وأُزيدَ في ثمنه. والصواب: بِيعَ الثوبُ، وزِيدَ عليك.  قلت: بِعتُ الشيء: أبيعُه بَيْعاً ومَبيعاً، وهو شاذ، وقياسه مَباعاً، وبِعتُه أيضاً: اشتريته، وهو من الأضداد. قال الفرزدق:
إنّ الشبابَ لَرابِحٌ مَنْ باعَهُ
والشيبُ ليس لبائعيه تِجارُ

 

قل: هذا ثوبٌ معيب
ولا تقل: هذا ثوبٌ معيوب

كتب الحنفي: “قال الحريري: يقولون: مَبْيوعٌ ومَعْيوبٌ. والصواب مَبِيعٌ ومَعِيبٌ. وفي الصحاح: كلُّ مفعول من ذوات الثلاثة إذا كان من بنات الياء فإنّه يجيءُ بالنقصان والتمام، فأمّا من بنات الواو فلم يجيء على التمام إلاّ حرفان: مِسْكٌ مَدْوُوفٌ وثوبٌ مَصْوُونٌ، فإنّ هذين جاءا نادِرَيْنِ. ومن النحويين من يقيس ذلك.”
وعلق أبو الثناء الآلوسي في هذا الباب فكتب: “(ويقولون مصان لما يصان والصواب مصون كما قال علي بن الجهم) في ابن أبي السمط مروان لما هجاه بقوله:
لعمرك ما الجهم بن بدر بشاعر  /
وهذا علي بعده يصنع الشعرا
ولكن أبي قد كان جارا لأمة /
فلما تعاطى الشعر أوهمني أمرا
فأراد أن يقابله بما قال:
بلاء ليس يشبههُ بلاء  /
عداوة غير ذي حسب ودين
يبيحك منهُ عرضاً لم يصنه /
ويرفع منك في عرض مصون
وأصله مصوون والكلام في أعلالهِ مذكور في الأصل ومشهور يعرفه أصاغر الطلبة فلا نطيل بذكره ومن هذا الأصل قولهم فلان (مؤوف العقل) بزنة مقتول والصواب مئوف بزنة مخوف وهو مأخوذ من الآفة وفي القاموس أيف الزرع أصابته آفة فهو مئوف ومئيف، والقوم أوفوا وأيفوا وأفوا،  والهمزة ممالة بينها وبين الفاء انتهى. وشذ من هذا الباب مسك مدوءوف وقياس ما تقدم مدوف، ومن شجون هذا النوع قولهم، فرس (مقاد) وشعر(مقال) وخاتم (مصاغ) بيت (مزار) وكتاب (مبيوع) وثوب (معيوب) والصواب مقود ومقول ومصوغ ومزور ومبيع ومعيب وشذ رجل مدين ومديون ومعين ومعيون أي أصابته العين، هذا ولا يصفو عن كدر فقد سمع مبيوع ومعيوب على خلاف القياس، ففي القاموس هو معيب ومعيوب، وفيه أيضاً هو مبيع ومبيوع. وقال ابن الشجري في أماليه: “اختلف العرب في اسم المفعول من بنات الياء فتممه بنو تميم وقالوا معيوب ومخيوط ومكيول ومزيوت”، وقال أهل الحجاز معيب ومخيط ومكيل ومزيت، وأجمع الفريقان على نقص ما كان من بنات الواو إلَّا ما جاء على جهة الشذوذ وهو قولهم ثوب مصوون ومسك مدؤوف وقوس مقوود وقول مقوول والأشهر مصون ومدوف ومقول ومقود. وقال أبو العباس محمد بن يزيد: “يجوز إتمام ما كان من ذوات الياء في الشعر” وأنشد في ذلك قول علقمة:
يوم رذاذ علي الدجنّ مغيوم
وفي أدب الكاتب رجل داين إذا كثر ما عليهِ من الدين، ولا يقال من الدين دِينَ فهو مدين ولا مديون إذا كثر عليهِ الدين، ولكن يقال دِينَ الملك فهو مَدينٌ إذا دان لهُ الناس وخضعوا. وفي شرحه لابن السيد أن الخليل حكى أنهُ يقال رجل مدين ومديون ومدان، ودِينَ وأدان واستدان ودان، إذا أخذ الدين. وفي المصباح بعد ذكر ما يقرب منهُ قال جماعة يستعمل لازماً ومتعدياً فيقال دنته إذا أقرضته فهو مدين ومديون. واسم الفاعل داين فيكون الداين من يأخذ الدين على اللزوم ومن يعطيه على التعدي. وقال ابن القطاع: دنته أقرضته ودنته استقرضت منهُ انتهى.”

