قل ولا تقل / الحلقةالثالثة والثلاثون

 

إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

 

قل: كُسرت سن من أسنانه، وإحدى اسنانه مكسورة وسنه كبيرة أي متقدم في العمر

ولا تقل: أحد أسنانه مكسور ولا سنه كبير

وذلك لأن “السن” مؤنثة ولم يرد فيها جواز التذكير إلا في الشعر والشعر ذو ضرائر، وتصغر السن على سنينة جرياً على طريقة التصغير في الإسم المؤنث الثلاثي الخالي من علامة التأنيث.

قال الجوهري في الصحاح: “والسن واحدة الأسنان” ولم يقل واحد الأسنان.

وقال الزمخشري في الأساس “وحطمته السن العالية”. وقال “ومن المجاز كبرت سنه”. وقال الفيومي في المصباح المنير: “السن من الفم مؤنثة وجمعه أسنان مثل حِمل وأحمال….. والسن إذا عنيت بها العمرمؤنثة أيضاً لأنها بمعنى المدة”. ثم قال: “الضرس مذكر ما دام له هذا الإسم فإن قيل فيه سن فهو مؤنث والتذكير والتأنيث باعتبار لفظين، وتذكير الأسماء وتأنيثها سماعي”. وقد ورد تذكير السن لضرورة الشعر، قال زيد بن جندب الأيادي الخارجي الأزرقي:

أشغى عقنباة وناب ذو عصل          وقلح باد وسن قد نصل

وقال أحد شعراء المغرب القدماء:

ولكن التجلد لي خدين                  فسني ضاحك والقلب دامي

وقال الحسين بن الضحاك:

ولو كنت شكلاً للصبا لأتبعته           ولكن سني بالصبا غير لائق

فالسن الحقيقة مؤنثة واستعارتها للعمر لم تغير تأنيثها. أما قول صاحب المصباح: أنها تؤنث إذا عني بها العمر لأنها بمعنى المدة فغير وجيه فلو كان التأنيث جائيها من تأويل العمر بالمدة لأنث العمر أيضاً بتأويله بالمدة، مع أنه مذكر. وقد ذَكَّرَ السِّن المبارك بن الأثير في كلامه في النهاية، ولا عبرة بكلامه بعد إجماع اللغويين على التأنيث.

وأما تأنيث الفعل قبل السن بقولنا “كُسرت سن من أسنانه” مع كون السن مؤنثاً مجازياً فالباعث عليه أن العرب يرجحون تأنيث الفعل قبل الثلاثي المؤنث تأنيثاً مجازياً، عند خلوه من علامة التأنيث وذلك للتنبيه على أنه مؤنث. قال تعالى: “والتفت الساق بالساق”. وجاء في أخبار شريح القاضي في شرح نهج البلاغة لإبن ابي الحديد ما هذا نصه “ثم عاد الى القضاء وقد كبرت سنه فاعترضه رجل وقد انصرف مجلسالقضاء فقال أما حان لك أن تخاف الله وقد كبرت سنك وفسد ذهنك وصارت الأمور تجور عليك”. (م ج)

قل: أزوره مع هجره لي

ولا تقل: أزوره رغماً عن هجره لي

وكتب إبراهيم اليازجي: “ويقولون أزوره رغماً عن هجره لي ولا معنى للرغم هنا إنما هو من التعريب الحرفي والذي يقال في هذا المقام أزوره مع هجره لي أو على هجره وهو المعنى المراد من التعبير الإفرنجي.”إنتهى

والذي عناه اليازجي في التعريب الحرفي هو أن كلمة “رغم” المستعملة في الجملة أعلاه هي تعريب الكلمة الإنكليزية “despite” حيث عرب الكاتب العربي النص الإنكليزي “I visit him despite…” حرفياً فجاء بكلمة “رغم”. لكن صياغة الجملة العربية السليمة ليست بحاجة لها. وقد سبق أن كتبنا عن استعمال كلمة “خلال” الفائضة كذلك عن الحاجة وهي كلها تكشف عن عمق التغرب الفكري للمتعلمين من أبناء العربية حتى أضحوا يفكرون بلغة أعجمية.

قل: فعل ذلك على الرغم من أنف فلان

وقل: فعله برغم أنف فلان وفعله على رَغم فلان، إذا فعله على كره منه أي من خصمه مُريداً إذلاله

ولا تقل: فعله رغم أنف فلان

وذلك لأن نصب كلمة “رغم” ليس له وجه من النحو مقبول، عند إرادة هذا المعنى بالعبارة المذكورة أنه لم يفعل لإرغامه خاصة بل فعله لمنفعة يريدها في حال عدم الرضا من خصمه وأكثر من ذلك أي في حال إجباره على السكوت.

