ما الفرق بين عروبة فلسطين وإسلامها؟

ليس من طبعي أن أعيد توجيه ما يصلني من مقالات أو أخبار عن طريق بريدي الإلكتروني إلى أصدقائي، حيث إني قدر ما أشعر به من ضيق حين يصلني الغث أحرص على ألا أزعج أصدقائي بمثله. لكني لا بد لي بين الحين والآخر أن أجد خبراً أو تعليقاً أو مقالاً فيه بعض مما يمكن أو يليق بأصدقائي الاطلاع عليه.

وهكذا كان الأمر قبل أيام. فقد وصلني مقال كتبه أحدهم وليس مهماً معرفة اسمه، وإن كانت هوية الكاتب وتوجهه العام مهمة في أحيان كثيرة إلا أن العاقل يمكن له أن يأخذ ما يشاء. فوجدت بعض ما جاء فيه مما يليق أو يجب على أصدقائي الاطلاع عليه فأعدت إرساله الى الدائرة الصغيرة جداً من أصدقائي ومعارفي.

لكني فوجئت برد فعل عدد من أقرب الأصدقاء ممن أعتز بهم وبآرائهم.

تعالوا معي نراجع ما قاله الكاتب مما سبب سخط أصدقائي. وألخص أدناه ما جاء في مقال الكاتب الأصلي:

  1. إن المدينة الي أسماها العبريون “أورشليم” والذي أخذوه هم عن الكنعانيين الذين سبقوهم كانت تعرف عند العرب باسم “إلياء” الذي أخذوه عن التسمية الرومانية وذلك قبل الإسلام وأثناء الدعوة وبعدها بقرون، وذلك كان اسمها عندما غزاها المسلمون ودخلها الخليفة عمر بن الخطاب.
  2. إن أول تسمية للمدينة بـ “القدس” ظهرت في عصور لاحقة حتى على الحكم الأموي في الشام.
  3. إن المسجد القائم فيها والمسمى اليوم بـ “المسجد الأقصى” لم يكن موجوداً يوم أذن تعالى لنبيه أن يصرح بالآية الكريمة “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير”.
  4. إن المسجد المسمى اليوم بـ “المسجد الأقصى” إنما بناه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان لأسباب سياسية لصرف المسلمين عن الكعبة والحج للأقصى بعد أن تمكن عبد الله بن الزبير من الحجاز وانحاز أهلها له، مما كان ممكنا أن يؤدي لانصراف الناس عن بني أمية بل وربما للاقتصاص منهم لقتلهم سبط النبي (ص).
  5. إن تسمية مسجد عبد الملك بن مروان بـ “المسجد الأقصى” تمت في مرحلة لاحقة لبنائه ثم نسجت القصص من قبل رواة التأريخ والفقهاء لتسويق ذلك بما في ذلك تلفيق الحديث النبوي عن شد الرحال للمسجد الأقصى والذي يبدو أنه أصبح من المسلمات اليوم!

ترى ما من الحقائق أعلاه ليس كذلك؟ فإذا كانت هذه حقائق، فليس مهماً هدف الكاتب والذي لا يتضح من المقال وإنما هو افتراض ممن لا يرغب في مواجهة الحقائق. أما إذا كانت هذه حقائق فليس معقولاً الرد على أنها غير معقولة.

إن رفض التأريخ لا يصنع تأريخاً بديلاً!

إن ما يهمني من كل ما جاء في المقال هو حقيقة استخدام الإسلام لأهداف سياسية منذ قبض الرسول الأكرم (ص) حتى اليوم. وإلا فكيف يمكن غض الطرف عن اختلاق مهم كذلك الذي رفع مقام الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان إلى حد لم يصله الأنبياء حين جعلنا نصدق أنه تعالى تحدث في كتابه عن مسجد لم يؤسس بعد حتى جاء عبد الملك فبناه. أليس في هذا تقديس لم ينله حتى الأنبياء؟ فإما أنه تعالى قد خص عبد الملك بن مروان بهذا الشرف الرفيع، وإما أن الفقهاء المنافقين أطلقوا الاسم على المسجد لرفع شأن الخليفة!

ولماذا السكوت عن أكاذيب وتضليل كهذا؟

أيظن من يفعل ذلك أنه يدعم الادعاء بعروبة فلسطين عن طريق الإشارة الى أن القرآن الكريم أشار صراحة لمسجدها رغم أن المحتج بهذه الآية يعلم يقيناً استحالة أن تكون الآية تشير لمسجد عبد الملك بن مروان؟

إن عروبة فلسطين لا تأتي عن طريق الادعاء والتمسك بالأكاذيب والتأريخ المسيس الذي قرأناه ونقرأه منذ ألف عام. إنها تأتي من حماية عروبتها والدفاع عنها بالمعنى الوجودي للإنسان العربي الذي عاش على تلك الأرض. وليس بمعنى المطالبة بشبر من الأرض هنا أو هناك أو علماً مهلهلاً أو إدارة بلدية أو أو…. كما فعل ويفعل أغلب القادة السياسيين الفلسطينيين.