 

قل: حلَمتُ في النوم
ولا تقل: حلُمتُ في النوم

كتب الصفدي: “وتقول: حلَمتُ في النوم، بفتح اللام. وإذا أردتَ الحِلْم ضمَمْتها. قلت: يريد بالثاني إذا أردت الأناة والتغاضي.”
وكتب ابن فارس في مقاييس اللغة في باب (بَابُ الْحَاءِ وَاللَّامِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا):
” حَلَمَ: الْحَاءُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ، أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ: ألْأَوَّلُ تَرْكُ الْعَجَلَةَ، وَالثَّانِي تَثَقُّبُ الشَّيْءِ، وَالثَّالِثُ رُؤْيَةُ الشَّيْءِ فِي الْمَنَامِ. وَهِيَ مُتَبَايِنَةٌ جِدًّا، تَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ اللُّغَةِ لَيْسَ قِيَاسًا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ مُنْقَاسًا.
فَالْأَوَّلُ: الْحِلْمُ خِلَافُ الطَّيْشِ. يُقَالُ حَلُمْتُ عَنْهُ أَحْلُمُ، فَأَنَا حَلِيمٌ.
وَالْأَصْلُ الثَّانِي: قَوْلُهُمْ حَلِمَ الْأَدِيمُ إِذَا تَثَقَّبَ وَفَسَدَ; وَذَلِكَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ دَوَابُّ تُفْسِدُهُ. قَالَ:
فَإِنَّكَ وَالْكِتَابَ إِلَى عَلِيٍّ … كَدَابِغَةٍ وَقَدْ حَلِمَ الْأَدِيمُ
وَالثَّالِثُ قَدْ حَلَمَ فِي نَوْمِهِ حُلْمًا وَحُلُمًا وَالْحَلَمُ: صِغَارُ الْقِرْدَانِ. وَالْحَلَمَةُ دُوَيْبَّةٌ.
وَالْمَحْمُولُ عَلَى هَذَا حَلَمَتَا الثَّدْيِ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ تَحَلَّمُ إِذَا سَمِنَ، فَإِنَّمَا هُوَ امْتَلَأَ، كَأَنَّهُ قُرَادٌ مُمْتَلِئٌ قَالَ: إِلَى سَنَةٍ قِرْدَانُهَا لَمْ تَحَلَّمِ
وَيُقَالُ بَعِيرٌ حَلِيمٌ، أَيْ سَمِينٌ قَالَ: مِنَ النَّيِّ فِي أَصْلَابِ كُلِّ حَلِيمِ.”

قل: لَمَسَ فلان الشيء يَلمِسَه ويلمُسُه
ولا تقل: لَمِسه يَلمَسُه

كتب مصطفى جواد: “فلم يسمع ذلك عن العرب ولم يقيد كما قولهم مَسَّ يمِسُّ في اللغة الفصيحة ومّسَّ يَمُسَ في اللغة الرديئة لأن أوزان الفعل الثلاثي مسموعة ولا سيما الأفعال المتعدية منها، كلَمَسَ يلمِسُ ويلمُسُ. والأفعال المتعدية هي الأصول والأفعال اللازمة مثل خرج ونام وطرب وجاع فروع أو دون الفروع، لأن الأصل في الأفعال هو التعدي، وذلك بأن الحي كائناً ما كان لا يتحرك إلا للتعدي على غيره لضمان حريته وعيشه وعلى هذه الحقيقة الوجودية كانت الحرب بين البشر هي الحالة الطبيعية والسلم هي الحالة الاصطلاحية وأقدم المعاهدات بين الدول هي معاهدات عدم الإعتداء.”