واللغة العالية هي في استعمال “على” أي “على الرغم من أنفه” و “على رغم أنفه”، ودونها لغة استعمال الباء أي “برغم” وغير الفصيح هو قولهم “فعله رغم أنف فلان”. ولا يجوز إلا في الشعر وللشعر ضرورات لا تسوّغ للناثر الحر المختار. فقل “على الرغم من أنفه وبالرغم منه” ولا تقل “رغم أنفه” إلا في الشعر. (م ج)

قل: شَكَرتُ لك ونَصَحتُ لك

ولا تقل: شكرتُكَ ونَصَحتُك

وكتب الكسائي: ” وتقول شَكَرتُ لك ونَصَحتُ لك. ولا يقال شكرتُكَ ونَصَحتُك. وهذا كلام العرب. قال الله تعالى” اشكر لي ولوالديك”، “واشكروا لي ولا تكفرون”، “ولا ينفعني نصحي إن أردت أن أنصح لكم”.إنتهى

إلا ان الجوهري ذكر في الصحاح في باب “نصح” جواز الإثنين:

“نَصَحْتُكَ نُصْحاً ونَصاحَةً. قال الذبياني:

نَصَحْتُ بني عَوْفٍ فلم يَتَقَبَّلـوا    رسولي ولم تَنْجَحْ لديهموسائلي

وهو باللام أفصح. قال الله تعالى: “وأنْصَحُ لكم”.”

وكتب في باب “شكر” جواز الإثنين كذلك:

” الشُكْرُ: الثناء على المحسِن بما أَوْلاكَهُ من المعروف. يقال: شَكَرْتُهُ وشَكَرْتُ له، وباللام أفصح.”

قل: فلانٌ خير الناس أو شر الناس

ولا تقل: فلان أخير الناس أو أشر الناس

وكتب ابن السكيت: “وتقول: فلانٌ خير الناس، وفلان شر الناس، ولا تقل أخير الناس ولا أشر الناس.”

وكتب الحريري: “ويقولون: فلان أشر من فلان، والصواب أن يقال: هو شر من فلان بغير ألف، كما قال الله تعالى: “إن شر الدواب عند الله الصم البكم”، وعليه قول الراجز:

إن بني ليس فيهم بر ** وأمهم مثلهم أو شر ** إذا رأوها نبحتني هروا

وفي البيت الأخير شاهد على أن المسموع: نبحته الكلاب، لا كما تقول العامة: نبحت عليه، وكذلك يقال: فلان خير من فلان بحذف الهمزة، لأن هاتين اللفظتين كثر استعمالهما في الكلام، فحذفت همزتاهما للتخفيف، ولم يلفظوا بهما إلا في فعل التعجب خاصة، كما صححوا فيه المعتل فقالوا: ما أخير زيداً وما أشر عمراً، كما قالوا: ما أقول زيداً وكذلك أثبتت الهمزة في لفظ الأمر فقالوا: أخير بزيد، وأشرر بعمرو، كما قالوا: أقول به، والعلة في إثباتها في فعلي التعجب والأمر أن استعمال هاتين اللفظتين إسماً أكثر من استعمالهما فعلاً، فحذفت في موضع الكثرة، وبقيت على أصلها في موضع القلة، فأما قراءة أبي قلابة: “سيعلمون غداً من الكذاب الأشر”،
فقد لحن فيها ولم يطابقه أحد عليها.”


قل: مَطَرَنا الله رحمة

ولا تقل: أمطَرَنا الله رحمة

وكتب إبن قتيبة: “قال أبو عبيدة: كل شيء من العذاب يقال فيه ” أُمْطِرْنا ” بالألف؛ قال الله تعالى: “فأمْطِرْ علَينا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ”، وكل شيء من الرحمة والغيث يقال فيه ” مُطِرَ”، وغيره يجيز مُطِرْنا وأُمْطِرْنا في كل شيء.”

وكتب عبد الهادي بو طالب: “ومن دقائق اللغة العربية أن الغيث يُستعمَل في خير ما يَنزِل من السماء. أما استعمال “مطر” بصيغة الإفراد فكثيرا ما يأتي للدلالة على الماء الذي يأتي بالفيضانات والكوارث. ولا يفيد هذا المعنى بصيغة الجمع. فالأمطار على ذلك غير المطر. الأمطار محمودة العاقبة. والمطر له عواقب وخيمة. وفي القرآن الكريم: “فأمطرنا عليهم مَطَرًا فساء مطر الْمُنْذَرين”. وفيه أيضا: “وأمطرنا عليهم حِجارة من سِجِّيل”.

