قل ولا تقل / الحلقة الحادية عشرة

قل: القانون الدُّوَليَ

ولا تقل: القانون الدَّوْليَ

لأنه منسوب الى عدة دول ويراد بنسبته الدلالة على اشتراك الدول فيه. وذلك كقول العرب “رجل شعوبي” للقائل بمقالة الشعوبية، و “أصولي” للعالم بالأصول، و”إخباري” للعالم بالأخبار كالمسعودي. فهم لم يقولوا “رجل شعبي” بمعنى شعوبي ولا “أصلي” بمعنى أصولي ولا “خبري” بمعنى إخباري. فالنسبة الى الجمع واجبة إذا أريدت الدلالة على الإشتراك الجمعي. أفلا ترى أن الأمير عبيد الله بن عبد الله الطاهري صاحب ابن المعتز سمى رسالة له “السياسة الملوكية” ولم يقل “الملكية”. وقال قبله شيخ الكتاب الفصحاء ابو عثمان الجاحظ في كتاب الحيوان “إن سهره بالليل ونومه بالنهار خصلة ملوكية”. وقال شيخ الأخباريين ابو الفرج الأصفهاني في وصف العباس بن الأحنف “كان ظاهر النعمة ملوكي المذهب”. وأنت تقول “دراسة حقوقية” لا “حقية”. وسمى عثمان بن جني العلامة كتابه “التصريف الملوكي” وهو مطبوع.

فالدُّوَلي (بضم  الدال أو كسرها وفتح الواو)، يوازي “انترناشنال” في الإنكليزية و “انترناسيونال” في الفرنسية. وأما “الدَّوْلي” بسكون الواو فإنه يستعمل للتمييز عن “الشعبي” و “العرفي” و “قانون العشائر” و “الأهلي” وما إلى ذلك. ثم إن العرب أجازت النسبة إلى الجمع إذا كان للحرفة والصنعة كالإبري والأمشاطي والمحاملي، وإذا كان يوازنه في ظاهر اللفظ مفرد من المفاريد، فالدَول يوازن “الصّرد” والعرب جعلت النسبة للتمييز واتخذت القواعد ذرائع وأسباباً لا غايات ولا نهايات وقد مر في المقدمة شيء من هذا. (م ج)

 قل: جرت مفاوضات دُوَلية للمفاوضات التي تكون بين جمهرة دول

ولا تقل: جرت مفاوضات دَوْلية ولا المفاوضات الدّوْلية لذلك المعنى

وذلك لأن المراد هو نسبة المفاوضات بين جمهرة الدول لا إلى جنس الدولة، والفرق كبير بين المنسوب الى الفرد أي الدَّوْلي والمنسوب الى الجمع أي الدُّوَلي، فالجمع يفيد الكثرة والإشتراك في مثل هذا المعنى، كالشعوبي فإنه غير الشعبي، وسمى أبو الفتح عثمان بن جني فيلسوف النحو والصرف كتابه في التصريف وهو مطبوع متداول “تصريف الملوكي”، ولم يستعمل الجاحظ في كتبه الا “الملوكي” وقال أهل الأدب “الرسائل الديوانية والرسائل الإخوانية”، ولم يقولوا “الرسائل الأخوية” لأن ذلك لا يؤدي المعنى المرُاد، وإن كان صحيحاً في غيره، فالمراد تكون بين الإخوان بمعنى الأصدقاء.

