نحن العرب: من نحن وإلى أين؟ – الجزء الثاني والعشرون

إلى أين: أخرجوا حلف الأطلسي من أرض العرب -1

انتهيت في الجزء السابق بما يلي: ما هو الطريق إذن؟ وما هي قواعد الدولة العربية المرجوة؟
ليس سرا أني من الذين يؤمنون بأن كرامة العرب لن تصان إلا بوحدتهم والتي اصبحت اليوم أكثر إلحاحا بعد أن تحول العالم الى معسكرات اقتصادية سياسية عسكرية كبيرة لا قيمة فيها لدويلة ايا كانت مقدرتها المالية.

وليس سرا أني من الذين يؤمنون بأن الأمة العربية يجب أن توحد حتى وان كان ذلك بالقوة إذا رفضت أجزاء منها ذلك فقد أثبت تأريخ البشرية أن هذا هو المنطق الوحيد الذي ساد ونجح.

لكني لن أتحدث اليوم عن توحيد العرب بالقوة اذا اقتضى الحال ذلك، إنما اكتفي بالحديث عن باب واحد لا بد أن يقود لتقارب العرب وتوحيدهم. ذلك هو تربية العربي على الإيمان بضرورة إزالة أي وجود عسكري لأية قوة، غير عربية، من أرض العرب. لقد تمكن الإستكبار الصهيوني العالمي الذي رسم الحدود واختلق دويلات وهمية في اقناع حكامها وأهلها أنه هو وحده القادر على حماية تلك الكيانات الوهمية من خلال الوجود العسكري المباشر في أراضيها. وكل دولة لا تمتلك القدرة على حماية نفسها بدون وجود عسكري على أرضها تفقد حرية أي قرار سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، أو بعبارة أدق تفقد معنى السيادة وتصبح أسيرة الذي يتولى حمايتها. وهكذا كان، فاصبحت اليوم “جزيرة العرب”، والتي كانت طيلة تأريخها أرضا واحدة، سبع دول (أو ثماني دول إذا عددت اليمن يمنين)! وحيث إني أعتقد أنه حتى لوكانت كل جزيرة العرب اليوم دولة واحدة ما كانت لتتمكن من حماية نفسها لوحدها فما بالك بها وهي سبع دول!

فلو أخذنا دويلة الإمارات العربية على سبيل المثال، والتي تصورت في ظرف سياسي مخادع طارئ أنها قوة محلية فاحتلت جزيرة في ساحل اليمن، فما الذي تستطيع دويلة الإمارات فعله إذا تعرضت لخطر وجودي؟ فلو أشترت ما تشاء من منظومة “باتريوت” واستأجرت اي عدد من الطيارين الباكستانيين وغيرهم وأرسلتهم في طيارات أمريكية مشتراة باسعار خيالية من مال العرب، فهل سيمكنها من حماية نفسها؟ إن أي عدو يستهدف الإمارات لوحدها قادر أن يعدم مقدرتها على الديمومة كدولة في فترة أيام دون ان يطأ ارضها بجندي واحد وذلك ضرب ثلاثة أهداف حيوية فيها: محطات ضخ النفط، و محطات توليد الطاقة الكهربائية ومحطات تحلية المياه. بعد ذلك تصبح الحياة غير ممكنة في دويلة الإمارات. أما لو كانت الإمارات جزءً من دولة عربية كبرى فلن يمكن لأي عدو أن يستهدف مقومات الحياة فيها لأن ذلك العدو يكون مستهدفا لوجود الأمة العربية كلها، ولذلك حساب آخر. ولولا تدخل إيران لضرب اليمنيون، الذين تحتل دويلة الإمارت إحدى جزرهم، هذه الأهداف الحيوية في الإمارت اليوم قبل غد!

وحين أدرك حكام الإمارات الخلل في الإعتماد على الوجود الصهيوني على أرضها في الوجود العسكري الأمريكي والبريطاني والفرنسي فإنهم لجأوا الى مستشاريهم وهم من الصهاينة فأشار عليهم أولاء المستشارون باللجوء إلى اسرائيل، وهكذا تبين نضج الحكام السذجة في مداواتهم الداء بالداء.

