قل ولا تقل / الحلقة الخامسة

قل: دَحَرنا جيش العدو فجيش العدو مَدْحُور

ولا تقل: إنْدحَرَ جيش العدو فهو مُندَحِرٌ

وذلك إذا كان هزْمه وكسْره ناشئاً عن حرب، وخسرانه في الحرب. وهو من باب المجاز. قال مؤلف لسان العرب نقلا: ” دحره يدحَره دحْراً ودحوراً، دفعه وأبعده… والدَّحرُ: تبعيدك الشيء عن الشيء…. والدحر: الدفع بعنف على سبيل الإهانة والإذلال، وفي الدعاء: اللهم ادحر عنا الشيطان، أي ادفعه واطرده ونحِّه، والدحور: الطرد والإبعاد، قال الله عز وجل: “اخرج منها مذؤوماً مدحورا أي مقصىً وقيل مطروداً” انتهى.

والفصيح أن يقال: كسرنا جيش العدو أو هزمناه أو شتتنا شمله أو فللناه، ومع هذا فقد شاع في العصر الحاضر “دحرنا جيش العدو” أي دفعناه بعنف وطردناه. أما “اندحر” فلم يرد في كتب اللغة، ولكننا ينبغي لنا أن لا نكون جامدين على النصوص اللغوية، فلغتنا العربية الزاهرة الباهرة قياسية اشتقاقية، وقد ذكرنا في كلام لنا أن “انفعل” في اللغة يصاغ لرغبة الفاعل في الفعل، إرادية كانت كانصرف وانطلق وانحاز وانضمَّ، أو طبيعية كانجاب الغيم وانقشع واندفن النهر لا بتأثير مؤثر الخارج، وهو ما سموه “المطاوعة”، ونحن لا نطاوعهم فيها. فعلى هذا يجوز اشتقاق”اندحر” بمعنى انهزم وانكسر، أي هرب من ساحة الحرب بغير قتال جبنا وفشلاً وخيوماً.

 أما إذا أردنا “اندحر” من الدحر الذي هو الطرد الحقيقي العنيف فلا يجوز اشتقاقه لأن الإنسان لا يرغب في أن يكون طريدا ولا يريد ذلك. ألا ترى ان الفصحاء لا يقولون “انطرد فلان” كما يقولون “انصرف وانطلق واحاز وانضم”، فرغبة الفاعل وإرادته وميله الطبيعي أو شبهه يجب أن تكون متوفرة في الفعل. جاء في لسان العرب: “ويقال طردت فلاناً فذهب ولا يقال فاطّرد، قال الجوهري: ولا يقال من هذا انفعل ولا افتعل إلا في لغة رديئة” انتهى.

ذكر ذلك ولم يذكر السبب المانع من القياس، ثم قال قي مادةخ س أ: “وخسأ الكلب يخسؤه خسأً أو خسوءاً فخسأ وانخسأ: أي طرده قال (الشاعر) كالكلب إن قيل له اخسأ انخسأ، أي ان طرته انطرد”، استعمل “انطرد” مع أنه قال في مادة ط ر د: انه لغة رديئة”.

والصحيح ان “انطرد” و “انخسأ” من اللغة الرديئة ولا يستعملان إلا عند الضرورة كضرورة الشعر والسجع، لأن المنطرد والمنخسئ لا يريدان الإنطراد ولا الإنخساء، وليسا من الأمور الطبيعية لهما.

وخاتمة القول أنه لا يقال: اندحر جيش العدو، إلا إذا هرب قبل القتال فشلاً خائباُ خائراً. (م ج)

 قل: يتسابق فلان وفلان

ولا تقل: يتسابق فلان مع فلان

من العبارات التي صرنا نسمعها كثيراً قول بعضهم “يتسابق فلان مع فلان” و “يتجاذب فلان مع فلان أطراف الحديث”. وهذا أسلوب ركيك بعيد عن الفصاحة جدا، ووجه الركاكة استعمال “مع” عوضاً عن “الواو” فالصواب أن نقول: “يتسابق فلان وفلان” و “يتجاذب فلان وفلان أطراف الحديث””.

فصيغة “تفاعل” من صيغ المشاركة وصيغ المشاركة تقتضي تعديد الفاعل، أي أن يقوم بالفعل المذكور فاعلان أو أكثر فالتسابق مثلاً يحتاج كي يحدث الى فاعلين أو أكثر وكذلك التجاذب.

والقاعدة المعروفة أنه إذا كان الفاعل في هذه المشاركة مفرداً في اللفظ والمعنى وجبت بعده الواو، كما في الأمثلة السابقة، وقد يأتي الفاعل مجموعا في لفظ واحد كما في: يتسابقان ويتسابقون، ففي الأول الفاعل ألف الأثنين وفي الثاني واو الجماعة.

