قل ولا تقل / الحلقة الثانية والثلاثون بعد المائة

إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (مصطفى جواد)

فإن من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب. ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته اليها. (الثعالبي)

 

قل: فَسَدَ الشَّيءُ
ولا تقل: فَسِدَ الشَّيءُ

كتب الكسائي: “وتقول فَسَدَ الشَّيءُ بفتح السين”.

 

قل: قلب مُتْعَب وعمل مُفْسَد
ولا تقل: قلب مَتْعوب وعمل مَفْسود

كتب الصفدي: “ومن مفاضح اللحن الشنيع قولهم: قلب مَتْعوب وعمل مَفْسود ورجل مَبْغوض. ووجه القول أن يقال: قلب مُتْعَب وعمل مُفْسَد ورجل مُبْغَض، لأن مفعول الرباعي يبنى على مُفْعَل.”

  

قل: طرَدتُه فذهَب

ولا تقل: طرَدتُه فانْطَرَد

كتب الصفدي: “العامة تقول: طرَدتُه فانْطَرَد. والصواب: طرَدتُه فذهَب. قلت: يقال طردته فذهب، ولا يقال فيه انْفَعَل ولا افْتَعَل إلا في لغة رديئة، والرجل مطْرود وطَريد.”

 

قل: فسدَ الأمرٌ عليه
ولا تقل: انفسد الأمر عليهِ

كتب أبو الثناء الآلوسي: “ويقولون: انضاف الشيء إليهِ وانفسد الأمر عليهِ، وكلا اللفظين معيرة لكاتبهِ والمتلفظ بهِ لمخالفته السماع والقياس، والوجه أن يقال: أضيف إليهِ وفسد عليهِ. فقد تقرر في التصريف إن مطاوع فعل الثلاثي انفعل وافتعل، نحو شويتهُ فانشوى واشتوى. ومطاوع افعل الرباعي فعل، نحو أدخلتهُ فدخل. ويشترط في ذلك التعدي، فلا مطاوعة من اللازم. وما ورد مما يخالف ما ذكر نحو انزعج مطاوع أزعج وانطلق مطاوع أطلق وانفحم مطاوع أفحم، وغير ذلك مما هو على انفعل مطاوع أفعل الرباعي دون فعل الثلاثي، ونحو انسرب الشيء مطاوع سرب، بالسين المهملة وهو لازم (فهو) شاذ عن القياس المطرد والأصل المنعقد ولا يقاس عليهِ. فقد قالوا: يقتصر في الشواذ على السماع ولا يقاس عليها بالإجماع. وهذا مذهب أبي علي الفارسي وصحح قياسية انفعل من أفعل الرباعي، واختاره ابن عصفور وجعل (منهوى) شاذًا من هوى سقط، ومنغوى من غوى ضل لمكان اللزوم مطاوعين (لأهويته) و(أغويته) ودفع بهِ الشذوذ. وما ذكره في انسرب خالف فيهِ ابن بري، فقال: لا يجوز أن يأتي الفعل مطاوعًا لفعل لازم، فأما انسرب الوحش، وسرب فيهِ إذا دخل فهو مطاوع لأسربه كما أن انطلق مطاوع لأطلقه وظاهره أيضًا القول بقياسية انفعل من أفعل الرباعي، وإذا تتبعت ذلك وجدتهُ كثيرًا ومنهُ انحجر وانشلى باللام بعد الشين المعجمة، وانشكى بالكاف بعدها، واندمق دخل بغير إذن واندخل وهي من: اشيلته واشكيته وادمقته وأدخلته، لكن قيل لا يلزم من ورودها لازمة أن تكون مطاوعة.”

 

قل: ساغَ لي الشرابُ
ولا تقل: انْساغَ لي الشرابُ

كتب الصفدي: “ويقولون: انْساغَ لي الشرابُ فهو مُنْساغٌ، والاختيار: ساغَ فهو سائِغٌ، كما قال الشاعر:

فساغَ ليَ الشّرابُ وكُنْتُ قِدْماً

أكادُ أغَصُّ بالماءِ الحَـمـيمِ”

وعلق أبو الثناء الآلوسي على هذا فكتب: “ويقولون انساغ لي الشراب فهو منساغ والاختيار ساغ فهو سائغ. وقال سبحانهُ: “لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ” [النحل:66]. ومن حكى أنهُ سمع في بعض اللغات انساغ لي الشراب لا يعتد به. ووجه الامتناع على ما قال ابن بري أن باب انفعل حقهُ أن يكون مطاوعًا لفعل ثلاثي متعد نحو كسرتهُ فانكسر وساغ عنده لازم… ومذهبه أن انفعل يجوز أن يكون مطاوعًا للمزيد لكن لم يعتبره؛ لأنهُ خلاف المعروف والحق جواز ما ضعفهُ. قال الإمام الصاغاني: حكي ساغه فانساغ لغةً فيه أيضاً. وفي النبراس يقال: ساغ الشراب يسوغ سوغاً؛ أي سهل مدخله في الحلق وسغتهُ أنا أسوغه وأسيغه؛ يتعدى ولا يتعدى. والأجود أسغته، وقال ابن دريد في مقصورته:

ومن ما يقتحم العين فإن ذقت جناه انساغ عذبًا في اللهى

وهو أمام ثقة لا يبعد أن يجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه وعدم الاعتداد بكل ذلك مما لا يسوغ لعاقل فضلًا عن فاضل.”