إن الحل هو ليس في البحث عن ضامن جديد لأمن أية دويلة عربية. إنما هو في بداية التخلي عن مبدأ الإعتماد على الخارج في حماية أرض العرب. لقد تمكنت إيران في أربعة عقود أن تمتلك وسائل الدفاع عن نفسها في أضعف حال دون الإعتماد على الخارج وذلك في ظروف حصار شديدة. فهل يعجز العرب بأموال الخليج وكفاءات أهل شمال جزيرة العرب وشمال أفريقيا من تطوير وسائل دفاع عن الأمة العربية كما فعل الفرس؟

إن نقطة البداية في هذا الخطوة هي توعية وتربية قائمة على أساس ألا يعتمد العرب على الخارج في حمايتهم والإدعاء بالدفاع عنهم. وقد شهد القرن العشرين وعلى الأخص النصف الثاني منه ولادة وانطواء عدد من الأحلاف العسكرية. وأهم تلك الأحلاف حلفا وارشو وحلف شمال الأطلسي. وقد كفل وجود الحلفان تحقيق توازن عالمي منع طغيان طرف على العالم حتى غدا ما يسمى بالحرب الباردة أفضل مرحلة سياسية بالنسبة للدول النامية والتي كان الإستكبار الصهيوني يسميها بدول العالم الثالث. وحين انتهى حلف وارشو بعد تهدم الإتحاد السوفيتي انكشف حلف شمال الأطلسي. فحين كان الحلف يدعي انه أقيم كي يتصدى للخطر الشيوعي القادم من الشرق فإن ذلك الخطر زال في تسعينيات القرن الماضي حين سقط المشروع الشيوعي في شرق أوربا. فلو صدق حلف الأطلسي في إدعاء أسباب قيامه واستمراره لكان قد حل نفسه بعد انتهاء حلف وارشو. إلا ان الحلف سرعان ما كشف حقيقة سبب إنشائه ألا وهو فرض هيمنة الإستكبار الصهيوني على أوربا كلها أولا ثم ما أمكن من بقية العالم ثانياً. فتوسع في شرق أوربا بعد أن تعهد لروسيا أنه لن يفعل ذلك.

إلا أن أهم ما انكشف من حقيقة حلف الأطلسي هو انه لم يكن حلفا دفاعيا كما ادعى حيث إن جميع عملياته بعد عام 1990 كانت عمليات هجومية. فقد شاركت الولايات المتحدة وبريطنيا واسبانيا وبولنده وأوكرانيا، وكلها من حلف الأطلسي، في غزو واحتلال العراق. وشارك حلف الأطلسي مجتمعا في الهجوم وخراب صربيا عام 1999 وشارك حلف الأطلسي مجتمعا في الهحوم وخراب ليبيا. وشارك الحزب في العدوان على سورية ودعم الإرهاب وما زال الأمريكيون والبريطانيون موجودين شرق الفرات. وما زال عدد من دول حلف الأطلسي يشارك في أكثر من صورة في القتل اليومي لأطفال اليمن. ومازالت قوات تركيا، وهي عضو مهم في حلف الأطلسي، موجودة في شمال سورية وشمال العراق.

إن القوات الأجنبية الموجودة في أرض العرب اليوم هي كلها من دول حلف شمال الأطلسي. وهي قوات احتلال أيا كان الإدعاء باسباب وجودها في هذا البلد أو ذاك.
إن حث هذه القوات على ترك أرض العرب أو إجبارها إذا رفضت سوف يدفع العرب بحكامهم وشعوبهم في البحث جديا عن سبل حماية لا تتحقق إلا بوحدتهم.

ومن أجل ذلك يجب أن يكون شعار المعركة المقبلة هو: اخرجوا حلف الأطلسي من أرض العرب. فكيف يمكن تحقيق هذا الهدف؟

وهو ما سأحاول بحثه في الأجزاء القادمة..
فللحديث صلة…..
عبد الحق العاني
لندن في 27 آذار 2022

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image