ومعروف أن “مع” لا تفيد معنى المشاركة وتختص الواو بذلك فقط كما يقول ابن هشام في مغني اللبيب في ما تنفرد به الواو عن سائر الحروف العطف: “التاسع: عطف ما لا يستغنى عنه كاختصم زيد وعمرو واشترك زيد وعمرو”. (خ ع )

 قل: المترفون والإتراف

ولا تقل: الأرستقراطيون والأرستقراطية

وذلك لأن “الإتراف” هو أشبه الكلمات العربية بالكلمة اليونانية الطويلة الثقيلة “أرستقراطية”.

جاء في الصحاح: “أترفته النعمة: أطغته”، ومن المعلوم أن مصدر “أترفه” هو “الإتراف” ومصدر “أطغته” هو “الإطغاء”.

وجاء في لسان العرب: “وفي الحديث: أَوْهِ لفِراخِ محمدٍ من خليفة يُسْتَخْلَفُ عِتْريفٍ مُتْرَفٍ؛ الـمُتْرَفُ: الـمُتَنَعِّمُ الـمُتَوَسِّعُ في مَلاذِّ الدنيا وشَهواتِها.
وفي الحديث: أَنَّ إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، فُرَّ به من جَبَّارٍ مُتْرَفٍ. ورجل مُتْرَفٌ ومُتَرَّفٌ: مُوَسَّعٌ عليه. وتَرَّفَ الرجلَ وأَتْرَفَه: دَلَّلَه ومَلَّكَه.
وقوله تعالى: إلا قال مُتْرَفُوها؛ أَي أُولو الترفةِ وأَراد رؤساءَها وقادةَ الشرّ منها….. والـمُتْرَفُ: الذي قد أَبْطَرَتْه النعمةُ وسَعة العيْشِ.
وأَتْرَفَتْه النَّعْمةُ أَي أَطْغَتْه.” إنتهى النقل من لسان العرب. وتمام الحديث الخاص بابراهيم “يقتل خَلَفي وخَلَف الخَلَف”.

فأنت ترى أن الحديث جمع المترف مع الجبار تارة ومع العتريف تارة أخرى والعتريف هو الغاشم الظالم والخبيث الفاجر الذي لا يبالي ما صنع. وفسر الإتراف بالتدليل والتمليك وما في القرآن الكريم من ذكر “المترفين” يؤيد رأيي في أن الأرستقراطي هو “المترف” بالعربية. قال تعالى:” وأصحاب الشمال ما اصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين وكانوا يصرون على الحِنث العظيم”. وقال تعالى: ” وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين”. وقال عز من قائل: “وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ”. وقال تعالى: “وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا”. وقال: ” حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون”. إلى أن قال: “فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامراً تهجرون”.

والأرستقراطية كلمة يونانية مركبة من لفظين هما “أرستوي” أي العظماء و “كراتوس” أي السلطان، فمعناهما “سلطان العظماء” و “سلطة الكبراء” و “قدرة العظماء” و “حكم الكبراء”. هذا هو اصلها ثم استعملت لحكم العظماء أو الأغنياء أو طبقة متميزة تكتسب بالنسب أو الغنى أو الأهلية.

فقل: مترفون وأتراف. ولا تقل: أرستقراطيون وأرستقراطية. (م ج)

قل: هذه أمور تدبيرية

ولا تقل: هذه أمور لوجستية

فقد شاع في الإعلام العربي خلال العقود القليلة الماضية استعمال كلمة “لوجستية”، حتى انك لا يمكن أن تسمع خبرا أو تحليلا سياسيا أو عسكريا دون أن يستعمل المذيع أو الكاتب أو المحلل هذه الكلمة مرة أو مرات. ولا أغالي إذا قلت أني لست وحدي من يعتقد أن بعض الذين لا يعرفون معنى الكلمة يستعملونها إستعمالات غريبة فكأنها أصبحت غطاءً لعجز في التعبير! وحيث إن الكلمة أعجمية المصدر فلننظر معناها في الأصل وما يمكن أن يعبر عنها في لغة القرآن.

إن لفظة “Logistics”  الإنكليزية والتي دخلت التداول في نهاية القرن التاسع عشر اشتقت من الكلمة الفرنسية “Logistique”. وهي بدورها مشتقة من الكلمة اليونانية “لوغستكوس” وتعني الحساب. وأول إستعمال لها كان في المجال العسكري حيث دلت على عمليات تجهيز الجيش لنفسه بالسلاح والذخيرة والأرزاق أثناء إنتقاله من قاعدته الى موقع متقدم. إلا أن إستعمال الكلمة توسع حتى أصبح المعنى كما يورده اليوم قاموس أوكسفورد على أنه :”التنظيم والتنفيذ التفصيلي لعملية معقدة”. وحيث إن من المعقول أن نفترض أن المحللين والكتاب العرب، ما داموا قد استعاروا الكلمة من اللغة الإنكليزية،  لا بد أنهم يستعملون لفظة “اللوجستية” بالمعنى الذي يحدده قاموس أوكسفورد فلنبحث عن كلمة أو عبارة عربية تعطي هذا المعنى وتغني عن استعمال اللفظ الأعجمي.