ولكون الجمع يفيد الكثرة في النسبة، نسبت العرب الى الحرف والصناعات والمهن وأشباهها مجموعة فقد قالوا: الإبري والأقفالي والأقفاصي والأنماطي والكرابيسي والملاحمي والمحاملي والأكفاني والخرائطي والقراطيسي والجواليقي والخواتيمي والقماطري والطرائفي والعمائمي والمغازلي والجعابي والجذوعي والقلايسي والطرابيقي والطيالسي والفرائضي والجلودي والقدوري والجلاجلي في أنساب علماء وفضلاء وأعيان مشاهير من رجال الأمة. وقد اعترض الحريري صاحب المقامات في كتابه “درة الغواص في أوهام الخواص” على من يقول “صُحفي” لمن يقتبس علمه من الصحف، قال: “والصواب عند البصريين صَحَفي نسبة الى صحيفة المفرد كحَنَفي نسبة الى حنيفة، فإنهم لا يرون النسب الى واحد الجمع، إلا أن يُجعل الجمع علماً للمنسوب اليه، كمدائن وكلاب، فيقال مدائني وكلابي أو كان في النسب الى الواحد التباس كاعرابي فإنه لو قيل عربي لألتبس بالمنسوب الى العرب وبينهما فرق مذكور في محله”. وجاء في شرح الدرة أن بربري العالم اللغوي المشهور قال “كونه لا ينسب الى الجمع قول البصريين وهو المشهور وخالفهم الكوفيون فجوزوا النسب الى الجمع مطلقا”. وجاء قيد المانعين من النسبة الى الجمع استثنوا صوراً منها أن يكون وزن الجمع له نظير في كثير من المفردات ومنها أن يقصد النسب الى اللفظ كشعوبي فانه نسب الى لفظ شعوب في قوله القائل “شعوباً وقبائل”. فالكوفيون كانوا ينسبون الى الجمع مطلقاً ويجوزون ذلك مطلقاً، وإيجاب النسبة الى المفرد بدعة صرفية من بعض غلاة البصرة، الذين لم ينظروا الى الواقع اللغوي، الذين يعدون القاعدة التي ابتدعوها هم أنفسهم غاية لا واسطة، ومع ذلك فقد ذكرنا أن عثمان بن جني وهو ممن كان يذهب مذهب البصريين سمى كتابه “التصريف الملوكي” خوفا من الإلتباس.

والحقيقة أن اللغة لا تنظر في النسبة الى المفرد والجمع من حيث هما مفرد وجمع بل تنظر من حيث إفادة النسبة للمعنى المقصود بها، فإن دل المفرد رجحت النسبة اليه وإن دل الجمع رجحت النسبة اليه، وطريقة التمييز بينهما أن تستعمل الإضافة مكان النسبة، فإن أفاد المفرد المراد نسبت اليه وإن أفاد الجمع المراد نسبت اليه. فإن قلنا “مُفاوضات دَولة أو مفاوضات الدَّوْلة”  فقولنا لايفيد “مفاوضات دُوَل ولا ومفاوضات الدُّوَل”. فقل إذن “مفاوضات دُوَلية والمفاوضات الدُّوَلية” ولا تقل: “مفاوضات دَوْلية ولا المفوضات الدَّوْلية”. وقل “القانون الدُّوَلي” ولا تقل “القانون الدَّوْلي”. (م ج)

قل: السكك الحديد

ولا تقل:  السكك الحديدية

وذلك لأن السكك المذكورة مصنوعة كلها من الحديد، ولم يضف اليه شيء آخر من الفلزات والمعدنيات، وكان الناس يقولون “سافر فلان في قطار السكة الحديد” وكذاك كانوا يكتبون حتى ظهر مؤلف “تذكرة الكاتب” أسعد خليل داغر فدعا الناس الى ترك هذه العبارة مع انها صحيحة. قال في تذكرة الكاتب – ص41- “ويقولون: سافر فلان  في السكة الحديد فكأنهم يضيفون السكة الى الحديد أو يجعلون الحديد أو السكة الحديدية” انتهى قوله. وهذا القول من الأوهام لأن المقرر في كتب النحو أن الشيء إذا وصف بالجوهر أي المادة وكان جميعه من تلك المادة فيؤتى بالمادة بعينها من غير اضافة، تقول الخاتم الذهب لأنه كله من الذهب والكأس الفضة لأنها كلها من الفضة، والسكة الحديد لأنها كلها من الحديد والكرسي الخشب إذا كان جميعه من الخشب.

أما إذا أضفت الى ذهب الخاتم قليلاً من فضة أو غيرها  مثلاً فحينئذ تقول “الخاتم الذهبي” للدلالة على أن أكثره ذهب. قال الخطيب البغدادي في أول تأريخ بغداد من تأليفه: “عن أبي عثمان عن جرير يرفعه قال رسول الله (ص) تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة أهلها أسرع هلاكاً في الأرض من السكة الحديد في الأرض الرخوة”. فهذا الحديث الذي جاء فيه “السكة الحديد” وإن كان من الأحاديث العليلة التي اختلقت بعد تأسيس بغداد سنة 145 فهو قديم جرى على ألسنة الناس قبل أكثر من الف سنة وهو يؤكدة القاعدة  التي ذكرتها آنفاً من كتب النحو.

فقل: السكة الحديد والسكك الحديد ولا تقل: السكة الحديدية ولا السكك الحديدية.