 

قل: قام الفلسطينيون بعمليات استشهادية
ولا تقل: قام الفلسطينيون بعمليات انتحارية

كتب عبد الهادي بوطالب: “يستعمل البعض هذا التركيب للدلالة على العمليات التي يتسابق فيها الفلسطينيون للموت لأنهم استحبُّوه على الحياة وآمنوا أن الموت في سبيل الله جزءٌ من عقيدتهم فما لانوا ولا ضعُفوا ولا استكانوا، وإنما استرخصوا الروح طلبا للشهادة وفداءً لوطنهم لتحريره من الاحتلال.
والصواب استعمال نعت الاستشهادية بدلا عن الانتحارية التي تُستعمَل في حق “الكاميكاز” الذين لا تحركهم عقيدة دينية.
وعمليات التسابق إلى الموت في خضم الانتفاضة البَطَلة يراد بها وجه الله الذي حض المسلمين على القتال والموت في سبيله ليكونوا من الشهداء المغفور لهم بحكم وعده لهم بدخول الجنة بعد تكفير جميع ذنوبهم.
وفي ذلك وردت آيات عديدة في القرآن الكريم نقتصر منها على هاتين الآيتين: “ولا تحسبن الذين قُتِلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يُرزَقون فرِحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يَلْحَقوا بهم من خلفِهم ألاَّ خوف عليهم ولا هم يحزنون”. وقوله تعالى: “إن الله اشترى من المؤمنين أنفسَهم وأموالَهم بأن لهم الجنة يقاتِلون في سبيل الله فَيَقتُلون ويُقتَلون وعدا عليه حقا”.
والسين والتاء في الاستشهاد تدل على الطلب، أي طلب الشهادة. وقد أجمع علماء الدين على أن الشهيد مغفور الذنوب ومخلد في الجنة تحقيقا لوعد الله. ولا كذلك المنتحر الذي ينحر نفسه وهو غير مؤمن بالله.
وقد أجمع علماء الدين على أن المنتحر مُدبِر ولا حظَّ له في الثواب.
وإذا كان الشهيد يُدفَن في ثيابه ودون غسل لأنه طاهر ويصلَّى عليه صلاة الشهداء، فإن المنتحِر لا يصلَّى عليه ولا يُدفَن في مقابر المسلمين، وذنبه بقتل نفسه غير مغفور.
وبعض العَلْمانيين العرب قد يصعب عليهم الإيمان بفضل الشهادة ويتحاشون هذا التعبير، فلْيقولوا على الأقل “العمليات الفدائية” احتراما لمشاعر المسلمين، وتجنبا لغمط حقوق الشهداء.”

 

قل: هو يَهديه للدين
ولا تقل: هو يُهديه للدين

“وجاء في ملحق مفردات أوهام الخواص: ونظيره في هذا الباب أنهم لا يفرقون بين يَهدي (بفتح الياء) ويُهدي (بضم الياء). فالأول من قولك: هداه للدين يهديه هدى وهديا وهداية، أي بين له طريق الرشاد. ومنه قوله تعالى: “إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم”. والهادي: المرشد والدليل لأنه يتقدم القوم فيتبعونه، ولذا سميت العصا هاديا لأن الأعمى يمسكها فتتقدمه وترشده إلى طريقه. ومنه قول طرفة:
للفتى عقل يعيش به ** حيث تهدي ساقه قدمه
أي ترشده وتدله. والهاديات: أوائل الوحش والإبل وكل جماعة، ومنه قول امرئ القيس وفي وصف فرسه:
كأن دماء الهاديات بنحره ** عصارة حناء بشيب مرجل
 بينما الثاني (يهدي) هو من الفعل أهدى له وإليه هدية، أي أتحفه بشيء من غير مقابل، ومنه قوله تعالى في قصة الملكة بلقيس مع نبي الله سليمان عليه وعلى سائر الأنبياء السلام: “وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون”، والجمع هدايا على القياس، وأهل عليا معد يجمعونها على هداوى. ويقال: تهادى القوم، إذا تبادلوا الهدايا، وفي الحديث: تهادوا تحابوا، لأن الهدايا تؤلف القلوب.”
وفوق كل ذي علم عليم!
وللحديث صلة….

 

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image