قل ولا تقل / الحلقة الثالثة والثلاثون بعد المائة

 

إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (مصطفى جواد)

فإن من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب. ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته اليها. (الثعالبي)

 

 

قل: وضعها تحت الإبْطِ
ولا تقل: وضعها تحت الإبِطِ

كتب الصفدي: “ويقول بعض المتحذلقين: الإبِط بكسر الباء. والصواب: الإبْط، بسكون الباء. ولم يأت في الكلام على فِعِل إلا: إبِل، وإطِل حِبِر، وهي صفرة الأسنان، وفي الصفات: امرأة بِلِز: وهي السمينة، وأتانٌ إبِد، تلد كل عام، وقيل التي أتى عليها الدهر.

قلت: قرأ بعض الطلبة على بعض الأشياخ إبِط وحرّك الباء، فقال له: لا تحرِّك الإبْط يفح صُنانُه.”

قل: أرماني الفرسُ
ولا تقل: رماني الفرسُ

كتب الصفدي: “ويقولون: رَمَيْتُ العِدْل، وركبت الفرس فرَماني. والصواب أرميتُ العِدْل، وأرماني الفرسُ.”


قل: رميتُ عن القوس
ولا تقل: رَمَيْتُ بالقوس

كتب الصفدي: ويقولون: رَمَيْتُ بالقوس. والصواب رميتُ عن القوس، أو على القوس، كما قال الراجز:

أرْمي عليها وهْيَ فرْعٌ أجْمَعُ

وهْيَ ثلاثُ أذْرعٍ وإصبَعُ

فإن قيل: هَلاّ أجزتم أن تكون الباء ها هنا قائمة مقام عن أو على كما جاءت بمعنى عن في قوله تعالى: “سألَ سائِلٌ بعذابٍ واقِعٍ”، وبمعنى: على في قوله تعالى “وقالَ ارْكَبوا فيها بسْمِ الله. فالجواب عنه: أن إقامة بعض حروف الجر مقام بعض إنما جُوِّزَ في المواطن التي يَنْتَفي فيها اللَّبْسُ ولا يستحيل المعنى الذي صيغ له اللفظ، ولو قيل هاهنا: رمى بالقوس لدل ظاهر الكلام على أنه نبذها من يده، وهو ضد المراد بلفظه، فلهذا لم يجز التأويل للباء فيه.

قل: فالْتَقَمه الحوتُ وهو مُليم
ولا تقل: فالْتَقَمه الحوتُ وهو ملوم

وكتب عبد الهادي بوطالب: “ورد اسم المفعول هذا من فعلين: ثلاثي (لامه لَوْما ومَلاماً ومَلامَةً). واسم مفعوله هو مَلُوم على غرار مَقُول ومَصُون. وجاء ذلك في قول الشاعر:

أُكابدُ حُبّا مُضْنِياً لا أُطيقُهُ

وإني على بَوْحي به لَمَلُومُ

ومن فعل رباعي هو (ألامَ، يُليم، إيلاما) واسم مفعوله هو مُلام.
وقد قال الشاعر العربي مَعقل بن خُوَيلد الهُذَلي:

حمدتُ الله أنْ أمْسَى رَبيعٌ

بدار الهُون مَلْحيّاً مُلاما

وجاء في القرآن اسم الفاعل (مُليم) من أَلاَم: “فالْتَقَمه الحوتُ وهو مُليم” أي وهو آت بما يُلام عليه.”

قل: فعلته من جراك
ولا تقل: فعلته مجراك

كتب الحريري: “ويقولون: فعلته مجراك، فيحيلونه في بنيته ويحرفونه عن صيغته ، لأن كلام العرب: فعلته من جراك، وفي الحديث: أن امرأة دخلت النار من جرا هرة، ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض.

ومعنى قولهم: فعلته من جراك أي من جريرتك، كما أن معنى قولهم: من أجلك، أي من كسبك وجنايتك، وعليه فسر قوله تعالى: “من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل”، والعرب تقول: فعلته من أجلك وإجلك، بفتح الهمزة وكسرها، وفعلته من أجلك وجراك وجرائك بالقصر والمد، وأنشد اللحياني شاهدا على هاتين اللغتين فيه:

أمن جرا بني أسد غضبتم ** ولو شئتم لكان لكم جوار

ومن جرائنا صرتم عبيدا ** لقوم بعدما وطئ الخيار”

 

وعلق أبو الثناء الآلوسي فكتب: “ويقولون من مجرّاك فعلت كذا يريدون من أجلك وهو تحريف والصواب من جراك) بالقصر (أو من جرائك) بالمد … وقد يخففان وقد يقال فعلته من جريرتك بذلك المعنى أيضاً وفي بغداد أناس من العوام يقولون من جرانك يريدون من أجلك أيضاً وهو تحريف كالذي سمعته.”