ولزيادة البيان أقول إذا كان عندك مشوش أو منديل مصنوع من الحرير الخالص قلت: المنديل الحرير، وإذا كان مع الحرير قطن أو غير ذلك من مواد الغزل جاز لك أن تقول “المنديل الحريري” فالنسبة إذن لا تفيد أن المنسوب هو من ذات المنسوب اليه بل تفيد أن له صلة به ومجانسة وما جرى مجرى ذلك أعني ان النسبة تفيد الجزئية لا الكلية. (م ج)

قل: الغاية تُسوِّغ الواسطة و تُبّرها ابراراً

ولا تقل: تُبرّرها تبريراً

قال ابن فارس في مقاييس اللغة: “الباء والراء في المضاعف أربعة اصول: الصدق وحكاية صوت وخلاف البحر ونبت، فأما الصدق فقولهم: صدق فلان وبرَّ وبرَّت يمينه: صدقت، وأبرّها أمضاها على الصدق وتقول برَّ الله حجك وأبرّه وحِجة مبرورة أي قبلت قبول العمل الصادق، ومن ذلك قولهم: يبر ربه أي يعطيه وهو من الصدق، قال:

لا همَّ لولا أن بكراً دونكا                       يبرّك الناس ويفجرونكا

…. وقولهم للجواد السابق (المبرّ) هو من هذا، لأنه إذا جرى صدق وإذا حمل صدق، قال ابن الأعرابي: سألت اعرابياً هل تعرف الجواد المبر من البطيء المقرف؟ قال: نعم…. وأصل الإبرار ما ذكرناه من القهر والغلبة ومرجعه الضر، قال طرفة:

يكشفون الضر عن ذي ضرهم                 ويبرون على الأبي المبر

ومن هذا الباب قولهم: “يبر ذا قرابته وأصله الصدق في المحبة، يقال رجل بارّ وبرّ وبررت والدي وبررت في يميني، وأبرّ الرجل ولد أولاداً أبراراً”.

وفي كل ما ذكر ابن فارس لم نر إلا “بر” الثلاثي  و “أبرّ ابراراً” الرباعي، وفتشنا الصحاح للجوهري فلم نجد فيه “برّره تبريراً” وذكر الراغب الأصبهاني في غريب القرآن الفعل الثلاثي حسب وقوله تعالى: “لا ينهاكم عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم” وقال “حج مبرور أي مقبول”. ولم يذكر الزمخشري في أساس البلاغة من الأفعال إلا الثلاثي والرباعي “أبرّ ابراراً” وكذلك المطرزي في المغرب والفيومي في المصباح المنير والمبارك بن الأثير في النهاية  وإبن مكرم الأنصاري في لسان العرب والفيروزأبادي في القاموس والطريحي في مجمع البحرين وأحمد شدياق في كتابه “سر الليال في القلب والإبدال” ص 136.

وأنا أجيز “برّره يُبرّره تبريراً” لغير ذلك المعنى. أجيزه للبشر.  فنقل الفعل الثلاثي اللازم الى الرباعي المضعف العين لإفادة نسبة المفعول الى أصل معنى قياسي عندي.  تقول: بخلّه أي نسبه للبخل،  وبدّعه أي نسبه الى البدعة،  وبرّأه أي نسبه الى البراءة، و جرّمه اي نسبه الى الجرم، و جوّره أي نسبه الى الجور،  حمّقه أي نسبه الى الحمق،  وخطّأه أي نسبه الى الخطأ،  وخوّنه أي نسبه الى الخيانة و خوّره أي نسبه الى الخور، وزكّاه أي نسبه الى الزكاة،  و زنّاه أي نسبه الى الزنا، و سفهه أي نسبه الى السفاهة، وصدّقه أي نسبه الى الصدق، وضلّله أي نسبه الى الضلال، وظلّمه أي نسبه الى الظلم،  وعدّله أي نسبه الى العدل، وعقّله أي عده عاقلاً و غلّطه اي نسبه الى الغلط، وفجّره أي نسبه الى الفجور وقدّسه أي نسبه الى القدس وكفّره أي  نسبه الى الكفر، فهذه واحد وعشرون من الضرب المذكور خطرت ببالي عند ذكري هذا الإشتقاق القياسي وليست العربية خلية من أفعال غيرها جاءت لهذا المعنى  العام الخاص بالبشر.

فالصواب أن يقال: أبرّ الشيء يبرّه ابراراً أو سوّغه يُسوِّغه تسويغاً. جاء قي مختار الصحاح “وساغ له ما فعل أي جاز وأنا سوغته أي جوزته”.

