قل ولا تقل / الحلقة السادسة والأربعون بعد المائة

  إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (مصطفى جواد)

قل: الغاية تُسوِّغ الواسطة و تُبّرها ابراراً

ولا تقل: تُبرّرها تبريراً

كتب مصطفى جواد: “قال ابن فارس في مقاييس اللغة: “الباء والراء في المضاعف أربعة اصول: الصدق وحكاية صوت وخلاف البحر ونبت، فأما الصدق فقولهم: صدق فلان وبرَّ وبرَّت يمينه: صدقت، وأبرّها أمضاها على الصدق وتقول برَّ الله حجك وأبرّه وحِجة مبرورة أي قبلت قبول العمل الصادق، ومن ذلك قولهم: يبر ربه أي يعطيه وهو من الصدق، قال:

لا همَّ لولا أن بكراً دونكا يبرّك الناس ويفجرونكا

…. وقولهم للجواد السابق (المبرّ) هو من هذا، لأنه إذا جرى صدق وإذا حمل صدق، قال ابن الأعرابي: سألت اعرابياً هل تعرف الجواد المبر من البطيء المقرف؟ قال: نعم…. وأصل الإبرار ما ذكرناه من القهر والغلبة ومرجعه الضر، قال طرفة:

يكشفون الضر عن ذي ضرهم ويبرون على الأبي المبر

ومن هذا الباب قولهم: “يبر ذا قرابته وأصله الصدق في المحبة، يقال رجل بارّ وبرّ وبررت والدي وبررت في يميني، وأبرّ الرجل ولد أولاداً أبراراً”.

وفي كل ما ذكر ابن فارس لم نر إلا “بر” الثلاثي  و “أبرّ ابراراً” الرباعي، وفتشنا الصحاح للجوهري فلم نجد فيه “برّره تبريراً” وذكر الراغب الأصبهاني في غريب القرآن الفعل الثلاثي حسب، وقوله تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم” وقال “حج مبرور أي مقبول”. ولم يذكر الزمخشري في أساس البلاغة من الأفعال إلا الثلاثي والرباعي “أبرّ ابراراً” وكذلك المطرزي في المغرب والفيومي في المصباح المنير والمبارك بن الأثير في النهاية  وإبن مكرم الأنصاري في لسان العرب والفيروزأبادي في القاموس والطريحي في مجمع البحرين وأحمد شدياق في كتابه “سر الليال في القلب والإبدال” ص 136.

وأنا أجيز “برّره يُبرّره تبريراً” لغير ذلك المعنى. أجيزه للبشر.  فنقل الفعل الثلاثي اللازم الى الرباعي المضعف العين لإفادة نسبة المفعول الى أصل معنى قياسي عندي.  تقول: بَخّله أي نسبه للبخل،  وبدّعه أي نسبه الى البدعة،  وبرّأه أي نسبه الى البراءة، و جرّمه اي نسبه الى الجرم، و جوّره أي نسبه الى الجور،  حمّقه أي نسبه الى الحمق،  وخطّأه أي نسبه الى الخطأ،  وخوّنه أي نسبه الى الخيانة و خوّره أي نسبه الى الخور، وزكّاه أي نسبه الى الزكاة،  و زنّاه أي نسبه الى الزنا، و سفهه أي نسبه الى السفاهة، وصدّقه أي نسبه الى الصدق، وضلّله أي نسبه الى الضلال، وظلّمه أي نسبه الى الظلم،  وعدّله أي نسبه الى العدل، وعقّله أي عده عاقلاً و غلّطه اي نسبه الى الغلط، وفجّره أي نسبه الى الفجور وقدّسه أي نسبه الى القدس وكفّره أي  نسبه الى الكفر، فهذه واحد وعشرون من الضرب المذكور خطرت ببالي عند ذكري هذا الإشتقاق القياسي وليست العربية خلية من أفعال غيرها جاءت لهذا المعنى  العام الخاص بالبشر. 

فالصواب أن يقال: أبرّ الشيء يبرّه ابراراً أو سوّغه يُسوِّغه تسويغاً. جاء في مختار الصحاح “وساغ له ما فعل أي جاز وأنا سوغته أي جوزته”.

وفي المصباح المنير “ساغ سوغاً من باب قال: سهل مدخله في الحلق…. ومن هنا قيل: ساغ فعل الشيء بمعنى الإباحة ويتعدى بالتضعيف فيقال: سوّغته أي أبحته”. 

قل: اقرأْ على فلان السلام

ولا تقل:  أَقرِئ فلاناً السلامَ

كتب الصفدي: “ويقولون: أَقرِئ فلاناً السلامَ. والصواب: اقرأْ عليه السلام، فأما أقْرِئْه السلام فمعناه: اجعلْه أنْ يقرأ السلامَ، كما يقال: أقرأته السورةَ، وقد غلِطَ حبيبٌ في مثل هذا فقال: 

أقْري السلامَ معرَّفاً ومُحَصَّباً

من خالدِ المَعروفِ والهَيْجاءِ

والصواب ما أنشده أبو عليّ:

اقرأ علَى الوَشَلِ السلامَ وقُلْ له

كُلُّ المشاربِ مُذْ هُجِرتَ ذَميمُ ” 

قل: أستُهتِرَ فلان بالدنيا وفلان مُستَهْتَرٌ بالدنيا

ولا تقل: إستَهتَرَ فلان ولا فلان مُستهتِرٌ

وكتب مصطفى جواد: “قل: أستُهتِرَ فلان بالدنيا واستُهتِرَ بالخمر واستُهتِرَ الزاهدُ بعبادة الله واستُهتِرَ غيره بالنساء فالأول مُستهتَرٌ بالدنيا والثاني مُستهتَرٌ بالخمر والثالث مٌستهتَرٌ  بعبادة الله والرابع مُستهتَرٌ بالنساء ومعنى أستُهتِرَ بها وبهن أنهم أولعوا بهن إيلاعاً كثيراً وأحبوهن حباً جماً تجاوز المعقول المقبول.