ويقال على سبيل المجاز: “أمْطَرَ فلانٌ فلانا بوابل من الشتائم” و”أَمْطَرَه لَوْماً ونقدا”. وبعض المعاجم ذكرت خلاف ما ذكرته أعلاه. لكن منهجيتي في كتابة هذه الحلقات هو اعتماد الأصوب والأرجح بدلاً من استعمال الشاذ والضعيف. كما ينبغي تجنب المترادف حتى تتوحد اللغة العربية على كلمات واحدة. خاصة وكل مترادف له ما يميزه عما يبدو أنه نظيره. وقد أنكر بعض علماء اللغة وجود المترادف.”

قل: المُعْوَلُ عليه يُعَذَّبُ ببكاء أهلِهِ

ولا تقل: المُعَوَّلُ عليه يُعَذَّبُ ببكاء أهلِهِ

وكتب البستي: “ومنه قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: “المُعْوَلُ عليه يُعَذَّبُ ببكاء أهلِهِ”. ساكنة العين خفيفة الواو، من أَعْوَلَ يُعْوِلُ: إذا رفعَ صوتَهُ بالبكاءِ. والعامَّةُ تَرْويه: المُعَوَّلُ عليه، بالتشديدِ على الواو وليسَ بالجَيِّدِ. إنّما المُعَوَّلُ من التّعْويل، بمعنى الاعتمادِ. يُقالُ: ما على فُلانٍ مُعَوَّل، أي مَحْمل. وقالَ بعضهُم: عوَّلَ بمعنى أَعْوَلَ.” انتهى

وميز الجوهري في الصحاح بين الإثنين كما يلي:

“العَوْلُ والعَوْلَةُ: رفعُ الصَوت بالبكاء، وكذلك العَويلُ. تقول منه: أعْوَلَ.

وفي الحديث: المُعْوَلُ عليه يُعذَّبُ. وأعْوَلَتِ القوسُ: صَوَّتَتُ.

أبو زيد: عَوَّلْتُ عليه: أدْلَلْتُ عليه دَالَّةً وحملت عليه. يقال: عَوِّلْ عليّ بما شئت، أي استعن بي، كأنه يقول: احمِلْ عليَّ ما أحببتَ.

وماله في القوم من مُعَوَّلٍ، والاسم العِوَلُ. قال تأبَّطَ شرّاً:

لَكِنَّما عِوَلي إن كنتُ ذا عِـوَلٍ     على بَصيرِ بِكَسْبِ الحمدِ سَبَّاقِ”

قل: يجوز أَن تَقْصُروا من الصلاةِ

ولا تقل: يجوز أَن تُقَصِّروا من الصلاةِ

كتب المقدسي: “ويقولُ بَعْضُهُم: التقْصِيرُ من الصلاةِ. وصوابُهُ: القَصْرُ، وقد قَصرَ من الصلاةِ، قالِ اللهُ سُبحانَهُ: “أَن تَقْصُروا من الصلاةِ”.”

وقد فصل ابن فارس هذا الاختلاف في باب “قصر” في مقاييس اللغة فكتب:

“القاف والصاد والراء أصلانِ صحيحان، أحدهما يدلُّ على ألا يبلُغَ الشّيءُ مدَاه ونهايتَه، والآخر على الحَبْس. والأصلان متقاربان. فالأوّل القِصَر: خلافُ الطُّول. يقول: هو قَصيرٌ بيِّن القِصَر.

ويقال: قصَّرتُ الثَّوبَ والحبلَ تَقصيراً.

والقَصْر: قَصْر الصّلاة: وهو ألاَّ يُتِمّ لأجل السّفَر. قال الله تعالى: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ.”