قال تعالى “ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” فلم يكرم تعالى الأرض لكنه كرم ابن آدم وحين كرمه فقد جعله وصياً على تلك الكرامة فمن صانها فقد أطاع الله ونال عفوه ورحمته وعطاءه بما في ذلك الأرض وما فوقها وما تحتها. ومن لم يصن تلك الكرامة فقد عصى الله فلا بد أن يسلبه تعالى الأرض. ذلك لأن الأرض لا قدسية لها عند الله فهو يخلق أمثالها بلمح البصر. فقال عز من قائل “إن الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين” فجعلها عائمة في الملكية فمن لم يكن أهلاً لها بصيانة الكرامة التي ائتمنه الله عليها فليس له فيها حظ أو نصيب. وهكذا تنتقل ملكية الأرض من قوم لقوم عبر العصور. فليس عند الله أرض ملك أحد أبد الآبدين.

لكنه شاء أن تكون الأرض لمن يسكنها ويصون كرامته فإذا فعل كان الله في عونه وإذا لم يفعل فليس له من الله عون بل سوف يورثها قوماً آخرين. فإذا أراد عرب فلسطين أرضهم فعليهم بصيانة كرامتهم قبل أن تكون الأرض لهم. وهم لم يفعلوا بعد!

فقد اختاروا لهم قادة أذلاء، فكيف يكون الفلسطيني حافظاً لكرامته إذا كان رئيسه لا يستطيع أن يغادر مدينته دون موافقة السيد الصهيوني؟

ثم كيف يكون الفلسطيني حافظاً لكرامته إذا كان يصرخ في التلفاز كل يوم داعياً لإنقاذ الأقصى؟ أيريد الفلسطيني أن يتحرك العالم ليدافع عن حجارة مسجد؟ أم يريد أن يتحرك العالم كي يدافع عن كرامته المهدورة؟ فأي قيمة لحجارة مسجد يصلي فيهم أناس لا يمتلكون كراماتهم؟

لقد تمكنت الجاهلية الأولى من العرب اليوم فغدوا يتحدثون عن قدسية الحجارة كما فعل أسلافهم قبل أن يحاول الرسول النبي الأمي (ص) صرفهم عنها. فها هم يتدافعون لمسك الحجر الأسود بحجة قدسيته وهو ليس سوى حجر نيزك ساقط من السماء مما يسقط بآلاف الآلاف كل يوم. وهل سقوط الحجر من السماء يجعله مقدساً؟ أترى لو أن “هبل” نحت من حجر نيزك أكانت تصح عبادته؟

وكذا حال مسجد عبد الملك في “إلياء”!

إن عروبة فلسطين لم تأت من الإسلام وإنما من حقيقة أن الأقوام السامية تتابعت في سكن الأرض فكان العرب آخرهم. وليس لأن أسطورة ما نسجت عن مسجد مقدس جعلت من فلسطين أرضاً عربية. ولعل من أصدق القول هو القول باستحالة قيام دولة إسلامية في فلسطين، مما يجعل عبثية حركات سياسية مثل “حماس” و “الجهاد الإسلامي”، لأن دولة دينية لا يمكن أن تقوم في فلسطين. وعلة هذه الاستحالة هي أن الأديان السامية الثلاثة تؤمن أن فلسطين لها. فكيف يمكن أن ينفرد دين من هذه الثلاثة ليدعي أن فلسطين له؟ وهذه الحقيقة لا بد أن تكون بمستوى البديهيات في الحياة المعاصرة.

إن عرب فلسطين سواء أكانوا مسلمين أم نصارى أم يهوداً شركاء في الدولة العلمانية الفلسطينية، ومن لم يرتض بعلمانية الدولة فليس له مستقبل فيها وقد يكون عليه أن يرحل عنها. وهذه الحقيقة تعني استحالة الدولة اليهودية كما تعني استحالة الدولة الإسلامية. وهي تعني عبثية “خيال” الدولتين الذي لا أدري كيف يمكن لعاقل أن يفكر فيه قبل أن يسوق له؟ ففلسطين لا تسمح بأكثر من دولة وهذه الدولة يجب أن تكون علمانية عربية بحكم الواقع والتأريخ والجغرافيا.

إن محاولة إثبات عروبة فلسطين عن طريق قيام المسلمين باختلاق الأساطير وتلفيق الأحاديث عن قدسية مزعومة للمدينة لا تختلف أبداً عن محاولة اليهود الإصرار على كشف موقع هيكل سليمان الذي يعتقدون أنه إذا تحقق سيعطيهم الحق المطلق في الأرض. فهم واهمون وهم المسلمين. فما كان لهم قبل ألفي عام لم يعد لهم بموجب الحكم الإلهي الذي قضى “أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده”.

إن القول بأن “اورشليم” أو “إلياء” أو “القدس” كانت يوماً يهودية لا يجعلها أبداً يهودية، تماماً كما أن القول بأن “بابل” كانت بابلية لا يسلبها عروبتها اليوم!

عبد الحق العاني

8 كانون الأول 2015

This Post Has One Comment

  1. س. السندي

    خير الكلام … بعد التحية والسلام ؟

    ١: الحقيقة المرة تقول أن فلسطين ضاعت تماماً يوم أسلم بعض دجاليها نضال أبناءها المخلصين والشرفاء ، كما ستضيع كل البلدان المتأسلمة عاجلاً أم أجلاً ؟

    ٢: مصيبة المصائب في أمة أقرأ قلتها ولازلت أنها ليس فقط لا تقرأ بل لا تخجل من الماضي ولا تتعض من الحاضر ؟

    ٣: وأخيراً ..؟
    سأل هارون الرشيد ذات يوم جحا وهو في ديوانه هل تستطيع أن تعد المجانيين ياجحا ، فأجاب جحا كلا ولكن أستطيع أن أعد العقلاء ، سلام ؟

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image