قل ولا تقل / الحادية والخمسون بعد المائة

 إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟

 

قل: أوكلت إليه مُهِمَّةٌ من المُهِمَّات

ولا تقل: أوكلت إليه مَهَمَّةٌ من المَهَمَّات

لا شك أني لست وحدي الذي يسمع المذيعة وهي تقول “مَهَمَّة” تريد “مُهِمَّة”. وفي ذلك كتب الدكتور عبد الهادي بو طالب:

“بدأ يشيع في لغة الإعلام ضبط الميم بفتحها في كلمة مُهِمّة وفتح الهاء (مَهَمَّة) والصواب ضم الميم وكسر الهاء (مُهِمَّة). وهي مؤنث مُهِمّ. إذ نقول “أمر مُهِمٌّ”، و”قضية مُهِمَّة” وفعلها رباعي (أَهَمّ) وهو مُتعَدٍّ يتطلَّب مفعولا به. نقول : “أهمَّه الأمرُ” أي أخذ باهتمامه “أهَمَّ المعلّمَ (مفعول به مقدم) شأْنُ (فاعل مؤخر) تلميذِه فأعطاه عناية خاصة”. ونقول “مُهِمَّة التعليم حرفة شريفة”. و”مُهِمّة الصحافة أصبحت خطيرة”. ونجمع المُهِمّة على مُهِمَّات (جمع المؤنث السالم)، أو على مَهامّ (جمع تكسير). ونقول:”مَهامّ الأمور”. و”مَهامّ الحكومة”. و”مَهامّ المنصب الحكومي”.

ونقول:”فلان مكلف بمُهِمّة في ديوان الوزير”. و”بعثه الوزير في مُهِمّة”. و”جاءت البعثة في مُهِمّة استطلاعية”. أو”حضرت اللجنة للقيام بمُهمَّة تحقيق”.
أما المَهمّة على وزن مَفْعَلَة وتجمع على مَهَمَّات، فتعني موضع الاهتمام والقصد. ونقول “هذه القضية لا مَهَمَّة لي بها” أي ليست من اهتماماتي، ولا مما يشغلني، أو لا غرض لي بها، ولا أقصدها أو أرغب فيها.”إنتهى

وقد ذكرت أنفاً ما كتبه صاحب القاموس:“وهَمَّه الأَمْرُ هَمّاً ومَهَمَّةً: حَزَنَه”، فيكون من معاني “مَهَمَّة” الحزن. وكتب إبن منظور في باب “كود”: “ويقال ولا مَهَمَّة لي ولا مَكادة أَي لا أَهُمُّ ولا أَكادُ”. وهي ليس ما تريده المذيعة في تكليف المسؤول بمهمة.

 

قل: فلسطين السليب والبلاد السليبة

ولا تقل: فلسطين السليبة

كتب مصطفى جواد: “وذلك لأن الصفة التي على وزن فعيل بمعنى مفعول إذا بقيت  على الوصفية والإفراد فإنها لا تحتاج الى علامة التأنيث بل تبقى مشتركاً فيها المذكر والمؤنث، تقول: “الفتاة الطريد والمرأة الجريح والمدينة السليب” بمعنى المطرودة والمجروحة والمسلوبة. وكذلك يكون حالها إذا كانت بمعنى فاعل نحو “الأم الرؤوم” أي الرائمة والأم الحنون أي الحانة والمرأة الصبور أي الصابرة، وقد ذكرنا في موضع آخر ما شذ من هذه القاعدة العامة كقولهم عدوّة وجسورة وغيرهما. والسبب في ترك التأنيث هو أن الصفة القديمة في اللغة العربية تلزم حالة واحدة، ولما تطورت اللغة احتاجت الى التأنيث لدفع الإلتباس. وأنا ممن يودون أن يقال “المرأة السليبة” إلا أن القاعدة العربية تمنع من ذلك، وتوجب أن يقال “المرأة السليب” وتطوير القواعد العربية ينبغي أن يعتمد على اتفاق المجامع اللغوية العربية، هذا وعند الجمع يقال “البلاد السليبة” و “الأخلاق الحميدة” والتاء في السليبة والحميدة هي تاء الجمع، وإن كانت مشعرة بالتأنيث فهي كتاء المعتزلة والمارة والنظارة والسابلة والناقلة والجالية والقافلة والأيام المعدودة.”

 

قل: فلان يكافح الصهيونية ويحاربها

ولا تقل: فلان يكافح ضدَّ الصهيونية ويحارب ضدّها

فكتب مصطفى جواد: ويستعلمون “الضِدَّ” منصوبا دائماً كأنه ظرف منصوب على الظرفية، ويقولون ذلك اتباعا للإفرنج الإنكليز “أكينست” والفرنسيين “كونتر”. والضد في العربية صفة حشرها التطور مع الأسماء وهي مشتقة من “ضادّه يُضادّه مضادّةً و ضداداً أي خالفه”. ثم اشتق منه صفة انتقلت الى الإسمية أيضاً وهي “ضديد” وهاتان الصفتان المنتقلتان الى الأسماء قياسيتان عندي من كل “فاعل يفاعل” بحسب الحاجة اليهما، وعدم الإلتباس في استعمالهما وثبوت الوصف فيهما، كالشبه والشبيه والمثل والمثيل والند والنديد وما لا يأتي عليه الإحصاء فكيف يكون الإسم المعرب كسائر الأسماء مقصوراً على الظرفية منصوباً أبداً؟