قل: جاء الرجل بل المرأة

ولا تقل: جاء الرجل أو المرآة

وكتب عبد الهادي بوطالب: يرتكب المذيع والكاتب خطأ فيبادران إلى إصلاحه مستعملَيْن كلمة “أَوْ” ويقولان: “وهذا الكلام المبهَم، أو المقصود إبهامه” ويقصدان إصلاح كلمة المبهم بأنها ليست مرادة بل المراد هو “المقصود إبهامه”. أو يقول البعض أو على الأصح “المقصود إبهامه”.
كما يحدث أن يخطئ المذيع في تلاوة المكتوب وينتبه فيبادر إلى الإصلاح ويستعمل حرف أو. كأن يكون في النص: “وسينعقد المؤتمر” فيقول هو أو انعقد المؤتمر. ويقصد أن يقول:الصحيح هو انعقد المؤتمر لا أنه سينعقد.
والصواب في هذه التعبيرات وضع حرف “بل” بدل “أو” إذ بل – كما تقول قواعد النحو- تفيد الإضراب والإلغاء: “جاء الرجل بل المرأة”. و”هذه الكلمة مرفوعة بل منصوبة”. ولا يصح أن نقول أو المرأة، أو منصوبة. لأن التعبير بأو يحدث التباساً في المعنى يفهم منه أن الأمرين معاً جائزان أو واردان. فكثر استعمال “أو” للتخيير. واستعمال أو للإبطال ترجمة حرفية لنظيرتها (ou) في الفرنسية. وهي تفيد – من بين ما تفيده – الإبطال والتصحيح، ولكن كلمة أو في العربية تفيد التخيير في غالباستعمالها، وتأتي قليلاً للإبطال. ولرفع الإشكال يحسن استعمال حرف “بل” الذي يفيد الإبطال وإلغاء ما سبق ذكره.

وعلى هذا نقول: “طلبت منه أن يحضر عندي على الساعة العاشرة، بل التاسعة”: ولو قلنا أو التاسعة فقد يعني ذلك أن المطلوب للحضور مخَيَّر بين الساعتين. لذلك نوصي باستعمال بل: ونقول: “أخطأ، بل أجرم”، و”نسي بل كذب” و”ادّعى النسيان”. و”كان الموعد صباحاً بل ليلاً”. وفي القرآن الكريم: “وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مُكْرَمون”. “ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أموات، بل أحياءٌ عند ربهميُرزَقون”. “إن هم إلا كالأنعام بل هم أضلّ”.

قل: فلان يستحق التكرمة أو فلان أهل للمكرمة

ولا تقل: فلان يستأهل الإكرام

وكتب الحريري: “ويقولون: فلان يستأهل الإكرام وهو مستأهل للإنعام، ولم تسمع هاتان اللفظتان في كلام العرب، ولا صوبهما أحد من أعلام الأدب، ووجه الكلام أن يقال: فلان يستحق التكرمة، وهو أهل للمكرمة، فأما قول الشاعر:

لا بل كلي يا مي واستأهلي ** إن الذي أنفقت من ماليه

فإنه عنى بلفظة استأهلي، أي اتخذي الإهالة، وهي ما يؤتدم به من السمنوالودك. وفي أمثال العرب: استأهلي إهالتي وأحسني إنالتي، أي خذي صفو طعمتي، وأحسني القيام بخدمتي.” انتهى

وقد توسع ابن منظور في ذلك فنسب للأزهري رأياً مخالفاً استند فيه على قول إعرابي، لكنه ما لبث أن جاء بآراء مختلفة لغيره من علماء العربية تدعم ما جاء به الحريري فكتب في لسان العرب:

“الأزهري: وخطَّأَ بعضُهم قولَ من يقول فلان يَسْتأْهِل أَن يُكْرَم أَو يُهان بمعنى يَسْتحق، قال: ولا يكون الاستِئهال إِلاَّ من الإِهالة، قال: وأَما أَنا فلا أُنكره ولا أُخَطِّئُ من قاله لأَني سمعت أَعرابيّاً فَصِيحاً من بني أَسد يقول لرجل شكر عنده يَداً أُولِيَها: تَسْتَأْهِل يا أَبا حازم ما أُولِيتَ، وحضر ذلك جماعة من الأَعراب فما أَنكروا قوله، قال: ويُحَقِّق ذلك قولُه هو أَهْل التقوى وأَهل المَغْفِرة. …….المازني: لا يجوز أَن تقول أَنت مُسْتَأْهل هذا الأَمر ولا مستأْهل لهذا الأَمر لأَنك إِنما تريد أَنت مستوجب لهذا الأَمر، ولا يدل مستأْهل على ما أَردت، وإِنما معنى الكلام أَنت تطلب أَن تكون من أَهل هذا المعنى ولم تُرِدْ ذلك، ولكن تقول أَنت أَهْلٌ لهذا الأَمر، وروى أَبو حاتم في كتاب المزال والمفسد عن الأَصمعي: يقال استوجب ذلك واستحقه ولا يقال استأْهله ولا أَنت تَسْتَأْهِل ولكن تقول هو أَهل ذاك وأَهل لذاك، ويقال هو أَهْلَةُ ذلك. وأَهّله لذلك الأَمر تأْهيلاً وآهله: رآه له أَهْلاً.”

عبد الحق العاني

31آب 2014

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image