ولما كنت أعترف بجهلي بما كتبه المؤرخون العرب السابقون مما يمكنني أن استعير ما استعملوه للدلالة على هذا المعنى والذي لا اشك أنهم كتبوا عنه حين كتبوا عن حروب المسلمين وما تطلبته من إمداد وتجهيز، لذا فإني أعتمدت كتاب الله للبحث عن كلمة تعطي معنى قريبا من الإستعمال الإنكليزي أعلاه. فاهتديت الى استعماله تعالى للفعل “يدبر” كما في قوله عز من قائل:

إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ‌ٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ ٱلْأَمْرَ ۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ إِذْنِهِۦ ۚ ذَ‌ٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (يونس/3)

قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَـٰرَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَىِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (يونس/31)

ٱللَّهُ ٱلَّذِى رَفَعَ ٱلسَّمَـٰوَ‌ٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍۢ تَرَوْنَهَا ۖ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ ۖ كُلٌّۭ يَجْرِى لِأَجَلٍۢ مُّسَمًّۭى ۚ يُدَبِّرُ ٱلْأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلْءَايَـٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (الرعد/2)

فوجدت أن استعماله تعالى لجملة “يدبر الأمر” مجز لمعنى “اللوجستية” التي عرفها قاموس أوكسفورد في أنها تنظيم وتنفيذ لعملية معقدة.

فإذا قال قائل إن كلمة “تدبيرية” لا تغطي بالكامل معنى “اللوجستية” فإن الرد على هذا يأتي في بابين. أولاهما ان اي لفظ عربي يوقع في الأذن العربية أثراً أكبر مما يوقعه أي لفظ أعجمي. وثانيتهما ان إشتقاق إو إستعارة كلمة جديدة لا يشترط فيه أن يغطي بالكامل المعنى المراد ما دام يدل على المطلوب حيث يكفل الإستعمال المتواتر بعد ذلك تحقق المعنى المطلوب.

فلا تقل: لوجستية، وقل: تدبيرية. (ع ع)

قل: إحتفل أهل العراق عربهم وأكرادهم وتركمانهم

ولا تقل: عرباً وأكراداً وتركماناً

لأن “عرباً” في قولهم عرباً وأكراداً حال. والعرب جيل من الأجيال الكبيرة الشهيرة والحال من اسم الجيل لا تجوز وإنما الحال لمتبدل الأحوال. فإن عددت العرب حالاً هنا جاز أن يكونوا هم أنفسهم “غير عرب” في موضع آخر كما تقول: “جاء فلان راكباً فرساً” فإنه يجوز أن يكون في موضع آخر ووقت آخر “جالساً أو نائماً أو ماشياً”، فهذه صفة الحال.  والصواب إعراب هذه الأسماء وأمثالها على البدلية تقول: “احتفل أهل العراق عربهم وأكرادهم وتركمانهم. ولا يجوز أن تقول “عرباً وأكراداً وتركماناً” لأن العرب لا يتبدلون بغير العرب والأكراد لا يصيرون قوماً آخرين والتركمان لا ينقلبون عرباً ولا أكراداً ولا غيرهم، وهذا واضح لكل ذي عقل سليم. (م ج)

 قل: فلان مُغترض

ولا تقل: فلان مُغرض

لننظر ما معنى المُغرض عند فصحاء العرب. جاء في لسان العرب: “وأَغْرَضْتُ البعير: شَدَدْت عليه الغَرْضَ – يعني حزام الراحل -….وغَرَضَ الحوْضَ والسِّقاءَ يَغْرِضُهما غَرْضاً: مَلأَهُما؛ قال ابن سيده: وأَرى اللحياني حكى أَغْرَضَه… والغَرَضُ الضَّجَر والملالُ…. وغَرِضَ منه غَرَضاً، فهو غَرِضٌ: ضَجِرَ وقَلِقَ، وقد غَرِضَ بالمُقامِ يَغْرَضُ غَرَضاً وأَغْرَضَه غيره….. وأَغْرَضْتُ للقوم غَريضاً: عَجَنْتُ لهم عجيناً ابْتَكَرْتُه ولم أُطْعِمهم بائِتاً.”

فالمغرض هي شاد الغَرْض اي حزام الراحل، أو المالئ أو المضجر أو العاجن، وكل هذه المعاني بعيدة عن “إتخاذ الغرض” أي الهدف. وجاء في لسان العرب “واغترض الشيء: جعله غرضه” أي هدفه والغرض أيضاً الحاجة والبغية. ومما يستغرب شيوع “المغرض” مع أنها لم تقض الغرض والعزوف عن المغترض الذي هو الكلمة الصحيحة الفصيحة. (م ج)

 

وللحديث صلة….

عبد الحق العاني

1 تموز 2013

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image