نحن العرب: من نحن وإلى أين؟ – الجزء الثالث والعشرون

إلى أين: أخرجوا حلف الأطلسي من أرض العرب -2

انتهيت في الجزء السابق بما يلي: ومن أجل ذلك يجب أن يكون شعار المعركة المقبلة هو: اخرجوا حلف الأطلسي من أرض العرب. فكيف يمكن تحقيق هذا الهدف؟
وكنت أنوي أن أقدم رأيا في أسلوب العمل لإخراج حلف الأطلسي من أرض العرب. لكني رأيت أن أتوقف قليلا عند الحلف وما يعنيه حيث وجدت في صخب أحداث الأسابيع الماضية أن هناك جهلا كبيرا بين الناس في فهم سبب قيام حلف الأطلسي وما خلفه مما يؤدي بدوره الى صعوبة في فهم مشاريع الحلف في منطقتنا.
لست أريد أن ادخل في عرض لتأريخ أوربا التي أنتجت أكبر حروب الزمن القريب وانتهت بمظلة حلف شمال الأطلسي. لكني لا بد لي من تبيان حقيقة مهمة تخص التركيب القبلي والإجتماعي في أوربا. وقد يظن المرء أن الحديث عن التركيب القبلي في أوربا ليس دقيقا لأن أوربا قد تجاوزت ذلك منذ قرون. وقد يبدو ذلك صحيحا على السطح إلا أن التقسيم القبلي في الحقيقة عميق جدا في أوربا وقد تمثل واضحا في تأريخ حروبها في القرنين الماضيين إذا لم نرد أن نبحث في القرون الأبعد.

تتميز أوربا في أنها مسكونة بشكل رئيس من أقوام ينحدرون من عرقين رئيسين وهما القبائل الجرمانية والقبائل السلافية وصبغ هذا التقسيم حدود الصراع في أوربا لقرون. إن هذا لا يعني أن المنحدرين من أصول جرمانية لم يتقاتلوا ما بينهم أو أن المنحدرين من أصول سلافية لم يتقاتلوا ما بينهم. لكن رفض القبائل الجرمانية للقبائل السلافية عمره عمر تأريخ أوربا. وقد كان رفض الجرمان للسلاف خلف أكبر الحروب والخراب في أوربا. وتكفي ثلاثة أمثلة لتوضيح ذلك:

جمع نابليون بونابارت عام 1812 أكثر من خمسمائة ألف جندي بخيلهم ومدافعهم وزحف بهم لإحتلال موسكو، التي تبعد عن باريس قرابة ثلاثة آلاف كيلومتر، بأعذار أوهى من بيت العنكبوت. دحره الروس ولم يعد إلى فرنسا من جيشه غير أربعين ألفاً.

قامت حرب بين روسيا القيصرية والدول العثمانية عام 1853 حول شبه جزيرة القرم. وانضمت فرنسا وبريطانيا بجيش يقرب من ثلاثمائة الف جندي الى جانب الدولة العثمانية الإسلامية ضد روسيا القيصرية المسيحية.

حين تحرك هتلر الجرماني شرقا كان يطمع في خراب روسيا أولا وأخيرا. ولم يكن يطمع في حرب اخوانه من الجرمان في بريطانيا والولايات المتحدة. إنتهت أكبر الحروب ضد السلاف بانتصار روسيا لكن بعد خرابها ومقتل خمسة وعشرين ألف ألف من أهلها.

وهذه ليست سوى أمثلة لحقيقة عمرها عمر أوربا تمثل حقيقة واحدة وهي رفض القبائل الجرمانية للقبائل السلافية وذلك بعدم السماح لهم بتكوين دول مستقلة متطورة فإذا رفضوا الإنصياع كان رد فعل الجرمان غزوهم أو خلق المتاعب لهم لشغلهم ومنعهم من التطور والتقدم. وهكذا يفهم العداء لروسيا، وهي مركز السلاف. ويتبين من هذه الأمثلة أن العداء قائم مهما كان النظام السياسي فهم كانوا ضد روسيا القيصرية وضد روسيا الشيوعية وهم اليوم ضد روسيا الرأسمالية.