فالصواب إعرابه بأنواع الإعراب الثلاثة للأسماء وتثنيته وجمعه فيقال “هذا تلقيح ضِدُّ الجدري” برفع ضد أي ضم الدال، و “بدؤوا تلقيحاً ضِدَّ الجدري” بنصب ضد و “ابتدؤوا بتلقيحٍ ضدِّ الجدري” بجر الضد و “هذان تلقيحان ضدّا المرضين” و “هذه تلقيحات اضداد الأمراض المتوطنة”.

وأقبح مما ذكرنا قولهم “فلان يحارب ضِدَّ الإستعمار” وأمثاله، فيعكس المعنى عليهم، وينطقون بضد ما يريدون. لأن معنى “يحارب ضد الإستعمار” هو “يحارب مخالف الإستعمار” فهو مؤيد إذن للإستعمار فتأمل الجهل كيف يجعل الإنسان ينطق بخلاف ما يريد من المعاني لسوء الترجمة من اللغات الإفرنجية! 

ويقولون “لفق ضدّه كذا وكذا” اي اختلق وزوّر، وهو تعبير فاسد منظور فيه الى اللغتين الإنكليزية والفرنسية المقدم ذكرها، والصواب عند العرب “لُفّق عليه” مثل “زُوِّر عليه” و”اختُلق عليه” و”وُلّد عليه”، فالصواب وضع “عليه” موضع “ضده” في هذا التعبير وأمثاله. 

ونحن إنما ذكرنا مثالاً فالنبيه يقيس على المثال فلا يقول ” فلان يدافع ضدّ المتألبين عليه” لأنه بمعنى ينصرهم ويؤيدهم بل يقول “يدافع المتألبين”. ومن الوكلاء، أي المحامين، عند أهل العصر من اقتبس التعبير الفرنسي ويقول “أنا أدافع فلاناً في المحكمة” وهو يريد “أدافع عن فلان” والعبارة الأولى تفيد ضد ما يريد، فإنه إذا دافع موكله فقد نصر خصمه عليه، واصل العبارة المختصرة الصحيحة: “دافع عن فلان” هو “دافع عن فلان خصمه” ولكون الخصم معلوماً في هذه العبارة استغني عن ذكره كما يقال “حافظ عليه” وأصله “حافظ المعتدي عليه” أي غالبه في الحفظ. 

 

قل: خرج فلان عن القانون أو حاد عنه أو عدل عنه أو تنكّب عنه نكوباً أو نكّب تنكيباً أو تنكّبه تنكّباً

ولا تقل: خرج على القانون

وكتب مصطفى جواد: وذلك لأن الخروج يستلزم استعمال حرف المجاوزة والمجانبة والإبتعاد وهو “عن” أما “على” فتستعمل في مثل “خرج فلان على الدولة” أي ثار عليها ووثب بأصحابها، ومن ذلك اسم الخوارج وهم الذين خرجوا على الدولة الإسلامية في خلافة الإمام (ع).

ومن شواهد استعمالهم “خرج عنه” بمعنى حاد عنه ما جاء في كليلة ودمنة من أقوال ابن المقفع الكاتب البليغ المشهور، كقوله “وما هو عليه من الخروج عن العدل”. وما ورد في تجارب الأمم للفيلسوف المؤرخ الأديب مسكويه، وهو قوله “تقدم الجيش البختياري…. زحفاً بغير أمر، وفارق المصاف وخرج عن النظام”. وجاء في العقد الفريد: “فطرب القوم حتى خرجوا عن عقولهم.”

ولا يقتصر الخطأ في قولهم “خرج فلان على القانون” على مخالفة التعبير الصحيح، بل يفيد عكس المراد لأن معنى “خرج فلان على القانون” هو سيره على حسب ما يوجبه القانون. قال الشريف الرضي في الكلام على الحديث النبوي الشريف الخاص بالخيل ومنافعها “ظهورها حرز وبطونها كنز”: “وهذا القول خارج على طريق المجاز”. يعني أنه سائر في طريق المجاز، وظاهر على طريق المجاز”.

فقل: خرج عن القانون أو حاد عنه أو عدل عنه أو نكب عنه أو نكَّب عنه أو تنكَب عنه. 

 

قل: استُشهدَ فلان في الحرب

ولا تقل: استَشهد فلان في الحرب

فكتب مصطفى جواد: أي قُتل شهيداً ورُزق فيها الشهادة، فهو من الأفعال المبنية للمجهول، كقولك “احتُضر فلان” إذا حضره الموت. و “استُلحم” إذا نشب في الحرب فلم يجد مخلصاً، و “ارتُث فلان” إذا حُمل من المعركة رثيثاً أي جريحاً وبه ورق، و “استُهتر بالشيء” إذا أولع به لا يتحدث بغيره ولا يفعل غيره، و “استُغرق في الضحك” إذا بالغ فيه، و “استُطير” إذا ذُعر و رُعب. 

