نحن العرب: من نحن وإلى أين؟ – الجزء السابع والعشرون

إلى أين: ما لنا وللأمم المتحدة؟ -3

كتب لي صديقي معلقا على الجزء السابق من هذه السلسة سائلا عن المنافع التي كانت ستتحقق للعرب لو أنهم انسحبوا من الأمم المتحدة في اي من المواضع التي عددت في مقالي السابق مع ملاحظة حال العرب وقتها.

ولست أعترض على قول صديقي إن المنتصر لا يمنح المهزوم فرصة. لكني آخذ على المهزوم أن يرتضي طوعا أن يقيد نفسه بما هو في غنى عنه. ولست أنكر حال العرب وتفرقهم عن جهل أو يقين في كل مرحلة من تلك المراحل. فلو كنت أرى الأمة متحدة وفي خير لما لجأت لمشقة الكتابة. حيث إني أكتب لأني أمتلك تصورا لما أعتقد أنه يجب أن تسعى له الأمة من خلال توضيح مواقع الفساد في تجربة السابق للوصول الى احتمال النجاح للأجيال القادمة. وقد أنشأت فكرة هذه السلسة على قواعد مبدأية وثابتة لا تتغير بتغير الزمن ولا تتعلق بنوع النظام أو اسم الحاكم. فهي تدعو لإقناع أبناء الجيل القادم بان مستقبلهم ومصلحتهم تتجاوز نظرة آبائهم المحدودة والتي بنيت على الخوف من غزو العربي القادم من خارج الحدود المصطنعة للمشاركة في تقاسم ثروة وهمية قائمة على مصادر الطاقة التي تتغير حاجة العالم لها والتي ستكون لا قيمة لها بعد قرن من الزمن حين يصبح “التفاعل الإندامجي” مصدر الطاقة الرئيس في العالم وليس النفط. هذه القاعدة التي يجب تنشأة الأجيال عليها سوف تقود للقناعة بأن وحدة الأمة، والتي يجب أن تتحقق باية وسيلة كانت بما في ذلك القوة، هي القاعدة الأساس لمستقبل الأمة. وحين يدرك العربي أن مستقبله في وحدته سوف يتيقن بأنه لا حاجة للإستعانة بأي أجنبي لحمايته حتى يزول كل وجود أجنبي مستغل عن أرض العرب كحق طبيعي لهم كما هو حق لأي قوم على هذه الأرض. ويومها يمكن للأمة أن تبدأ حياة حرة كريمة تختار فيها بحرية ما تريد أن تعيش في ظله من قيم وسياسة واقتصاد وعلاقات.

لقد حاولت أن أبين أن الموازنة هي بين ما حدث وما كان يمكن أن يحدث لو أن العرب انسحبوا من الأمم المتحدة. وسؤال صديقي يدعوني أن أبين كيف كان الحال لو ان العرب انسحبوا في اي من المواضع التي أشرت لها. وليس بمقدوري الإجابة على هذا السؤال لأن الإجابة سوف تكون افتراضية لكني أجيب كما أجبت سابقا بالقول: هل إن الحال كان سينتهي أسوأ مما حدث لو انهم انسحبوا من المشروع الأممي الذي كان وما زال يديره الأوربيون الكبار.

لنقف عند موضع واحد ونستذكر ما كان عليه حال العرب وحال الأوربيين الكبار في تشرين الأول 1973 حين تمكن العرب لأول مرة في تأريخهم الحديث من بدأ عمل عسكري وليس الرد على عدوان. فلو ان العرب انسحبوا من الأمم المتحدة وأوقفوا ضخ نفطهم لمدة عام واحد لثارت شعوب اوربا على حكوماتها ولجاءت الأمم المتحدة تطلب من العرب العودة على وفق شروطهم. فلا يقولن احد إن الأوربيين يعيشون بموجب مبادئ وإنهم كانوا سيعارضون فقد شهدنا زيف هذا الإدعاء. واليوم نعيش حالا مشابها لعام 1973 وان اختلفت الأطراف المتصارعة فلو ان العرب أوقفوا نفطهم وغازهم عن أوربا حين تقاطع أوربا الطاقة الروسية لأجبرت أوربا على الرضوخ لحقوق العرب حيث ليس عند الأوربي من بديل.

ولنا في ما جرى في العقود الماضية لدولتين مثالا لما هو حال من كان خارج الأمم المتحدة بالمعنى الفعلي وان لم يكن بالمعنى الإسمي حيث إن الفرق ثانوي. لننظر لما حدث لكل من كوبا وكوريا الشمالية.

فحين انتصرت ثورة كوبا المتميزة على الفساد الرأسمالي الذي كان يتخذ من كوبا مرتع قمار وبغاء ومن شعبها أدوات كما كان حال أغلب دول وسط وجنوب القارة الجديدة التي اسماها الأوربي الغازي أمريكا، أقول حين انتصرت كوبا لم تطق الرأسمالية أن تقبل تلك الصفعة القوية فقررت خنق كوبا بفرض حصار مدمر، لا يختلف كثيرا عن حصار العراق بعد ثلاثين عاماً. وحاولت التدخل العسكري إلا أن توازن الردع النووي مع الإتحاد السوفياتي لم يمكنها من النجاح. ثم ألزمت الصهيونية العالمية كل حلفائها وأجرائها، وهم كثر، بمقاطعة كوبا. ثم تمكنت الرأسمالية الصهيونية من عزل كوبا عن أهم المشاريع والمنظمات التي تعمل تحت غطاء الأمم المتحدة حتى أصبحت كوبا خارج الأمم المتحدة في كل شيء سوى الإسم. لكن كوبا الصغيرة بمساحتها وسكانها وانعدام مصادر الطاقة فيها وبضعف اقتصادها تمكنت من أن تثبت وتثبت حتى تمكنت من الوقوف بشموخ في استقلال وبناء يحسده عليها أغلب جيرانها المستضعفين الأذلاء من شعوب امريكا الوسطى والجنوبية.

