قل ولا تقل / الحلقة السابعة والثلاثون بعد المائة

إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (مصطفى جواد)

فإن من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب. ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته اليها. (الثعالبي)

 

 

قل: فعلته لحِيازة الأجْر

ولا تقل: فعلته لإحازَةِ الأجْر

 

كتب الصفدي: “ويقولون: فعلته لإحازَةِ الأجْر. والصواب أن يقال: حِيازة، لأن الفعل المشتقّ منه حازَ، ولو كانت الهمزة أصلاً في المصدر لالْتَحقتْ بالفعل المشتق منه كما تلحق بالإرادة من أرادَ.”

 

وكتب أبو الثناء الآلوسي معقباً: “ ويقولن (إحازة) بهمزة أوله في نحو قولهم: (فعلته لإحازة الأجر). والصواب (حيازة)؛ لأن فعلهُ حاز بدون همزة. فلو كانت الهمزة في ذلك أصلًا لكانت في فعله أيضاً كما في نحو إرادة وأراد، وإصابة وأصاب. فحيث لم تكن فيه علم أنها ليست في المصدر. على نحو خاط وخياطةٍ، وصاغَ وصياغةٍ، وحادَ وحيادةٍ. وهذا أمر مطرد في كلامهم. وأما قولهم في المثل (أساء سمعاً فأساء إجابة). بلا همزة؛ فالإجابة فيه اسم مصدر. والمصدر إجابة بالهمزة، وهو يضرب لمن يخطئ سمعاً فيسيء الإجابة وأصلهُ أنهُ كان لسهيل بن عمرو ابن أحنى([1]) ضعيف الرأي والعقل فرآه إنسان مارًا فقال لهُ: (أين أمُّك) بفتح الهمزة يريد أين قصدك فظن أنهُ يسألهُ عن أُمّه. فقال: ذهبت تطحن. فقال: أساء سمعًا فأساء إجابة. ونظير الإجابة في كلامهم الطاقة والطاعة والغارة. ومصادر أفعالها: الإطاقة والإطاعة والإغارة.”

قل: إذا هبّت الأرواحُ

ولا تقل:إذا هبّت الأرياحُ

كتب الصفدي: “ويقولون: هبّت الأرياحُ، مقايسةً على قولهم رِياح. وهو خطأ بيّنٌ، والصواب أن يقال: هبّت الأرواح، كما قال ذو الرّمة:

إذا هبّت الأرواحُ من نحو جانبٍ

به أهل مَيّ هاج قلبي هبوبُها

والعلة في ذلك أن أصل رِيح: رِوْح، لاشتقاقها من الرّوح، وإنما أبدلت الواو ياء في ريح ورياح للكسرة التي قبلها، فإذا جُمعت على أرواح فقد سكن ما قبل الواو وزالت العلة. ومثله ثَوْب وحَوْض، يقال في جمعه: ثِياب وحِياض، وإذا جمعوها على أفعال قالوا: أثواب وأحواض.”

وعلق الآلوسي فكتب: “(ويقولون في جمع ريح أرياح قياسًا على) قولهم: (رياح: وهو خطأ والصواب أرواح كما قال ذو الرمة) الشاعر المشهور قال في القاموس الرُّمة بالضم قطعة من حبل، ويكسر، وبهِ سمي ذو الرمة.

إذا هبت الأرواح من نحو جانب        بهِ أهل مي هاج قلبي هبوبها

هوى تذرف العينان منهُ وإنما       هوى كل نفس حيث كان حبيبها

ونحوه قول ميسون بنت بجدل زوج معاوية من أبيات ذكرت في الأصل:

لبيت تخفق الأرواح فيهِ

أحب إليَّ من قصر منيف

(والعلة في ذلك أن أصل ريح رِوْح) لاشتقاقها من الرَوح بالفتح، وإنما أبدلت الواو فيها وفي رياح ياء للكسرة قبلها، فإذا جمعت على أرواح فقد سكن ما قبلها و(زالت العلة) للقلب فوجب أن تعاد إلى أصلها كما أعيدت لهذا في التصغير، فقيل: رويحة وجمع عيد على أعياد وأصلهُ الواو، لاشتقاقه من عاد يعود، لئلا يلتبس جمع عيد بجمع عود، كما قالوا: هو أليط بقلبي منك، وأصلهُ الواو ليفرقوا بينهُ وبين قولهم هو ألوط من فلان من اللواطة أخت الزنى، وكما قالوا هو نشيان لمن يخبر الأخبار أول ورودها ليفرقوا بينهُ وبين نشوان بمعنى السكران، هذا كلامهُ ولعمري ما هبت ريحُه من جهة القبول ولا ارتاحت بها نفوس الفحول ففي شرح بانت سعاد لابن هشام من العرب من يقول أرياح كراهة الاشتباه بجمع روح، كما قال في جمع عيد أعياد كراهة الاشتباه بجمع عود، وقول الحريري الأرياح جمع ريح لحن مردود وحكى قول الجوهري الريح واحدة الرياح والأرياح وقد يجمع على أرواح، وقال أنهُ يقتضي أن الأرياح هو الكثير وليس كذلك وإنما الكثير أرواح، وقال ابن بري: لم يحك الأرياح أحد من أهل اللغة غير اللحياني، ووردت في شعر عمارة بن عقيل، انتهى.”