 

قل: الله يَكفيك ويَشفيك
ولا تقل: الله يُكفيك ويُشفيك

كتب الصفدي: “وتقول العامة للمريض: أشْفاك الله. والصواب: شفاكَ اللهُ؛ لأن معنى أشْفاك: ألقاك على شَفا هَلَكة. قلت: وكثيراً ما يقولون: الله يُكفيك ويُشفيك بضم الياء، وهو مقلوب المعنى لأن أكفأت القدر، إذا قلبتها، وأشفيت تقدَّم شرْحُه.”

 

قل: يعمل “شارون” على إقبار الانتفاضة
ولا تقل: يعمل “شارون” على قَبْر الانتفاضة

كتب عبد الهادي يو طالب: “يُستعمَل لفظ قَبْر مضافا إلى الانتفاضة على الشكل التالي: “يعمل “شارون” على قَبْر الانتفاضة” أي إيقافها والقضاء عليها.

وبالرغم من أن المعاجم اللغوية تتحدث عن وجود فعل ثلاثي لهذه المادة: قَبَر / يَقْبُر / قَبْرا، وأنه يستعمل للدلالة على دفن الميت، وعلى إخفاء الأمر حتى لا يبقى له أثر، فإني أفضل أن نترك الفعل الثلاثي للدلالة على دفن الميت، وأن نستعمل للدلالة على إخفاء الأمر الفعل الرباعي: أقبر / يُقبر / إقبارا. فنقول: “أقبر الموظفُ الملفَّ”. ونقول: “هذه القضية أُقْبِرت ولم تعُدْ تُذكَر”. ونقول: “شارون يعمل على إقبار الانتفاضة”.

بهذا التمييز الذي أنصح به يكون لفظ القبْر الدال على مكان دفن الميت مشتقا من الفعل الثلاثي وجمعه قبور. والمقْبَرة: المكان الذي تجتمع فيه القبور مشتقة كذلك من الفعل الثلاثي.

وجاء في القرآن الكريم: “وأن الله يبعث من في القبور”. وقوله تعالى: “ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر”. ومع ذلك يبقى استعمال “أقبر” في الدفن المادي صوابا بمقتضى أنه جاء استعماله كذلك في القرآن: “ثم أماته فأقبره”. ولكني أفضل التمييز بين الكلمات حتى يكون لكل كلمة معنى خاص بها وهذه منهجيتي.

 

قل: إن في الرجل عنينة
ولا تقل: إن في الرجل عنة

كتب الحريري: “ويقولون: بالرجل عنة ولا وجه لذلك، لأن العنة الحظيرة من الخشب، والصواب أن يقال: به عنينة أو عنانة أي تعنين، وأصله من عن، أي اعترض، فكأنه يتعرض للنكاح ولا يقدر عليه، والعرب تسمي العنين السريس كما قال الشاعر:

ألا حييت عنا يالميس ** علانية فقد بلغ النسيس

رغبت إليك كيما تنكحيني ** فقلت بأنه رجل سريس

ولو جربتني في ذاك يوما ** رضيت وقلت أنت الدردبيس”

وأضاف أبو الثناء الآلوسي على ذلك فكتب: “(ويقولون بفلان عنّه) يريدون الداء المعروف ولا وجه لهُ لأنها الحظيرة من الخشب والصواب به عنّينة أو تعنين واصلة من عنّ إذا اعترض فكأنهُ يتعرض للنكاح ولا يقدر عليه، .. حكاه الجوهري وصاحب القاموس فقالا والاسم العنّة وقد قيل أنها لغة ضعيفة ولذا قال أبو حيان التوحيدي في كتاب البصائر فلان عنين بيّن التعنن ولا يقال بيّن العنة كما تقوله الفقهاء فإنهُ كلام مرذول ونقل في شرح الفصيح استعماله وقيل أنهُ مستعار من الحظيرة المانعة على فرض عدم وروده وفي الصحاح: رجل عنين لا يريد النساء بيّن العنّة فعيل بمعنى مفعول وعنّنه القاضي حكم عليه بها وفي المغرب العنة على زعمهم اسم من التعنين وهو الذي لا يقدر على إتيان النساء من العنّة وهي الحظيرة أو من عنّ إذا اعترض لأنهُ يعترض يمينًا وشمالًا ولم أعثر عليها إلَّا في الصحاح.”

 

وفوق كل ذي علم عليم!

وللحديث صلة….

 

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image