وفي المصباح المنير “ساغ سوغاً من باب قال: سهل مدخله في الحلق…. ومن هنا قيل: ساغ فعل الشيء بمعنى الإباحة ويتعدى بالتضعيف فيقال: سوّغته أي أبحته”. (م ج)

قل: هذا صِمام الأمان

ولا تقل: هذا صَمّام الأمان

من الأخطاء التي شاعت كذلك قولنا “صَمّام الأمان” بفتح الصاد وتشديد الميم وفتحها، والصواب أن تُكسر الصاد وتُفتح الميم من غير تشديد، فيقال “صِمام الأمان”. يقول ابن منظور في اللسان: ” ويقال لِصِمام القارورة: صِمّةٌ، وصمَّ رأسَ القارورة يصُمّه صَمّاً وأصَمَّه: سَدّه وشَدّه، وصمامُها: سِدادُها وشِدادُها. والصِّمام: ما أُدخل في فم القارورة، والعفاصُ ما شُدّ عليه، وكذلك صِمامتُها، عن ابن الأعرابي: وصَمَمتُها أصُمّها صَمّاً إذا شددت راسها، الجوهري: تقول صَمَمتُ القارورة أي سددتها، وأصْمَمتُ القارورة أي جعلت لها صِماماً”

وجاء في المعجم الوسيط حول هذه الكلمة بعد أن أقرّها المجمع علمياً ووضع لها تعريفاً: الصِّمامُ: السّداد، وصِمام الأمن والأمان (في الهندسة الميكانيكية): سَدّاد ينفتح من تِلقاء نفسه عندما يزيد الضغط على الحد المرسوم (مج). (خ ع )

قل: يجري البحث في تشكيل الحكومة المنتظرة

ولا تقل: يجري البحث في تشكيل الحكومة العتيدة

وقد شاع في الإعلام اللبناني استعمال كلمة “عتيدة” بمعنى “منتظرة” فيقولون “يجري البحث في تشكيل الحكومة العتيدة”. وهذا غلط لأن الحكومة العتيدة هي الحكومة القائمة ولا يجري البحث في تشكيل ما هو قائم بل يجري البحث في تشكيل ما هو منتظر. وقد نبه إبراهيم اليازجي لهذا منذ عقود في كتابه “لغة الجرائد” حين كتب : “ويقولون أمر عتيد ويوم عتيد أي منتظر فيغلطون فيه لأن العتيد بمعنى الحاضر المهيأ وقد أعتد الأمر أي أعده وأمر معتد وعتيد”.[1]

إلا أنه رغم تنبيه اليازجي ما زال الإعلام اللبناني يستعمل “عتيد” بالمعنى المغلوط.

فقد جاء في لسان العرب في باب “عتد”: “وعَتُدَ الشيءُ عَتادَةً، فهو عَتِيدٌ: حاضر. قال الليث: ومن هناك سُمِّيَتِ العَتِيدَةُ التي فيها طِيبُ الرجل وأَدْهانُه.

ثم قال بعدها: “وفرس عَتَدٌ وعَتِدٌ، بفتح التاء وكسرها: شديد تامّ الخلق سريع الوثبة مُعَدٌّ للجَرْيِ ليس فيه اضطِرابٌ ولا رَخاوَةٌ، وقيل: هو العتيد الحاضر المُعَدُّ للركوب”

أما القاموس المحيط فقد أورد المعنى : “العَتيدُ: الحاضِرُ المُهَيَّأ”.

أما إبن فارس فقد أخبرنا في باب “عتد” في مقاييس اللغة ما يلي: “العين والتاء والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حضورٍ وقُرب. قال الخليل: تقول عَتُدَ الشّيءُ، وهو يعتُد عَتاداً، فهو عَتيدٌ حاضر”.

وقد جاءت كلمة عتيد مرتين في الكتاب الكريم وهما :” مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ” (ق/18) و ” وقال قرينه هذا ما لدي عتيد” (ق/ 23) ومعناها هذا الإنسان الذي هو عندي حاضر.

وهكذا نرى أنه ليس في شواهد القرآن وشواهد المعجمات ما يدل على إمكانية كون عتيد أن تعني منتظراً أو متوقعاً كما يستعملها الإعلام اللبناني.

فقل الحكومة المنتظرة

ولا تقل: الحكومة العتيدة (إذا كانت قيد التشكيل) (ع ع)

وللحديث صلة….

عبد الحق العاني

 14 أيلول 2013


[1] إبراهيم اليازجي – لغة الجرائد

This Post Has One Comment

  1. أحمد

    كلش نايس .. شكرا جزيلاً

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image