 

قل: الصيف ضَيّعتِ اللبن
ولا تقل: الصيف ضَيّعتَ اللبن

كتب الحريري: “ويقولون للرجل المضيع لأمره، المتعرض لاستدراكه بعد فوته: الصيف ضيعتَ اللبن، بفتح التاء، والصواب أن يخاطب بكسرها، وإن كان مذكرا، لأنه مثل والأمثال تحكى على أصل صيغتها وأولية وضعها، وهذا المثل وضع في الابتداء بكسر التاء لمخاطبة المؤنث به، وأصله أن عمرا ابن عمرو بن عدس كان تزوج ابنة عم أبيه دختنوس بنت لقيط بن زرارة بعدما أسن، وكان أكثر قومه مالا، ففركته ولم تزل تسأله الطلاق حتى طلقها، فتزوجها عمير بن معبد ابن زرارة، وكان شابا مملقا، فمرت بها ذات يوم إبل عمرو، وكانت في ضر، فقالت لخادمتها: قولي له: ليسقنا من اللبن، فلما أبلغته قال لها: الصيف ضيعتِ اللبن، فلما أدت جوابه إليها ضربت بيدها على كتف زوجها وقالت: هذا ومذقه خير، وإنما خص الصيف بالذكر لأنها كانت سألته الطلاق فيه، فكأنها يومئذ ضيعت اللبن.”

وعلق أبو الثناء الآلوسي فكتب وأعاد ما كتبه الحريري ثم أضاف: ” فقال الصيف الخ فذهبت مثلًا ولما سمعته ضربت على منكب زوجها وقالت هذا ومذقه خير قال أبو عبيدة معناه أن سؤالك إياي الطلاق كان بالصيف فيومئذ ضيعت اللبن بالطلاق وقال بعض الناس معناه أن الرجل إذا لم يطرق ماشيته كان مضيعًا لألبانها حينئذ وعلى المعنيين نصب الصيف على الظرفية واللبن على المفعولية وقال ابن درستويه العامة تقول في الصيف ضيحت اللبن وهو خطأ وإنما الضياح من اللبن الخاثر الذي يمزج بالماء حتى يرق يقال ضيحت اللبن وهو مضيح. وذكر أبو سليمان الخطابي أن هذا المثل يروى بالحاء بدلًا من العين من الضياح والضيح وهو اللبن الممذوق بالماء يريد الصيف أفسدت اللبن وحرمته نفسك وقال الأستاذ ويروي أيضًا الصيف ضيعت اللبن بفتح التاء من  ضيعت كما حكاه ابن الأنباري في الزاهر عن الفراء ولم أره لغيره انتهى. وكأن الخطاب على هذه الرواية للرسول ولعله كان رجلًا والكلام من باب إياك اعني واسمعي يا جاره ومما ذكر يعلم أن ما أنكر مروي عن الفراء.”

(ملاحظة: يتبين مما في أعلاه أن الضيح هو الكلمة العربية لما يعرفه الناس في قولهم “شنينة”).

قل: اضرب به عُرض الحائط
ولا تقل: اضرب به عَرض الحائط

وجاء في ملحق مفردات أوهام الخواص: ومما يندرج في هذا الباب قولهم: اضرب به عَرض الحائط (بفتح العين) وعِرض الحائط (بخفضها) يقصدون ناحيته وجانبه، فيوهمون. والصواب أن يقال: عُرض الحائط (بضم العين)، لأن العرض هو الجانب والناحية، ومنه حديث ابن الحنفية: كل الجبن عرضا. أي اشتره وكله ولا تسأل عنه أمن عمل أهل الكتاب هو أم من عمل المجوس أي من ناحيتهم. والجمع عروض وعراض، ومنه قول أبي ذؤيب يصف برذونا:

أمنك برق أبيت الليل أرقبه ** كأنه في عراض الشام مصباح

أما العَرض (بفتح العين) فهو خلاف الطول، والجمع أعراض، ومنه قول الشاعر:

 يطوون أعراض الفجاج الغبر ** طي أخي التجر برود التجر

وقول ذي الرمة:

فعال فتى بنى ، وبنى أبوه ** فأعرض في المكارم واستطالا

وأما العِرض (بخفض العين) فهو الحسب وموضع المدح والذم من الإنسان.

ومنه حديث نبينا صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعِرضه. والجمع أعراض. ونظيره قول حسان بن ثابت يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:

فإن أبي ووالده وعرضي ** لعرض محمد منكم وقاء”

 

قل: أخذتُ بطَرَفِ ثوبِهِ
ولا تقل: أخذتُ بطَرْفِ ثوبِهِ

كتب الحنفي: “قال الصقلي: يقولون: أخذتُ بطَرْفِ ثوبِهِ، بسكون الراء. والصواب تحريكها.”

 

قل: حديثٌ مَزِيدٌ فيه
ولا تقل: حديثٌ مُزادٌ فيه

كتب الحنفي: “قال الصقلي: يقولون: حديثٌ مُزادٌ فيه. والصواب: مَزِيدٌ فيه. أقول: وكذلك قولهم: الشيءُ الفلاني مُزِيدٌ للصفراءِ مثلاً . فإنّ الجوهري وصاحب القاموس وغيره من الثقات لم يذكروا غير “زاد” . وقال صاحب القاموس: زَادَهُ اللهُ خيراً. وذلك يقتضي عدم “أزاد”.”

 

وفوق كل ذي علم عليم!

وللحديث صلة….

 

 

 

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image