أنه من الأفعال المبنية للمجهول والمجهول فاعلوها. جاء في لسان العرب “وفي الحديث: سبق المُفْرِدُونَ؛ …… قال: والمُفْرِدُونَ يجوز أَن يكون عني بهم المُتَفَرِّدُونَ المُتَخَلُّونَ لذكر الله، والمُسْتَهْتَرُونَ المُولَعُونَ بالذكر والتسبيح.
وجاء في حديث آخر: هم الذين اسْتُهْتِرُوا بذكر الله أَي أُولِعُوا به. يقال: اسْتُهْتِرَ بأَمر كذا وكذا أَي أُولِعَ به لا يتحدّثُ بغيره ولا يفعلُ غيرَه.” وقال قبل ذلك: “وأَما الاسْتِهْتارُ فهو الوُلوعُ بالشيء والإِفراط فيه حتى كأَنه أُهْتِرَ أَي خَرِفَ.” ثم قال: ” وفلان مُسْتَهْتَرٌ بالشراب أَي مُولَعٌ به لا يبالي ما قيل فيه.”  ثم قال: “واسْتُهْتِرَ فلان (بالشيء) فهو مُسْتَهْتَرٌ إِذا ذهب عقله فيه وانصرفت هِمَمُه إِليه”.

فاستعمال “استُهتر ذو المجرور” للذم المطلق غير صحيح. فإذا قيل “فلان مستهتر” فقط انصرف القول الى الذم، ففي كتاب “الفائق” للزمخشري “قال ابن عمر (رضي الله تعالى عنهما): أعوذ بك أن أكون من المستهترين”، قال الزمخشري: هم السقاط الذين لا يبالون ما قيل لهم وما شُتموا به…. يقال: أستُهتر فلان إذا ذهب عقله بالشيء وانصرفت همته اليه حتى أكثر القول فيه وأولع به، أراد (ابن عمر) المستهترين بالدنيا. 

لأنه من الأفعال المبنية للمجهول المجهول فاعلوها. جاء في لسان العرب “وفي الحديث: سبق المُفْرِدُونَ؛ …… قال: والمُفْرِدُونَ يجوز أَن يكون عني بهم المُتَفَرِّدُونَ المُتَخَلُّونَ لذكر الله، والمُسْتَهْتَرُونَ المُولَعُونَ بالذكر والتسبيح.
وجاء في حديث آخر: هم الذين اسْتُهْتِرُوا بذكر الله أَي أُولِعُوا به. يقال: اسْتُهْتِرَ بأَمر كذا وكذا أَي أُولِعَ به لا يتحدّثُ بغيره ولا يفعلُ غيرَه.” وقال قبل ذلك: “وأَما الاسْتِهْتارُ فهو الوُلوعُ بالشيء والإِفراط فيه حتى كأَنه أُهْتِرَ أَي خَرِفَ.” ثم قال: ” وفلان مُسْتَهْتَرٌ بالشراب أَي مُولَعٌ به لا يبالي ما قيل فيه.”  ثم قال: “واسْتُهْتِرَ فلان (بالشيء) فهو مُسْتَهْتَرٌ إِذا ذهب عقله فيه وانصرفت هِمَمُه إِليه”.

قل: بكم ثوبك مصبوغا (إذا سألت عن ثمن الثوب)

ولا تقل: بكم ثوبك مصبوغ

كتب الحريري: “ومن ذلك أنهم لا يفرقون بين قولهم: بكم ثوبك مصبوغا وبكم ثوبك مصبوغ، وبينهما فرق يختلف المعنى فيه، وهو أنك إذا نصبت مصبوغا كان انتصابه على الحال والسؤال واقع عن ثمن الثوب وهو مصبوغ، وإن رفعت مصبوغا رفعته على أنه خبر المبتدإ الذي هو ثوبك وكان السؤال واقعا عن أجرة الصبغ لا عن ثمن الثوب.”

قل: هو من نُخَبَة القوم

ولا تقل: هو من نُخْبة القوم

كتب الحنفي: “العامة تقول : نُخْبةُ القومِ ، بسكون الخاء.  والصواب فتحها. وفي القاموس: النُخَبَةُ بالضم ، وكَهُمَزَةٍ : المختار.”

وكتب الجوهري في الصحاح في باب (نخب): “… والنُّخّبّةُ مثل النٌّجَبَةُ والجمع “نُخبٌ” مثل رُطَبَةٌ و رُطَبٌ. يقال جاء في نُخَبِ أصحابه أي في خيارهم.”

 

وفوق كل ذي علم عليم!

وللحديث صلة….

 

عبد الحق العاني

 

15 كانون الثاني 2023

www.haqalani.com

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image