 

قل: أعدت إسرائيل لحرب فلسطين عُدّتها

ولا تقل: أعدت إسرائيل لحرب فلسطين عِدّتها

وكتب عبد الهادي بوطالب: “كثيرا ما يقع الخلط بين الكلمتين خاصة في المشرق العربي. ولكل منهما معناه. فالعُدَّة (بضم العين) هي الاستعداد، أو ما يُعَدُّ (أي : يُهيّأ) لأمرٍ ما. وقد امتد هذا المعنى إلى ما يُعَدُّ للحرب من أسلحة وعَتاد وتجهيزات. ونقول: “كان العدو أكثر منا عَددا وعُدَّة”. وما لا بد أن يتوفر عليه أصحاب المهن لإنجاز عملهم من أدوات هو أيضا العُدَّة: “عُدَّة النجار والحداد”. ومن هنا جاء التعبير المشهور : “أَعِدَّ للأمر عُدّته” بضم العين، أي هيِّئْ ما يلزم للأمر. وسمعت في بعض المحطات الفضائية: “أعدت إسرائيل لحرب فلسطين عِدّتها” بكسر العين وهو خطأ.
إذ العِدَّة بكسر العين هي مقدار ما يُعَدّ، أي العدد أو المقدار : “كانت عِدَّة العصابة المجرمة كبيرة”. أو نقول : “لا نعلم بالضبط عِدَّتهم” فتأتي بمعنى العدد المبهَم.

والعِدّة شرعاً هي المدة التي حددها الشرع للمرأة لتبقى بدون زواج “نقول عِدّةَ المطلقة”. و”عِدّة من توفَّى عنها زوجها” و”عِدّة الحامل وضع حملها”.
وفي القرآن الكريم جاء ذكر العُدة (بضم العين) في قوله تعالى: “ولو أرادوا الخروج لأعَدُّوا له عُدة”. كما ورد ذكر العِدة (بالكسر) بالمعاني التي أشرنا إليها  في قوله تعالى “فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعِدَّةٌ من أيام أُخَر” وفي قوله : “إذا طلّقتم النساء فطلِّقوهنّ لعِدَّتهنّ وأحْصُوا العِدّة”. 

ولنضف هنا ونحن نتحدث عن عبارة “أعد للأمر عُدته” عبارةً تشابها يقع فيها الخطأ أيضا هي: أعدّ للأمر أُهْبَتَه لا أَهِبّته. 

فعل تأهَّب يعني استعدّ. فنقول: “استعدَّ للأمر أو تأهَّب له”. ونقول: “فلان يتأهَّب لسفر طويل”. ومصدره التأهُّب. ونقول إن الجيش في حالة تأَهُّب (أي استعداد) للحرب والأُهْبة (بضم الهمزة وسكون الهاء) هي الاستعداد. وكما نقول: “أخذ للأمر عُدّته”. نقول “أخذ للأمر أُهْبَته”.
وتعني الكلمة الاقتراب من الموعد المحدد: “فلان على أُهْبَة سفر”. أي على وشك أن يسافر. وتجمع الأُهْبَة (جمعا قياسيا) على أُهَب. وجاء هذا الجمع في بيت شعر لابن الرومي هجا به طالبا خطف طفلا فقال:
رَوَّع طفلا لم يكن ترويعُه/ من المداراة ولا أَخْذ الأُهَب”

 

قل: نفى الفلسطينيون مسؤوليتهم عن القتال بحجة أن إسرائيل كانت المعتدية
ولا تقل: نفى الفلسطينيون مسؤوليتهم عن القتال بدعوى أن إسرائيل كانت المعتدية


وكتب عبد الهادي بوطالب: “وتستعمل الكلمتان أحيانا في معنى واحد، بينما لكل منهما دلالة خاصة. الدعوى – مَثَلها مَثَل التهمة – تحتمل الصدق والكذب إلى أن يقوم الدليل على ثبوت واحد منهما.

أما الحجة فتعني التأكد من الأمر. فهي في مقابل الدعوى والادعاء. لكننا نسمع ونقرأ هذين التركيبين المستعملين من البعض في غير معنَيَيْهما، كأن يقال: “نفى الفلسطينيون مسؤوليتهم عن البدء بإطلاق النار بدعوى أن إسرائيل كانت هي البادئة بالعنف” و”نفت إسرائيل عن نفسها هذه الدعوى بحجة أنها إنما لجأت إلى إطلاق النار دفاعا عن النفس” ولو وضعت كلمة “بحجة” بدلا عن “بدعوى” في الجملة الأولى ووضعت كلمة “بدعوى” عوضا عن “بحجة” في الجملة الثانية لكان ذلك أنسب، إذا كان الإعلام ملتزماً منضبطاً بتأييد الفلسطينيين وعاملاً على ترويج خطابهم بصدق وأمانة.”

 

عبد الحق العاني

 

15 تشرين الثاني 2023

www.haqalani.com

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image