لقد فعلت كوبا كل ذلك وهي عمليا خارج الأمم المتحدة!

أما كوريا الشمالية والتي كان أهلها يشكلون القوة الإنتاجية الحقيقية تحت حكم الإستعمار الياباني فإنهم كانوا يطمحون ولا شك في دولة مستقلة. إن الحديث يطول لو أردنا أن نتعقب أحداث ما جرى في كوريا منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية. لكن الذي يعنينا هنا هو ان الولايات المتحدة نجحت عن طريق تحكمها بالأمم المتحدة من استقطاع جنوب البلاد. ثم قامت بالتدخل العسكري لمنع توحيد كوريا وعزل كوريا الشمالية عن بقية العالم ومنعها من عضوية الأمم المتحدة حتى عام 1991. ثم فرضت عليها حصارا مدمرا وألزمت حلفاءها بفعل ذلك. ومضت كوريا الشمالية خارج الأمم المتحدة. لم يكن الأمر سهلا لكن كوريا الشمالية اليوم بلد لا يفكر أحد بالعدوان والتجاوز عليه. فقد استطاعت كوريا الشمالية من النهوض والبناء خارج الأمم المتحدة، ولو انها كانت عضوة في الأمم المتحدة لأخضغت للمعاهدات التي اخترعتها الرأسمالية ولمنعت من بناء قوتها الذاتية التي تحميها اليوم من اي عداون خارجي.

إني لا أدعو لمقاطعة العالم وإنما أدعو للعدل فإذا عجزت الأمم المتحدة عن تحقيق العدل في منع العدوان عن العرب فلماذا نرضى بها. أما إذا أصبحت الأمم المتحدة منظمة عادلة تحق الحق وتمنع الظلم والعدوان فلست ضدها ولا ضد تعاون العرب معها. إن دعوتي للمقاطعة هي من أجل إجبار الأمم المتحدة للعمل على وفق قواعد العدل فإن فعلت فخيرا وإلا فما الفائدة من عضويتها!

إن الرد على سؤال الصديق يدفعني للإنتقال للمثال الأفضل عما لحق العرب من ضرر في الإلتزام بما انبثق عن الأمم المتحدة. ولن أحاول عرض كل تلك المنظمات التي شارك فيها العرب دون أية ضرورة وانتهوا بالضرر من عضويتها. لكني أكتفي بالبحث في الإلتزام العربي بالمعاهدات والمنظمات التي تنظم تلك المعاهدات والمتعلقة بموضوع السلاح وذلك لأهمية السلاح وكونه الأداة العظمى للتحكم بالعالم.

وهنا لا بد من توضيح حقيقة مهمة. وهي أن حق أية دولة في السلاح هو من أقدم قواعد القانون الدولي العام ذلك لأن حق الدفاع ليس موضع جدل كما إنه ليس مقبولا أن يكون لدولة ما تقييد حق دولة اخرى في التسليح. فما الذي فعله الأوربيون الكبار أمام هذه الحقيقة التي تجيز لكل دولة حق التسلح المطلق مما يمكن أن يحدد قدرة الكبار على التحكم ببقية العالم؟ لقد استغلوا مجلس الأمن وميثاق الأمم المتحدة، لخرق القاعدة الأساس في القانون الدولي العام، في أنهم اختاروا وصف سلاح دولة ما في أنه يشكل خطرا على الأمن والسلم الدولي مما يجيز للمجلس التدخل لحماية السلم والأمن. وهم بذلك خرقوا أكثر من قاعدة قانونية. ذلك أنهم وضعوا مجلس الأمن وسلطته فوق القانون الدولي وهذا لا يمكن أن يكون حيث إن الدول التي تعاقدت في ميثاق الأمم المتحدة لم تتعاقد على إجازة المنظمة أن تقوم بخرق القانون الدولي. كما انهم الغوا القاعدة الأساس التي ثبّتها القانون الدولي في حق كل دولة في امتلاك السلاح الذي تختاره. ثم إنهم فوق ذلك كله خلقوا قاعدة جديدة مفادها أنهم، أي الكبار، يحق لهم أن يتسلحوا كما يشاؤون في الوقت الذي يحق لهم أن يمنعوا من يشاؤون عن اختيار السلاح.

ثم قام الكبار بوضع هذه السياسة في السيطرة على السلاح في العالم عن طريق معاهدات ومواثيق ثم تشكيل منظمات لتأمين تطبيقها. وهكذا نجح الكبار في تطويع دول العالم لقبول هيمنتهم على سلاح العالم عن طريق تمكنهم من الإنفراد باختيار السلاح الذي يشاؤون مع تمكنهم في الوقت ذاته من منع الآخرين من امتلاك السلاح كما يعتقدونه ضروريا لدفاعاتهم. وهكذا تمكنت الصهيونية، التي وإن كانت ليست وحدها في الميدان لكن لإسباب ليس هذا مكان بحثها، من تسخير مجلس الأمن وميثاق الأمم المتحدة للهيمنة على منطقتنا بشكل خاص وبقية العالم بشكل عام.

فما هي تلك المعادات وما هي المنظمات التي اقيمت لإدارة السيطرة الصهيونية على عالمنا وكيف اصطفت حكومات العرب طوعا أو كرها للدخول في عالم العبودية وكيف دفعت طوعا أبهظ الأثمان من أجل ذلك.
هذا ما سأبحث فيها في الجزء القادم.

فللحديث صلة…..
عبد الحق العاني
لندن في 21 حزيران 2022

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image