وهكذا يفهم سبب قيام حلف شمال الأطلسي فهو لم يقم، كما يدعون، للدفاع وإنما هو حلف عدواني. وكان الهدف الأول هو احتواء روسيا وتهديدها واجبارها على التسلح لإستنزافها وتحجيم امكانيتها على التطور الإقتصادي. وقد زعمت القبائل الجرمانية انها أنشأت الحلف لمواجهة الخطر الشيوعي ولحماية “الديموقراطية” في الغرب. لكن هذا الإدعاء تهاوى بعد سقوط الشيوعية في روسيا وحلفائها. فما الذي فعل الحلف؟ فلو كان حقا قد قام للدفاع أمام خطر مزعوم فقد وجب أن يحل نفسه بزوال ذلك الحظر. لكن الذي حدث هو أن الحلف توسع في شرق أوربا ليصل لحدود مركز (السلاف) في روسيا بعد أن دمر صربيا السلافية.

ولعل السؤال الذي يعجز الحلف عن الإجابة عليه هو متى كان الحلف دفاعيا؟ وأية عملية قام بها كانت دفاعية في حقيقتها؟ أغزو صربيا وخرابها كان دفاعا عن الحلف؟ أكان احتلال أفغانستان دفاعا عن دول الحلف؟ أم كان غزو العراق واحتلاله وتسليمه للصوص دفاعا عن دول الحلف؟ أم كان خراب ليبيا وتشظيتها دفاعا عن دولة من دول الحلف؟ أم ان وجود قوات من حلف شمال الأطلسي شرق سورية، والتي تسرق نفط سورية وقمحها، هو جزء من الطبيعة الدفاعية للحلف؟ أم ان تسليح الحلف الأعمى للسعودية ودويلة الإمارات لقتل أطفال اليمن هو دفاع عن الحلف من خطر غزو أطفال اليمن لأوربا؟

إن هذا العرض الموجز يكشف بما لا يقبل الشك ان الهدف الحقيقي لوجود حلف شمال الأطلسي هو هيمنة القبائل الجرمانية، ومن يحتمي بها، على أوربا وما أمكن من العالم ومصادر الطاقة فيه. وهذا هو السبب الذي يجب أن يدفع العرب لإخراج حلف شمال الأطلسي من أرضهم.

ولا يمكن أن يغيب عن العربي أن ينتبه الى أن الأنكلو ساكسون (وهم الناطقون بالإنكليزية في بريطانيا والولايات المتحدة وكندا واستراليا ونيوزيلنده)، والذين يقودون القبائل الجرمانية اليوم، فعلوا ويفعلون ما نشهده بحق ابناء عموتهم من القبائل السلافية، فما تراهم يفعلون بالقبائل العربية التي يعدونها في أسفل السلم البشري، كما فعل زعيمهم الجرماني هتلر، إذا هي لم تسلم بالولاية المطلقة للهيمنة الأنكلوساكسونية والتي تتحكم بها اليوم الرأسمالية الصهيونية.

ولا بد في هذا السياق من التعليق على اللغو الكبير حول ما يصفه الإعلام العربي بأنه ازدواجية المعايير في عالم الأنكلوساكسون وذلك في تغطيته المضخمة لما يجري في أوكرينيا وصمته المطبق عما جري ويجري في فلسطين واليمن. فالحقيقة هي أنه ليس هناك ازدواجية في المعايير إنما هي خلق هذا الأوربي الذي ينظر للباقين نظرة مختلفة عن نظرته واحتسابه لنفسه ومن يعدهم من نفسه. فهو لديه معيار واحد لنفسه وما دون ذلك لا يقيم له معياراً، ذلك أن هذا الأوربي يعد نفسه العالم ويشير لها بأنها “المجتمع الدولي” وما سواه فلا قيمة له. وهكذا فليست هناك ازدواجية معايير!

سأحاول في الجزء القادم أن أكتب عن السبل التي أقترحها من اجل العمل على إخراج حلف شمال الأطلسي العدواني من أرض العرب بعد أن كنت قد بينت في الجزء السابق وفي هذا الجزء ضرورة ذلك لديمومة الأمة ومستقبلها.

فللحديث صلة…..
عبد الحق العاني
لندن في 10 نيسان 2022

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image