قل: أستُهْتِرَ الرجلُ

ولا تقل: استهْتَر الرجلُ

 

كتب الصفدي: “ويقولون: استهْتَر الرجلُ فهو مُستَهتِر. والصواب: استُهْتِرَ فهو مُستَهْتَرُ، وهو الذي يخلِّطُ في أفعاله حتى كأنه بلا عقل. قلت: الهِتْر بالكسر، السَّقَطُ من الكلام يقال فيه هِتْر هاتر، وهو توكيد، قال أوس بن حجر:

تراجع هِتْراً من تُماضِرَ هاترا

وأُهْتِر الرجلُ فهو مُهتَر، إذا صار خَرِفاً من كِبَرِه.”

قل: استدّ ساعِدُه في الرماية

ولا تقل: اشتدّ ساعِدُه في الرماية

 

كتب الصفدي: “ويقولون: اشتدّ ساعِدُه. والصواب: اسْتَدّ بالسين المهملة، المراد به السداد في المَرْمَى، وعليه قول امرئ القيس:

أعلّمُه الرمايةَ كُـلَّ يومٍ

فلما استدّ ساعِدُه رَماني

وقد رواه بعضهم بالشين المعجمة، وأراد به القوة. الذي رواه أبو يعقوب بن خُرّزاذ وغيره من جِلّة العلماء بالسين غير المعجمة، قال: وسمعت أبا القاسم بن أبي مخلد العُماني يأخذ على رجل أنشده بحضرته بالشين فقال: معنى استدّ: صار سديداً، والرميُ لا يوصف بالشدة، وإنما يوصف بالسداد وهو الإصابة.

وكذا قول الأعشى:

وقد أُخرِجُ الكاعبَ المُسْتَراةَ مِن خِدْرها وأُشيعُ القِمارا

يقال: استريت الجارية، اخترتها سُرّيّةً، فهو بالسين مهملة، ومن رواه بالشين معجمة فقد وَهِم.”

 

قل: فلان أصْوَتُ من فلان

ولا تقل: فلان أصْيَتُ من فلان

كتب الصفدي: “ويقولون: أصْيَتُ من فلان، أي أشدّ صوتاً. والصواب: أصْوَتُ، بالواو. قلت: أما الصّوْتُ، فإنه بالواو، وأما الصّيتُ، وهو السُمعة والذكر، فلعله يكون بالياء، على أنه أصله من الصوت.”

 

قل: أرْعِني سمْعَك

ولا تقل: أعِرْني سمْعَك

 كتب الصفدي: “العامة تقول: أعِرْني سمْعَك. والصواب: أرْعِني سمْعَك.”

 

قل: جرح الرجل في ثندوءته

ولا تقل: جرح الرجل في ثديه

كتب الحريري: ويقولون: جرح الرجل في ثديه، فيوهمون فيه والصواب أن يقال: جرح في ثندوءته، لأن الثدي يختص بالمرأة، والثندوءة تختص بالرجل، وفيها لغتان: ثُندوءَة بضم الثاء وفتح الهمزة وثُندوة بفتح الثاء وترك الهمز، وتجمع الثندوة على الثنادي.  وقد قيل فيها: إنها طرف الثدي، فأما تسمية المقتول من الخوارج بالنهروان: ذا الثدية فليست الإشارة فيه إلى أن له ثديا، فأضيف إليه ولا التصغير واقع على الثدي أيضا، لأن الثدي مذكر، والمذكر لا تلحقه الهاء إذا صغر، وإنما المراد به أن يده كانت لنقص خلقها تشبه بالقطعة من ثدي المرأة، فأنثت عند التصغير، إسوة بالمؤنث المصغر. ويعضد هذا القول أنه قد سمي في بعض الروايات ذا اليدية تنبيها على المعنى المنبوذ به. وذكر بعضهم أن التصغير وقع على لحمة كانت ملتصقة بالثندوة تشبه الحلمة، فجاء التأنيث من قبل اللحمة، لا من قبل الثدي، والدليل على تذكير الثدي قول الشاعر:

وصدر مشرق النحر              كأن ثدييه حقان

ويروى: ثدياه بالرفع على تقدير إضمار الهاء، أي كأنه. وقد قيل: إن كأن جاءت بمعنى لكن فلهذا رفع، ورواه المبرد: كأن ثدييه، فقيل له: بأي شيء نصبته فقال: أراد كأن، فأعملها مع التخفيف. ومن أوهامهم أيضا في الثدي جمعهم إياه على ثدايا، والصواب جمعه على ثدي، وكان الأصل فيه ثدوي على وزن فعول، فقلبت الواو ياء لسكونها قبل الياء، ثم أدغمت إحدى اليائين في الأخرى.

وفوق كل ذي علم عليم!

وللحديث صلة….

 

www.haqalani.com

 

([1]) قوله ابن أحنى؛ أي مثنى الظهر. قال في المصباح: حنيت العود أحنيه حنياً وحنونه أحنوه حنوا ثنيته. ويقال للرجل إذا انحنى من الكبر حناء الدهر فهو محني ومحنو

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image